«وإننا لندعو الحكومة المقبلة لأن تُسارع إلى بلورة مخطط استعجالي، لتعزيز ما تم تحقيقه، وتدارك ما فات»، هكذا وصف الملك في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة افتتاح السنة الأولى من الولاية التشريعية الحالية في خريف سنة 2007، الإجراءات الجديدة التي ينبغي القيام بها في مجال التعليم، وهو ما استهلت به وزارة التربية الوطنية مشروع مخططها الاستعجالي لإصلاح القطاع، والذي صدر بعد الخطاب الملكي بأقل من ثلاثة أشهر فقط، أي في دجنبر سنة 2007، حين أورد مقتطف الخطاب في ديباجته، المؤكدة على أن التصريح الحكومي للوزير الأول في أكتوبر من نفس السنة يعتبر «مرجعا أساسيا» تؤكد الحكومة من خلاله التزامها في إطار برنامج عمل بدعم إصلاح المنظومة التربوية، طبقا لمقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين. إنه الإصلاح الذي ترى الوزارة، من خلال ديباجة المخطط دائما، أنه سيتم من خلال محورين أساسيين، أولهما إعداد برنامج استعجالي للرفع من وتيرة الإنجاز في بعض المجالات، يحترم زمن الإصلاح الجاري، وسيتأتى هذا بوضع وتنفيذ «خطة استعجالية» هدفها نشر التعليم وتعميمه وحسن تدبير النظام التربوي وترسيخ وتفعيل مدرسة الجودة، وتعميق انخراط الفاعلين والجماعات المحلية والمقاولات، وثانيهما يتجلى في بلورة إستراتيجية وطنية لتطوير منظومة التربية والتكوين لتلبية حاجيات الإقلاع الاجتماعي والاقتصادي. بيد أن العاملين في قطاع التربية والتعليم يرون أن المخطط أو البرنامج الاستعجالي، الذي جاء في سياق سلسلة من الإصلاحات لم تؤد إلا إلى «نتائج كارثية»، بحسب وصف فاطنة أفيد الكاتبة العامة للمنظمة الديمقراطية للتعليم، وأنه مخطط يخدم «النيوليبرالية» ورأسمال القطاع الخاص، أكثر مما يخدم أبناء الشعب وهذا ما يتجلى بالأساس في العمل على خوصصة المدرسة العمومية وتسليع القطاع، تقول أفيد في تصريحها ل«المساء»، قبل أن توضح أكثر بأن الكتاب المدرسي تم تفويته للشركات التي تضارب فيه بشكل يضرب القوة الشرائية لأبناء معظم شرائح الشعب المغربي، وكذلك الشأن بالنسبة لرجال ونساء التعليم الذين تعمل الوزارة الوصية على المس بأوضاعهم بالإضافة إلى التوظيف بعقود، تماما كما تفعل شركات القطاع الخاص. وتقر الحكومة أن البرنامج الاستعجالي، الذي حددت الفترة الممتدة ما بين 2009و2001 لتطبيقه، هو «برنامج مؤقت وغير نهائي في انتظار إصدار برنامج شامل ودقيق يستجيب إلى الرهانات الحالية والتطلعات المستقبلية». ويهدف البرنامج من بين ما يهدف إليه، في إطار ما وصفها أهدافا استراتيجية للوزارة، إلى تعميم التعليم الأولي بالنسبة لأطفال الفئة العمرية 4/5 سنوات، وتركيز مجهودات الدولة على المناطق القروية والشبه حضرية والمناطق ذات الساكنة الفقيرة، وتعميم التعليم الابتدائي للفئة العمرية، وتأمين دعم وتوسيع المعارف المكتسبة بالتعليم الأولي لدى تلاميذ السلك الأول من التعليم الابتدائي ومراعاة تكافؤ الفرص في تهيئتهم لمتابعة دراستهم بالأطوار اللاحقة من التعليم، وتمكين 90 في المائة من الأطفال المسجلين بالسنة الأولى من التعليم الابتدائي من الوصول إلى السنة الأخيرة من المدرسة الابتدائية وتقليص نسب التكرار والانقطاع، وتعميم تمدرس أطفال الفئة العمرية 12/14 سنة، وكأهداف خاصة يهدف مخطط الوزارة إلى تمكين 80 في المائة من الأطفال المسجلين بالسنة الأولى من التعليم الابتدائي من بلوغ السنة الثالثة من التعليم الثانوي الإعدادي، وتمكين 60 في المائة من التلاميذ المسجلين بالسنة الأولى من التعليم الابتدائي من الوصول إلى نهاية التعليم الثانوي التأهيلي و40 في المائة منهم من الحصول على شهادة البكالوريا، وغيرها من الأهداف التي ترى الوزارة أنه لتحقيقها يتوجب توفير مجموعة من الإجراءات المصاحبة ترمي إلى تحديث وتحسين التدبير التربوي والإداري والمالي. إلا أن تحسين وتحديث التدبير التربوي يبقى محل شك لدى العاملين بالقطاع، الذين يرفضون أن تمتد ساعات عملهم، كما يتم ترويج ذلك حاليا رغم نفي الوزارة لذلك، ويرون «أن ليس هناك دخان من دون نار»، كما علق على ذلك عبد الرزاق الإدريسي، المستشار بالغرفة الثانية لمجلس النواب وعضو الأمانة العامة للجامعة الوطنية للتعليم التابعة للاتحاد المغربي للشغل، والذي تساءل أيضا «عما إذا كانت الموارد المالية المهمة التي خُصصت للبرنامج سيتم تسخيرها فعلا من أجل إصلاح القطاع، سواء في ما يتعلق بوضعية العاملين أو التلاميذ والطلبة، أم أن الأمر سيكون على غرار الإصلاحات السابقة التي أوصلت تعليمنا إلى وضعيته الحالية غير المرضية بعد عجزها عن تحقيق النتائج المتوخاة»! ليخلص الإدريسي إلى أن هناك عدة إجراءات تستهدف الشغيلة التعليمية، مذكرا، كمثال على تلك الإجراءات، بالمذكرة رقم 04 الصادرة بداية هذه السنة والمتعلقة بترقية شغيلة التعليم المدرسي، والتي أثارت غضبا في صفوف رجال ونساء التعليم، بحسبه. والمدرسة العمومية التي أنجبت أطرا يمارسون المسؤولية على مستوى عال ومنهم الوزراء، تتعرض اليوم عبر ما يسمى برنامجا استعجاليا، ل«التفكيك»، حسب فاطنة أفيد، التي خلصت إلى أن كل الإجراءات التي تم تجريبها لحد الآن وآخرها المتضمنة في هذا المخطط، هي إجراءات تكرس «إفراغ» هذه المدرسة من التلاميذ كما تشجع على «الهدر» المدرسي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تزكي توجه الحكومة «الرامي إلى خوصصة» ما تبقى من القطاع، وهو التوجه الذي دشنته حكومة إدريس جطو في اتفاق 8 ماي سنة 2007، حين قدمت للمستثمرين في القطاع الخاص عرضا مغريا قُدر ب 43 مليار درهم من أجل تشجيعهم على الاستثمار في هذا المجال.