دأب الملك محمد السادس، منذ اعتلائه العرش، على الحديث في العديد من خطبه ورسائله الملكية، عن ضرورة الإصلاح الشمولي للقضاء وتعزيز استقلاله من أجل ترسيخ العدالة وتوفير الأمن القضائي، وضمان المساواة بين المواطنين، إلى جانب أهميته في التنمية الاقتصادية والتشجيع على الاستثمار. كما تحدث الملك عن أهمية العنصر البشري في هذا القطاع، الذي يضمن حرمة القضاء واستقلاله وضرورة توفر النزاهة والاستقامة في دواليبه. وبعد سنة من دعوة الملك الحكومة إلى الانكباب على بلورة مخطط مضبوط للإصلاح العميق للقضاء، ينبثق من حوار بناء وانفتاح واسع على جميع الفعاليات المؤهلة المعنية، جاء الخطاب الملكي بمناسبة ثورة الملك والشعب يوم 20 غشت الجاري ليحدد ستة محاور ينبغي أن تكون ذات أسبقية في إصلاح هذا القطاع تتمثل في «دعم ضمانات الاستقلالية» و«تحديث المنظومة القانونية» و«تأهيل الهياكل القضائية والإدارية» و«تأهيل الموارد البشرية، تكوينا وأداء وتقويما» و«الرفع من النجاعة القضائية» و«تخليق القضاء لتحصينه من الارتشاء واستغلال النفوذ، ليساهم بدوره في تخليق الحياة العامة، بالطرق القانونية»، ليتم بذلك وضع خارطة طريق لإصلاح هذا الورش الهام. كانت المرة الأولى التي تحدث فيها الملك محمد السادس عن القضاء وضرورة إصلاحه سنة 1999 في خطابه الذي وجهه إلى المسؤولين عن الجهات والولايات والعمالات والأقاليم من رجال الإدارة وممثلي المواطنين يوم 12 أكتوبر، فكان التركيز على القضاء التجاري ودوره في الإقلاع الاقتصادي، واعتبر أن من المعوقات البنيوية للاستثمار الخاص «الهوة بين روح القوانين ومنطوقها مما ينعكس سلبا على تطبيقها والبطء في الإنجاز دون وجود ضوابط قانونية ضد هذه الممارسات». وأضاف الملك أنه عازم على «على ترسيخ دولة الحق والقانون في الميدان الاقتصادي وعلى إصلاح القضاء والرفع من عدد المحاكم التجارية وعلى وضع القوانين المالية الملائمة». توالي دعوات الإصلاح في السنة نفسها وأثناء افتتاح الملك أشغال المجلس الأعلى للقضاء يوم 15 دجنبر، دعا الحكومة إلى الإسراع إلى «إعداد القوانين المنظمة للمجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات باعتبارها إطارا قضائيا قائما لحماية المال العام من أن تمتد إليه أيدي العبث والتسيب واستغلال النفوذ وباستكمال هذا الإطار الشامل لتحديث القضاء وتأهيله وعقلنة تدبير شؤونه وتوفير بنايات لائقة لمحاكمه وإمداده بالوسائل المادية والمعنوية نكون قد عملنا على تفعيله وهيأنا له أسباب القيام بما أنيط به من تحقيق العدالة الاجتماعية». وقال الملك في خطابه “من البديهي أنه لن يحقق القضاء هذا المبتغى إلا إذا ضمنا لهيئته الحرمة اللازمة والفعالية الضرورية بجعل أحكامه الصادرة باسمنا تستهدف الإنصاف وفورية البت والتنفيذ وجريان مفعولها على من يعنيهم الأمر. على أن تكون هذه الأحكام صادرة عن التطبيق السليم للقانون وفق مقتضيات نصوصه وما يمليه ضمير القاضي بمنأى عن كل أشكال الضغوط المادية والمعنوية وسائر الاعتبارات الذاتية والمؤثرات الخارجية». وفي الخطاب الذي ألقاه الملك في افتتاح الدورة الأولى للسنة التشريعية الخامسة للبرلمان يوم 10 أكتوبر من سنة 2001، كشف محمد السادس عن الحرص على إعادة الاعتبار للقضاء، والسهر على مواصلة إصلاحه، إذ قال إننا «مصممون بنفس العزم، على السهر على مواصلة إصلاح القضاء، الذي يتعين عليه أن يطور موارده البشرية وأجهزته ومساطره، ليستجيب لمتطلبات العدل والتنمية، عن طريق ترسيخ سيادة القانون والشفافية، والنزاهة والإنصاف والسرعة في الإنجاز، على مستوى إصدار الأحكام وتنفيذها». وفي فاتح مارس سنة 2002، شدد محمد السادس في خطابه بمناسبة افتتاح الدورة الجديدة للمجلس الأعلى للقضاء على إعادة الاعتبار للقضاء، حيث قال في خطابه «حرصنا على إعادة الاعتبار للقضاء وتأهيله وتطهيره من كل النقائص والشوائب المشينة محددين بكل حزم ووضوح سبيل الإصلاح الذي لا مناص منه. وقد تحقق بالفعل تقدم لا جدال فيه حيث تم إيقاف مسلسل التدهور والمضي قدما في عملية إعادة البناء وعصرنة العدالة، مما مكن من تعزيز الاستقلال الفعلي للقضاء وتقوية سلطته في تجسيد المساواة أمام القانون والإسراع في تنفيذ الأحكام». وخلال سنة 2003 أثناء افتتاح السنة القضائية بأكادير يوم 29 يناير، قال محمد السادس في خطابه الذي ألقاه بالمناسبة إن «برنامج إصلاح القضاء طموح وشاق وطويل وإننا لعازمون على تسريع وتيرته لتحديث جهاز العدل وتخليقه وتأهيله». ودعا الحكومة، في هذا الخطاب إلى «مواصلة الجهود لعصرنة القضاء بعقلنة العمل وتبسيط المساطر وتعميم المعلوميات. كما يجب تنويع مساطر التسوية التوافقية لما قد ينشأ من منازعات بين التجار، وذلك من خلال الإعداد السريع لمشروع قانون التحكيم التجاري، الوطني والدولي، ليستجيب نظامنا القضائي لمتطلبات عولمة الاقتصاد وتنافسيته ويسهم في جلب الاستثمار الأجنبي»، كما أصدر تعليماته إلى وزير العدل من أجل «فتح أقسام لقضاء الأسرة في أهم المحاكم ويحرص على أن تعم، في ما بعد، كل أنحاء المملكة وعلى الإسراع بتكوين قاضي الأسرة المتخصص لأن قضاء الأحوال الشخصية الحالي غير مؤهل لتطبيق مدونة الأسرة التي نحرص على إنجازها بكامل الاهتمام ترسيخا لتماسك العائلة في ظل التكافؤ والإنصاف». دور القضاء في مخطط الإصلاح لم يغفل الملك دور القضاة في مخطط إصلاح القضاء، فحسب الرسالة الملكية التي وجهها إلى أسرة القضاء بمناسبة افتتاح الدورة الجديدة للمجلس الأعلى للقضاء يوم 12 أبريل من سنة 2004، أشار محمد السادس إلى أن «التزام القضاة بمسؤوليتهم الجسيمة في جو من الاستقلال والتجرد والوقار لا يحرمهم من التعبير عن آرائهم البناءة كقوة اقتراحية لإصلاح القضاء وإيجاد كل الوسائل الكفيلة بتمكينهم من ممارسة حقوق المواطنة كاملة في التزام بقانون وأخلاقيات وخصوصيات رسالتهم النبيلة». وخلال السنوات الثلاث الأخيرة، دعا الملك الجميع للمشاركة في هذا الورش، ففي خطاب عيد العرش لسنة 2007، دعا الجميع إلى التجند «لتحقيق إصلاح شمولي للقضاء، لتعزيز استقلاله الذي نحن له ضامنون. هدفنا ترسيخ الثقة في العدالة، وضمان الأمن القضائي، الذي يمر عبر الأهلية المهنية، والنزاهة والاستقامة. وسيلتنا صيانة حرمة القضاء وأخلاقياته، ومواصلة تحديثه وتأهيله، وهيكلة موارده البشرية والمادية، وجعله إطارا قانونياً عصريا». وفي خطاب الملك أثناء افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى يوم 12 أكتوبر من سنة 2007، أكد محمد السادس عزمه على «الإعداد التشاوري الواسع والمتخصص لميثاق وطني مضبوط، للتغيير العميق والشامل للقضاء». أما الخطاب الملكي بمناسبة ثورة الملك والشعب يوم 20 من شهر غشت الجاري الذي خصصه الملك لإصلاح القضاء فقد جاء بعد أزيد من سنة من دعوة الملك الحكومة إلى«الانكباب على بلورة مخطط مضبوط للإصلاح العميق للقضاء، ينبثق من حوار بناء وانفتاح واسع على جميع الفعاليات المؤهلة المعنية»، كما جاء في الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش يوم 30 من شهر يوليوز 2008، والذي أكد فيه أن مواصلة تحديث جهاز القضاء وصيانة استقلاله وتخليقه، «ليس فقط لإحقاق الحقوق ورفع المظالم، وإنما أيضاً لتوفير مناخ الثقة والأمن القضائي، كمحفزين على التنمية والاستثمار»، كما جاء في الخطاب. وحدد الملك في خطاب ثورة الملك والشعب، الذي وجه فيه الحكومة خاصة وزارة العدل للشروع في تفعيل الإصلاح العميق للقضاء، ستة مجالات ذات أسبقية، وتتمثل في «دعم ضمانات الاستقلالية» و«تحديث المنظومة القانونية» و«تأهيل الهياكل القضائية والإدارية» و«تأهيل الموارد البشرية، تكوينا وأداء وتقويما» و«الرفع من النجاعة القضائية» و«تخليق القضاء لتحصينه من الارتشاء واستغلال النفوذ، ليساهم بدوره في تخليق الحياة العامة، بالطرق القانونية».