في ظل التحولات التي يعيشها المجتمع المغربي، قال الملك محمد السادس، إن استقلال المغرب، وبناء دولة المؤسسات القوية، بسيادة القانون، وعدالة القضاء، كانت تعد من طليعة أهداف ثورة الملك والشعب التي جرت يوم 20 غشت 1953، مستعيرا مقولة الملك الراحل، محمد الخامس، «دخلنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر»، عبر بناء الدولة وإصلاح المؤسسات. وأكد الملك أنه منذ توليه العرش، لمدة 10 سنوات، وهو يولي أهمية في خطبه لموضوع إصلاح شامل وعميق للقضاء، يقطع مع ممارسات سلبية أحادية الجانب، وجزئية، مؤكدا استعماله منهجية التشاور، والإدماجية، لبلورة الإصلاح الجوهري، الذي لن يقتصر على القضاء، ولكن سيمتد إلى نظام العدالة، فهي «أساس الملك». وثمن الملك موقف جميع الهيئات، التي تمت استشارتها في موضوع الإصلاح، كون ذلك أثمر تصورات وجيهة، على حد قوله، مؤكدا أنه سيستمر على هذا النهج، الذي وصفه بالبناء، من خلال إحداث هيئة استشارية لتبادل الخبرات. وفي هذا السياق، قال عبد القادر العلمي، رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان، إن الإصلاح الجوهري الراهن، والمطلوب لإصلاح القضاء، هو ضمان استقلال السلطة القضائية دستوريا، وقانونيا، ما يعني إجراء تعديلات على الدستور، مؤكدا أنه لا علم له بالصلاحيات ووظيفة الهيئة الاستشارية التي ستحدث لتحقيق هذا الغرض. وقال العلمي «إنه في الدول الديمقراطية، التي تعمل بنظام القضاء المستقل، لا تنشئ هيآت استشارية، كونها لا تحتاج إلى المزيد من الجدال والنقاش حول قضايا أضحت محسومة، وواضحة، لكنها تحتاج إلى تقوية الضمانات الدستورية والعملية لإصلاح القضاء». وأشار العلمي إلى أن نزاهة القضاء، تقتضي أولا إصلاح وضعية المجلس الأعلى للقضاء، كونه خاضعا لوزارة العدل، ويستوجب ذلك إعادة النظر في تركيبته ووظيفته. وإذا كان أمر إصلاح القضاء، الذي تحدث عنه الملك في أكثر من خطاب، وسجلته الأحزاب السياسية، ضمن قائمة مطالبها الملحة في برامجها العامة، واعتبرته الجمعيات الحقوقية والمنظمات ذات الصلة، بؤرة سوداء، تعيق بناء دولة القانون، فإن المواطنين، وبعض العاملين في قسم العدالة، أقسموا على استحالة إجراء أية إصلاحات في جهاز القضاء، لتدخل جهات ما، وأجهزة ما، في صياغة بعض الأحكام، وتأخير تنفيذ البعض الآخر، وسيادة المحسوبية والرشوة، كما في قطاعات أخرى، وغيرها من الأمور التي اعتاد المغاربة على سماعها بل والقيام بها، كسلوك اجتماعي، تبنوا ثقافته، واكتسبوا آلياته، حينما وجدوا أن الحل لا يكمن في مواجهة الفساد المؤسساتي، ولكن في الاستفادة منه لتحصيل منافع. لكن جزءا من النخبة المغربية لا تؤمن بمقولة الجمود وانتشار الفساد كثقافة يومية، لذلك تفضحها وتقاومها يوميا، ولهذا الغرض لم يكل الملك محمد السادس، في تبني خيار التغيير على طريقته باستعمال الإشارة حينا، ودعوة الحكومة حينا آخر، ودفع الأحزاب والهيآت النقابية إلى إبداع طرق جديدة، لتجاوز تراكمات الماضي، وسلبياته، وتشجيع جمعيات المجتمع المدني بالانخراط في الدينامية الجديدة، لذلك قال الملك محمد السادس “ إننا نعتبر القضاء عمادا، نحرص عليه من أجل مساواة المواطنين أمام القانون، وملاذا للإنصاف الموطد للإستقرار الاجتماعي، بل إن قوة شرعية الدولة نفسها، وحرمة مؤسساتها، هي من قوة العدل، الذي هو أساس الملك، مؤكدا على وجود خارطة طريق لإنجاز الإصلاح، مع شركاء الإصلاح أنفسهم، لذلك أكد أن الهيئة الاستشارية المقبلة، لإصلاح القضاء، يجب أن تكون متعددة وذات تمثيلية، تتيح لها الانفتاح على محيطها، وتشكل إطارا مؤسسيا للتفكير. وهذه الفكرة تحيل مباشرة على المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، الذي شكل من طاقات متنوعة حزبية ومستقلة، من أجل رسم سياسة حقوق الإنسان في المغرب، بطريقة سلسلة، كونهم يخافون ويتوجسون من التغيير الفجائي، حتى ولو كانوا من أشد المعارضين للنظام السياسي القائم، لذلك يرى مهتمون أن الهيئة الاستشارية لإصلاح القضاء المتحدث عنها من قبل الملك محمد السادس، لن تخرج عن الكيفية التي اشتغل وهيكل بها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وقال عبد العزيز النويضي، رئيس جمعية عدالة، «حينما نتحدث عن هيئة استشارية، يحيلنا الموضوع مباشرة إلى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، الذي يتمتع بصلاحية الاستشارة، دون اتخاذ القرارات، ونفس الأمر ينطبق على هيكلته وعدد أعضائه، من الشخصيات المهتمة، ذات الكفاءة». وإذا كان الملك محمد السادس، لم يحدد طبيعة الهيئة الاستشارية المقبلة، ولم يتحدث عن وظيفتها، والصلاحيات الموكولة لها، ولم يستعمل الجملة المعهودة «إحداث هيئة استشارية لدى نظرنا السامي»، فإن المراقبين يرون تكرار الحديث عن الهيئة، من خلال تجربة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، حيث قال الملك محمد السادس «لقد قررنا إعطاء دفعة جديدة، وقوية لإصلاحه، وذلك وفق خارطة طريق واضحة في مرجعيتها، وطموحة في أهدافها، محددة في أسبقيتها، ومضبوطة في تفعيلها، ويأتي في صدارة المرجعيات، ثوابت الأمة، القائمة على كون القضاء من وظائف إمارة المؤمنين، وأن الملك هو المؤتمن على ضمان استقلال السلطة القضائية»، وضمان استقلال السلطة القضائية، هو التعبير الذي يواكب مطالب الجمعيات الحقوقية ومجتمع مدني، الذين نادوا في أكثر من مناسبة بضرورة الحديث عن سلطة قضائية مستقلة، عن باقي السلط التنفيذية والتشريعية، بدلا من الحديث عن القضاء، دون ربطه بمصطلح سلطة، في مواجهة باقي السلط. وقال عبد الإله بن عبد السلام، نائب رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إنه من خلال تجارب المغرب في مجال إحداث الهيآت الاستشارية، يتضح أنها تطلع بمهمة الاستشارة فقط، ولا تلعب أي دور سوى استقطاب فاعلين يجمدون عملهم، بالانتقال إلى الحديث عن كل ماهو تقني محض، ويستنزفون خزينة الدولة، بتحصيل تعويضات عن المهام. وأكد بن عبد السلام أنه يصعب حاليا الحديث عن دور الهيئة الاستشارية لإصلاح القضاء، المزمع إحداثها، مقترحا أن تحدث لجان وزارية تراقب العمل المنجز، وتسهل مأمورية الساهرين على الإصلاح، ملحا على ضرورة إجراء تعديل دستوري. وبين الداعين إلى عدم إحداث هيئة استشارية، لأنها ستكبل عمل الفاعلين في الميدان الحقوقي، وتستنزف خزينة الدولة، وبين القائلين بتطبيقها، تخوفا من تحريف الإصلاح من قبل الحكومة، وبعض الأجهزة الرسمية للدولة، كما وقع في مناسبات عديدة، إذ لولا تدخل الملك محمد السادس، في مدونة الأسرة، لكان الشارع المغربي عاش فتنة، حيث دافع الملك عن تماسك الأسرة، وألغى مفاهيم الصراع الذي ساد بين وجهين من المقلدين، الأول مثله المحافظون الذين قلدوا الأجداد العرب والمسلمين، والثاني مثله المجددون، الذين قلدوا أجداد غير العرب وغير المسلمين، كما حسم الملك من خلال عمل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، في ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، حيث أسس هيئة الإنصاف والمصالحة، وفتح صفحات الماضي بما لها وعليها، وهي الصفحة التي يواصل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، طيها، وإن ببطء شديد، كما هو الشأن بالنسبة لمجالس أخرى، تهم قطاعات البيئة والتعليم، والماء، وغيرها.