تضمَّنَ العددُ الأخير مِن مُلحق «le Monde des livres» (رقم 20084) لجريدة لوموند، مقالة هامة للكاتب آلان بوف ميري، بعنوان «Google يوتوبيا كتاب للجميع»، تنطوي على تحليل وأرقام وشهادات ترتبط بموضوع رهان المكتبة الرقمية العالمية، والتباساته بين النزعة المعرفية والتجارية. ولأهمية الموضوع وتفاعلاته الراهنة، نعرض، في المتابعة التالية، لأهم أفكار المقالة. يذكر الكاتب أن ريشارد أوفيندن، مدير السلسلات النادرة لمكتبة Bodleian، الجوهرة الأكثر قِدما ونفاسة بين ال 34 مكتبة، المرتبطة بجامعة أكسفورد الإنجليزية، اتجه، خلاف لكل التوقعات، نحو توقيع اتفاق شراكة مع محرك البحث الأمريكي Google (دجنبر2004)، تمَّ بفضله، وفي زمن قياسي، تهيئة رقمية ل 400 ألف كتاب (من بين ال11 مليونا المحفوظة بأكسفورد). فقد قرر مسؤولو أكسفورد بواسطة أجهزة السكانير تصوير المدخرات الأكثر قدما وهشاشة. وتركز اختيارهم تحديدا على مُصنّفات من القرن التاسع عشر، مرتبطة بمجالات مختلفة من التأليف التخييلي والعلمي، في الإنجليزية والفرنسية واللاتينية. هكذا أصبح بالإمكان مثلا الاطلاع، عبر نقرة على النِّيت، على الطبعة الأولى من كتاب «أصل الأنواع» لشارل داروين، التي ظهرت في 1859. ويذكر الكاتب أن هذا البرنامج للتهيئة الرقمية قد اكتمل الآن، وقد سارعت Google نحو ترحيل آلات السكانير، التي سبق أن ركّبتْها في إحدى العمارات التابعة للجامعة الإنجليزية، لبسطها من جديد في مكان آخر، لأجل مواصلة «مشروع المكتبة الرقمية العالمية». ويذكر الكاتب أنه بالنسبة إلى «Mountain View» (كاليفورنيا)، ابتدأ مشروع Google في 2004، مع قرار تهيئة رقمية ل 15 مليون كتاب، المحفوظة بالمكتبات الأمريكية والأوربية الكبرى. فإلى جانب Google Maps، التي تسمح بالولوج المجاني إلى خرائط وصور الأرض، و Youtube تم اقتناؤها من قبل جوجل في 2006) التي تنشر عبر النيت شرائط فيديو من العالم كلِّه، يأتي برنامج «البحث عن الكتب»، محملا بطموح جعل أكبر قدر ممكن من كتب العالم، في متناول الجمهور الأوسع. لم ينحصر اهتمام Google في المكتبات فقط، بل امتد ليشمل دور النشر التي لديها رغبة في التهيئة الرقمية لإصداراتها، على نحو مجاني. وقد وقّع، حتى اليوم، نحو 25 ألف ناشر صغير متخصص اتفاقا يقضي بذلك. في هذا السياق، يوضح أول متحالف مع Google، ميشيل فالانسي، مؤسس منشورات L’Eclat: «قبلتُ لأنني أرى أن قائمة منشوراتنا لم تكن حاضرة بما يكفي في المكتبات العمومية». ثم التحقت بهذه المبادرة دور صغيرة أخرى:l’Harmattan/le Petit Futé/ Champ Vallon /Vrin. أما دور النشر الكبيرة فقد فضَّلتْ أن تنأى بنفسها عن هذه المبادرة. يؤكد كاتب المقال أن ولوج عالم الكُتب، انطلاقا من البيت، عبر نقرة صغيرة على النيت، يُجسد «الحلم المجنون والمعطاء للبرنامج، الذي تمَّ إقراره من قبل المشروع الأمريكي». والصورة الأكثر بساطة، التي يجسدها هذا المشروع، في رأي الكاتب، هي «صورة مستودع هائل للكتب، لا يتطلب من المُستعمِل أكثر من رقن العنوان المطلوب، لأجل الاطلاع المباشر عليه». لكن العنصر السلبي في الموضوع جعلَ الكاتبَ يُشبّه مشروع المكتبة العالمي بأنبوب مثقوب. ويذكر الكاتب أن برنامج «البحث عن الكتب»، الذي يجمع بين 29 مكتبة، من بينها 7 مكتبات في أوربا، أثار، مند إطلاقه في 2004، تحفظات عديدة في ضفتي الأطلسي. ولم يتردد Google، من أجل الانخراط السريع والفعال في إنجاز المشروع، في التهيئة الرقمية لمدخرات المكتبات الأمريكية، دون أن يشغل نفسه بمعرفة ما إذا كانت الكتب متحررة من حقوق التأليف. بينما لا تغطي الاتفاقيات المبرمة في أوربا، بالمقابل إلا النصوص التي سقطت عنها تلك الحقوق. ويضيف كاتب المقالة، أن شركة Google تجد نفسها اليوم تتوفر على حقيبة رقمية مِن 10 ملايين كتاب، نصفها بالإنجليزية. 1.5مليون من هذا المجموع تنتمي إلى الفضاء العمومي، ويُمكن قراءتها بالمجان، بمجرد ولوج الشبكة العنكبوتية، و1,8 مليون جاءتْ من الاتفاقيات المبرمة مع الناشرين، أما7، 6 ملايين المتبقية، فهي تنتمي إلى منطقة رمادية، وتتعلق غالبا بكتب نافدة، لكنها ما تزال محمية بحقوق التأليف، السبب الذي يجعل مستعملي الأنترنيت لا يتصفحون منها إلا مقتطفات صغيرة. مسؤول برنامج «البحث عن الكتب»، في أوربا وإفريقيا والشرق الأوسط سانتياغو دي لاروزا صرح بحماس: «بفضل الأنترنيت، يمكن أن نعطي حياة جديدة لملايين الكتب، بدونه كان مآلها سيكون الضياع». ويؤكد الكاتب أن هذا التصريح الأمريكي النبيل، يخفي وراءه هدفا تجاريا، يكشف عن نفسه بالتدريج. هكذا «ينزلق المشروع الأصلي، من مشروع المكتبة العالمية (Bibliothèque) إلى تجارة الكتب (Librairie)». هذا التطور رصده، في رأي الكاتب، المؤرخ الأمريكي روبير دارنتون: «عندما تنظر مؤسسات مثل Google إلى مكتبة معينة فهي لا ترى فيها بالضرورة مَعْبداً للمعرفة، بل بالأحرى منجما من المضامين، التي يمكن استغلالها في الهواء الطلق». مِن هنا يتساءل كاتب المقال: هل يمكن، في ظل هذه الظروف، أن نخشى Google؟ تبقى الثقة تبقى واردة بالنسبة إلى مسؤولي المكتبات الأوربية، الذين وقَّعوا اتفاقيات، تخصُّ فقط الكتب التي سقطتْ عنها حقوق التأليف. هذا ليس فقط رأي ريشارد أوفيندن، بل كذلك رأي مسؤولة مكتبة جامعة Gan ببلجيكا، الأستاذة سيلفيا فان بيتيغيم، التي توضح، أنها «لم تر أبدا في جوجل عفريتا تجاريا»، بل إن محرك البحث الأمريكي، برأيها، يحقق حلمَ أستاذها بول أوتلي أب التصنيف الحديث، الذي كان يتساءل: «ما الفائدة من تبويب الكتب، إذا لم يقرأها أحد؟» أما بالنسبة إلى الناشرين والكتاب، بالمقابل، فهذا المشروع يمارس عدوانية كبيرة. بل إن متابعات قضائية حدثتْ في الولاياتالمتحدةالأمريكية ضد شركة Google، التي فكرتْ في وضع حد لها، فعمدتْ في أكتوبر 2008 إلى وضع سجل يسمح بتحديد أصحاب الحقوق وتعويضهم، بفضل غلاف مالي يصل إلى 125 مليون دولار. وحتى يخرج إلى حيز التنفيذ، فإن هذا الاتفاق ينبغي أن يؤكد في 7 أكتوبر من قبل العدالة الأمريكية. ويساور القلقُ ذاته الأوربيين وقد عيَّنتْ Google تاريخا لأصحاب الحقوق، لكي يُقرِّروا ما إذا كانوا يرغبون في المشاركة في مشروع التعويض (60 دولارا عن كل كتاب مُرَقْمَن، وثلثي ثمن الكتاب عند البيع)، مقابل التنازل عن أي متابعة قضائية في حق الشركة. يخلص صاحب المقال إلى أن محرك البحث الأمريكي سيجد نفسه في وضعية شبه مونوبولية، خاصة وأن منافسه الجدي، ممثلا في المكتبة الرقمية الأوربية Europeana، التي يحتوي فهرسها على 4 ملايين من الوثائق، يتطور على نحو جد بطيء. إن Google تتجه، في رأي الكاتب في اتجاه أن تصبح، في آن واحد، المكتبة الأكثر ثراء، ومركز بيع الكتب الأكثر قوة في العالم.