تقول كلماتها: «الماء يجري قدامي صافي مثل البلار وأنا قضيت أيامي عطشان مكوي بالنار لله يا الهارب ما تقدر حتى تجاوب خليتي قلبك دايب يا الدايب فيها اعدايب فيها مصايب مكوي بالنار وعطشان مكوي بالنار» هي الأغنية التي اشتهرت بها الفنانة المعتزلة بهيجة إدريس. ويحكي عبد الواحد التطواني أن هذه الأغنية، التي كتبها محمد الغربي ولحنها محمد بنعبد السلام، سجلها جوق مكناس في سنة 1965.. هذه الفترة التي جسدت محطة أساسية في مسار الفنانة. «لقد انطلقت الحياة الفنية للفنانة بهيجة إدريس سنة 1957 من خلال أغنية «عندي وحيدة»، وهي عبارة عن محاورة مع إبراهيم القادري الذي ترك مجموعة من الإبداعات، لكن للأسف لا يذكره كثيرون. بعد هذه الأغنية، أدت بهيجة إدريس أغنية «أنا هي وأنت» رفقة محمد بن الطاهر. مع التذكير بأن جمهور الستينيات والسبعينيات يتذكر لها المشاركة في أغنية «القمر الأحمر». وهنا، لا تفوتني الفرصة لأذكر أن عبد السلام عامر، ورغبة منه في إنجاح هذا العمل، استعان بعازف «الترومبيط» محمد الرياحي، ومصطفى البنيس العازف على آلة «القيثار» (القيثارة) من الجوق الملكي. للأسف أن بعض الأسماء غالبا ما لا يذكرها الملحنون أو المطربون في حديثهم عن الأغنية». وعن الأغنية، يضيف عبد الواحد التطواني: «هذه الأغنية، أي «الما يجري قدامي» لها قصة خاصة، إذ طلب الملك الحسن الثاني أن يغنيها المطرب الرقيق عبد الحي الصقلي سنة 1968 بالصخيرات رفقة الجوق الملكي وبتوزيع مختلف عن الشكل الذي برزت به مع المطربة بهيجة إدريس. هذا التوزيع حمل توقيع عبد السلام خشان الذي أبدع في التوزيع». ومن وجهة نظره، فإن المطرب عبد الحي الصقلي أبدع في الأغنية وأعطاها عاطفة خاصة، ولاسيما أن صيغة الأغنية كانت ذكورية (عطشان). وأشار المطرب عبد الحي الصقلي، في تصريحه ل «المساء» في نفس المسار، قائلا: «لقد أمرني الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1968 بأداء أغنية «عطشانة» مع الجوق السمفوني، رفقة 120 صوتا، وهذا شيء كان مميزا حينها، إذ جاءت الأوامر بأن يلتئم هذا الجمع ليسجل هذه الأغنية. ومن الذكريات الجميلة أنني أديتها أمام الملك الراحل بشكل أثار إعجابه واستحسانه». ومن يتذكر عبد الحي الصقلي يتذكر «حطاطين الرمال» التي لحنها عبد السلام عامر وكتب كلماتها فتح الله المغاري، ويتذكر أغنية «يا نجمة سطعت في الظلام» التي يحتفظ المطرب والملحن في شأنها بذكريات سنأتي على تفصيلها في حلقة قادمة، ويتذكر الزمن الذي لحن فيه أغنية «منامة» للطيفة رأفت وأغنية «النفس الضايعة» لسعاد محمد، كما ساهم في انطلاقة العديد من الأسماء الشابة آنذاك، من بينها رضاض الوكيلي وعتيقة الجدولي وأناس بنموسى. هو عبد الحي الصقلي الذي كان من بين أوائل الفنانين المغاربة الذين التحقوا بالقاهرة للدراسة والتكوين والاشتغال في المجال الفني رفقة عبد السلام عامر وعبد الهادي بلخياط وعبد الرحيم أمين. هناك، عانق الكبار واحتك بالرواد، قبل أن يقرر العودة إلى البلد الأم سنة 1967 لظروف سنكشف عنها لاحقا، وليبدأ مسارا فنيا آخر. وفي رأي العديد من المهتمين، فالمطرب عبد الحي الصقلي كان مقلا في الإنتاج واختار أن يظل في الخفاء لأسباب يقول عنها عبد الحي الصقلي نفسه: «غيابي مرتبط بوصولي إلى سن التقاعد سنة 2000؛ فقد التحقت بالإذاعة سنة 1959، فكان طبيعيا أن ينقطع اللقاء مع الجوق. من جهة أخرى، يجب ألا ننسى أن جوق مدينة فاس لم يعد موجودا، فأغلب أعضائه إما ماتوا أو غادروه، وهذا يجعل التسجيل غير ممكن إطلاقا، هذا فضلا عن صعوبة أن نلجأ إلى إمكانياتنا الخاصة للتسجيل. كل هذه المعطيات تعيق عملنا، ولكن هذا لا يعني أننا لم نعد قادرين على الإنتاج، بل على العكس من ذلك هناك اقتراحات ومشاريع، ولا نحتاج إلا إلى التطبيق والتشجيع والإنتاج».