يبدو الأطفال، في أصيلة المغربية، أكثر سعادة بألوان جدران مدينتهم القديمة، التي يصفها الكثيرون باللوحة الكبيرة، هي المدينة التي تحسب لها نظافتها، التي منحت الجداريات فرصة التألق والتواجد في محيط بيئي يليق بها. أطفال اليوم، في أصيلة، على خطى أطفال الأمس، يتعلقون بالألوان ويحلمون. سعاد، طفلة، عمرها تسع سنوات، جاءت إلى أصيلة من مدينة العرائش، قالت إنها تداوم على المجيء إلى موسم أصيلة، للمشاركة في مرسم الأطفال، منذ ثلاث سنوات، وأنها تفرح أكثر حين تضع اسمها على ما ترسمه، وتحلم برسم لوحة كبيرة على حائط مدينتها، كما يفعل كبار الفنانين في أصيلة. أما الطفل محمد، الذي يبلغ من العمر أربع سنوات، فيفضل أن يصمت، ويعلن فرحه باللون الأزرق، لأنه لون البحر، كما يقول، على مضض. «إنهم مذهلون، حين يطرحون أسئلتهم، يعرفون أشياء كثيرة لا ينتبه إليها الراشدون. قد يتهيأ لنا أنهم يتعلمون منا، لكن الواقع شيء آخر: نحن الذين نتعلم منهم. يتكلم هؤلاء الأطفال. تنحل عقدة ألسنتهم .. ينظرون.. يرسمون.. يبحثون.. ويحلمون»، تقول بدرية الحساني، المنشطة الثقافية بمرسم الأطفال، قبل أن تضيف: «إنهم سعداء، يكتشفون، يبدعون، يتحركون، يجلسون، يصرخون، يغنون ويبكون.. باختصار: إنهم يعيشون ولا يخفون شيئا. حول طاولة ما، سيكون من المروءة أن نتخيل ما يدور في رؤوسهم. أفكار ممزوجة باللون والصباغة ونعومة الورق. يتكلمون عن كل شيء ولا شيء. يتحدثون عن البحر. عن الأصدقاء. عن الورق. عن لون معين. عن قلم رصاص. عن أقنعة. عن أقمشة. عن أحمر الشفاه. عن كرة، وعن عالمهم الخارجي، لكنهم، هنا، يتعلمون ويعرضون أحسن ما بداخلهم : الرضا والابتهاج بالحياة، جالسين القرفصاء، جنباً إلى جنب، يهيمون، أحياناً، وينسون أوراقهم وأقلامهم ليتلامسوا أو يقطبوا وجوههم، وأحياناً يرمون بنظرات ساخرة تتجه إلى شيء واقعي أو خيالي. هذا المزيج غير المنسجم، المكون من حب الاستطلاع والرغبة والصباغة والمرح يخلق جواً من ألف ليلة وليلة، ويجعلنا نفكر في شهرزاد صغيرة أو شهريار صغير. أمير صغير وأميرة صغيرة، مبدع ومبدعة، رجل وامرأة، يمكن الاعتماد عليهما كثيراً لبناء مستقبل لامع وجيل واعد». إلى جانب «مشغل أطفال الموسم»، أضاف موسم أصيلة الثقافي الدولي مشغلا لكتابة إبداع الطفل، تحت إشراف الشاعرة إكرام عبدي، استشرافا لآفاق أخرى لمشاغل الكتابة، لن تظل، بحسب عبدي، مقتصرة على أصيلة وأطفالها ولا محدودة بالفترة الزمنية المخصصة للموسم، بل ستتسع لتشمل تلامذة وطلبة، من مدن مغربية أخرى، وفي أوقات العطل المدرسية، بإشراف كتاب ومبدعين مغاربة، ممن لهم اهتمام لافت بأدب الطفل. «الطفل هو النموذج الأصلي للفنان»، هكذا كتب الشاعر الفرنسي شارل بودلير... لذلك سننتظر أن يخرج من بين أطفال اليوم في أصيلة، فنانون ومبدعون يصدرون الكتب ويلونون الجدران، في أصيلة، وفي غيرها من مدن المغرب في قام الأيام.