اعتادت ميتسوي ساوانو أن تشد الرحال صيفاً إلى مدينة أصيلة المغربية للمشاركة في موسمها الثقافي الدولي، هي التشكيلية اليابانية التي ربطت، منذ نحو عشر سنوات، علاقة خاصة مع جدران هذه المدينة الحالمة، النائمة على شواطئ المحيط الأطلسي. منذ البدايات الأولى لموسم أصيلة، تآلفت الجدران مع ألوان التشكيليين، ولذلك، فقد كان عادياً أن تختار هذه المدينة، الصغيرة بحجمها، الكبيرة بشهرتها، التخلي عن صباغيها لتعانق فنانين ورسامين، قادمين من مختلف الجغرافيات والحساسيات، ولترتبط معهم بعلاقة عشق ملونة. في أصيلة، صار الصباغون أقل حظاً وأكثر عطالة من زملائهم في سائر مدن وقرى المغرب. منذ أول زيارة، حافظت ميتسوي على وفائها لجدران أصيلة، المدينة التي تترك لبناياتها حرية التألق في المكان من دون أن تحجب الرؤية نحو زرقة البحر والسماء. تشترك ميتسوي مع جدران أصيلة في أنها قصيرة القامة. وفي الحقيقة، فميتسوي أقصر قامة، ولذلك فقد ظلت تتعاون على تسلق الجدران بسلالم من عود أو من حديد. من عادة ميتسوي أن تبتسم كثيرًا وأن توزع الألوان على الجدران بعشق مثير. حتى خيوط الهاتف والكهرباء، التي تتخذ لها الجدران طريقاً نحو البيوت، لم تسلم من ألوان ميتسوي، كأنما هي تحاول أن تشحنها بالفن. ومن يدري، فربما تصير فواتير الهاتف والكهرباء أكثر رحمة بالمشتركين! مع توالي مشاركاتها، لم تعد ميتسوي تقنع بالصيف والموسم السنوي، لكي تنزل ضيفة على أصيلة، بل صارت تقصدها في مختلف فصول السنة. وقبل سنة، احتضنت مكتبة بندر بن سلطان معرضاً لميتسوي تنقل لوحاتها لأصيلة وهي تتلون بمختلف فصول السنة، شتاءً وصيفاً، خريفاً وربيعاً، وذلك بما يلخص لعام فني ووثائقي تشكيلي رافق واقترب من مدينة، ربما، صارت جدارياتها ولوحاتها ومنحوتاتها أكثر من عدد سكانها. لم يكن للرسم على بياض الجدران إلا أن يمثل لميتسوي، فرصة فريدة واستثنائية لمغازلة الألوان. تتذكر ميتسوي أول يوم وقفت تحدق فيه إلى أحد جدران أصيلة، فتقول: «في البداية، لم تكن لدي أية فكرة عما يتعين علي القيام به». ولذلك ستتعامل مع جدران أصيلة بالرهبة والتخوف اللازمين. تقول: «عملت جاهدة على ألا يحذف هذا العمل جمالية أصيلة الأخاذ. ومع غروب شمس اليوم الثالث، كنت في حالة ارتياح تام. فقد تولد لدي شعور بأنني بعثت من جديد». ولدت ميتسوي بأوساكا، هناك في أقصى الشرق، سنة 1941، وهي المولود الوحيد لهيساو ساوانو، الروائي والصحافي الياباني المعروف. وجدت في الفن، وهي بعد صغيرة، فرصة للترويح عن نفسها. تقول: «كنت أريد شيئاً يمكنني أن أحتفظ به. شيئاً أستطيع الاحتفاظ به في عالم كل شيء فيه يتغير، وكثير من الأشياء تضيع فيه باستمرار». عندما كانت طفلة، تهكم عليها أستاذ الفن، لأنها رسمت وجهاً بخصلات شعر أحمر، معتبراً هذا الرسم «غير واقعي». سترافق ميتسوي والدها في مختلف سفرياته، الشيء الذي مكنها من حضور معظم معارض الفن الأوربي المعاصر، التي أقيمت بعد الحرب في اليابان. وفي سن الحادية عشرة، سيتم توشيحها بميدالية ذهبية، في عرض فني للتلاميذ بمتحف الفن متروبوليتان بطوكيو. وخلال الستينيات، كان عليها أن تتجاوز التقنين التقليدي للأساليب في ثنائية شرق - غرب للوصول إلى المزاوجة الفذة التي تضمن للفن أن يكون يابانياً وعصرياً في آن واحد. في باريس، حيث ذهبت، في العام 1986، لمتابعة دراستها بالمدرسة العليا للفنون الجميلة، ستركز ميتسوي على الوجوه والمناظر بطريقة حرة وسلسة، مروراً من عمل واقعي إلى أشكال مجردة. هذه السنة، أجبر المرض ميتسوي على أن تخلف موعدها مع موسم وجدران أصيلة : أصيلة التي تحولت فيها الأزقة، على امتداد أكثر من ثلاثين صيفاً، إلى ورش فني مفتوح، يصعب، اليوم، تخيلها من دون جداريات.