مرة أخرى هرع اليمين الإسرائيلي ولكنه دوما يقفز على الرأس، غير أن هذه المرة كان هناك حتى في أوساط الجمهور الأكثر برغماتية (النائب آفي ديختر: تصريحات قادة فتح تعيد الحركة عشرات السنين إلى الوراء) كان هناك إحساس بخيبة الأمل. فبعد كل الثناء الذي أغدقه قادة الدولة على أجيالهم وعلى قادة فتح محبي السلام، فإنهم يردون علينا في تصريحاتهم بمواصلة الكفاح المسلح. وإذا كان هذا هو الاتجاه، فكيف تسمح الحكومة لآلاف من رجالهم بالوصول إلى بيت لحم؟ فالنتيجة ستكون استعراضا فظا في مناهضة إسرائيل. يمكن التخمين، كما ارتفعت بذلك العديد من الأصوات، كيف كان الليكود سيرد لو أن حكومة يسارية سمحت لإرهابيين معروفين بالاجتماع على مسافة قصيرة من القدس والعربدة بخطابات استئناف الكفاح المسلح. فهل مرة أخرى «الليكود وحده يستطيع»؟ لما ثبت هذا الأسبوع أن لدينا رئيس وزراء رجل يخضع الأغلبية في حزبه وفي الائتلاف لتأييد قانون خصخصة الأراضي وقانون موفاز، يمكن الاستنتاج بأن هناك نية مبيتة وراء سماح بنيامين نتنياهو بالتدفق الجماهيري نحو مؤتمر فتح. وهو لم يسع إلى سمعة الانفتاح والتقرب من العدو؛ بل الهدف المركزي هو انتزاع البراهين من الفلسطينيين– ولاسيما تجاه الرأي العام الإسرائيلي– عن من هم «المعتدلون» الذين نتعامل معهم. ولهذا فقد سمح لهم بالاجتماع والكشف عن أنيابهم– الدينامية الخطابية والمنافسة على القيادة ستفعل فعلها في هذا الشأن. وقد تحقق هذا الهدف منذ مرحلة التسخين، حتى قبل أن يفتتح المؤتمر. والقلق الصادق الذي أطلقه هذا الأسبوع الناطقون بلسان الجمهور المعتدل في إسرائيل يثبت ذلك. صحيح أنه كان هناك خطر معقول من ألا يتمكن الفلسطينيون من توفير البضاعة. ولكن الآن، حين يوفرونها، بحقن زخمة، فإن الإنجاز هو كامل الأوصاف. في هذا الإنجاز ساهم أساسا المحاورون القدامى من رجال معسكر السلام الإسرائيلي: قبل أسبوع من المؤتمر أعلن محمود عباس (أبو مازن) الذي يستقبل باحترام محفوظ لرؤساء الدول ليس فقط في كينغ دافيد، بل وفي البيت الأبيض، في الإليزيه وفي قصر باكينغهام، أن أبناء شعبه يحتفظون بحق المقاومة المسلحة. ولولا القدرة الهائلة التي تبديها حكومتنا في الألاعيب السياسية منذ قيامها، لسارعت إلى الإعلان بأنه إذا كان هكذا يتحدث رئيس المعتدلين، فإن هذا سيكون مؤتمرا لتصعيد العنف وليس لتقدم السلام.