يرى الأستاذ الجامعي المتخصص في مجال التواصل السياسي، عبد الرحيم العماري، في حواره مع «المساء»، أن الانتخابات الجماعية الأخيرة عرفت كسابقاتها خروقات عديدة، مؤكدا أن حزب الأصالة والمعاصرة هو تجربة حزبية مغربية ليست لها مرجعية تعيد نفسها، وإن اختلفت الأسماء لتكرس وضعا تغيب فيه الديمقراطية، التي لا يمكن أن تكون إلا بوجود مداخل ثلاثة هي المدخل المؤسسي والمدخل الدستوري والمدخل التشريعي، ليخلص إلى أن هناك رغبة في الحفاظ على الوضع الحالي. - جرت الاستحقاقات الجماعية الأخيرة في ظل حديث عن كون العملية السياسية ليست على ما يرام. ما تعليقك على هذه المرحلة؟ < بالاستناد إلى تقارير هيئات المجتمع المدني المغربي، كالمنتدى المدني الديمقراطي المغربي والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، حول الانتخابات، وبعيدا عن أي توجه سياسي أو إيديولوجي، يتضح جليا أن الانتخابات الأخيرة عرفت كمثيلاتها السابقة خروقات عدة قبل الحملة الانتخابية وإبان الحملة ويوم الاقتراع، وما تلا ذلك، بعد الإعلان عن النتائج من اختطافات لمستشارين، كما ذكرت ذلك عدة تقارير صحافية، وما نُقل أيضا عن التحالفات التي كانت تُعقد في الصباح لتنفض في المساء، وما نُقل من تورط بعض ممثلي السلطة في هذا المجال. وعلى مستوى التعامل الإعلامي الرسمي مع هذه الاستحقاقات، أيضا، لاحظنا غيابا لمناقشة الجوانب التنظيمية للانتخابات في برامج هذا الإعلام المسيطر عليه من قبل الفئة الحاكمة. من ثم نتساءل هل تمت إضافة شيء إيجابي إلى الحقل السياسي الوطني؟ وهل تم إفراز تقاطبات مذهبية وسياسية؟ وهل تم رصد وجود أجهزة تابعة للدولة قادرة على ضبط العملية الانتخابية لضمان المصداقية والشفافية؟ من دون شك فإنه بقدر ما كان هناك حضور للدولة في فترات من يوم الاقتراع، بقدر ما تم رصد غياب ملحوظ لها في أخرى، وفي عدة مناسبات، ليُفسح المجال للخروقات حتى داخل أماكن التصويت، حيث تم الوقوف على مرشحين لم يحصلوا على بطائق التصويت، واستغلال بطائق لترجيح كفة هذا ضد ذاك، وهذه مسؤولية الدولة، كما أن هناك مسؤولية ثابتة لبعض الأحزاب التي غاب ممثلوها بمكاتب التصويت، مما يطرح إشكالا يتعلق بدواعي كثرة هذه المكاتب بالشكل الذي لم تستطع معه الأحزاب تغطيتها بالكامل. إلى ماذا تُرجع حصول حزب الأصالة والمعاصرة على المرتبة الأولى؟ < هو نفسه السؤال الذي طرح عندما تم تأسيس الحركة الديمقراطية الاجتماعية قُبيل شهور في انتخابات سنة 1997، ليدخل الحزب مفتول العضلات إلى الغرفة الأولى والغرفة الثانية، على الرغم من أنه لا يملك ميثاقا مذهبيا وإيديولوجيا، وهو نفس السؤال الذي تم طرحه كذلك عند تأسيس حزب الاتحاد الدستوري، وكذلك حزب التجمع الوطني للأحرار، وقبل هذا وذاك أحيل إلى حقبة «الفديك» واكديرة. - تقصد أن التزوير متأصل؟ < أتذكر هنا أن من بين التصريحات الأخيرة لإدريس البصري، قوله إنه كان يتسلى والحسن الثاني بوضع لوائح البرلمانيين قبيل الانتخابات البرلمانية. - وحاليا هل هناك تجربة مماثلة؟ < نفس الشيء يتكرر، والنقاش الحقيقي هو نقاش يبرز من خلال مداخل ثلاثة؛ المدخل المؤسسي والمدخل الدستوري والمدخل التشريعي؛ وبخصوص المدخل المؤسسي لا يمكن ضمان ديمقراطية دون وجود هيئة مستقلة لإدارة الاستحقاقات الانتخابية، والاستقلالية يجب أن تكون عن الدولة والأحزاب، وهذا ما تعمل به الدول الديمقراطية. وأما بخصوص المدخل الدستوري، حيث شهدت هذه الاستحقاقات الانتخابية توظيف عناصر ذوي سوابق عدلية، وأقيمت الولائم واستغل أصحاب المال وجود الفقر والهشاشة الاجتماعية، كما أن بعض أعوان السلطة ناصروا مرشحين ضد آخرين، بل إن هناك حكما قضائيا بمقاطعة المنارة بمراكش قضى ببطلان العملية. هي قمة العبث إذن، وهذا ما يقتضي وجود مدخل دستوري للحفاظ على نزاهة الانتخابات، حيث يتساءل المرء عما إذا كان بإمكان هذا الحزب أن يحصل على ما حصل عليه في الانتخابات الأخيرة إذا ما لم تكن لمؤسسه علاقة بدوائر القرار، وهل كان بإمكان هذا الحزب أن يجمع أسماء من كل الأطياف اليمينية واليسارية وغير المنتمين؟ إذن الأساس الدستوري يقتضي إعادة النظر ليس فقط في الاستحقاقات الانتخابية وفي الأحزاب، وهذا ما يرجى من العملية الانتخابية كذلك، حيث يتوخى تحقيق حكامة انتخابية رشيدة، ومن بين أهم شروطها هي الإشراف والإدارة من قبل هيئة مستقلة. وسؤال التأهيل السياسي أو تأهيل نظام الحكم مطروح الآن، من خلال عدد من الإشكالات، من قبيل أن ليس هناك تعاقد إلى حد الآن بين كل الفاعلين السياسيين على دستور يرتضيه الجميع ويعملون في إطاره، ثم هناك المدخل الأخر وهو المبدأ التشريعي أو القانوني، لتنظيم الاستحقاقات الانتخابية بنزاهة وعدالة وفي إطار من المساواة وتكافؤ الفرص، كلها إذن من ركائز الديمقراطية. - ألا يعتبر مجيء الأصالة والمعاصرة قيمة مضافة للساحة السياسية، على الأقل من حيث كونه خلق نوعا من الحركية؟ < بأية مرجعية مذهبية؟ بأية أدبيات سياسية؟ بأية تجربة تاريخية؟ لا تنسى أن مؤسسه كان وزيرا منتدبا بالداخلية، ثم الأهم هل يملك بالفعل كتلة مجتمعية؟ ولأن الخرق بات لصيقا بالعملية الانتخابية، فإني أتساءل ما الذي أضافه هذا الحزب للساحة؟ هناك 20 مليون مغربي هم الكتلة الناخبة، سُجل منهم 13 مليونا وصوت سبعة ملايين فقط، ضمن السبعة ملايين هناك التصويت الملغى، وأكيد أن هاجس الدولة كان هو رفع المشاركة، والذي وقع هو العكس؛ حيث مقارنة بالانتخابات السابقة كانت الانتخابات الأخيرة أقل من حيث نسبة المشاركة، والسؤال هو لماذا هذا العزوف السياسي؟ والعزوف له مبررات مؤسساتية وتنظيمية واجتماعية وتشريعية. ثم إن الجميع يعلم أن السلطات الحقيقية ليست بيد الوزير الأول ولا بيد الأجهزة التنفيذية أو المنتخبين، وإنما بيد المؤسسة الملكية والقنوات التي تعتبرها سيادية، فكيف يمكن للناخب أن يمنح صوته لمن لا يملك سلطة؟ ناهيك عن الأعطاب التي تتميز بها الأجهزة التنفيذية وخاصة وزارة الداخلية، والأحزاب السياسية التي أصبحت غير قادرة على استمالة الناخبين، ، والدليل أن الملفات الكبرى ما تزال مطروحة ولم يقاربها هذا الحزب الجديد لأن ذلك من اختصاص المؤسسة الملكية، ثم رجال ثقته الذين وضعهم على رأس المؤسسات الحساسة، أو ما يمكن أن نسميهم الحكومة الموازية، وليس من اختصاص حكومة التلفزيون. - يحتفل الملك بمرور عشر سنوات على تربعه على العرش، وطيلة هذه السنوات لاحظنا تركيزه على ضرورة ترشيد المشهد السياسي. إلى أي حد وجدت دعوات الملك المتكررة آذانا صاغية من طرف الأحزاب؟ < سأجيبك بمثال؛ وفق الإرادة السياسية لمناضلي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في مؤتمره الأخير، طالب المكتب السياسي للحزب من عبد الواحد الراضي الاستقالة من وزارة العدل والتفرغ لإعادة الهيكلة التنظيمية والمذهبية للحزب، لكنه بقي في وزارة العدل، فهل هذا يعتبر تقوية أم إضعافا لهذا الحزب أو لكل الأحزاب عموما؟ ألا يعبر المكتب السياسي عن القواعد المجتمعية؟ ألا يعكس ذلك رغبة قواعد الحزب؟ هنا أحيل على بلاغ المكتب السياسي في هذا الشأن، لنتساءل ألا يُعد قرار التثبيت معارضا لرغبة قواعد الحزب التي تذهب مذهب الخروج من الحكومة وإعادة ترتيب البيت الاتحادي أولا، واليساري ثانيا؟ لا أعتقد أن تأهيل الأحزاب وترشيدها يمكن أن يكون من فوق، والحال أننا نعلم أن السلطة الحقيقية ليست بيد الأحزاب وليست مع آلية الانتخاب، وإنما هي ضمن سلطات الملك وفي آلية التعيين. وأعتقد أن تلك النقلة التي بدأت مع حكومة ما سمي بالتناوب التوافقي. - ما سبب تأجيل هذه الإصلاحات الدستورية ومن المسؤول عن هذا التأخير؟ < سؤال الدستور يمكن الإجابة عنه من خلال محورين أساسيين؛ ما محتوى الدستور؟ وما هي الجهة المؤهلة لوضعه؟ وبطبيعة الحال نتحدث هنا عن المحتوى الديمقراطي، أي الديمقراطية كما هي متعارف عليها كونيا، بحيث لا سيادة دون سيادة الشعب ولا سيادة دون حرية ولا سلطة لأحد إلا بالانتخاب ولا احتكار للسلط وضرورة الفصل بينها، إذ ينبغي أن تكون كل من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية منفصلة في ما بينها ومبنية على مبدإ المساءلة والمحاسبة. كما ينبغي على الفاعلين في السلطة التكفل بتنفيذ وضمان الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية للمواطنين، وهذا هو صلب النقاش حول الدستور الذي يجب أن تشرف عليه هيئة تمثيلية تمثل الشعب، وهو المطلب الذي تم الالتفاف عليه. - ولكن الأحزاب قبلت بهذه الشروط، ولم تبادر إلى طلب إصلاحات دستورية، وحتى الاتحاد الاشتراكي الذي تقدم بمذكرة في هذا الصدد فهو متحفظ حتى في الإفصاح عنها أمام الرأي العام، كيف تفسر ذلك؟ < فعلا هذا صحيح ويعكس واقعنا الحالي، ويمكن في هذا الإطار أن أسوق مثالا يمكن أن يكون جوابا على ما ذهبت إليه، من خلال ما جاء على لسان أحد فاعلي التناوب التوافقي، والطريقة التي أعلن فيها عبد الرحمان اليوسفي خيبته في محاضرة بروكسيل سنة 2003، عندما قال بعد خوضه تجربة وزير أول، أن المطروح الآن هو إعادة المسألة الدستورية والإصلاح المؤسسي إلى الواجهة، وأن بدون ذلك لا يمكن أن نتجاوز التقاليد العتيقة (أي المخزنية)». وبعض الأحزاب ضمن ما تسمى أحزابا ديمقراطية ووطنية لها طرح آخر يشير إلى تخوفها من أن تستفيد الأحزاب الإسلامية من هذا الإصلاح، لذلك علينا أن نختار أن نكون ديمقراطيين أو غير ديمقراطيين. - من موقعك كباحث في التواصل السياسي، ما هي في نظرك الوسائل والأدوات الكفيلة بإرجاع الثقة إلى المواطن في كل ما ذكرت؟ < سأعطيك مثالا على بعض الأوجه التي ينبغي إصلاحها من أجل جعل المواطن يعيد ثقته في المؤسسات، وهنا أسوق نموذج الإعلام العمومي الذي لا يعكس هموم وانشغالات المواطن ولا يفسح له المجال للتعبير عن حاجياته، ولا يتيح الفرصة لكافة الآراء للتعبير عن نفسها رغم أنه يمول من جيوب المواطنين، الذين تتسع دائرة الفقر في صفوفهم حسب الإحصائيات الرسمية، في الوقت الذي تتقلص فيه الطبقة الوسطى، في مقابل تقوية مراكز الأقلية الأوليغارشية المحتكرة للاقتصاد والثروة، لذلك فسؤال الوطنية والمشاركة الفعالة في قرارات الوطن لا ينفصل عن الحق في اقتسام خيرات هذا الوطن مادية كانت أم رمزية. وهنا أذكر بمقولة مونتيسكيو «إن الدولة التي لا فصل فيها للسلطات، لا تحتاج إلى دستور»، لأعلق بالقول إنه ليس للنظام إرادة سياسية للاستجابة لمطلب دولة الحق والقانون.