هناك أشكال مختلفة من الاحتيال، فلكل امرئ مسكون بالشر أسلوبه في إلحاق الأذى بالخلق، يحترف الحيلة وضروب الدهاء ويتسلى بطرق شتى ليكيد للآخرين ويسيء إليهم. وأشكال الاحتيال تختلف من زمن إلى آخر وتتطور بتقدم العلم ووسائل الاتصال، فقد أصبح الأنترنيت والهاتف النقال أحدث أساليب المكر والكذب والخداع وأكثرها استعمالا لذلك وأشدها فاعلية. ولن أتحدث عن الجوائز المالية الكاذبة التي تغزو علبنا الإلكترونية، ولا عن الرسائل القصيرة المملة والمزعجة التي تتساقط علينا رغما عنا عبر هواتفنا النقالة، لكنني سأتحدث عن الاحتيال الذي يمارس على مستعملي «الفايس بوك» من خلال انتحال شخصيات معروفة واستعمال أسمائها وصورها لأغراض شخصية، غالبا دنيئة. وقد اكتشفتُ عن طريق رسائل توصلت بها أن لي صفحة على «الفايس بوك» مختلفة عن موقعي الخاص والذي أستعمله نادرا لأتواصل من خلاله مع أصدقائي الفنانين والصحفيين ومتتبعي مسيرتي الفنية.. وجدت أن هناك من ينتحل اسمي وشخصيتي ويتعامل على أساس أنه أنا. في الواقع لم أُفاجَأ، فقد سبق لعدة أسماء فنية أو إعلامية أو سياسية أن تضررت من هذا الفعل، لكنني تساءلت بفضول.. ما الذي يمكن أن يدفع شخصا ما إلى انتحال شخصية إنسان آخر؟ ولماذا يفضل أن يسيء إليه عوض أن يحسن إليه؟ وأي جبن يمكن أن يتحلى به شخص مختفٍ خلف الجدران أمام شاشة حاسوب يبعث بالرسائل ويطلب الصور و«يدردش» مع أناس يظنونه أنت، يتاجر بسمعتك وأخلاقك ومصداقيتك، ويستغل شهرتك وحب الناس لك. لقد وضع هذا المحتال صورة لي بقميص بني وشعري المنفوش، وفي خانة الاهتمامات كتب: «الصحافة، التمثيل وكتابة السيناريوهات ومراجعتها» وشرع في الرد باسمي على الرسائل واستقبالها وطلب من «ضحاياه» أن يبعثن إليه بصورهن، ربما بدافع تشغيلهن في أعمال فنية. لم أكن لأعير اهتماما لهذا الموضوع لولا أنني توصلت برسائل كثيرة تستنكر سلوكات هذا الجبان، وقد فكرت مليا إلى أي مدى يمكن أن يكون المرء مؤذيا وخبيثا وهو يتسلى بأعراض الناس وكرامتهم وإنسانيتهم، يكذب ويغش ويزوّر دون وخز ضمير. أحيانا تقف مشدوها أمام سلوكات يتعذر عليك استيعابها، إذ لا تفهم نوايا الناس ولمَ أصبحوا يفاخرون بالمساوئ ويتباهون بها ويسعون إلى اقترافها، يكيدون لبعضهم بنية مبيتة ويتآمرون بأساليب قذرة. لقد أصبحتُ أتوصل برسائل عبر «الفايس بوك» يفتتحها أصحابها قائلين «إن كنت بشرى الحقيقية..» فإنه يغضبني أن هناك أخرى مزيفة، مزعجة وحقيرة تعبث بمشاعر الآخرين وتستغل ودهم ولطفهم وحبهم، لذلك أحذركم من هاته «الأخرى» فأنا لا «أدردش» أبدا عبر أي موقع ولا أطلب صورا ولا أبعث رسائل ولا أرد إلا نادرا..أقضي وقتي في القراءة والكتابة والعمل والتأمل.. لا ألازم الحاسوب أو الهاتف إلا شوقا.