هرعت سعاد إلى داخل صالة الإنترنت، وهاتفها النقال لايكف عن الرنين. حَيَّتْ الجميع بسرعة واختارت لها مكانا في عمق القاعة. بصوت هامس، وبلهجة خليجية، أخبرت مخاطبه أنها أمام شاشة الكمبيوتر وأنها تستعد لفتح صفحة «الميسنجر»، راجية منه أن يمهلها بضع دقائق. التقطت أنفاسها وشرعت في ترتيب مظهرها. كانت ترتدي تنورة سوداء، وقميصا حريريا أحمر، فكت آخر أزراره. وفوق كتيفها، ارتخت خصلات شعرها بنفسجي. تبدو في عقدها الثاني، أنيقة وجميلة. إنها إحدى مريدات الشات أو الكلام المتبادل عبر شبكة الإنترنت، مع دول الخليج. ظاهرة انتشرت وتنامت بشكل كبير، وأصبحت تستقطب العديد من مستخدمات الإنترنت في المغرب. أول الرحلة ... كثيرة هي المواقع العربية التي توفر مساحات للدردشة باللغة العربية، وتبادل الأحاديث، صوتا وصورة. مواقع تفنن صناعها في إضافة تصاميم الغرافيك والألوان والأشكال الملفتة. تشترك سعاد في الكثير من هذه المواقع، خاصة الخليجية منها، بأسماء عديدة مستعارة. أسماء تحمل الكثير من الرومانسية ورقة الإحساس. هذه المرة، اختارت لنفسها اسم «أميرة القلوب». وكغيرها من مستخدمي الشات، عادة ما تستلهم أسماءها من كلمات الأغاني، أو من الأفلام والمسلسلات، كشمس، الغزال الملثم، صادق الإحساس، أميرة الخيال، سهم الحب، المهستر، الوافي، الحائرة. أسماء قليلا ماتكشف عن هوية مستعملها وجنسه. تختار سعاد مخاطبيها بعناية، وتركز اهتمامها على الذكور. تبدأ المحادثات بشكل عادي، وكثيرا ما يتم تبادل معلومات عامة من قبيل الإسم، الجنسية، دولة الإقامة، السن, العمل... البعض ممن خبرن دروب المحادثة ومسالكها، ومن سبق أن وقعن في فخخاها, يدققن في التفاصيل ويطلبن معلومات أكثر. أما حديثات العهد، فلا يعطين أهمية لذلك، لتأكد من هوية المخاطب. تلجأ الفتيات إلى طلب استعمال الويب الكام أو الاتصال بالهاتف، لتحديد مكان تواجد المخاطب. لكن عادة ما يتم الالتفاف على هذه السبل بطريقة أو أخرى. الجميع يعلم أن حقيقة المعلومات غير مؤكدة. والصراحة قيمة مفقودة. مخاطب سعاد، هذه المرة، شاب إماراتي، يبلغ من العمر 35 سنة، مرت على علاقتهما بالشات أقل من أسبوع. سعاد ككثيرات غيرها يفضلن خليجي الإمارات العربية المتحدة والسعودية. السمعة المالية للبلدين تغري الكثيرات. وصورة البلدين في القنوات الفضائية، وفي حكايات العائدات من هناك، تلهب مخيلات البعض، وتسيل لعاب البعض الآخر. جميعهن يحلمن بالسيارات رباعية الدفع، بالفيلات الفاخرة، بالمركبات التجارية الضخمة، بالعطور والأزياء مختلفة الألوان والأشكال. رجل الخليج وحده القادر على تلبية هذه الرغبات، على جعل الحلم حقيقة. لكنه رغم ذلك ليس رجل فوق العادة. وحده الجاه والغنى يجعلانه متميزا ومرغوبا فيه أكثر. في قائمة المفضلين كذلك يأتي السوريون في الصف الثاني، تميزهم لطافة تعاملهم وكلامهم المعسول. أما الأردنيون والمصريون فيحتلون الصفوف الأخيرة. وكثيرا ما يفضل هذا الصنف الباحثات عن زوج صالح وبيت مستور. فتيا ت من نوع خاص فتيات الشات جميلات، رائعات وأنيقات. يهتمن بمظهرهن كثيرا، أحيانا بشكل مبالغ فيه، يمارسن سحرا خاصا وجاذبية كبيرة على دول الخليج. سنهن يترواح ما بين 18 و35 سنة. تختلف مستوياتهن الدراسية وأوساطهن الاجتماعية، كما تختلف انتظارتهن وأحلامهن. البعض يبحث عن فارس الأحلام وزوج المستقبل. والبعض الآخر عن علاقات عابرة تدر دخلا وعائدات مالية. البعض منهن يشتكين من الفقر وقلة ذات اليد. والبعض الآخر منهن تدفعه الرغبة الجنسية العارمة وغير المشبعة، البعض ينشد فونتازم رجل الخليج، وأخريات يردن فقط أمواله. الألسنة لاتفتر عن وصفهن بالعاهرات، والباحثات عن المال بطرق سهلة. سعاد لا تعتبر نفسها كذلك، وتعتبر نفسها ضحية ظروف اجتماعية قاسية. «في المغرب، درتي ولا ما درتيش، التهمة لاصقاك لاصقاك. أنا عارفة أش كندير. المهم هو نخرج راسي ووالدي من الفقر. وندير علاش نرجع»، تقول سعاد. فتيات أخريات يعتبرن الأمر في غاية البساطة: «كاينة أزمة ديال الزواج. بغينا نقلبو على راسنا في جهة أخرى. ماشي من حقنا؟!...»، تقول مريم (28 سنة)، عاطلة. ثم تضيف «الرجال كيضبرو على راسهم مع الكوريات، واحنا مع الخلجيين، وصافي». سهام (30 سنة) أستاذة في اللغة الفرنسية، تذهب أبعد من ذلك، وترى أن المرأة لها الحق في التعبير عن نفسها بكل حرية، وأنها كمثيل الرجل لها الحق الكامل في استعمال جسدها مع من تريد ووقت ما تريد «حنا كنعيشو في مجتمع منافق، كلشي عجبو هد الشي وكلشي ضربها بنكرة». جنس وأشياء أخرى ... يحتل موضوع الجنس المرتبة الأولى من حيث اهتمام مرتادي الشات. الرغبة الجنسية تعبر عن نفسها بصراحة وليس بالتلميح. سعاد تعلم ذلك. وتساير رغبات مخاطبيها. لم تعد تزعجها الكلمات والإيحاءات الجنسية الصريحة. تخاطب الطرف الآخر بأريحية وثقة في النفس. بدون ضوابط وبشكل مباشر. تبتدئ المحادثة كتابيا بجس النبض, ومعرفة موقف الطرف الآخر من الموضوع. الباحثات عن علاقات جدية يمتنعن عن الخوض في مثل هذه المواضيع. وسرعان مايختفين من الشاشة. أما الباحثات عن اللذة فلا يتورعن في الدخول في الموضوع مباشرة. بعد ذلك تأتي المحادثة الصوتية ويتلوها تشغيل الكام. في هذه المرحلة، يصبح المخاطب أكثر جرأة وإلحاحا، وتتعدد رغباته ونزواته. لكن تبقى أكثرها طلبا هي التعري أمام الكاميرا. «أول مرة شعرت بإنزعاج كبير وحرج شديد. رفضت، لكن صديقتي ودراهم الزبون نجحت في إقناعي»، تقول مريم (20 سنة)، طالبة جامعية. وهنا الشكل الخارجي والمظهر يلعبان دورا محوريا. إنه المدخل، واجهة العبور نحو الآخر، على أساسه يتم الاختيار، وعلى أساسه أيضا تتم عملية التفاوض. الفتيات يقبلن التعري. لكن شريطة مبالغ مالية، تتحدد قيمتها حسب الطلب والعرض. بعض الفتيات يقبلن على التعري حتى بدون مقابل. أخريات يكتفين بعرض محدود إلى حين الحصول على المال. عادة ما تترواح قيمته مابين 1000 درهم إلى 5000 أو الأكثر. فتيات التعري جريئات، لا يترددن في الكشف عن مفاتنهن أمام الملأ. البعض منهن يختارالساعات التي يكون الإقبال فيها على صالات الإنترنت ضعيفا. والبعض الآخر ينتقي مكانا أكثر سرية. أخريات يفضلن الاشتراك في خدمات الإنترنت، على حساب الزبناء، والبقاء في منازلهن. الزبناء الخلجيين بدورهم لا يبخلون على هذه الاجساد الناعمة وينفقون بدون حدود. حكايات تعري الفتيات أمام الويب الكام كثيرة. بعضها من نسج الخيال، والبعض الآخر أكدته أكثر من شهادة. (م. إبراهيم) 36 سنة، صا حب صالة إنترنت، يقول: «ما رأيته بأم عيني لا يتجاوز تمرير الكاميرا فوق أعلى الصدر أو فوق الفخدين، لكن لم أضبط يوما فتاة عارية تماما». شهادة يؤكدها (ت. خالد) 29 سنة، زميل إبراهيم في الحرفة: «الفتيات جد حذرات، يعلمن أن الأعين تترصدهم. لذا لا يغامرن كثيرا». لكن قصص التعري الحقيقية تختفي وراء جدران المنازل والغرف الخاصة والتي فضحت سريتها مئات الفيديوهات من موقع يوتوب والمواقع المتخصصة في فضائح الويب كام. بعد التعري أمام الويب كام، كثيرا ما تتطور العلاقة إلى خارج إطار الشات، حيث يتم اللجوء إلى استعمال الهاتف، لتتوالى الاتصالات الواحد تلو الآخر. وتنتهى بلقاء مباشر. فإذا كان البعض يكتفي بالتلذذ فقط أمام شاشة الكمبيوتر والغرق في استيهامات شبقية، فالبعض الآخر تغلبه حمى الجنس ولا يتردد في السفر إلى المغرب. لقضاء عطلة جنسية، في شقة مفروشة, مقابل دزينة من الريالات السعودية أو الدراهم الإماراتية. أموالا مكنت القليلات من شراء شقة، أو خلق مشروع تجاري، أو شراء عقد عمل في إحدى الدول الغربية. وكثيرات هن الذين استثمرن هذه الأموال في شراء حلي وملابس جديدة وتقديم مساعدات للعائلة. احذروا من هؤلاء الشات عالم خاص. بعض رواده هم كذلك من نوع خاص. إنهم محترفو النصب والاحتيال ومتصيدي الفرص. ولكل طرقه وحيله. البعض يسلك طرق العزف على الأوتار الحساسة، والبعض يسلك مسلك الوعد والوعيد، والبعض يحاول المزج بين هذيين الأسلوبين، كمثل تجربة هذا الشاب الخليحي والتي نشرها على موقعه الخاص، حيث تقوم فتاة ما بإرسال رسالة غرامية أو مكالمة هاتفية على موبيل الضحية، مدعية أنها اتصلت بالصدفة على الرقم. وبكثير من الغنج والدلال، تكلمه عن أحوالها وأنها طالبة جامعية ومحتاجة للمساعدة ومستعدة لعمل أي شيء في سبيل إكمال دراستها. وفجأة يتحول مسنجرالضحية إلى جهاز عرض لأفضل اللقطات الجنسية وبث حي على الهواء. العرض الأول يكون بدون مقابل، ولكن العروض التالية تكون بمبالغ تبدأ صعيرة 200 درهم تقريبا ثم تكبر لتصل إلى آلاف الدراهم. وحينما تفشل هذه الخطة يتم التحول إلى استخدام أسلوب التهديد عن طريق تسجيل رقم الهاتف والحديث الذي دار عبر المسنجر مع إحداهن. البعض من الشباب المغربي العاطل دخل كذلك على الخط، وأراد بدوره الاستفادة من هذا المال السهل. إذ لا يتردد بعضهم في إيهام ضحاياهم من الذكورالخلجيين، بأنهم شواذ ومستعدون لتقديم خدماتهم مقابل بعض الأوراق المالية. في حين، أنهم فقط يلعبون دور المثلي. آخرون امتهنوا النصب سعيا فقط لتلبية رغباتهم الجنسية. وعادة ما يقوم هؤلاء الأشخاص بانتحال شخصية خليجية. العملية سهلة لا تتطلب سوى قميص خليجي وكماخ والتفوه ببعض الكلمات من اللهجة الخليجية. عزيز (24 سنة)، بائع: «كثيرا ما لعبت هذه اللعبة. وكثيرا ما أعجبتني. الأمر لا يحتاج لذكاء خارق ولا لإمكانيات مالية، فقط الإلمام ببعض الكلمات العامية الخليجية. وبكثير من الجرأة والخيال»، ثم يضيف «بفضل برامج الكمبيوتر، يمكنك مثلا أن تقوم بتصوير أي شخص يعمل شات على النت وإعادة بثه في الويب كام كما لو كنت أنت. أما بالنسبة للمال، فقليلا ما أصادف من الفتيات من تطلب المال قبل التعري». منتحلو الشخصيات الخليجية لا يطلبون أكثر من مجرد التعري. وإن صادف وطالبتهم إحداهن بالمال، فإنهم يلجؤون للتماطل وخلق الأعذار. البعض منهم قد يلجأ إلى الاعتراف والإفصاح عن هويته، وطلب خلق علاقة تعارف. والبعض قد يلجأ إلى أسلوب التشهير والفضح عن طريق نشر الصور على يوتوب أو ألفيسبوك. «المغاربة دياولنا واعرين بزاف، كقيلبو ليك غير على الشوهة. ولاجاب الله أوطحت بين يديهم، الله يدير ليك شي تاويل ديال الخير»، تقول دنيا (24 سنة) إحدى ضحايا الكام ويب. ألقت سعاد ببعض الدريهمات لصاحب مقهى الإنترنت وشقت طريقها نحو الخارج. من جديد، يسمع رنين هاتفها النقال. هذه المرة، المتصل أمها، تسألها عن سبب تأخرها، تتلعثم قليلا، وتخبرها بأنها تأخرت في العمل، وأنها في الحافلة وستصل قريبا. يلقي أحمد، صاحب المقهى، بتلك الدريهمات في جيبه ويتمتم «الله يخرجنا من دار العيب بلا عيب». ينظر إلى ساعته، إنها الحادية عشر ليلا، ربما هو الآخر عليه الذهاب.