سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كداي: وزير سابق استنفر المفتشية العامة بأكملها بعدما عثر على «حجابات» في مكتبه أستاذ علم الاجتماع قال إن التوظيف السياسي للأضرحة والأولياء لا زال مستمرا
أكد عبد اللطيف كداي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة محمد الخامس، أن التوظيف السياسي للشعوذة والسحر في صفوف السياسيين ما يزال مستمرا لاسيما في فترات الانتخابات، حيث يسارع المرشحون ويتسابقون إلى القيام برعاية طقوس الأولياء والأضرحة لاستمالة العامة، مشيرا إلى أن البعض يلجأ إلى هذه الأساليب قصد الحفاظ على المناصب السياسية والرياضية تحديدا. وقال إن أحد الوزراء السابقين في الشبيبة والرياضة استنفر جهاز المفتشية العامة لما اكتشف وجود بعض «الحجابات» وأنواعا من مواد الشعوذة بمكتبه... - كيف تنظرون إلى علاقة الشخصيات العامة، سواء رياضيين أو وزراء أو سياسيين أو إعلاميين، بالسحر والشعوذة؟ < علاقة الشخصيات العامة بالشعوذة قد نجد لها تفسيرا من خلال استحضار «طبيعة» الذهنية المغربية والعربية عموما التي لا تنفك تؤمن بقوى غير علمية وغير منطقية تحرك طبيعة الأشياء، وبالتالي فهم مستمرون – بنسبة مهمة- في الاعتقاد بوجود هذه القوى التي قد تغير أو تحقق لهم بعضا من أهدافهم، أو قد تعيق مسيراتهم وتحد من نجاحهم (العين – حسد الآخرين...)، وهذا الاعتقاد خاصة ما يتعلق بالشطر الثاني يصعب تجاوزه بسهولة لدى غالبية الأفراد. أعتقد أن الإيمان بهذه النماذج من الخرافات هو أيضا نتاج للعلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتخلفة التي تسم مجتمعنا، وهو نتيجة حتمية للبنية الذهنية وطبيعة الحالة النفسية للأفراد والجماعات على حد سواء، وهو لجوء واحتماء بقوى مزعومة. فكلما تعرض شخص أو جماعة لهزة نفسية عنيفة إلا ويجد أمامه من ينصحه بالذهاب إلى مشعوذ أو ما شابهه من أجل طرد النحس أو الحسد والعين... فيجري هؤلاء وراء اعتقادات خرافية عطلت لديهم آليات العقل والتفكير المنطقي، مما ولد لدى العديد من أفراد مجتمعنا نوعا غريبا من الاتكالية والعجز الفكري. وللإشارة، فهذا لا يرتبط بمعطيات الزمن الحالية، فالاعتقاد بهذه القوى هو ظاهرة قديمة جدا، وقد وجدت في مجتمعات عديدة، ذلك أن هذا النوع من المعتقدات ليس وليد الزمن الحاضر بل ارتبط بتطور البشرية، فالإنسان منذ القدم، وفي أي مكان، تعامل مع الظواهر الطبيعية والاجتماعية تعاملا عقائديا خرافيا، حيث يُرَدّ عدد من النكبات والأزمات إلى كائنات خرافية غير موجودة لكنه يعتقد في قدرتها على تحقيق الأشياء التي عجز عنها وعلى إعانته ومساعدته أمام ما يعترضه من صعوبات وما يجتازه من أزمات، وهذا الدور هو ما ينطبق بالضبط على زيارة المشعوذين والأضرحة والأولياء قصد قضاء حاجات لم يستطع هذا الإنسان قضاءها بالطرق الطبيعية والمعتادة. ولعل من الأسباب الرئيسية لانتشار هذه الظاهرة التشجيع الذي لقيته من السلطة في الماضي والحاضر، ذلك أن العديد من المؤسسات الحكومية والسلطات المحلية تدعم هذه الطقوس والعادات التي قد تكون غريبة في الغالب الأعم، بدعوى تنظيمها أو مراقبتها عوض أن تحاول تدريجيا التخلص منها والحد من تأثيرها على الأقل، وكان من الممكن لو أرادت السلطة أن تحول هذه المواسم من طابعها الخرافي «المشعوذ» إلى مواسم ثقافية تنموية اجتماعية واقتصادية. الدولة في اعتقادي شجعت الناس على الأضرحة والأولياء، ومن المعروف أن التوظيف السياسي لهذه العملية ما يزال مستمرا لاسيما في فترات الانتخابات حيث يسارع المرشحون ويتسابقون إلى القيام برعاية طقوس الأولياء والأضرحة لاستمالة العامة. وتبركا في بعض الأحيان ببركتهم، قد يصرف المرشح في بعض الأحيان على ولي أو ضريح ما لا يصرفه على محو الأمية في المنطقة، وذلك أمر طبيعي ما دام أن استمراره مرتبط ببقاء الأمية واستمرار الجهل. - هناك بعض السياسيين الذين يصرون على الحفاظ على مناصبهم ويلجؤون إلى السحر، هل تعتقدون أن ذلك مرتبط بتنشئتهم أم أن الأمر يتعلق بسبب آخر؟ < طبعا، من ضمن الأسباب التي تدفع ببعض الأفراد إلى اللجوء إلى الشعوذة والسحر الحفاظ على المناصب السياسية والرياضية تحديدا، لأن الوصول إلى هذه المناصب لم يتم لدى هذه العينة وفق المعطيات الطبيعية الخاضعة للمنطق والعلم، وهو ما يجعل هؤلاء الأشخاص متشبثين بها إلى درجة كبيرة، الأمر الذي يدفعهم إلى تقديم جميع الأسباب التي تجعلهم متمكنين منها، وفي هذا الإطار أتذكر حكاية أحد الوزراء السابقين في الشبيبة والرياضة الذي استنفر جهاز المفتشية العامة لما اكتشف وجود بعض «الحجابات» وأنواعا من مواد الشعوذة في مكتبه... هذا المثال يقودنا إلى الطريقة التي قد يلجأ إليها بعض كبار الموظفين للتأثير على موقف الوزير ونظرته إليهم بجميع الوسائل الممكنة، وقد لا نستغرب إذا ما وجدنا بعض هذه الأشكال في الحكومة أو البرلمان أو في غيرها من مؤسسات الدولة. - غالبا ما يتم ربط موضوع السحر والشعوذة بالمرأة، ألا ترون أن زوجات أو قريبات السياسيين أو الرياضيين أو بعض الشخصيات العمومية ينسَقْن وراء النساء في الموضوع؟ < أعتقد أن الأمر لا يقف عند حدود المرأة، صحيح أن النساء في مجتمعنا هن أكثر إقبالا على الشعوذة بالمقارنة مع الذكور، وذلك بالنظر إلى انتشار الأمية أكثر لدى هذه الشريحة وعوامل أخرى لا يتسع المجال لذكرها هنا، لكن هذا لا يعفينا من مساءلة المجتمع برمته والدولة أيضا، فهناك التشجيع الذي لقيته أعمال من السلطة في الماضي والحاضر. ما هي أهم الحلول التي يمكن عبرها تجاوز الفكر الخرافي والإيمان بأن السحر والشعوذة ليس لهما قدرة على إبقاء بعض الأشخاص في مناصبهم؟ الحل الأمثل هو بناء سلم واضح للارتقاء الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، الإيمان بالعلم وبقدرته اللامحدودة على بلوغ أي شيء، الإيمان بالشخص المناسب في المكان المناسب، تخليص الجسم السياسي من مجموعة من الممارسات غير السليمة، محاربة الأمية والجهل والخرافة والشعوذة بجميع أشكالها.