سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
إسبانيا كانت تخشى احتلال المغرب من طرف قوة أجنبية حتى لا تكون دولة قوية بجوارها ظهور الإيديولوجيا الإفريقيانية في إسبانيا أحدث قطيعة مع الصور السلبية عن المغرب
ظلت صورة المغربي أو المسلم في الذاكرة الإسبانية مرتبطة بكل ما هو سلبي ودموي، منذ خروج العرب من الأندلس عام 1492، وقد خضعت تلك الصورة لعدة تحولات حسب الظروف السياسية والمناخ الثقافي، لكنها ظلت في عمقها غير إيجابية. في الحلقات التالية نعرض لأهم الصور التي ظهر فيها المغربي في المتخيل الإسباني من عام 1492، تاريخ إنهاء الوجود العربي والإسلامي بغرناطة آخر معاقل الحضارة الإسلامية بالأندلس، إلى عام 2002، تاريخ اندلاع أزمة جزيرة ليلى. ترافق إنشاء الجمعيات والشركات الإسبانية في المغرب مع بروز مستعربين إسبان أبدوا اهتماما واسعا بالمغرب، أمثال إميليو لافوينتي ألكانتارا، وفرنسيسكو كوديرا وخوليان ريبيرا، وقد أظهر هؤلاء رغبة في تحقيق التوسع داخل المغرب، ولعب هؤلاء دورا كبيرا في التعريف بالمغرب في إسبانيا. لقد كانت الإيديولوجيا التي استند عليها هذا الخليط من الإسبان، من أطباء ومهندسين وعسكريين ورجال دين ورجال قانون وتجار وسياسيين، ممن أنشؤوا شركات أو جمعيات شكلت أساس الإفريقيانية الإسبانية، وتتلخص في المفهوم الذي كان سائدا خلال نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين لدى الحكومات الأوربية، وهو «التدخل السلمي». وقد انتشرت بشكل مبكر فكرة التوسع الاستعماري في المغرب دون اللجوء إلى أساليب العنف، وكان هناك اعتقاد راسخ بأن التفوق الإسباني في المجال الاقتصادي والسياسي والعسكري يمكن أن يمهد الطريق إلى تحقيق تدخل سلمي في المغرب. وقد كانت هذه السياسة، التي وضعتها العديد من القوى الإمبريالية الأوربية في تلك الفترة، ترتكز على ضرورة تطوير الروابط التجارية والثقافية، بما في ذلك المجال التعليمي والديني، بين المغرب الذي كانت إسبانيا ترى ضرورة احتلاله وإدخال الحضارة إليه، وإسبانيا الطامحة إلى تحقيق التوسع في المغرب، وكان الاعتقاد السائد هو أن تقوية المعاملات التجارية بين البلدين، التي كانت الشبكة القنصلية الإسبانية في المغرب تلعب دورا كبيرا فيها، سوف تكون بمثابة القاطرة التي تجر مشروع إدراج المغرب في سلم الحضارة، وكان هذا الرأي يعني، بالنسبة إلى المدافعين عنه، أن تطوير المعاملات التجارية بين البلدين سوف يمنع استخدام العنف أو اللجوء إلى الحرب لتحقيق هذا الهدف. وكان هناك بعض المدافعين عن النزعة الإفريقية الإسبانية ممن يقولون إن هذه المهمة سوف تصبح مستحيلة جدا إذا ما نجحت دولة أوربية أخرى في احتلال المغرب، ولذا كان دفاعهم عن فكرة «التدخل السلمي» في المغرب مصحوبا بالدفاع عن استقلالية ووحدة أراضي المغرب، للحيلولة دون احتلاله من طرف قوة استعمارية أخرى. إن ما كان يهم إسبانيا بشكل خاص ليس إخضاع المغرب، بل أن لا يخضع لأي قوة أجنبية أخرى، وأن يصبح المغرب بلدا مستقلا ومتطورا وحليفا طبيعيا لإسبانيا ومرتبطا معها بمصالح مشتركة بسبب روابط التاريخ والجغرافيا. وقد ظهرت خلال هذه الفترة، التي برز فيها هذا المفهوم حول التدخل السلمي، عدة رسوم فنية تعكس مشاعر الفنانين الإسبان تجاه المغرب. أحد هذه الرسوم يصور إسبانيا كبلد وصي على المغرب وضامن لإدخال المغرب في مسار التطور والتقدم، بينما المغرب يوجد في حالة مهملة وشعور حاد بالنقص وبغياب القيمة. ويصور رسم فني آخر جنديا إسبانيا يهدي إلى سيدة مغربية آلة خياطة عصرية من نوع «سينجر»، بينما تصور رسوم أخرى إسبانا يهدون إلى المغاربة آلة الكتابة أو بعض المنتجات الصناعية الحديثة مثل الآلات الفلاحية العصرية. لقد ساهم ظهور الإيديولوجيا الإفريقانية في إسبانيا في إحداث نوع من القطيعة، وإن لم تكن قطيعة تامة، مع جميع الصور السلبية حول المغاربة كما تكرست في الذهنية الإسبانية طيلة العقود التي سبقت تلك المرحلة، خصوصا إثر معركة إفريقيا عام 1860. فالتركيز على أولوية العلاقات التجارية والثقافية قد ساهم بدرجة كبيرة في تصوير المغاربة كأناس متفاهمين ومتصالحين لدى مختلف الشرائح الإسبانية، ويكفي في هذا المجال الاطلاع على سلسلة الصور والرسومات التي وضعها بعض المسافرين الإسبان الذين زاروا المغرب خلال تلك الفترة وتمكنوا من القيام بعدة جولات في مختلف مناطقه، وبين هذه الصور تلك التي التقطها جواكيم كاتيل الذي زار الجزائر عام 1859 ثم وصل إلى المغرب لكي يصبح قائدا للحرس السلطاني عام 1861، ثم زار الصحراء عام 1864.