هذه هي قصة شعب «الريف» وقد هب في العشرينيات من هذا القرن، بقيادة رجل يدعى عبد الكريم، يحارب إسبانيا الطامعة في أراضيه، وذلك بالسلاح الذي يكسبه منها في ميادين القتال، فينزل بها هزائم يشهد المؤرخون أن أية دولة استعمارية لم تمن بمثلها قط، كما يشهدون على أنه كان لها أكبر الأثر في تطور الأحداث في ما بعد في إسبانيا بالذات. لقد حقق عبد الكريم نجاحه المذهل في استنهاض مواطنيه بقوة ذكائه وشخصيته وحدهما. لم يكن يحتل أي مركز بارز في قبيلته الخاصة، فكم بالأحرى في الريف بأسره، لقد كان قاضيا لمدينة واحدة فقط، وكان لابد له أن يتغلب على الشك في كونه أداة إسبانية باعتبار أنه كان مستخدما في مليلا. ولم يكن جنديا، كما أنه لم يشترك قط في الضغائن الدموية ولم يطلق يوما رصاصة واحدة بدافع الغضب. ولم يكن في مظهره، كما وصفوه لي، ما يميزه بصورة مخصوصة: كان قصير القامة، أقرب إلى السمنة، غامق الشعر والملامح. وكان يبدو لطيفا ودودا. وكانت عيناه وحدهما تعطيان قبسا من النار المتأججة في باطنه. كانت هاتان العينان سوداوين نافذتين. ولما كان شتاء 1920-1921 يقترب من نهايته، كان عبد الكريم يعيش في بيته في أجدير، حيث كانت زوجته تنتظر ولدها الأول. وحين ذهب الشتاء جعل الرجل يراقب الثلوج تتراجع عن قمم جبل حمام. وفي أوائل أبريل باشرت طيور السنونو التي كانت تأتي لقضاء الشتاء في شمالي إفريقيا طيرانها العائد إلى مراعيها في أوربا الشمالية. لقد جاء الربيع إلى الريف متأخرا في ذلك العام. كان الجنرال سيلفستر يراقب طيور السنونو وهي تتجه صوب الشمال، لقد عاد إلى مليلا في فبراير بعدما وقع عليه اختيار الملك في مدريد ليكون الرجل القوي الذي يدعم النظام. ولقد أصدر ألفونسو أمره إلى سيلفستر بأن يحطم المأزق في مراكش، وكانت رسالة الملك السرية إلى سيلفستر لا تبرح جيبه: «إفعل كما أقول لك ولا تلق بالا إلى وزير الحربية الذي هو رجل أحمق.» ولم يكن سيلفستر، الشجاع والسريع التأثر، المتهور حتى درجة الجنون، يحتاج إلى أي تشجيع، إنه المخلص الذي سيحرر إسبانيا من متاعبها. إن فرديناند سيلفستر، نصف القشتالي ونصف الكوبي مولدا، هو فتى العالم القديم وابن العالم الجديد، الجندي الذي سيقلب مصائر إسبانيا، العملاق الذي سيوقف مد الزمان، إنه الرجل الوحيد الذي يستطيع أن يغزو الريف، فبيرنجر يبالغ في الاحتراس، وتقدمه البطيء، الثقيل، سيتطلب سنوات عديدة. ولسوف ينطلق سيلفستر، بينما الآخر يراوح مكانه، وسيكسب النصر، ويحصل على المجد. ولسوف يلهي انتصاره العظيم الشعب في بلاده عن نقائص الحكم الأرستقراطي ومساوئه. إن سيلفستر ليزدري أهل الريف، جنود «التنورة» كما كان يسميهم. ولسوف يقسمهم قبل أن يتمكنوا من تعبئة أنفسهم، وهو ما سيحققه بهجوم مباغت على خليج الحسيمة، في قلب الأراضي القبلية الخاصة ببني ورياغل. ومن أجدير، سوف يسخر من بيرنجر بأنباء نصره السهل. ولسوف تنتهي الحرب بإخضاع بني ورياغل، لأن القبائل الأخرى ستكون عاجزة عن المقاومة بدونهم. وليس سيلفستر بجاهل محاولات عبد الكريم لاستنهاض القبائل ضد إسبانيا، كما يعلم إخفاقه في الحصول على تأييد القادة. وعلى أية حالة، فإن معارضة قاضي أجدير لا تقلق بال سيلفست، إن كريما المغرور يمكن أن يعوق قوة إسبانيا، لكنه لا يستطيع سبيلا إلى مقاومتها. وكان سيلفستر يأمر في مليلا 20000 جندي إسباني و4000 تابع من المولدين. وفي الحسيمة، هدف الإسبانيين، تقف حامية قلعة الجزيرة، على أهبة ضرب الريف من الخلف لدى اقتراب سيلفستر. وثمة طريقان مفتوحان أمامه، ففي استطاعته أن يسلك الطريق الطويل، الطريق البطيء الملتف الأمين، دائرا حول الجبل الأشد ارتفاعا، بحيث يبلغ أجدير من الجنوب، أو يستطيع أن يسلك الطريق المختصر عبر الجبال، مجتازا وادي أقريس، شاقا طريقه ما وراء جبل أبران، مفتاح المعابر إلى الغرب. تلك بلاد مجهولة بالنسبة إلى الإسبانيين، وهم لا يعرفون شيئا عن ممراتها المتعرجة، ووديانها العميقة، ومنحدراتها الزلقة.