في هذا الحوار مع عمر بندورو، أستاذ القانون الدستوري و العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، نحاول أن نلقي أضواء التحليل والفهم على السياق الذي جرت فيه الانتخابات الجماعية الأخيرة و طبيعة الفاعلين الذين شاركوا فيها والتحالفات التي ظهرت بمناسبة تكوين المجالس الجماعية. - الأستاذ بندورو، ماهي القراءة التي تقومون بها للانتخابات الجماعيةالأخيرة؟ هل تجاوز المغرب العيوب التي شابت سابقاتها؟ < لم تكن الانتخابات الأخيرة شفافة ونزيهة، للاعتبارات التالية: فقد شهدت استعمال المال بكثرة، وتميزت بعدم تدخل الإدارة لزجر المخالفات ذات الصلة باستعمال المال، الذي اتخذ أبعادا كبيرة مع تطور دور السماسرة، ومن جهة أخرى، حامت شكوك حول نسبة المشاركة في الاقتراع، فإلى حدود الساعة الواحدة بعد الزوال وصلت تلك النسبة إلى 11 في المائة، لكن ساعات قليلة بعد ذلك أعلن عن نسبة 52 في المائة، وهذا ما أثار استغراب العديد من الخبراء الأجانب الذين راقبوا الانتخابات كما ولم تسلم الانتخابات الأخيرة من ظاهرة الإنزال، حيث كان الناخبون ينقلونعلى متن وسائل نقل فردية أو جماعية إلى مكاتب الاقتراع. وهذه ممارسات تغاضت عنها الإدارة رغم أنها تمس بمصداقية الانتخابات، أضف إلى ذلك أن العديد من الناخبين لم يتوصلوا ببطاقة الناخب. - تتحدثون عن استعمال المال بينما أصدرت وزارة الداخلية بلاغا تعتبر فيه أن بعض الحالات التي أثارتها الصحافة عارية من الصحة.. < في كل الانتخابات تفند وزارة الداخلية كل ما يأتي به المراقبون، هذه المسألة ليست جديدة، هناك العديد من التقارير ستصدر عن الانتخابات المحلية الأخيرة، و سوف نرى الخلاصات التي انتهت إليها. - على مستوى الخطاب، ألح المغرب على ضرورة تخليق الحياة السياسية، كيف يستقيم ذلك في ظل الممارسات التي تحدثتم عنها؟ هل ينم هذا عن غياب الإرادة السياسية في تجاوز هذه السلوكات أم عن ثقافة راسخة تأبى الاختراق؟ <في نظري، لم توجد إرادة سياسية واضحة لزجر المخالفات، فلو أعطيت تعليمات واضحة من السلطات العليا لرجال السلطة، لما أمكنهم التغافل عن تلك الممارسات. فغياب تلك الإرادة الهدف منه تسهيل نجاح عدد من المرشحين المنتمين لعدد من الأحزاب السياسية التي ترحب السلطات العليا بتفوقها في الاستحقاقات الانتخابية. - لوحظ أن النقاش، خاصة بعد الانتخابات، هيمن عليه حزب العدالة و التنمية و حزب الأصالة و المعاصرة، و بدت الأحزاب الأخرى في بعض الأحيان و كأنها غير معنية بذلك، لماذا هيمن هذان الحزبان؟. < في تصوري، حزب الأصالة والمعاصرة، تأسس برعاية السلطات السياسية العليا في البلد، مما جعله يحظى بمعاملة خاصة والهدف ربما هو الوصول إلى هيمنة الأصالة و المعاصرة على الحياة السياسية في المغرب، و الكل يعلم أنه لو لم يكن هذا الحزب مساندا من طرف السلطات العليا في البلاد لما نجح، خاصة أنه يستمد مرجعيته من الملك، وهذا يشكل خطرا على اعتبار أنه يريد أن يشرك الملك في العملية السياسية، و الحال أن الملك يجب أن يبقى فوق كل الاعتبارات السياسية. مرجعية هذا الحزب هي الملكية وهو لا يفتأ يستشهد بها، مما يجعل الناس يصوتون على مرشحيه لظنهم أن هذا الحزب مؤسس من قبل الملكية. لاحظنا أن حزب الأصالة و المعاصرة حاول ألا يتفوق العدالة و التنمية في المدن، و إذا تفوق فلابد من الحيلولة دونه و تولي أمر تلك المدن، بهدف طمأنة الخارج بأن الإسلاميين يشكلون أقلية. - لكن حزب الأصالة و المعاصرة لم يركز فقط على العدالة و التنمية؟ < حزب الأصالة و المعاصرة جاء ليناهض الإسلاميين، لكن ليس الإسلاميين وحدهم، فهو يسعى إلى الهيمنة على الحياة السياسية وتهميش الأحزاب الأخرى. وهذا قد يؤدي إلى تدمير الحياة السياسية.إذ كيف يريد القصر أن يكون له حزب، في حين جميع الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة ملكية. الملك ليس في حاجة إلى حزب، وهذا الحزب قد يؤدي إلى تشويه الملكية في المغرب. يجب على السلطات السياسية العليا في البلاد أن تنتبه إلى أن كل حزب يدعي أنه يمثل الملك يؤدي إلى التأثير على مصداقية النظام السياسي في المغرب. خطورة حزب الأصالة و المعاصرة تكمن في أنه يريد أن يكون الحزب المهيمن، وبدونه لا يمكن أن تكون هناك حكومة ذات أغلبية في البرلمان. - الانتخابات الجماعية الأخيرة استعمل فيها اسم الملك بكثرة، وكان ذاك مثار تصريحات و تصريحات مضادة بين العدالة والتنمية و الأصالة و المعاصرة، عمّا ينم ذلك؟ < في نظري، حزب الأصالة والمعاصرة هو استمرارية للأحزاب الإدارية التي تشكلت منذ الملك الحسن الثاني، و أنا أفكر في جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية و حزب التجمع و الأحرار و حزب الاتحاد الدستوري.ربما تريد الملكية، حاليا، أن تشكل حزبا على غرار الأحزاب التي تكونت في عهد الحسن الثاني، من أجل تطوير مفهوم الزبونية. و أتساءل هل هناك ضرورة لتكوين حزب سياسي إداري، علما أنه لا توجد ثمة معارضة قوية للملك تستدعي ذلك. فأغلب الأحزاب توجد في الحكومة.الملكية ليست محتاجة إلى حزب إداري كما كان الأمر في عهد الحسن الثاني. فكل الأحزاب تدعي أنها ملكية وتساند الملكية و تتبنى برنامجها بدون قيد أو شرط. - في تشكيل المجالس رأينا تحالفات بين بعض الأحزاب لم يكن المراقبون يتوقعونها، فالعدالة و التنمية لم يجد حرجا في التحالف مع الاتحاد الاشتراكي مثلا..؟ < كل الأحزاب التي حصلت على عدد مهم من المستشارين في المجالس تحالفت مع أحزاب كانت تعارضها و تنتقدها بشدة. هذا لا يقتصر فقط على العدالة و التنمية و الاتحاد الاشتراكي، فهناك تحالفات محلية غير طبيعية تفتقر للمصداقية لأنه ليست لديهاالاستمرارية على الصعيد الحكوميّ.فنحن نلاحظ في البلدان الديمقراطية، أنه عندما تكون ثمة أغلبية تسير الشأن الحكومي، تكون لها استمرارية على الصعيد المحلي. بينما الخريطة في المغرب غير واضحة، حيث نجد أحزابا تتنافس في الانتخابات، لكنها تتحالف في ما بينها عندما يتعلق الأمر بتشكيل المجالس. - يبدو أن صورة المغرب اهتزت في الانتخابات الأخيرة.. < هذا يرجع إلى انعدام إرادة سياسية حقيقية لوضع حد للخروقات. لوكانت هناك إرادة لوضعت حدا للظواهر التي تمس بسلامة العملية الانتخابية. المشكل أن هذه الظواهر تفاقمت في المغرب. نلاحظ أن الإدارة لا تقوم بأي شيء من أجل تخليق الحياة السياسية، وهذا هو المشكل. - هل يكون نمط الاقتراع قد ساهم في ما تتحدثون عنه من خروقات؟ < في تصوري، نمط الاقتراع لا يلعب أي دور في تخليق الحياة السياسية. نمط الاقتراع يمكن أن يكون له دور أساسي في التحالفات، ولكن هذا لا يؤثر على سلوك الفاعلين و الأخلاقيات. - هل يمكن أن تفضي الانتخابات إلى تكون أقطاب على صعيد المشهد الحزبي أم سيبقى مبعثرا؟ < لن يكون للانتخابات الأخيرة أي تأثير على المشهد السيايسي، الذي تحكمه العديد من الاعتبارات...لكن أنا أتساءل حول الدور الذي يراد لحزب الأصالة والمعاصرة أن يلعبه، هل هذا الحزب يراد له أن يكون مهيمنا و يستقطب أحزابا أخرى؟ نحن ننتظر الجواب عن هذا السؤال في ظل الغموض الذي أحاط بعملية تأسيس هذا الحزب و التصور الذي يقترحه. - بصفتكم متتبعا للحياة السياسة في المغرب، ما الذي كنت متنتظرونه من الانتخابات الجماعية الأخيرة؟ < كنت أتمنى أن تكون انتخابات ذات مصداقية، بحيث تقوم الإدارة بزجر كل مخالفة و إعطاء الحظوظ بالتساوي لجميع الأحزاب، حتى يدرك المواطن المغربي أن صوته سيكون معبرا عن إرادته. كنت أتوقع أن تكون الانتخابات لبنة في مسار تخليق الحياة السياسية في المغرب. وأنا أعتبر الممارسات السياسية التي ترسخت لا تشجع المواطن المغربي على المشاركة أكثر، فمصداقية الانتخابات موضع شكوك في المغرب، على اعتبار أنها لا تعكس الخريطة السياسية في المغرب.