المغاربة يتساءلون لماذا كل هذا التردي الرياضي في المغرب، ولماذا لم يعد المنتخب المغربي قادرا على الانتصار على منتخبات إفريقية كان، قبل بضع سنوات، يسحقها بسبعة أهداف لصفر، مثل منتخبي ا لغابون والطوغو، ولماذا لم يعد المغاربة قادرين على جلب الميداليات حتى من أردأ المنافسات القارية والجهوية، مثل الألعاب الإفريقية والفرانكوفونية والعربية وألعاب البحر المتوسط؟ هذه الأسئلة لا تحتاج الإجابة عنها إلى مجهود كبير، لأن المغرب لا يفعل أي شيء من أجل تطوره الرياضي، وحتى إذا توقفت كل الأنشطة الرياضية في المغرب فلن يحدث أي شيء لأن المغرب أصبح يستورد رياضييه من الخارج كما يستورد البترول والعملة الصعبة. في الماضي، كانت في كل حي من أحياء المغرب ثلاثة ملاعب أو أكثر، ومنها تخرج لاعبون كثيرون وانتشروا في ملاعب المغرب وأوربا. وقبل ثلاثة عقود فقط، كانت الأندية الأوربية تشتري لاعبين مغاربة ولدوا ونشؤوا وتربوا في المغرب. واليوم، أصبح المغرب يستورد كل لاعبي المنتخب من الخارج لأن أرضه لم تعد تنبت لاعبي الكرة. أين ستنبتهم؟.. في أسطح العمارات والمجمعات السكنية؟ في الماضي، كان هناك الكثير من المناطق الخضراء والغابات التي كان الأطفال المغاربة يجرون فيها ويتعلمون الكرة. لكن كل شيء انتهى لأن هيجان الاستثمار وجشع المقاولين العقاريين وأباطرة الإسمنت جعل الغابات تحترق والمناطق الخضراء تتحول إلى مناطق صفراء، والمدن تحولت إلى بؤر للأمراض الجماعية والتلوث البيئي ومختلف أشكال الانحراف. من حق المغاربة، في هذه الحالة، أن يتساءلوا لماذا لا يتم تشكيل منتخب مغربي لكرة القدم من رؤساء المجموعات العقارية الكبرى الذين قضوا على الملاعب من أجل إنشاء عمارات. لماذا، إذن، لا يتم تكليفهم باللعب من أجل التأهل إلى كأس العالم عوض استيراد لاعبين من الخارج؟ لقد افترس المقاولون العقاريون كل بقعة فارغة في البلاد وأقاموا الكثير من مدن الإسمنت واغتصبوا المناطق الخضراء وأحرقوا الغابات ودمروا الملاعب ومارسوا كل الفظاعات.ولو أن المغرب تعرض لحرب حقيقية لما حدث فيه ما يحدث الآن بفعل التصرفات لأباطرة العقار. إن ما يجري، الآن، في مختلف مناطق البلاد ليس مجرد جريمة عادية في حق البيئة والبشر، بل هو جريمة كبيرة في حق الأجيال اللاحقة التي ستأتي وتتساءل لماذا تم إنشاء كل هذا الإسمنت في مدن تفتقر إلى الأشجار والساحات الخضراء والمسابح والملاعب الرياضية والمنشآت الثقافية. وفي طنجة، التي تعتبر حاليا المثال الصارخ لكل الجرائم البيئية والعقارية، تجري أشياء عصية على الوصف.. غابات كاملة يتم تدميرها لإنشاء مدن مشوهة ومقززة. مدينة على بحرين عريضين لا يوجد فيها ولا مسبح واحد لتكوين سبّاحين؛ ملعب الفروسية التاريخي يتم تدميره لإقامة فيلات؛ ملاعب التنس ستسحق لإقامة عمارات؛ مدينة بمليوني نسمة لا يوجد فيها أي مركب ثقافي؛ مدينة كانت مرشحة لاحتضان معرض دولي لا تتوفر على مسرح حقيقي، مدينة فاز فيها فريق السلة بمجموعة من الألقاب والبطولات لا تتوفر على قاعة مغطاة في المستوى؛ مدينة كانت مرشحة لاحتضان مباريات كأس العالم 2010 لا يزال مركبها الرياضي يتحرك مثل السلحفاة. ما يجري في طنجة تجري أشياء مشابهة له في مدن مغربية كثيرة.. أباطرة الإسمنت يتسابقون نحو الأرباح الخيالية، بينما البلاد تسير نحو الهاوية، عمرانيا ورياضيا وثقافيا، ولم يسمع المغاربة أبدا أن مجموعة عقارية كبرى تطوعت لكي تبني مسبحا أولمبيا كبيرا أو مجمعا ثقافيا محترما أو مسرحا بمقاييس دولية أو مركزا ترفيهيا للأطفال.. إنهم يتسابقون فقط من أجل حصد الأرباح الخيالية. التردي الرياضي في المغرب لا يتحمله المدربون ولا اللاعبون ولا الجنرالات.. التردي الرياضي له أسباب شاملة بدأت منذ عقود وتمثلت في القضاء على المرافق الرياضية المفتوحة والمناطق الخضراء من أجل إرضاء هذه الطبقة الجشعة من الأغنياء الجدد الذين يسمون منعشين عقاريين.. هؤلاء يتحملون مسؤولية كبيرة عن تشويه معمار المدن، ومسؤولية كبيرة عن دفن الرياضة في هذه البلاد إلى الأبد، لأن كل منطقة خضراء أو ملعب يتم سحقه لتقام مكانه عمارة، هو مسمار كبير في نعش المستقبل. لكن هل يعرف أباطرة العقار معنى المستقبل؟؟ مُحاااااالْ.