المغاربة غاضبون.. يفكرون.. يتساءلون.. في جنون.. ما الذي دفع رياضتهم إلى كل هذا الاندحار، ولماذا لم يحصل رياضيوهم في بكين سوى على قطعة واحدة من النحاس، ولماذا أكل ملاكموهم الكثير من اللكمات، وأسئلة كثيرة أخرى. غضب المغاربة غير منطقي، لأنهم يشاهدون كل يوم كيف أن الملاعب والمساحات الخضراء والمتنزهات يتم الفتك بها كل يوم لكي تكبر أرصدة أباطرة العقار حتى تأتي نانسي عجرم لتغني في أعراسهم الأسطورية. المغاربة يعرفون كيف أن الملاعب والأماكن التي كانت قبلة لممارسة الرياضة سنوات الخمسينات والستينات، أي عندما كان عدد المغاربة أقل من عشرة ملايين، كانت أكثر بكثير مما هو موجود اليوم، أي بعد أن أصبح الناس يفوقون الثلاثين مليونا. أين إذن سيكبر أطفال المغرب ويمارسون رياضاتهم الأولى وكل شيء تحول إما إلى مزبلة أو عمارة أو مستودع سيارات محروس؟ كما أن المغاربة لا حق لهم في هذا الغضب لأنهم يعرفون أن الأبطال المغاربة في ألعاب القوى أو في الملاكمة يظهرون كما تظهر الأعشاب البرية في الصحراء، لا يزرعها ولا يسقيها أحد، لكنها تظهر وتنمو وتترعرع وسط الجفاف والظروف الطبيعية القاسية، هذا ما حدث بالضبط لسعيد عويطة ونوال المتوكل والسكاح وبيدوان وبوطيب وبولامي وغيرهم. وعندما ظهر هؤلاء تجمع حولهم المسؤولون المنافقون لكي يتظاهروا بأنهم أصحاب الفضل في ظهورهم. ويكفي النظر إلى الميداليات التي حققها المغاربة في الألعاب الأولمبية أو المسابقات الدولية لاستنتاج أنها ميداليات جاءت من دون أي مجهود للمسؤولين، وأغلب هذه الميداليات جاء عن طريق عدائين وملاكمين، وهؤلاء كلهم خرجوا من أحياء فقيرة ومعوزة وقهروا كل الصعاب لوحدهم. سعيد عويطة جاء من حي فقير ولم يكمل تعليمه، ونوال المتوكل ظهرت بنفس الطريقة، وغيرهما كثيرون. فضيحة أولمبياد الصين تأتي بعد فضيحة نهائيات كأس الأمم الإفريقية في غانا، يومها غضب المغاربة كثيرا بسبب المشاركة المخجلة لمنتخب كرة القدم، ثم دارت الأيام ونسي الناس ذلك. وبعد بضعة أسابيع سينسى الناس كذلك هذه المشاركة العار في أولمبياد الصين. المهم هو المشاركة... والنسيان هو الدواء لكل داء. الغريب أنه في نهائيات الكرة في غانا كان عدد المرافقين للمنتخب يقارب نصف عدد أفراد منتخب الكرة، واليوم في الصين عدد المرافقين هو بالضبط نصف عدد الرياضيين، وكلهم ذهبوا ليتسوقوا على حساب ميزانية الشعب والفقراء. بل إن رياضيين ذهبوا من دون مدربين وأطباء حتى يتركوا مكانهم لمرافقين محظوظين. المرافقون المغاربة في التظاهرات الدولية لا دور لهم على الإطلاق. إنهم يستنزفون المال العام ويمتصون دماء الشعب. لماذا إذن لا يخرج قرار حكومي يقول إن كل مرافق لأي بعثة رياضية مغربية يجب أن يؤدي مصاريف تنقلاته من جيبه، وأن يؤدي غرامة كبيرة لصندوق خاص بتكوين الأبطال في حال عدم حصول الرياضيين المغاربة على نتائج جيدة. أكيد أن الطائرات ستذهب إلى التظاهرات الرياضية الدولية شبه فارغة. الفضيحة الرياضية المغربية في بكين هي جزء من فضيحة عربية من المحيط إلى الخليج. بلدان بلا معنى يصرخ مذيعوها على الفضائيات بهجة وسرورا عندما يحصل رياضي عربي على ميدالية كيفما كان نوعها. وعندما حصل سباح تونسي على ميدالية ذهبية بدأ معلق عربي يصرخ: هنيئا للعرب.. هنيئا لإفريقيا. ما علاقة العرب والأفارقة بميدالية حصل عليها رياضي تونسي؟ لماذا لا يصرخ المذيع الأمريكي «هنيئا لأمريكا الشمالية وألاسكا وكندا وأمريكا الجنوبية» عندما يحصل رياضي أمريكي على ميدالية؟ السبب بسيط، وهو أن كل بلد يحترم نفسه لا يمكن أن يفخر بميدالية يحققها رياضي من بلد آخر. الكوبيون وحدهم يجنون عشرات الميداليات ولا تفخر كوبا بميداليات جيرانها، وهي جزيرة فقيرة وصغيرة تعيش على السكر والسيجار. لماذا العرب متنافرون في كل شيء، ومع ذلك يتزاحمون مثل أطفال يتامى من أجل الافتخار بالميداليات القليلة التي يحصل عليها بعض رياضييهم. العرب أمة مجنونة بالتبذير، وأمير واحد يبذر في شهر ما تصرفه الصين أو أمريكا من أجل صنع عشرات الأبطال الرياضيين.