يعتبر المحامي بهيئة الدارالبيضاء الطيب عمر اختطاف «الناخبين الكبار» واحتجازهم في أمكنة معينة عند اقتراب موعد الانتخابات المتعلقة بمكاتب المجالس والمقاطعات، أمرا متعلقا بالأخلاق قبل أن يتعلق بالقانون، طالما أن المنتخب الذي لا يصغي إلى صوت ضميره والذي لا ينضبط لتعليمات الحزب الذي ينتمي إليه من السهل عليه أن يقبل أن يختطفه الغير لكي يضمن صوته. - ما هي خلفيات تقدم وزارة الداخلية بكتاب إلى وزارة العدل من أجل فتح تحقيق قضائي بخصوص مزاعم بتورط بعض رجال السلطة في طلب رشاوى من أجل دعم بعض المرشحين؟ < ما قد يكون صدر عن وزارة الداخلية من مطالبة مرفوعة إلى وزارة العدل من أجل فتح تحقيق قضائي في مواجهة بعض رجال السلطة الذين قد يثبت تورطهم في أخذ رشاوى نقدية أو مزايا عينية أو غيرها لمساندة أو وعد هذا المرشح أو ذاك بالفوز، سواء في الانتخابات الجماعية التي تمت يوم 12/06/2009، أو ما تلاها من انتخاب رؤساء ومكاتب الجماعات والمقاطعات، سليم من الناحية المسطرية، ما دام لوزير العدل، وفقا لأحكام المادة 51 من قانون المسطرة الجنائية، أن يبلغ الوكيل العام للملك بما يصل علمه من مخالفات للقانون الجنائي، وأن يأمره كتابة بمتابعة مرتكبيها أو يكلف من يقوم بذلك، أو أن يرفع إلى المحكمة المختصة ما يراه الوزير ملائما من ملتمسات كتابية. ومبادرة كهذه لا يمكن إلا أن تحظى برضا الجميع، لكن شريطة أن لا تكون العملية انتقائية، فالقانون ومبادئ العدل والإنصاف لا تعرف الانتقائية، وقد تتنافى حتى مع سلطة الملاءمة في المتابعة المخولة للنيابة العامة، فكل من ثبت قيامه بعمل ذي توصيف زجري، لا سيما اذا كانت له علاقة بالشأن العام، يجب أن يحاسب قضائيا كيفما كان مستواه الوظيفي ومهما كانت الجهة التي قدم لها خدمات مشبوهة، فاختيار موظف أو منتخب دون الآخرين، تحت ذريعة إعطاء المثال أو غيرها هو تكريس لإفلات البعض من العقاب وهو « الحكرة» والظلم بعينهما بالنسبة إلى البعض الآخر . - إلى أي حد يعتبر التنصت على المكالمات الهاتفية للفائزين في اقتراع 12 يونيو الجاري قانونيا؟ < بخصوص التنصت أوالتقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد، وتسجيلها أو أخذ نسخ منها أو حجزها، ينبغي الإشارة إلى مسألة مبدئية، هي أن الأصل هو منع هذا الالتقاط، والاستثناء هو إمكانية القيام به، مع كل ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية من أهمها عدم إمكانية التوسع في تفسير كل ما من شأنه أن يؤدي إلى تبرير اختراق سرية المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد، أما بخصوص الجوهر فإن الأمر يقتضي بيان الجهة التي يمكنها قانونا القيام بذلك، والإمكانات المخولة لها. فالجهة الأولى هي قضاء التحقيق لدى المحاكم الابتدائية أو لدى محاكم الاستئناف، حيث يمكنه، إذا اقتضت ضرورة البحث ذلك، أن يأمر كتابة بالتقاط وتسجيل وأخذ النسخ والحجز، وصلاحياته هنا غير مقيدة بأي نوع من أنواع الجرائم سواء من حيث تصنيفها الكلاسيكي كجنايات أو جنح، أو من حيث نوعيات خاصة من الجرائم محددة بذاتها، وهذا الأمر واضح من الفقرة الثانية من المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية التي لم تعدد الجرائم التي عددتها الفقرتان الثالثة والرابعة، مما يفتح المجال لقضاء التحقيق بدرجتيه المشار إليهما لمباشرة ذلك الإجراء، والمعيار هنا هو «ضرورة البحث» التي يبقى له وحده، في إطار سلطته التقديرية، تحديد توافرها من عدمه. أما الجهة الثانية فهي الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف الذي يمكنه للعلة نفسها، أي لضرورة البحث، أن يلتمس كتابة من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف إصدار أمر بالالتقاط والتسجيل وأخذ النسخ أو الحجز، وذلك في جرائم محددة على سبيل الحصر كالجرائم الماسة بأمن الدولة، أو الجريمة الإرهابية أو التزييف أو تزوير النقود أو الجرائم المتعلقة بالمخدرات وغيرها. أما الجهة الثالثة، فهي الوكيل العام للملك نفسه، الذي يمكنه أن يأمر مباشرة بالالتقاط، أي دون أن يلتمس من الرئيس الأول إصدار أمر بذلك، وهو في هذه الحالة مقيد بضرورة توافر شروط هي ، بالإضافة إلى مراعاة الطبيعة الاستثنائية للإجراء، حالة الاستعجال القصوى، وكون ضرورة البحث تقتضي التعجيل خوفا من اندثار وسائل الإثبات،وكون الجريمة تمس أمن الدولة أو تتعلق بالمخدرات أو الجرائم الإرهابية، وغيرها مما هو محدد حصرا في الفقرة الرابعة من المادة 108، ثم ضرورة قيام الوكيل العام للملك بإشعار السيد الرئيس الأول بالأمر الصادر عنه، حيث يبقى من صلاحياته (أي الرئيس الأول) أن يصدر، خلال أجل 24 ساعة، قرارا لا يقبل أي طعن، وينفذ فورا، سواء بتأييد أو تعديل أو بإلغاء قرار الوكيل العام للملك، وما تم إنجازه من إجراءات تنفيذا للأمر الملغى أو المعدل يعتبر كأن لم يكن. ويمكن أن نضيف جهة رابعة، هي وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية الذي لا يمكنه أن يأمر بالالتقاط والتسجيل وأخذ النسخ والحجز، بل يمكنه، في إطار التثبت من الجرائم بكل وسيلة من وسائل الإثبات، وفق ما هو منصوص عليه في المادة 286 من قانون المسطرة الجنائية، أن يأمر برصد المكالمات الهاتفية التي تلقاها رقم هاتف معين، أو صدرت عنه، أي معرفة الأرقام وتواريخ المكالمات، دون إمكانية الوصول إلى محتواها. - ما هو التوصيف القانوني الذي يمكن أن نطلقه على ظاهرة اختطاف المستشارين قبيل انتخاب المجالس الجماعية؟ < ظاهرة اختطاف «الناخبين الكبار» واحتجازهم في أمكنة معينة عند قرب موعد الانتخابات المتعلقة بمكاتب المجالس والمقاطعات، تتعلق أولا بالأخلاق قبل أن تتعلق بالقانون، فالمنتخب الذي لا يصغي إلى صوت ضميره والذي لا ينضبط لتعليمات الحزب الذي ينتمي إليه من السهل عليه أن يقبل أن يختطفه الغير لكي يضمن صوته، لأن هذا الضعف منه هو الذي مكن غيره من أن يصل إلى درجة احتجازه ماديا بمكان مجهول، فالأمر مثير للاشمئزاز من هذا الجانب أو ذاك مختطفا كان أوخاطفا، والبحث له عن توصيف قانوني، قد لا يكون إعماله عادلا، أو قد يكون غريبا وسط ما يطلع عليه الرأي العام يوميا من أخبار، هو بحث بدون جدوى، ومع ذلك فإن الأمر يمكن أن تحكمه مقتضيات: الفصل 436 من القانون الجنائي الذي يتضمن عقوبة جنائية تصل إلى عشر سنوات سجنا، ويعاقب « كل من يختطف شخصا أو يقبض عليه أو يحبسه أو يحجزه، دون أمر من السلطات المختصة، وفي غير الحالات التي يجيز فيها القانون أو يوجب ضبط الأشخاص»، فإذا كانت عبارات هذا النص واضحة في كونها تنطبق على ما نسمعه ونقرأه يوميا من اختطافات واحتجازات، فإن العنصر الوحيد الذي يبقى قابلا للمناقشة من الناحية القانونية، هو المتعلق برضا أو عدم رضا الشخص المختطف أو المحجوز، وإن كان من السهل المبادرة إلى القول إن ذلك الرضا معيب بالتدليس أو الإكراه، ويبدو أن على النيابات العامة أن تفعل هذه المقتضيات القانونية ولو أنها تتضمن عقوبات قاسية، إن كانت هناك فعلا نية صادقة لتخليق الحياة العامة، فلو أحيل الخاطفون مرّة واحدة على غرفة الجنايات لانتهينا من هذا الوباء. أما التوصيف الثاني فهو المنصوص عليه في المادتين 100 و106 من مدونة الانتخابات حيث تعاقب الأولى بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 50.000 إلى 100.000 درهم كل من حصل أو حاول الحصول على صوت ناخب أو عدة ناخبين مقابل أي منفعة كانت بقصد التأثير على تصويتهم سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو بواسطة الغير، ومن يقبل تلك المنافع يعاقب بالعقوبات نفسها, شأنه في ذلك شأن الأشخاص الذين توسطوا في تقديمها أو شاركوا في ذلك، وتعاقب الثانية بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة كل من 5000 الى 10.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط «كل من قام بالمس أو محاولة المس بنزاهة التصويت» ومعلوم أن الاختطاف أو الإخفاء لا يمكن تصور وجودهما دون الحصول أو محاولة الحصول على صوت ناخب أو عدة ناخبين، مقابل منفعة، بقصد التأثير على تصويتهم ، ودون الرغبة في المساس أو محاولة المساس بنزاهة التصويت، فلو لم تكن هناك رغبة في التأثير أو المساس بالنزاهة لبقي كل «ناخب كبير» في عمله وبيته كما كان قبل أن يصبح «كبيرا». - ما هي قواعد الإثبات المعمول بها في الجرائم الانتخابية؟ < حسب قواعد الإثبات المعمول بها في المادة الانتخابية، في شقها الزجري، يمكن إثبات الجريمة الانتخابية بكل وسيلة من وسائل الإثبات المعروفة، إلا إذا قضى القانون بخلاف ذلك، وفي شقها الإداري، فإن كل قواعد الإثبات المعمول بها في قانون المسطرة المدنية من كتابة ومحاضر وشهادة الشهود وقرائن، ومن كون البينة على عاتق المدعي، يمكن تطبيقها أمام المحكمة الإدارية وهي تنظر في الطعون الانتخابية ، لكن على نحو يتسم بصرامة أكثر حيث لا تعتبر المحكمة وسيلة من وسائل الطعن إلا إذا كانت مثبتة بشكل دقيق وواضح في صحيفة الدعوى، وان تتضمن هذه الصحيفة، بدءا للإثبات من شأنه أن يجعل الشيء المراد إثباته قريب الاحتمال وواضح الجدوى، وأن لا يقتصر الطاعن في مقاله على العموميات، بل لا بد من إبراز ما ينسبه للعملية الانتخابية بما يلزم من الدقة والتحديد، والمخالفات- وإن ثبتت - فإن القضاء الانتخابي لا يلغي نتائج الاقتراع إلا إذا تأكد له أن لها تأثيرا على نتيجة الاقتراع، فليس جزاء ثبوت المخالفات هو الإلغاء بصفة آلية، بل إن المحكمة تتساءل إن كانت النتائج ستتغير لو لم ترتكب تلك المخالفات، وبالتالي فلا يؤخذ إلا بتلك التي من طبيعتها أن تغير نتائج الاقتراع، وهو ما يعبر عنه بمبدأ «الاثر الحاسم».