سجل أزيد من 750 طلبا لدى إدارة المدرسة العليا للفنون الجميلة، من طرف الطلبة الراغبين في اجتياز مباراة الولوج، فيما لا تتسع المدرسة من حيث قدرتها الاستيعابية إلا ل35 طالبا جديدا، وقد أدخل مقر المدرسة بداية الستينيات في باب المؤقت، لكن المؤقت أصبح في حكم الدائم، مثل أجور الأساتذة التي ظلت طيلة ربع قرن محدودة في 900 درهم، مفارقة من المفارقات يكشف عنها هذا الربورتاج. لم يعد السكن الأصلي للمعمر الفرنسي بونيفاس، والذي تحول إلى مدرسة للفنون الجميلة بالدارالبيضاء، منذ خمسينيات القرن الماضي، قادرا على استيعاب الأعداد الكبيرة من الطلبة ممن يقدمون طلباتهم عند كل موسم دراسي، والتي تتضاعف سنة بعد أخرى، فلحدود الساعة يوجد لدى الإدارة ما يفوق 750 طلبا وافدا عليها من كل جهات المملكة من الشرق إلى تخوم الصحراء المغربية، وستكون المدرسة مجبرة على انتقاء 35 طالبا وفقا لما تسمح به القدرة الاستيعابية لهذه المؤسسة الفنية، واعتمادا على مباراة، يقول الفنان عبد الرحمان رحول، مدير المدرسة العليا للفنون الجميلة. فمنذ أن تمت مغربة هذه المؤسسة في بداية الستينيات من القرن العشرين، اعتبرت الجهات الوصية أن هذا المقر الذي تم بناؤه سنة 1930 سيكون مجرد مقر مؤقت، لكن المؤقت صار في حكم الدائم. عبد الرحمان رحول يعتبر أن المدرسة أسهمت في تكوين العديد من الأسماء الإبداعية التي بصمت الحركة التشكيلية بالمغرب، والمنتمية إلى أجيال ومدارس مختلفة، وعملت على إكساب الفن التشكيلي هويته الوطنية بالانفتاح على التراث الثقافي المغربي وبتوظيف الأشكال والرموز والمعطيات الجمالية، التي تزخر بها الصناعة الحرفية التقليدية وروافد الحضارة المغربية، مضيفا أن مجموعة الدارالبيضاء، عملت كذلك على إخراج الفن من القاعة إلى رحاب الكلية والشارع، وبلورة نقاش ثقافي حول هوية التشكيل المغربي وآفاقه، مشيرا إلى أن المدرسة حين تم تأسيسها سنة 1950 في العهد الاستعماري، ظلت محصورة على الفرنسيين، ونصت من خلال قانونها الداخلي بالبند العريض، على أنه يمنع منعا كليا على الطلبة المغاربة أن يدرسوا بهذه المدرسة، وأن يقدم فيها الفنانون المغاربة دروسا، وبذلك ظلت تشجع المغاربة على الفن الفطري والمدرسة الواقعية، يقول رحول. عبد الكريم الغطاس، فنان تشكيلي، وأستاذ بمدرسة الفنون الجميلة، من جهته يعتبر أن المكتسبات التي حققتها المدرسة لا حد لها، وزودت المقاولات المغربية والمؤسسات الإعلامية داخل المغرب وخارجه بالعديد من الأطر المبدعة في مختلف التخصاصات: (تصميم جميع الأشكال، سيارات، كراس، قارورات، خرائطية ألوان الأثواب، وفي مجال الهندسة الداخلية، والكرافيزم، الإشهار..) إلى غير ذلك من الأنشطة الحيوية التي أضحت تطبع الحياة الاقتصادية والاجتماعية للعصر الحديث، وتقوم على العلوم البصرية، لذلك جعلت منها الدول المتقدمة آلية في مجال تطوير اقتصادياتها، وبالتالي وفرت كل العناية لمدارس الفنون الجميلة، في حين لازالت هذه المدارس عندنا في المغرب تعيش أزمة الاعتراف، ولا أدل على ذلك، يقول الغطاس، من أن المغرب ومنذ الخمسينيات ظل يتوفر فقط على مدرستين للفنون الجميلة، مدرسة الدارالبيضاء ومدرسة تطوان، مع أن عدد السكان في ذلك الوقت والذي لم يكن يتجاوز10 ملايين نسمة أصبح الآن يقارب 40 مليون نسمة، ويتساءل «أفلا يعد هذا عيبا وعارا، وكأن الفاعل السياسي وصانع القرار يظن أن الفنون التشكيلية مثل مهرجان للموسيقى والرقص؟ وينسى أن السيارة التي يمتطيها وضع تصميمها مبدع خريج مدرسة الفنون الجميلة وليس طالب من كلية الحقوق، وأن العلامة التجارية لمقاولته أو الشركة التي يتعامل معها أنجزها مبدع، وأن جريدته الحزبية التي يتنابز من خلالها مع خصومه السياسيين، بوبها وأخرجها فنان». وعبر الغطاس عن أسفه لكون كل المكتسبات الثقافية والفنية والتنموية التي حققتها المدرسة بفضل صفوة من الأساتذة لم تجد بعد اعترافا يذكر، مبرزا أن الأساتذة يتكبدون إكراهات وضعيتهم الإدارية الصعبة إلى إشعار آخر، وكلهم يؤكدون أن علاقتهم بالمؤسسة الفنية تحتكم إلى ميثاق أخلاقي وعلاقة معنوية عنوانها البارز هو الإخلاص لتاريخ المؤسسة التي يرجع لها الفضل في تكوينهم ورسم معالم مستقبلهم الفني، أما القيمة المحددة لتعويضاتهم فهي لا تصل الحد الأدنى للأجور( 900 درهم يبتسم، ويوصي «المساء» أن تكتبها بالحروف مخافة خطأ مطبعي قد يرفع من القيمة: تسعمائة درهم بالتمام والكمال)، مضيفا أن هذا الأجر الهزيل ظل ثابتا في مكانه منذ القرن الماضي حين كان كيلو غرام من اللحم لا يتجاوز عشرة دراهم، أما الآن فهذا الأجر الهزيل لا يغطي حتى تنقلات الأساتذة المنتظمة إلى المؤسسة، وبالأحرى تحفيزهم على مداومة تأطيرهم التربوي، وإشرافهم النظري والتطبيقي على الحلقات التكوينية للطلبة من الناحية التقنية والفكرية. وأشار الغطاس إلى أن الأساتذة سبق أن دبجوا رسالة إلى عمدة المدينة يلتمسون فيها إعادة النظر في وضعيتهم المادية، بعد تغيير قانون المدرسة وإدراجها في إطار التعليم العالي، وعرضها هذا الأخير بدوره على مجلس المدينة، وتمت الموافقة عليها بإجماع كل الأعضاء، غير أن وزارة الداخلية ووزارة المالية عرقلتا المشروع، ليبقى الوضع على حاله الفريد من نوعه، بين مختلف بلدان المعمور، ومبرزا أن الأساتذة لازالوا يخضعون لنظام التعاقد الذي يتجدد كل سنة، معتبرا أن هذا يدخل في باب الإهانة والظلم والاستهزاء، ومشيرا إلى أن معتقلي تازمامارت عرف مشكلهم حلا، فكيف يستعصى على الجهات المعنية أن لا تجد لنا حلا حتى وإن كان ذنبنا الوحيد أننا أحببنا الوطن وأحببنا الفن وأننا أبناء هذا الوطن ممن لا يقوون على متابعة دراستهم بالقطاع الخاص بمقابل يصل إلى سبعة آلاف درهم شهريا، ومن أجل هؤلاء الطلبة القادمين من المدن السفلى والمهمشة من وجدة وتنغير والعيون وغيرها والذين يشكلون نسبة 80 بالمائة من طلبة المدرسة ويسكنون بفنادق صغيرة وكابانوهات تركها أصحابها لفصل الصيف، ومنهم من اكترى محلات بالمدينة القديمة لا تتوفر فيها السلامة الصحية، لأجل هؤلاء الذين حرموا من السكن الجامعي وبعضهم اختار العمل في أشغال البناء لمواجهة أعباء الدراسة، كان لا بد وأن نرابط كل هذا الزمن بهذه المدرسة وعلى مدار أربعين سنة مقابل أجرة زهيدة لا نحصل عليها إلا بعد ثلاثة أشهر، ولا يهم أن يقطع تيار الكهرباء أو الماء. ويسترسل عبد الكريم قائلا الحمد لله أنني أعيش من أعمالي الفنية مثل آخرين بالمدرسة، فيما هناك بعض آخر ليس له إلا هذا الدخل. أستاذ آخر، طلب عدم ذكر اسمه، تحدث عن مفارقة أخرى وتتمثل في عدم اعتراف قطاع المعادلة للدبلومات في كل من وزارة التعليم العالي ووزارة الداخلية بدبلوم المدرسة إلى المحصل عليه برسم السنوات التكوينية بالمدرسة العليا للفنون الجميلة، ومشيرا في نفس الآن إلى أن الطلب على خريجي المدرسة من طرف المقاولات يعد مؤشرا قويا على الكفاءة والمهنية والإبداعية التي تميز البرامج التكوينية والبيداغوجية للمدرسة، ومبرزا أن الحد الأدنى للأجر بالنسبة إلى الخريجين ممن التحقوا بقطاع الشغل هو اثنى عشرة ألف درهم، وأن العديد منهم التحق بالخارج كأطر عليا، وقدم كنموذج لذلك طالبا اكتشفته لجنة بمحض الصدفة أثناء زيارتها للمعهد حين تعرفت على مشروع تصميم جمالي لدراجة نارية، فعرضت عليه بعدها الاشتغال بسويسرا في إحدى الشركات هناك، مضيفا أن أغلب العاملين في قسم الديكور بالقنوات التلفزية وفي جميع الأقسام المتعلقة بالكرافيك هم خريجو المدرسة، فكيف يعقل ألا تعترف الجهات البيروقراطية الرسمية بالديبلومات التي تنتجها المدرسة، والتي لا يمكن أن يتنكر لها إلا جاحد، مذكرا بأعمال الطلبة وأنشطة المدرسة وانفتاحها على محيطها رغم إمكانياتها المحدودة التي جعلت مؤسسة ريفانسي تقدم مؤخرا على بادرة طيبة لدعم وتقوية بنياتها اللوجيستيكية، وذلك بتخصيصها ما قيمته 50 ألف درهم لتعزيز البنيات المعلوماتية، وفي هذا السياق تساءل محدثنا :هل لا يتوفر مجلس المدينة على الاعتمادات المالية اللازمة لتحديث مرافق المدرسة وتجهيزها بأحدث الوسائل البيداغوجية لكي تؤدي دورها الوظيفي والبيداغوجي؟