معدل جرائم القتل في مصر وصل إلى 1.6 جريمة كل يوم كنت أرصد، مع كثير من المهتمين بالشأن العام، التغيرات التي تحدث في مصر طوال السنوات الماضية وأجدها تتم على فترات متباعدة، أي عاما بعد عام، ثم أصبحت تسير بوتيرة أسرع حتى صارت شهرا بعد شهر، لكنها أصبحت الآن شبه يومية، ففي كل يوم يمكن أن يتم رصد تغيرات مدمرة تعصف بالمجتمع المصري، من أخطرها جرائم القتل البشعة بشكل عام التي أصبحت شبه يومية حتى إن آخر التقارير تشير إلى أن معدل جرائم القتل في مصر وصل إلى 1.6 جريمة كل يوم. والغريب في الأمر هو حجم الدموية والإجرام الذي يتم به ارتكاب هذه الجرائم والأوساط التي تتم فيها ولاسيما في إطار الأسرة الواحدة، المحور الأساسي لصلة الرحم. وكثيرا ما يكون الضحايا أمهات أو آباء أو أزواجا أو إخوة أو أخوات. وعلى صعيد الحياة العامة، فقد أصبحت التظاهرات والإضرابات والوقفات الاحتجاجية سمة مميزة لمعظم موظفي مؤسسات الدولة بعدما وصلت هذه الأخيرة إلى مرحلة العجز عن سد الفجوة الهائلة بين الأغنياء والفقراء والترهل القائم في جهاز الدولة حتى أصبح راتب الموظف لا يكفي ثمن الخبز لأولاده دون طعام آخر فيما تعيش فئة محدودة حياة التخمة والبذخ. أما عشوائية الحياة فلم تعد متوقفة عند العشوائيات التي تحيط بالقاهرة من كل جانب والتي تزيد على مائة عشوائية وأكثر من بين ألف ومائة عشوائية تنتشر فى ربوع مصر كلها، وفق الإحصاءات الرسمية. لكن المراقب يستطيع أن يجد أن كل شيء أصبح عشوائيا في مصر وأن صفات العشوائية الآن ضربت الحياة كلها، بل أرقى أحياء القاهرة، مثل مصر الجديدة والمهندسين والزمالك والمعادي، حيث أصبح العرف السائد في هذه الأحياء، مثل باقي أحياء القاهرة، هو أن تجد السيارات تسير عكس اتجاه السير أو أن أصحابها تركوها في الشوارع صفا ثانيا أو ثالثا أحيانا، دون اكتراث لأحد، أو قام أحدهم بترك سيارته أمام مدخل كراج لعمارة أو فيلا ليغلقها على ساكنيها دون أن يلقي بالا للافتة المعلقة أو حتى دون لافتات، ويستطيع كل من يمشي في هذه الأحياء أن يرصد بين شارع وشارع تلاسنا بين كبار القوم الذين يسكنون في هذه الأحياء بسبب هذه الموضوعات، وفي أرقى أحياء القاهرة مصر الجديدة، وفي منطقة حديقة الميريلاند تحديدا يستطيع من يمارسون رياضة المشي حول الحديقة صباح مساء أن يرصدوا عشرات من الكلاب الضالة تملأ حديقة الميرلاند والممشى المحيط بها. وحديقة الميريلاند، لمن لا يعرفها، حديقة عامة من أكبر حدائق القاهرة التي أنشئت مع إنشاء حي مصر الجديدة الذي كان مليئا بالحدائق، لكنها بقيت دون أن تمتد إليها أيدي العشوائيين ويرتادها الأطفال والعائلات من متوسطي الحال، حيث إنها من المتنفسات القليلة في القاهرة، وحولها ممشى يمارس الناس عليه رياضة المشي بالليل والنهار، لكنهم يجدون كما هائلا من الكلاب الضالة تخرج وتدخل عبر أسوار الحديقة وتهدد المارة بشكل مزعج دون أن يسعي أحد إلى وضع حد لها، ربما في انتظار وقوع كارثة أو أن يقوم أحد هذه الكلاب بعضّ أحد كبار المسؤولين في الدولة أو أحد أبنائه حتى يتم التحرك ضدها. وفي الساحة الخارجية الجنوبية للحديقة، وهي الأوسع، تقوم مجموعات من الصبية والشباب بلعب كرة القدم في الشارع الرئيسي طوال النهار تقريبا والليل وحتى مطلع الفجر بشكل شبه يومي، وذلك في ظل وجود حراسة من الشرطة على مدار الساعة في هذه المنطقة لحراسة بيوت كبار المسؤولين الموجودين بها، ومع ذلك لا يقوم أحد بردع هؤلاء على الإطلاق رغم الضوضاء التي يسببونها لكل السكان والخطر الدائم من انفلات الكرة إلى الشارع والسيارات، وهذه هي الكارثة المتمثلة في السلبية واللامبالاة القائمة من الجميع ولاسيما الشرطة. وفي حي أرض الجولف، الذي يعتبر من مناطق مصر الجديدة الراقية، نشرت صحيفة «المصري اليوم»، قبل عدة أيام صورا، لمجموعات من الشباب تلتقي عيانا جهارا في بعض شوارع المنطقة، حيث يتناولون الخمور والمخدرات ويجاهرون بها على الملأ دون وازع ويحدثون ضوضاء كبيرة ويتعرضون بالأذى للسيدات والفتيات المارين من أهالي المنطقة، وقام كثير من سكان الحي بتقديم شكاوى إلى السلطات المعنية، لكن أحدا لم يتحرك لردع هؤلاء؛ والأدهي من ذلك هو أن أحد ضباط الشرطة جاء بعد عدة بلاغات، ثم وقف دقائق مع هؤلاء الشباب المستهترين المعتدين والمتجاوزين على المجتمع وحقوقه ثم تركهم وانصرف، وكأن التعدي على المجتمع وحقوقه والناس أصبح هو السائد، ومن أراد أن يفعل أي شيء فليفعله لأن العقوبات أصبحت انتقائيه والردع أصبح عشوائيا. في كل مكان الناس تصرخ وترفع أصواتها وأبواق سياراتها وكأن الجميع يسير نحو الانفجار، يتحدثون عن وجود أكثر من مائة عشوائية في القاهرة، لكني أقول إن القاهرة كلها بكل أحيائها الراقية أصبحت عشوائيات، ولم يعد هناك شيء اسمه حي راق لأن التعدي على الحقوق العامة وترك السيارات في الشوارع والسير عكس الاتجاه وإلقاء المخلفات في الشوارع والسلبية المتناهية هي قمة العشوائية. تجهيزات القاهرة بوضعها الحالي، كما أخبرني الدكتور عبد العزيز حجازي رئيس وزراء مصر الأسبق، تسع ثلاثة ملايين ونصف المليون إنسان فقط، بينما سكانها وصلوا في ظل النظام العشوائي إلى ما يقرب من عشرين مليونا، كل منهم يريد لنفسه ما لا يريده لغيره، بل أصبح كل إنسان يبحث عن فرصة للتعدي على حقوق الآخرين أو يحصل على أي شيء دون ثمن. إن العشوائية تقود بسهولة إلى الفوضى، وهذا ما يشير إليه كثير ممن يرصدون الحالة المصرية.. إنها ستقود في النهاية إلى حالة من الفوضى العامة، لا يدري أحد إلى أي مدى يمكن أن تأخذ البلاد والعباد.