بساكنة تقترب من المليون نسمة (820 ألفا حسب الإحصائيات الرسمية) تقبع مدينة سلا على الضفة اليسرى لنهر أبي رقراق في هدوء يخفي خلفه اختلالات ومشاكل عميقة ظلت المدينة تعاني منها لعقود، وهو الأمر الذي أرجعه بعض العارفين بأمورها إلى غضب الحسن الثاني نتيجة علاقة متشنجة مع أعيانها، وكذا الانتماء السلاوي لعدد من معارضيه قبل أن يعمل المسؤولون الذين توالوا على تسيير شؤونها على تعميق وتكريس هذا الواقع، بشكل حولها إلى تجمع بشري شاسع يختزل جميع مشاكل مغرب ما بعد الاستقلال. منذ بداية الثمانينيات عرفت سلا توافد أفواج متلاحقة من المهاجرين من مختلف أنحاء البلاد، والذين وجدوا في الأراضي الفلاحية المحيطة بها ملاذا للاستقرار، هربا من الجفاف والفاقة وسط تساهل السلطة التي وجدت في هذا المعطى فرصة لتكديس الثروة مقابل التغاضي عن «الغيثوهات» التي كانت تزحف ليل نهار على سواني المدينة، لتصبح هذه الأخيرة في ظرف سنوات قليلة أحياء بحجم مدن تحتضن عشرات الآلاف في الأحياء القصديرية كسيدي موسى وكريان الواد ...أو أحياء هامشية مثل لعيايدة والقرية..الشيء الذي انعكس على المدينة بصورة كارثية، وجعلها رهينة لكل أشكال ومظاهر البداوة من عربات وقطعان ماشية وحمير تتسكع في أهم شوارعها في ظل عجز برنامج مدن بدون صفيح عن تحقيق نتائج ملموسة حتى الآن. من الناحية الأمنية تتصدر سلا لائحة المدن المعروفة بنسبة جريمة قياسية، وهو المعطى الذي يجد تفسيره في طبيعة الساكنة، ومعدلات الفقر القياسية التي تجثم على جزء مهم من ساكنتها أمام ضعف التغطية الأمنية، والاعتماد على منطق الحملات ملموسة لمواجهة زحف الجريمة المتنامي من اعتراض وسلب واتجار في المخدارت. من جهة أخرى فإن غياب تصور شمولي للتنمية جعل المدينة تعيش على إيقاع كساد اقتصادي، يساهم في ترسيخه انعدام تام لمشاريع نوعية قادرة على خلق فرص شغل وامتصاص جيش العاطلين الذي يتخذ من نواصي الأحياء معسكرا لقتل الوقت، في حين اختار عدد كبير من شباب سلا الهجرة إلى مدن أخرى كالدار البيضاء وطنجة أو أوروبا بحثا عن حياة أفضل، في ظل حالة التبعية التي تخضع لها سلا لمصلحة العاصمة الرباط التي تعيش يوميا على إيقاع مد وجزر بشري يخلف وراءه سيولة مالية مهمة، في حين تبقى الرئة الاقتصادية الوحيدة لمدينة سلا متمثلة في الحي الصناعي الذي يعيش بدوره على إيقاع الإغلاقات المتتالية لعدد من الشركات. بالنسبة إلى النقل ورغم التلويح بورقتي الترامواي والتدبير المفوض كحل لهذا المشكل، فإن عدم التفكير في خلق خطوط قارة للربط بين أحياء المدينة لن يمكن من القضاء على ظاهرة «الكراريس» والخطافة، أو العربات المجرورة بدراجات نارية التي تهدد بتحويل سلا إلى نسخة مشوهة عن المدن الأسيوية في ظل بنية طرقية تختلف وضعيتها حسب الأحياء ومنطق الجزاء والعقاب الانتخابي. القطاع الصحي بدوره يشكل هاجسا كبيرا لساكنة المدينة، بعدما أصبح المستشفى الإقليمي الأمير مولاي عبد الله عبارة عن مستوصف أمام قلة التجهيزات والأطر وضيق طاقته الاستيعابية، رغم أنه ملزم بتقديم خدماته لساكنة تناهز المليون نسمة إضافة إلى الضواحي والقرى المحيطة بسلا، ولعل حالة قسم المستعجلات تلخص بوضوح حقيقة الوضع الصحي بالمدينة في انتظار الشروع الفعلي في إنجاز المستشفى الجديد المزمع إحداثه قرب سوق الخميس.