إن المتتبع لمسار الانتخابات في المغرب يلحظ أنها أضحت عملية سياسية تمليها إكراهات قانونية ودستورية أكثر مما هي عملية تجديد حقيقية في آليات السلطة والتدبير. فالأحزاب المشاركة على كثرتها أغلبها دفع ثمنا من رصيده النضالي وقناعاته الفكرية مقابل الانخراط في مشهد سياسي يمسك خيوطه بإحكام شديد من يملكون السلطة الحقيقية. أما الأحزاب والتنظيمات التي تمارس معارضة حقيقية فهي ممنوعة من المشاركة إلى أجل تتكون فيه قابليتها للتطويع والتدجين. ما حصل لحزب العدالة والتنمية من ضغط انتقائي في قضيتي بلكورة ومشروع تمارة تبين بجلاء أن الحزب تعرض لعملية طويلة من التدجين جعلت منه جزء من سيناريو يخرج بأشكال تختلف باختلاف الحسابات والمراحل. لقد ضحى الحزب بالكثير من مصداقيته السياسية نظير الحصول على مقاعد في البرلمان والمجالس الجماعية، دون تأثير حقيقي في ملفات التدبير الاقتصادي والاجتماعي، وحصيلته لما يزيد عن عقد من الزمن خير دليل على ذلك. إنني أجد من الخطأ أن يلام عباس الفاسي على أوضاع اقتصادية واجتماعية لا يتحمل فيها من الوزر إلا بقدر كونه وزيرا أول معينا رمى بكل رمزية حزب الاستقلال وتاريخه للعب دور مشجب تعلق عليه الأخطاء أو كومبارس في مشهد سياسي محبوك بدقة وبأدوار موزعة سلفا. أما الحديث عن الاتحاد الاشتراكي وغيره فهو صار أشبه بالحديث عن امرأة شاخت وفقدت جمالها ورميت في ركن تقتات من الفتات السياسي.. من المؤسف حقا أن يتم الحديث عن عزوف انتخابي من طرف جرائد حزبية برهنت قياداتها أنها تبيع المبدأ والفكرة، مقابل مواقع سلطة لا يملك أصحابها حتى حق التوقيع على أبسط المشاريع دون إذن. الانتخابات المغربية ستظل للأسف عملية شكلية للتطويع والتدجين حتى تتوفر الشروط لعملية سياسية حقيقية تهيئ لانتقال ديمقراطي حقيقي.