لم يستقر طقس يوم أول أمس السبت على حال، فقد اجتمعت كل الفصول في يوم واحد، زخات مطر ورياح خريفية وإشراقة شمس الربيع ثم حرارة تبعث على الاختناق. انعكست التقلبات الجوية على أداء الوداد البيضاوي، فقد تباين المردود العام للفريق على امتداد دقائق المباراة، لينتهي بهزيمة أعادت إلى الأذهان سيناريو نهائي كأس أبطال العرب للعام الماضي حين انهزم الوداد أمام وفاق سطيف في الدارالبيضاء، وخذل بالتالي آلاف عشاقه الذين كانوا يمنون النفس بفوز يكرس الخط التصاعدي للنادي. مباراة الوداد والترجي كطقس يوم السبت أرعد فيه خط الهجوم ولم يمطر، ارتفعت الحرارة في المدرجات دون أن تحفز اللاعبين على صنع الفرجة، وحده الجمهور الودادي ناب عن كل مكونات الفريق وحول الاحتفالية إلى المدرجات بدل البساط الأخضر. أكدت مباراة الوداد والترجي عجز المنظمين عن تدبير ظاهرة الازدحام. كان أحد القائمين على التنظيم يحث الناس على الازدحام وهو يردد مقولة «تزاحموا تراحموا»، بينما تبين للعديد من المتفرجين أن الولوج إلى الملعب لا يتوقف فقط على امتلاك تذكرة، بل يحتاج إلى لياقة بدنية عالية وقدرة خارقة على الاختراق. عند بوابة المركب تحول أحد رجال القوات المساعدة إلى بائع تذاكر في السوق السوداء، يعرض تذاكر مستعملة للبيع دون خوف أو تردد، أما رجال الأمن فقد عجزوا عن فهم سر ارتفاع عدد المتسربين، الذين يفوق عددهم أحيانا 20 ألف متفرج، بل إن المباراة كشفت عن وجود ظاهرة جديدة تتمثل في كائنات تبيع «البادجات» بمختلف أصنافها، أغلاها سعرا شارة منظم، ولم تسلم شارات الصحفيين من التداول في السوق الحرة، التي يمكن أن تتسوق فيها وتشتري كل شيء حتى الذمم. لأول مرة في تاريخ الكرة المغربية يقتحم جمهور «الوينرز» و»كرياتورو» فضاء «المكانة» المخصص ل «صوت الشعب»، أو فصيل مشجعي الرجاء، من يصدق أن مدرجات «المكانة» ستغير جلدها يوما وتتزين بالأحمر؟ ولأول مرة أيضا يتمكن فدائيو الوداد من تحويل ثلثي الملعب إلى لوحة فنية، من خلال «تيفو» عملاق يرمز إلى المرجعية التاريخية لوداد الأمة، خاصة وأنه في مثل هذا اليوم من سنة 1937 عرفت المدينة القديمة ميلاد نادي الوداد الرياضي، لذا كان «الميساج» الذي رفعه أحباء الفريق أشبه ببيت شعري يقول: أسياد العرب كنا.. للأمجاد والألقاب عدنا. أما مشجعو الترجي التونسي الذين فاق عددهم 3000 متيم بلوني الذهب والنار، كما تقول أساطير الترجي، فقد ظلوا يرددون الأهازيج التي تحفز اللاعبين وتذكرهم بتاريخ الفريق ونجومه الأموات والأحياء، وحين يرتفع مؤشر الحماس والحرارة ينزعون أقمصتهم ويتحولون إلى عراة، بل إن مجموعة من مناصري الرجاء البيضاوي، وأمام الزحف الأحمر على فضاء «المكانة»، اختاروا الانضمام إلى جماهير الترجي عملا بالمقولة الكيدية «عدو عدوي صديقي»، مع التلويح بأعلام خضراء وسط الأعلام الصفراء والحمراء. كعادة منصة الصحافة، فقد تحولت إلى ملاذ لمن لا مقعد له، في هذه المنصة يتعايش الصحفي الذي يبحث عن فسحة للتركيز، مع مشجع يحمل مزمارا ويصرخ في وجه الحكم مع كل صافرة منفلتة، فرغم مجهودات رجال الأمن فإنه في مناسبات عديدة من الصعب حمل علامة قف في وجه رجل سلطة من العيار الثقيل له القدرة على إرسال من يمنعه من ولوج المنصة، إلى أرض نائية لا كرة ولا زحمة فيها. كان تخوف الأجهزة الأمنية من تسرب الشهب النارية مشروعا، وتم إخضاع المتفرجين المغاربة والتونسيين لتفتيش دقيق، لكن تبين أن مناصري الترجي أشعلوا عشر شهب أمام مرأى رجال الأمن الذين اكتفوا بمطالبة مشعلي الشهب برميها إلى الملعب ليتكفل رجال الإطفاء بإخمادها، صاح أحد مشجعي الوداد في وجه البوليس، «اعتقلوهم وحاكموهم كما حوكم المغاربة»، لكن في كرة القدم فالشهب حلال على الضيوف حرام على أهل الدار. من شدة الضغط الجاثم على أقدام لاعبي الوداد، أبانت عناصره عن سخاء كبير، وقدموا للتونسيين هدايا أدى الفريق ثمنها «كاش»، خاصة حين استغل مهاجم الترجي إنيرامو مايكل سوء تقدير من عميد الوداد هشام اللويسي، وسجل هدفا يزن ذهبا. ألهب الهدف الغادر حماس مدرجات أحباء الترجي، لكن فئة من جماهير الوداد أصرت على مصادرة الحق في الاحتفال، فتحولت المباراة إلى سجال في المدرجات، هجومات كلامية وملاسنات تطورت إلى حد تبادل القذائف، التي كانت عبارة عن قنينات للمشروبات الغازية والمعدنية بل إن بعض القنينات كانت تحمل في جوفها سائلا يميل إلى الاصفرار قيل إنه صبيب من بول شخص مجهول. والغريب أن أحد محبي الوداد، وكان رفقة زوجته، لم يتحمل نشوة الفرح لدى الزوار فنزع حذاءه وصوبه نحو حشود التونسيين على شاكلة الصحفي العراقي الذي ضرب الرئيس الأمريكي السابق ب»كزمته». لم تنفع تحركات الوداد في بداية الجولة الثانية من المباراة في تذويب الفارق، وتبين أن الخصم من العيار الثقيل، وأن لاعبي الفريق المغربي قد استنفدوا الكثير من الجهد في مباراة الديربي، بل إن التونسيين كادوا أن يرفعوا الغلة لولا التسرع وضعف التركيز وحضور بديهة الحارس لمياغري. من المفارقات الغريبة في مباراة الوداد والترجي، أنها حملت الكثير من الوقائع التي ميزت آخر مباراة بين الفريقين قبل سبع سنوات، فقد أغمي حينها على المدافع الأوسط للوداد محمد بنشريفة، وحمل رضوان العلالي ضمادة طبية على رأسه، في مباراة أول أمس تكرر نفس الحدث، إغماءة اللويسي وإصابة جويعة، في مباراة انتهت بهزيمة بطعم الهريسة. الزاكي: نستحق الخسارة والحظ خاصمنا اعترف بادو الزاكي مدرب الوداد البيضاوي بقوة الخصم وأكد في الندوة الصحفية التي عقدت في أعقاب المباراة أن المواجهة كانت صعبة للمهارات الفردية التي يمتاز بها لاعبو الترجي، وأضاف أن الحظ لم يكن إلى جانب فريقه ناهيك عن الأخطاء الفردية التي سقط فيها اللاعبون وعدم قدرة المهاجمين على ترجمة الفرص المتاحة، وقال الزاكي: «اليوم خاصمنا الحظ ولم نقدم أداء جيدا لأنه إذا لعب أي بفريق بهذا المستوى فإنه لن يحصل سوى على الهزيمة بالنظر لقوة وتمرس الخصم، نحن نستحق الخسارة التي تلقيناها في الدارالبيضاء، لكن لازال هناك شوط آخر سنخوضه في رادس يوم 21 ماي الجاري، وعلينا أن ننتصر هناك كما انتصر التونسيون في عقر دارنا». وأبرز الزاكي في معرض إجابته على أسئلة الصحفيين، أن لاعبيه بمقدورهم الفوز في رادس إذا تسلحوا بالعزيمة، خاصة وأن الخصم كتاب مكشوف «الترجي يعرفنا جيدا ونحن نعرفه وكل شيء مؤجل إلى ما بعد مباراة ملعب رادس بالعاصمة التونسية، يجب أن ننسى هذه المباراة ونطلب من اللاعبين تعويض الخسارة بانتصار». وتساءل الزاكي عن سر العتاب الجماهيري الموجه لحمادة العلمي، وقال إنه «قام بتمرير كرات جيدة نحو المعترك أضاعها المهاجمون ببشاعة»، وأشار إلى استبدال سكومة بالطلحاوي كان ضروريا بعد أن عجز الأول عن القيام بدور الرابط خلف المهاجمين، مشيرا إلى أن فريد أعطى نفسا جديدا للهجوم، واستشاط الزاكي غضبا حين سأله أحد الصحفيين عما إذا كان ينوي الاستعانة بطبيب نفسي قبل مباراة الإياب، وقال «لاعبو الوداد أسوياء وليسوا مختلين عقليا». الكنزاري: حظوظ الوداد تضاءلت بدا ماهر الكنزاري المدرب المساعد بنادي الترجي التونسي، الذي ناب عن فوزي البنزرتي في الندوة الصحفية التي أعقبت المباراة متفائلا بخصوص مباراة الإياب التي ستجمع فريقه بالوداد البيضاوي، بعد أسبوعين، واعترف بقوة المباراة التي احتضنها مركب محمد الخامس، وقال إن حظوظ الوداد تضاءلت بعد الخسارة التي مني بها الفريق المغربي في الدارالبيضاء، «المباراة أمام الوداد هي النهائي الأمثل عربيا لأنها تجمع بين فريقين لهما تاريخ كروي، نحن نعرف الوداد والوداد يعرفنا، لهذا كانت المباراة متساوية في كثير من الأحيان قبل أن نبسط السيطرة في الجولة الثانية ونضيع أهدافا حقيقية، لقد قدمنا للاعبين توجيهات في ما بين شوطي المباراة تعليمات واضحة، وطلبنا منهم التعامل بصرامة وجدية مع الدقائق العشر الأولى من الشوط الثاني، وهي اللحظات العصيبة التي اجتازها الترجي، «قلنا للاعبين علينا أن نحتاط في الدقائق العشر الأولى وأن نتجاوز هذا المنعطف حتى يكبر الضغط على الوداديين». وهنأ ماهر الجمهور الودادي الذي رسم لوحات جميلة في المدرجات، مبرزا أهمية هذه الأشياء التي تؤكد عراقة الفريق، ووعد باحتفالية مماثلة في ملعب رادس، دون أن ينسى توجيه الشكر لمناصري الترجي الذين قدموا على حد قوله الدليل على عمق العلاقات بين النادي وأحبائه رغم الظروف التي مر بها الفريق التونسي في مسار البطولة، وأنهى مداخلته بالربط بين المباراة الحالية ومباراة نصف النهائي أمام وفاق سطيف، واعتبر السيناريو متشابها إلى أبعد حدود.