التقيته يوما في طورينو، كان قد مضى على آخر لقاء بيننا قرابة سبعة أعوام، كان صديقي قد حمل حقائبه ورحل إلى إيطاليا حيث الحلم يمكن أن يتشكل على أكثر من نحو.. مارس مهنا مختلفة.. اشتغل بالبناء حتى تورمت أصابعه .. وهو الذي لا يفرق بين (الوزنة والمرطوب )... وحين ضاقت عليه الأرض بإيطاليا.. واشتد عليه خناق (الكرابنيري ) تزوج بأجنبية .. وأنجب منها طفلا ليحصل بعد سبع سنوات عجاف على أوراق الإقامة.. وحصل معها على شغل محترم.. حكا لي الرجل عن تكلس العظام في الغربة.. عن رحيل السنونو بالربيع .. وعن خريف الألم.. وشدنا الحنين معا إلى أيام زمان.. إلى صداقة لم تغيرها السنوات.. قلت له شدني الحنين إلى أيام زمان، وأعرف أنه يقاسمني نفس الحنين.. أحن إلى الدراسة الابتدائية.. إلى زوزو يصطاد السمك.. وإلى باليماكو وعنزة السيد سوغان.. أحن إلى ترديد نشيد مدرستي الحلوة.. ويا إخوتي جاء المطر.. وإلى كل ما كتبه أحمد بوكماخ الفنان.. أحن إلى "النفار" وهو يجوب شوارعنا المتربة.. ليوقظنا من النوم ساعة السحور.. إلى زيارة المقابر في آخر رمضان.. أحن إلى فطور زمان، حين كان أقصى ما يمكن أن نحلم به هو الحلوى الشباكية والبغرير واللي بغا لحريرة يجيبها من عند الجيران.. واليوم يمكن أن تشتريه جاهزا من أي مكان.. أحن إلى مبارياتنا الكروية في الدرب التي تمتد لساعات طويلة من أجل كسب 20 سنتيما.. وإلى قضاء ساعات طويلة خارج البيت من أجل لعبة "زدينيفري".. نقطع معها عشرات الكيلومترات دون أن نحس بعشق ألعاب القوى الساكن فينا ليل نهار، ودون الحاجة إلى ميدان.. أحن إلى حروبنا الصغيرة مع أبناء الجيران.. وأحن معها إلى فران الحومة.. وإلى الحمام.. أحن إلى السوق الأسبوعي، إلى لحظة انتعاشة على متن كرويلة يا إخوان.. أحن إلى محماد مول الزريعة.. وبا ميهوان.. وقصص زامبلا وبليك.. وإلى نص كوميرة والطون ولحرور من عند با أحمد قرب الفران.. أحن إلى المعلم السي لعماري وإلى الأستاذ الزيراري.. إلى خالد جواهر وابراهيم حوسني وإلى موجود رضوان.. أحن إلى ملعب الصدمة.. إلى عبدو وعبد الكريم والعلمي بكباشي وعبد الله الساخي وحسن ولد المراكشي وعزيز ولد الركراكي.. إلى الإخوان "لون" وإلى كل أبناء الجيران.. أحن إلى أفلام بريسلي والشاعر.. إلى سينما المدنية والعثمانية وفردان.. أحن إلى أيام السليت فالطوبيس وإلى مطاردات الكونطرول.. وإلى الذهاب كل أحد إلى التيران.. أحن إلى بحر مريزيكة.. وإلى مسبح "إدن روك".. وإلى ليلة اصطياف في النحلة والحوزية.. والنوم في "القيطون".. ولعب الكرة فوق الرمال دون استئدان.. أحن إلى معلمتي الأولى مي ميلودة والسي لكاهي.. إلى الكتاب القرآني.. إلى لفقيه واللوحة والصلصال.. أحن إلى التفرج على لاعب كبير "معلم" فضل بعد سنوات تألق أن يبتعد عن الأضواء.. محمد التيمومي وهذا هو اسمه المدون في شهادة الميلاد.. أحن إلى الكاك أيام حمامة ونقيلة والبوساتي وجمال.. أحن إلى كوديم الدايدي.. إلى شباب المحمدية أيام الرعد وفرس وعسيلة.. إلى متابعة فريق أصبح الآن في خبر كان.. أحن إلى تيران الحفرة.. إلى الطاس أيام زمان... وإلى الرجاء التي تمتع بدون ألقاب.. والتي كان ينضم إليها كل فنان.. أحن إلى حي المحمدي الذي ولدت فيه ذات مساء.. إلى الشابو ودرب مولاي شريف وسينما سعادة وإلى مجموعات غنائية صنعت لنفسها مجد الأبطال.. ولم يطلها النسيان.. أحن إلى عطلنا المدرسية، إلى جمال الطبيعة، إلى البادية التي كان محكوما علينا بالنوم فيها باكرا لكي لا نساهم في ضياع الشمع بكثرة الذوبان.. أحن إلى لحظات خارج التاريخ، ولا نسمع إلا أخبارا متقطعة على الراديو وحكايات سيف دو اليزان... البادية التي تحولت الآن إلى مدينة مصغرة.. الضو والما والبارابول.. وافتقدنا معها متعة زمان.. أحن إلى شامبوان دوب.. إلى مونادا جيدور ولا سيكون.. إلى مسلسلات ستيف أوسيتين وجيمي القوية.. إلى تلفزيون النوار إي بلان، وإلى متابعة إشهار زمان.. أحن إلى تآلف الجيران، إلى عاشوراء زمان.. إلى كابوس الما والفرشي.. إلى اللعب بالنار والدخان.. أحن إلى وجوه ضاحكة برغم الفقر والحرمان.. أحن إلى أغاني زمان.. إلى فتح الله لمغاري وحميد الزاهر.. إلى عبد الرؤوف وفرقته.. أحن إلى "التورن ديسك" الذي كنا نفخر به أمام الجيران.. إلى أسطوانات زمان.. إلى بهيجة إدريس ونعيمة سميح وعبد الهادي بلخياط.. إلى لمشاهب ومسناوة والسهام وجيل جيلالة وناس الغيوان.. أحن في صمت.. أحن مع مارسيل خليفة والدرويش إلى خبز أمي، وقهوة أمي، ولمسة أمي، وتكبر في الطفولة... قبل أن يوقف صديقي مسار الحنين بداخلي.. وهو يردد أغنية أم كلثوم.. لسه فاكر ذا كان زمان..