حسب جريدة «العلم»، اللسان الرسمي لعباس الفاسي الوزير الأول، فإن مصدرا من وزارة الصحة، التي تقودها ياسمينة بادو الاستقلالية، أكد أن المغرب اتخذ إجراءات احتياطية، منها توقيف استيراد لحوم الخنازير. وأضاف أن وضعية فيروس «أنفلونزا الخنازير» في العالم تجاوزت مرحلة الخطورة، كما أشار إلى أن عددا مهما من الإصابات المصرح بها في المكسيك ثبت عدم ارتباطه بأنفلونزا الخنازير. أكثر من ذلك، فقد أكد مصدر وزارة الصحة المغربية أن بعض الأشخاص المشكوك في إصابتهم تم شفاؤهم دون أخذ أي لقاح أو دواء. وإلى جانب هذا الخبر المفرح والمتفائل، نقرأ في افتتاحية العدد نفسه من جريدة الوزير الأول ما يلي: «الحمد لله أن المغرب في منأى عن هذا الوباء، وحمدا لله مرة أخرى أن الإسلام يحرم استهلاك لحوم الخنازير، لذلك لا توجد عندنا بأعداد وفيرة وتربيتها تنحصر في ثلاث وحدات فقط، كما أننا لا نستورد الخنازير لأن ما يوجد يكفي لاستهلاك القلة القليلة من الأجانب الذين يعيشون بيننا». بين الخبر والافتتاحية التي نشرها لسان الوزير الأول، واللسان كما تعرفون «ما فيه عظم»، نعثر على مغالطة فادحة وعلى تناقض مخجل. نبدأ بالتناقض والذي يظهر في تأكيد مصدر وزارة الصحة على توقيف المغرب استيراده للحوم الخنازير، بينما ينفيه كاتب الافتتاحية التي نقرأ نفيا مطلقا لاستيراد هذه اللحوم من الخارج. أما المغالطة الفادحة التي يريد عباس الفاسي من ورائها حجب الحقيقة عن الرأي العام فهي تجاوز الوباء القاتل لمرحلة الخطورة. ومن يكذب جريدة الوزير الأول الحكومية لست أنا، بل منظمة الصحة العالمية التي رفعت يوم الأربعاء من درجة التأهب إلى المستوى الخامس في سلم من ست درجات. مما يعني، حسب المعجم الصحي للمنظمة، احتمال حدوث وباء عالمي قد يقضي على ملايين البشر من ساكني الكرة الأرضية. هذه هي الحقيقة المخيفة التي كان يجب على جريدة الوزير الأول أن تصارح بها المغاربة، لا أن تمارس الكذب وإخفاء الحقائق حول موضوع خطير يتعلق بالصحة العامة للمواطنين. لكن وبما أن لسان الوزير الأول «ما فيه عظم» فقد انزلقت حقيقة مخيفة أخرى إلى المقال الذي يتحدث عن تجاوز الوضعية الصحية العالمية بسبب «أنفلونزا الخنازير» لمرحلة الخطر، وهذه الحقيقة هي أن اللقاحات المسماة «طاميفلو» والتي اشتراها المغرب تحسبا لانتشار فيروس «أنفلونزا الطيور» لم تعد صالحة للاستعمال. شخصيا، عندما قرأت هذا الخبر في جريدة الوزير الأول، قلت في نفسي إن البرلمان إذا لم يعقد جلسة طارئة يستدعي فيها وزيرة الصحة لمطالبتها بتوضيحات حول هذا الأمر، فإنه لا يستحق أن يسمى برلمانا بعد اليوم، وإن الأفضل له هو أن يغلق أبوابه ويسرح نوابه ويستريح ويريح. إن السؤال المستعجل الذي يجب أن تجيب عنه وزيرة الصحة هو كالتالي: - هل فعلا أصبح مخزون «الطاميفلو» غير صالح للاستعمال، وإذا كان لا يزال صالحا كم من حقنة يتوفر عليها مخزون وزارة الصحة ؟ أما ما قالته الوزيرة من كون المغرب يتوفر على ثلاثة ملايين قناع واق تحسبا لوصول «أنفلونزا الخنازير»، فهو كلام يبعث حقيقة على الخوف. خصوصا إذا قارنت وزيرة الصحة المغربية عدد أقنعتها الواقية بعدد الأقنعة التي وفرتها «غوزلين باشلو» وزيرة الصحة الفرنسية لمواطنيها، والتي وصلت إلى 750 مليون قناع مخصص للعمليات ومليار قناع واق للمواطنين، بالإضافة إلى 33 مليون حقنة من دواء «طاميفلو» و30 مليون حقنة من الأدوية المختلفة المضادة للفيروسات. مما يجعل من فرنسا البلد الأكثر استعدادا بين كل دول العالم لمواجهة أي انتشار وبائي محتمل للداء. أما المغرب الذي يعيش فيه ثلاثين مليون مواطن فإن وزاراته في الصحة لا تستطيع أن توفر لمواطنيه سوى ثلاثة ملايين قناع واق فقط، بمعنى «عشرة فالماصك». وربما بحكم عدم تخصص وزيرة الصحة في الطب، فإنها تجهل أن صلاحية القناع الواقي الواحد من الأقنعة التي اشترتها وزارتها لا تتجاوز ست ساعات، أي أن احتياطها من هذه الأقنعة لن يكفي في حالة وصول الفيروس إلى المغرب سوى لبضع ساعات من الوقاية. أعتقد أن الحكومة والبرلمان يجب أن يأخذا موضوع «أنفلونزا الخنازير» بجدية أكبر، فإلى حدود اليوم، ورغم وصول التهديد العالمي للفيروس إلى الدرجة الخامسة، لم نسمع أن البرلمان المغربي استدعى الوزير الأول لكي يقدم أمامه شرحا مفصلا للتدابير الصحية والوقائية التي تم اتخاذها لمواجهة هذا الداء، كما لم نسمع حزبا سياسيا واحدا يطالب وزارة الصحة بالكشف عن أرقام الاحتياطي الحقيقي من الأدوية المضادة للفيروسات التي اقتنتها الوزارة تحسبا للأسوأ. كل ما نسمعه هو أن بنكين إسبانيين كبيرين يتفاوضان مع المغرب لإغرائه بأخذ قروض بنكية لكي يستطيع شراء سفن حربية إسبانية يراقب بها عصابات الهجرة السرية وتجار المخدرات على طول شواطئه. يعني أن إسبانيا تشعل النار الإعلامية في ثياب المغرب أمام الاتحاد الأوربي بسبب المخدرات والهجرة السرية، وعندما تتأكد من أن النار التي أشعلت قد فحمت وجه المغرب بما يكفي، فإنها تمر إلى المرحلة الثانية وهي إجباره على اقتناء العتاد الحربي الضروري لمراقبة شواطئه. وفوق ذلك كله تقترح عليه قروضا بنكية لتمويل هذه الصفقة، لإلقاء طوق النجاة لبنوكها التي تغرق في وحل الأزمة المالية العالمية. إن ما يحتاج إليه المغرب في الوقت الراهن هو الأدوية المضادة لأنفلونزا الخنازير والأقنعة الواقية والحقن المضادة للفيروسات. فالحرب الحقيقية التي تدق طبولها على حدود الدول هي هذا الداء الذي يوشك في أية لحظة أن يتحول إلى وباء عالمي. لقد ظلت إسبانيا تقدم المغرب أمام الاتحاد الأوربي كمصدر رئيسي للمشاكل، خاصة على مستوى الهجرة السرية والمخدرات، وكلف ذلك المغرب الكثير على مستوى صورته وسمعته. واليوم ربما جاء دور المغرب لكي يتخذ الاحتياطات الضرورية مع إسبانيا، خصوصا بعد أن وصل عدد الإصابات فيها بفيروس «أنفلونزا الخنازير» إلى عشر حالات، ووجود احتمال حقيقي لتصدير الفيروس خارج التراب الإسباني. فإسبانيا هي أول دولة في العالم من حيث عدد الرحلات الجوية اليومية التي تربطها بالمكسيك، وهذا مؤشر على احتمال تعرضها أكثر من غيرها لانتقال الفيروس القاتل. وبحكم القرب الجغرافي بين المغرب وإسبانيا، فإن المغرب مطالب بإعادة النظر في الجسور الجوية التي تربطه بإسبانيا، إلى حين خفض منظمة الصحة العالمية لمستوى التأهب إلى درجات أقل. إن هذه الإجراءات تدخل في صميم الحرص على الأمن القومي لبلادنا. ففي حالة المغرب، ومعه بقية الدول الإفريقية، تبقى الوقاية أحسن سلاح لمواجهة هذا الداء. لأنه لو قدر الله ووصل الفيروس إلى إفريقيا فليست هناك دولة إفريقية واحدة، اللهم جنوب إفريقيا، سيكون بمقدورها مواجهة هذا الفيروس. هناك اليوم في المغرب عشرة آلاف صيدلي يجهلون كل شيء حول الإجراءات والاحتياطات والنصائح التي يجب أن يقدموها لمن يلجؤون إليهم في حالة وصول الفيروس إلى المغرب. فوزارة الصحة لا تتواصل معهم حول هذا الموضوع الخطير الذي يهم الصحة العامة للمواطنين، لأن درجة التأهب في وزارة بادو لم تتجاوز بعد الدرجة الصفر. وقنوات القطب العمومي مشغولة ببث المسلسلات المكسيكية وأخبار السرقات والاغتصاب في النشرات الرئيسية. والبرلمان غائب كليا عن هذا النقاش. وحدها جريدة الوزير الأول تهون من خطر الفيروس وتزف لقرائها خبر زوال الخطر. وهذه كارثة وطنية بكل المقاييس. «الستار الله وصافي».