كان ليل مراكش بارداً، على غير عادته. ولأن موعد الحفل الفني الذي أحيته الفنانة اللبنانية تأخر لأكثر من ثلاث ساعات، فإن بعض المتفرجين، سيغادرون الملعب إلى دفء بيوتهم. عشرات المعجبين والمعجبات، أغلبهم مراهقون، تركوا دروس الجغرافيا والرياضيات وأغاني «الخاسر»، ووقفوا أمام واجهة الفندق، ينتظرون أخذ صور مع إليسا أو تامر حسني. الحفلان اللذان كان يفترض أن «يضيئا سماء مراكش»، كما كتب أحدهم، تحولا إلى «مهزلة». فهل هناك أغرب من أن تحصل فنانة لبنانية على أكثر من ثمانين مليون سنتيم، مقابل ساعة من الغناء، أمام أقل من 800 متفرج، أدوا ما بين 100 و400 درهم لحضور حفل فني منظم في ملعب مغربي لكرة القدم يتسع لأربعين ألف متفرج ؟ وهل هناك أغرب من إصرار المنظمين على المساواة بين الجنسين، بدعوة فنان مصري، ومنحه نفس المقابل، ثمناً لإحيائه حفلاً غنائياً، في الليلة الموالية، لحفل الفنانة اللبنانية، على أرضية نفس الملعب؟ وفيما عزا بعض المراكشيين ضعف الإقبال الجماهيري على الحفلين إلى عدم وجود قاعدة جماهيرية كبيرة للنجمين العربيين بالمغرب، ذهب آخرون إلى أن المراكشيين صارت لديهم أولويات أخرى، علاوة على أن ليل مراكش يغري بالفرجة حتى من دون مقابل. وتحول المقابل الذي تقاضاه الفنانان العربيان إلى موضوع للسخرية والتفكه من طرف المراكشيين، الذين رأوا أن مبلغ الثمانين مليون سنتيم، الذي يتردد أن كل واحد منهما قد تقاضاه، يبقى «مبالغا فيه» و«مستفزاً»، و«لا يراعي الظرفية الاقتصادية الحالية التي يمر منها العالم والمغرب والمدينة الحمراء، ولا تداعيات إَضراب أرباب وسائل النقل الذي ألهب أسعار المواد الاستهلاكية». وإلى جانب الأجر المرتفع والظروف التنظيمية السيئة التي رافقت تنظيم الحفلين، أثار الترخيص بإقامة حفلي النجمين العربيين في ملعب الحارثي، المخصص، أصلا، للمباريات الرياضية، جدلا كبيراً وردود فعل متباينة، في الشارع المراكشي، بين مرحب ورافض، بدعوى أن إحياء حفلين ساهرين على العشب الاصطناعي للملعب، سيؤثر على أرضيته، وسيجعلها غير صالحة لإجراء باقي المباريات المتبقية، خلال الموسم الرياضي الحالي، وبالتالي التأثير على مسيرة الفريق الأول لمراكش. أحد ظرفاء مراكش، قال «ربما، هي لعنة ملعب الحارثي أصابت إليسا وتامر حسني»، في إشارة منه إلى أن فريق الكوكب المراكشي اضطر إلى إجراء بعض مباريات هذا الموسم، داخل ملعب الحارثي، من دون جمهور، تنفيذاً لعقوبة أصدرتها جامعة الكرة في المغرب، بعد أحداث شغب تلت إحدى مبارياته بمراكش. ولم يستسغ بعض المراكشيين الطريقة «المتعالية» التي تعاملت بها النجمة اللبنانية مع بعض عشاقها، ومع الحفل الذي أحيته، حتى أنها رفضت السماح بالاقتراب منها أو أخذ صور معها، علاوة على أنها أحيت حفلها وهي تلبس سروال جينز وقميصاً أزرق اللون، في وقت كان ينتظر منها أن تخرج إلى جمهورها، مهما كان قليلا، وهي تتبختر في لباس أبيض باذخ، يليق بها وبجمهورها وبالمنظمين، الذين فكروا في جلبها إلى المدينة الحمراء لكي تغني أمام الجمهور المغربي. وأعاد الجدل الذي رافق تنظيم الحفلين والترخيص بإقامتهما في ملعب الحارثي، ذكرى جدل قديم كان فجره، قبل ثلاث سنوات، السماح للفنانة اللبنانية (الأخرى) نانسي عجرم بالغناء في ساحة جامع الفنا الشهيرة، حيث ذهبت كثير من ردود الفعل، حينئذ، إلى استنكار الترخيص بإحياء الحفل في ساحة معروفة بطابعها الفني وبسحرها الحضاري، وبتصنيفها من طرف منظمة اليونسكو تراثا شفويا إنسانيا. وبين حفلي نانسي عجرم وإليسا، كانت فنانة لبنانية أخرى، هي هيفاء وهبي، قد تقاضت عشرات الملايين، مقابل عشرين دقيقة من «الغناء» على شاطئ طنجة. واليوم، وبعد كل الملايين التي طار بها فنانو الشرق والغرب من المغرب، يحق بنا أن نتساءل عن اليوم الذي سينظم فيه فنانو المغرب «وقفات احتجاجية للمطالبة بحقهم الدستوري في الشغل»، وبتقنين زيارة الفنانين الأجانب للمغرب لإحياء حفلات «سريالية».