أتت على الأخضر واليابس، غنت ورقصت، رقصا شرقيا وخليجيا ومغربيا، ولم تترك عضلة في جسمها إلا شدتها ثم أرختها وكأنها بلا عمود فقري، وكانت في كل مرة تشد جسمها تشد معه أعين الحاضرين حتى كادت تقتلعها من حدقاتها. استعملت المغنية ميريام فارس - التي وصفها منشط الحفل سعيد بونوار ب«المغنية القادمة من أرض الجمال» - كل أسلحتها المتاحة لتثبت أقدام الجميع في أماكنها، بالغنج والدلال والأنغام الشرقية الساحرة، حتى لا ينصرفوا عنها في ساحة منصة سيدي البرنوصي التي تتسع لأكثر من مائة ألف متفرج. حتى رجال الأمن لم يسلموا من أسلحتها، حيث سمع أحدهم وهو يصرخ في أذن زميله متغزلا في مفاتن المغنية اللبنانية، ولم يكن قد مر على صعودها إلى الخشبة سوى دقيقة واحدة. ميريام المغنية والراقصة الكوريغرافية ومحبة فن الباليه صعدت إلى خشبة البرنوصي ولم تكن الساحة بعد قد امتلأت رغم أن الساعة قد بلغت العاشرة ليلا من مساء أول أمس الأحد، فكانت نصف ساعة من الأنغام الشرقية كافية لكي تجذب الناس إلى مكان الحفل. الفستان الأسود اللامع الذي اختارت ميريام ارتداءه لجمهور البرنوصي لم يكن يكشف سوى ذراعيها، لكنه كان ضيقا بحيث وصف أنوثتها دون كذب أو خداع. فسأل أحدهم صديقه «هل يجرون في لبنان عمليات تجميل حتى على الأرداف؟». بدأت ميريام فارس تغني وترقص كل الرقصات المبتكرة التي عرفت بها في كليباتها حتى أصبحت ماركة مسجلة باسمها، ورقصت بشعرها الغجري الطويل على طريقة كناوة، الذين قالت ميريام في ندوتها الصحافية، قبل الحفل بساعات، إنها تحبهم. إحدى الفتيات تحررت من شعورها بمن حولها وأخذت تقلد ببراعة كل حركات المغنية اللبنانية، حتى قال البعض: «ميريام فوق وميريام أخرى تحت». ولفت أنظار الكثير ممن عاشوا لحظات حفل الاختتام حضور عدد كبير من الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، بكراسيهم المتحركة، والذين انتشروا هنا وهناك داخل الجزء الأمامي من الفضاء الجماهيري المخصص للشخصيات الهامة وللمستشهرين، وهو الأمر الذي أعطى انطباعا بأن منصة البرنوصي حظيت بنجمة تضج بالحياة لأن أهلها فعلا محبون للحياة، حتى ولو كانت احتياجاتهم أصعب من أجل عيش تلك الحياة. ظل الجميع ينتظر المفاجأة التي وعدت بها ميريام فارس جمهور حفل الاختتام، وقبل منتصف الليل ببضع دقائق، وبعد أن انتهت ميريام من غناء «أنا مش أنانية» و«مكانه وين» و»واحشني إيه» و«حقلق راحتك» وغيرها، اختفت المغنية اللبنانية عن الأنظار بضع دقائق خلف الخشبة لتعود وهي ترتدي قفطانا مغربيا بلون زهري، وسألت جمهورها «عجبكم القفطان؟ إنه من تصميم سميرة الحدوشي» وأبت ميريام إلا أن تدعو المصممة المعروفة سميرة الحدوشي التي باتت تلقب بمصممة أزياء النجوم لتلتحق بها إلى المنصة. ولم يكن ارتداء القفطان سوى جزء من المفاجأة إذ كان الجزء الأهم والذي أسماه مدير أعمال ميريام بالقنبلة عندما قال «انتظروا، ستفجر ميريا قنبلة بعد قليل»، هو عندما بدأت ميريام فارس تغني «صوت الحسن ينادي بلسانك ياصحرا»، ثم أتبعتها بأغنية «علاش يا غزالي» التي غناها في الستينيات الفنان الراحل المعطي بنقاسم وأعاد غناءها الكثيرون حتى أصبحت إرثا تراثيا مغربيا ثمينا. واستمرت ميريام في شد أنفاس جمهورها حينما غيرت من إيقاع غنائها حسب الأغنية وبدأت ترقص على الطريقة الشعبية المغربية. وفي لحظة ما قالت للجمهور «بدي ياكن تعلموني نشطح مغربي». الجمهور الذي تجاوز المائة والخمسين ألفا حسب تقدير السلطات المحلية، سحر مدير أعمال الفنانة اللبنانية الذي صعد إلى مكان مرتفع وأخذ يصور حشود الجماهير التي لم يسبق له رؤية مثلها في أي من حفلات مغنيته في العالم. وبهذا تكون ميريام فارس قد تفوقت على مواطنتها إليسا التي أحيت حفل الدورة الأولى من المهرجان في خشبة العنق وجلبت 120 ألف متفرج، وعلى نانسي عجرم التي أحيت حفلا حضره حوالي 45 ألف متفرج فقط في مهرجان موازين الأخير. واستمرت ساحة خشبة البرنوصي تجذب الجمهور إلى ما بعد منتصف الليل لتختم ميريام السهرة بأغنيتها الأولى «أنا والشوق» وهي مدثرة بالراية المغربية.