لازالت مصالح وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن تضع المنح المخصصة لجمعيات المجتمع المدني رهن الاعتقال الاحتياطي، رغم صرخات الاستغاثة التي تضمنتها عشرات الرسائل الموجهة إلى نزهة الصقلي. قال رئيس إحدى الجمعيات، سئم انتظار الإفراج عن المنحة المخصصة لجمعيته العاملة في الوسط القروي، إن تدخلات برلماني المنطقة الحامل للون السياسي للوزيرة لم تنفع في تليين موقف الوزارة، وأكد شكره لصاحب «تيلي بوتيك» لا يمانع في بعث شكاياته وملتمساته إلى الرباط بالفاكس مع تسهيلات في الأداء، وتأجيل دفع ثمن الإرساليات إلى ما بعد الإفراج عن المنح، وفضل رئيس جمعية «تنموية» إرسال شكواه داخل ظرف دون طابع بريدي لأنه لم يعد يملك ريقا يبلل به الطوابع. في زمن عبد الرحيم الهاروشي، الوزير السابق لوزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، كان ملف منح الجمعيات يحمل عبارة «مستعجل» لأن جمعية آفاق التي يرأسها كانت على رأس المستفيدين من دعم القطاع، على الأقل انسجاما مع القول المأثور «منحة في المقربين أولى»، لهذا كان القلم يطاوع الوزير فيعجل بالتأشير على القائمة مقدما الدليل القاطع على المواطنة الحقة التي تحملها الوصلات الإشهارية لجمعيته. من فرط طول الانتظار، نسي رؤساء جمعيات المجتمع المدني طبيعة المنحة، يقولون إنها برسم سنة 2008 وفي رواية أخرى 2007. وأمام هذا التأخير، تغيرت تركيبة العديد من الجمعيات، وأصبح لزاما على الوزيرة تحيين المعطيات قبل أن يشتري بعض أعضاء الجمعيات كفنا لتشييع جثمان إطارات جمعوية ماتت في غرفة الانتظار. تبرر الوزارة اعتقالها لقائمة المنح بمشروعها الرامي إلى تأهيل الجمعيات، كي تنسجم مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، «والمساهمة في تمكينها من اكتساب وتملك آليات العمل الاحترافي عبر تقوية قدراتها، من خلال تشخيص تنظيمي ومؤسساتي للجمعيات يمكن من التعرف على عناصر القوة ومكامن الضعف لدى الجمعيات المعنية. وستستفيد من هذا البرنامج حوالي ألفي (2000) جمعية موزعة عبر التراب الوطني خلال سنة 2008». كلام جميل، لكن حين يتأخر التأهيل ستكون الجمعيات قد لفظت آخر أنفاسها، خاصة تلك التي تعول على المنح المتراوحة ما بين 20 و50 ألف درهم في أداء راتب شهري لمؤطرة لمحو الأمية أو منشطة في العمل البيئي، أو غيرهما من المجالات. صحيح أن بعض الجمعيات التي اعتادت الاستفادة من الدعم لا علاقة لها بالتأهيل والقطاع، كجمعيات المدارس العتيقة الأولى بها أن تحال على وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أو على وزارة الثقافة إذا تعاملنا معها كتراث موروث عن الأسلاف، لكن هناك، بالمقابل، جمعيات تحاول ركوب صهوة التنمية في مناطق مهددة بالسكتة القلبية. ولأن التأهيل أصبح موضة العصر، بعد أن كثر اللغط حول تأهيل كرة القدم والمؤسسات التعليمية والمستشفيات والخيريات وغيرها من القطاعات التي انتظرت مرور أزيد من نصف قرن على وجودها لتعلن استعدادها للتأهيل، فإن صرف الاعتمادات لأصحابها لا يفسد للتأهيل قضية، ذلك أن إصلاح المنظومة الجمعوية لا يتأتي بإغلاق الصنابير ووقف قطرات الدعم، بل بتسريع وتيرة التأهيل على المستوى البشري أولا ثم المادي ثانيا. يتوقع المتتبعون لهذا الملف حصول ارتباك بعد صرف المنح، لأن كل المؤشرات تدل على أن سعاة البريد سيعيدون الكثير من الحوالات إلى مصدرها بالعاصمة، مذيلة بعبارة: «لا يوجد أي قاطن في العنوان الحالي»، كما حصل العام الماضي في إحدى جمعيات الحوز وبوعرفة، لكن المبدأ العام في الإصلاح الرتيب يقول: «لازبة على صلاح».