من المشاهد البئيسة التي يستيقظ عليها الإنسان المغربي ويمسي هي مشهد أطفال رضع أو في سن صغيرة أو معاقين يستغلون في التسول، حيث تكاد كل الشوارع بدون استثناء خاصة تلك التي تعبر الأحياء الشعبية تكتظ بالمتسولين، الذين وجدوا في الأطفال وسيلة حيوية وأساسية لكسب المال، وذلك بالضغط نفسيا على المواطن من خلال مشهد البؤس الذي يجسدونه والذي يشكل فيه الطفل المحور..وربما من الأمنيات العزيزة على كل من يغار على هذا البلد هو أن يرى أطفاله يعيشون حياة طبيعية ونفس الشيء بالنسبة للأمهات، والأسوأ هو أن من بين هؤلاء الصغار والصغيرات الذين يستغلون في التسول هم في الأصل أطفال مختطفون أو مستأجرون،لذلك بات ضروريا طرح السؤال الم يحن الوقت بعد لرحمة هؤلاء الصغار وإنقاذهم من أهلهم ومن الشارع ؟ الجواب ستعطيه لنا نتائج الحملة التي تقودها نزهة الصقلي وزيرة التنمية الاجتماعية والتضامن والتي أكدت يوم الاثنين, أن الوزارة ستعمل بحزم على منع التسول الاحترافي في الفضاء العام. وأوضحت السيدة الصقلي خلال اجتماع لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب خصص لمناقشة الميزانية الفرعية لوزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن برسم السنة المالية2009 , أن جهود الوزارة في هذا المجال تندرج ضمن المخطط الاستراتيجي للوزارة (2008 -2012 ), وكذا في إطار استراتيجي وطني للحد من الفقر بشراكة مع القطاعات الحكومية المعنية, موضحة أنها تهدف إلى الحد من هذه الظاهرة وتعزيز التشاور من أجل إعداد قانون لمحاربة التسول. وأضافت أن المخطط الاستراتيجي لعمل الوزارة يرتكز على خمسة محاور تتمثل في تنسيق برامج التنمية الاجتماعية والتعبئة الاجتماعية, والنهوض بحقوق النساء وإدماج مقاربة النوع وتكافؤ الفرص, والسياسة الأسرية المندمجة والنهوض بحقوق الأطفال وتعبئة الفاعلين, وسياسة تنمية دامجة للأشخاص في وضعية إعاقة, فضلا عن تعزيز القدرات المؤسساتية للوزارة. ويهدف المخطط المذكور إلى النهوض بالأنشطة المدرة للدخل وتحسين ولوج الساكنة الفقيرة إلى الخدمات الاجتماعية وتحسين وضعية تشغيل النساء القرويات ودعم التربية والنهوض بالتمدرس وإحداث مراكز تكوين وإدماج الشباب المنحدرين من طبقات اجتماعية فقيرة (79 مركز لفائدة6539 من الشباب و79 مركز للتربية والتكوين التأهيلي للفتيات المنحدرات من فئات اجتماعية معوزة لفائدة104 ألف و376 شابة) والتحسين الدائم لظروف حياة الساكنة المستهدفة والإدماج الحضري للأحياء في إطار القضاء على السكن العشوائي. وبخصوص حصيلة عمل الوزارة لسنة2008 والمؤسسات التي توجد تحت وصايتها (التعاون الوطني ووكالة التنمية الاجتماعية), أبرزت الصقلي أنه تم بالإضافة إلى إعداد هذا المخطط, تنظيم33 لقاء جهويا وإقليميا للتعريف بالقانون المتعلق بشروط فتح مؤسسات الرعاية الاجتماعية وتدبيرها, وتحسيس الفاعلين المحليين بأحكامه, وإعطاء الانطلاقة لإنجاز ثلاثة مخططات مديرية للعمل الاجتماعي بعدد من المدن, وإنجاز دراسة في إطار تشجيع ولوج النساء لمناصب المسؤولية والقرار حول موضوع «»نقص التمثيلية النسائية في مجال الوظيفة العمومية»» إلى جانب وزارة تحديث القطاعات العامة. وأضافت الصقلي أن الميزانية المرصودة للوزارة برسم السنة المالية2009 تبلغ 459 مليون و683 ألف درهم, مشيرة إلى أن الاعتمادات المخصصة لمؤسسة التعاون الوطني تبلغ282 مليون و579 ألف درهم, في ما تبلغ الاعتمادات المخصصة لوكالة التنمية الاجتماعية80 مليون و588 ألف درهم. ومن جهتهم, دعا النواب إلى بذل المزيد من الجهود للحد من ظاهرة الفقر, من خلال توفير مجموعة من الخدمات الاجتماعية والطبية, منها مجانية الترويض الطبي بالنسبة للأشخاص المعاقين والفقراء, وتشجيع الأبناك والمؤسسات المالية على المساهمة في هذه الجهود, علاوة على العمل على حل المشاكل التي تعرفها بعض المؤسسات الخيرية, وإحداث دور لإيواء العجزة. كما شددوا على أهمية تعزيز ميزانية التعاون الوطني نظرا للدور الهام الذي تضطلع به هذه المؤسسة . يذكر ان العدد التقديري للمتسولين على المستوى الوطني يبلغ195 ألف و950... (9 ر48 بالمائة رجال و1 ر51 بالمائة نساء), منهم4 ر62 بالمائة يمارسون التسول الاحترافي. وحسب معطيات رسمية عن حصيلة الإستراتيجية الجهوية لمحاربة التسول بالدارالبيضاء, فأن الأسباب المصرح بها, بخصوص ممارسة التسول, تشير إلى أن8 ر51 بالمائة يمارسون التسول بسبب الفقر, و7 ر12 بالمائة بسبب الإعاقة, و8 ر10 بالمائة بسبب المرض, و7 ر24 بالمائة لأسباب أخرى. وعلى مستوى الدارالبيضاء, فان5042 متسولة ومتسول تمت إحالتهم على المركز الاجتماعي لتيط مليل, وذلك في اطار الإستراتيجية الجهوية لمحاربة التسول. وبخصوص المحالين على المركز, (من مارس2007 إلى شتنبر2008 ),فقد تمت معالجة وضعياتهم من خلال الإدماج العائلي بتكفل من العائلة (4686 حالة), والإدماج العائلي بواسطة المرشدات والمرشدين الاجتماعيين التابعين للمركز (151 حالة), والإدماج السوسيو-اقتصادي (41 حالة), والإدماج المؤسساتي (التكفل داخل المركز 131 حالة), والإدماج المؤسساتي (التكفل خارج المركز 13 حالة), إضافة إلى إحالة عشرة متسولين على القضاء, فضلا عن وفاة عشرة آخرين. اما عدد الأشخاص الذين يستغلهم المتسولون فحدد في344 حالة (أطفال قاصرون, أشخاص معاقون, أشخاص مسنون, أشخاص مكفوفون, مرضى نفسيا), وبناء على الدراسة الإحصائية والتحليلية التي تم إنجازها بالمركز الاجتماعي تيط مليل وفق قاعدة المعطيات المعلوماتية, اتضح أن المقاربات الاجتماعية والاقتصادية والمؤسساتية وحدها غير كافية كأساس لمعالجة وضعيات بعض المتسولات والمتسولين (نساء مطلقات, أمهات عازبات رفقة أطفال رضع, أرامل رفقة أطفال رضع ومتمدرسين, نساء مسنات بدون عائل). مايعني أن هذه الفئات على الرغم من وضعياتها الاجتماعية الصعبة واحتياجاتها الخاصة, فإن ظروفها العائلية والأسرية مستقرة نسبيا وعليه فمن الصعب التكفل بها داخل المؤسسة أو إدماجها اقتصاديا. وتم اقتراح أن تتم مساعدة ودعم هذه الفئات المحتاجة من خلال جميع برامج المصالح الحكومية وعلى رأسها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بتأطير من الجمعيات النشيطة بالأحياء التي يقيمون بها, إما عن طريق التكفل الجزئي أو الكلي. وكانت نزهة الصقلي, قد اكدت في تصريح صحافي أدلت به على هامش زيارة قامت بها لمختلف مرافق مركزتيط مليل , أن هناك إستراتيجية متكاملة لمحاربة ظاهرة التسول عامة والتسول الاحترافي خاصة, مشيرة إلى أن المسألة مرتبطة بعدد من القطاعات الحكومية والمجتمع المدني والإعلام. وأبرزت أن من أوجه التضامن مساعدة المتسولين على الإقلاع عن التسول من خلال إعادة إدماجهم اجتماعيا لأن استمرار ظاهرة التسول يسيء لكرامة الإنسان ولصورة المغرب وللمشروع المجتمعي الحداثي الذي انخرط فيه المغرب. لذا تبقى عيون المواطن متطلعة ان لا ترى مستقبلا أياد صغيرة ممدودة ..تتسول الصدقة