تكرس منافسات كأس العرش مبادئ الاشتراكية الحقيقية في مجال الكرة، ففي مختلف مراحل الإقصائيات يلتقي الكبار بالصغار في تنافس بلا قيود، يجسد تساوي الحظوظ بين «اللي فوق واللي تحت». في سباق الكأس يذوب التصنيف ويقف الجميع سواسية أمام الحكم، لا فرق بين قوي وضعيف إلا بشهية الفوز، وبالقدرة على نسيان التدرج الطبقي ولو لمدة 90 دقيقة. حين يلتقي فريق ينتمي إلى دوري المظلومين بفريق يعاني من التخمة، يعيش الجمهور مباراة كلها مقارنة بين أصحاب الامتيازات والمستضعفين في الأرض، وعلى أرضية الملعب يحاول الهواة التأكيد ميدانيا أن وجودهم في قعر الممارسة مجرد خطأ مطبعي. حين كان فريق وفاق بوزنيقة المنتمي لمجموعة الهواة يخوض مباراته في تطوان أمام المغرب التطواني مساء يوم السبت الماضي، كانت مدينة بوزنيقة تعيش في صمت رهيب أشبه بسكون المقابر، الجميع اختار الجلوس خلف التلفاز لمتابعة لاعبين يظهرون لأول مرة على الشاشة الصغيرة، ولأن قناة إي أر تي المشفرة هي التي كانت تبث المواجهة فإن بعض عائلات اللاعبين اختارت مشاهدة فلذات أكبادها من المقاهي ضدا على كل الأعراف. ولأن بوزنيقة تعتبر معبرا لهواة المشوي، فإن المقاهي أجلت الخدمة إلى ما بعد انتهاء المواجهة، متحملة كساد الزمن لمدة تسعين دقيقة. وفي أيت ملول اقترح أحد السوسيين الاحتفال بيوم الفوز على الرجاء في موقعة كأس العرش، بعد أن أصبح لاعبو أيت ملول أشهر من نجوم الحسنية، فقط لأنهم أطاحوا بالرجاء وما أدراك ما الرجاء. في الجمع العام لجامعة كرة القدم تحدث بعض المتدخلين عن رافد الهواة الذي يصب في نهر الصفوة، وقدم بالأرقام عدد اللاعبين الذين انتقلوا من الهواية إلى الصفوة، قبل أن يتصدى متدخل آخر ليتحدث عن الهجرة المعكوسة من الصفوة إلى الهواة، ويثار جدل أنسى الجميع مناقشة التقريرين الأدبي والمالي. وفي مختلف المنتديات والمجالس يكبر اللاعب القادم من قعر المنافسة إلى قمة التباري في عيون المهتمين، ويعتبرونه فلتة كروية قد لا تتكرر إلا بإذن الله، لكن حين يتقابل الهواة والنخبة تصبح نظرية التصنيف غير ذات جدوى على الأقل في منافسات كأس العرش. جاء العلودي من الكارة وأبوشروان من العونات ووادوش من تادلة وفوزي عبد الغني من العطاوية وفهد الأحمدي من زكورة والركادي من بلقصيري وغيرهم من الأسماء التي خرجت من الظل إلى النور، هؤلاء صنعوا أفراح جماهير أندية كبيرة كالرجاء والوداد والجيش وحسنية أكادير وغيرها من الفرق المصنفة، لكن دون أن يفتح الباب أمام كفاءات أخرى، لأن المسؤولين بعتبرونهم مجرد فلتات لا تتكرر إلا مرة كل عقد. يمكن للاعب أن يجد مكانة بين الكبار إذا اخترق الحواجز وأغلق أذنيه في وجه شتائم تذكره بانتمائه القروي، لكن المدرب والمسير يظل أسير محيطه الصغير، لا يقترب من كبار عشيرة الكرة إلا إذا أراد التقاط صور الذكرى، رغم أن الجميع يردد قولا مأثورا يقول: «يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر»، دون أن يطبقه.