فتاح الغياثي لاعب من الذين تركوا بصمات كبيرة على الساحة الكروية الوطنية، حقق ما كان يهدف إليه جمهور الماص ومسيروه، حقق البطولة وفاز بكأس العرش وسجل اسمه بفخر كهداف لبطولة موسم 83 بعد التألق بالبطولة الوطنية وحمله للقميص الوطني سواء في البطولة الإفريقية للأمم أو كأس العالم بميكسيكو سنة 1984، ليشق طريقه لمعانقة عالم الاحتراف بنادي نيوشاتيل السويسري. في حوارنا مع المدير التقني السابق لمدرسة المغرب الفاسي وبابتسامته المعهودة وصراحته المعروفة فتح عبد الفتاح الغياثي صدره للجريدة فكانت المعطيات التالية. نريد أن نذكر القراء بمهاجم من طينة الكبار لعب للمغرب الفاسي والمنتخب الوطني. إذن من هو فتاح الغياثي؟ وكيف بدأ مشواره الرياضي؟ في البداية لابد من تحية شكر لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» التي تتيح الفرصة للاعبين القدامى حتى لا يطالهم النسيان. فتاح الغياثي من مواليد 1963 بفاس، وبالضبط بحي الشهداء في ساحة حي الشهداء، ركضت عن سن مبكرة وراء الكرة رفقة مجموعة من أبناء الحي وفريق المدرسة. تعلمت أصول الممارسة، تدرجت عبر جميع فئات المغرب الفاسي قبل أن يلتفت لي المدرب كنايير الذي كان يعشق الأسماء الشابة.. وكان بجانبي كل من الحارس الهزاز، ادريس الكرامي، رضوان الكزاز، عبد الله التازي وبونو عتيق، وهي أسماء شكلت مدرسة حقيقية تعلمت منها الكثير. هاته المساندة جعلتني في ظرف وجيز أوقع على رسميتي داخل الفريق، وأصبحت بكل صراحة الفتى المدلل والمهاجم الذي لا يهدأ له بال إلا بعد هز الشباك. في نهاية سنة 83/82 تلذذت بطعم اللقب وهداف البطولة ب13 هدفا، وأدركت أن المسؤولية تضخمت خاصة بعد رحيل العديد من الأسماء مثل الهزاز، الكزاز، الزهراوي والتازي، وأن علي أن أكون خير خلف لخير سلف. في الموسم الموالي ضيعنا اللقب. مع مجيء المرحوم الغالمي عاد توازني شأن باقي اللاعبين، فاز فريق المغرب الفاسي بالبطولة بفارق نقطة عن النادي القنيطري، وللأسف كان هذا اللقب هو الأخير بالنسبة لفريق العاصمة العلمية. لقد كانت البطولة قوية ومايميزها أكثر هو وجود هدافين من العيار الثقيل مثل البوساتي من النادي القنيطري 18 هدفا. 81/82 و 25 هدفا موسم 82/81 ثم لغريسي، ناظر، بوسحابة. التميمي واللائحة طويلة ماذا تقول على مستوى كأس العرش؟ كان فريق المغرب الفاسي سيء الحظ على مستوى كأس العرش انهزم سنة 66 أمام النادي المكناسي في الوقت الذي كان الكأس على الورق من نصيبه، ثم هزيمته أمام الجيش سنة 71 بالضربات الترجيحية. في فترتنا كان نحلم بالكأس الغالية، وضاعت منا في موسم 82/81 أمام النهضة القنيطرية. وفي موسم 85/84 الجيش يهزمنا في دور النصف. نفس السيناريو موسم 85/86، لكن موسم 88/87 كان موسم الثأر، ولن أنسى أبدا هذا التتويج، حيث استطعنا الفوز على فرق البيضاء، وكانت البداية بفريق جمعية الحليب 0/1، وبعده الرجاء 3/4 ثم الوداد البيضاوي 0/1 وفي النهاية كان الثأر أمام الجيش الملكي 2/4 بالضربات الترجيحية. كل هذا التألق دون شك فتح لك أبواب المنتخب الوطني؟ المدرب المهدي فاريا كان وراء استدعائي للمنتخب الوطني الذي شاركت معه في نهائيات كأس إفريقيا للأمم بمصر سنة 1986، وكنت وقتها في كرسي الاحتياط نظرا لقوة عناصر الأسود في تلك الفترة، أسماء كبيرة مثل التيمومي، بودربالة، كريمو، خيري، لغريسي، أمان الله.. ورغم ذلك لعبت عدة لقاءات وتمكنت من تسجيل الأهداف. تعتبر أول لاعب من صفوف المغرب الفاسي تطرق باب الاحتراف، ماذا تقول عن ذلك؟ بالفعل، تعيدني لتلك المحطة الجميلة لموسم 90/89 حيث عانقت عالم الاحتراف من بابه الواسع، وكانت التجربة رفقة نادي نيوشاتيل كزاماكس عن السويسري الذي بصمت معه على مسيرة موفقة، وكنت من أبرز هدافي الدوري السويسري. ومن أهم ذكرياتي هناك، صادف شهر رمضان الدوري السويسري، وبالطبع كنت صائما، غير أنني لا أخبر المدرب حتى لا يطلب مني الإفطار، وخلال تناول وجبة الغداء أخبرت عميد الفريق وجلست بجانبه وتظاهرت بالأكل، وكنت أمنح نصيبي للعميد. بعد الاستراحة ذهبنا للملعب ولعبنا ضد فريق كان يضم بين صفوفه اللاعب الدولي الشيلي زامورانو، كانت مقابلة قوية وحضرها جمهور غفير جدا، وتمكننا من الفوز بحصة 3/4، ونجحت في تسجيل ثلاثة أهداف تماما مثل زامورانو، الذي سجل هو الآخر 3 أهداف. وبعد أيام أخبر العميد المدرب بأنني كنت صائما، فطلب مني أن أصوم كل يوم اللقاء. ماذا بعد الاحتراف؟ لم تكن لدي فكرة العودة إلا أن الرئيس الذي سهل لي عملية الاحتراف الحاج سعيد بلخياط، الذي يعتبر من أحسن الرؤساء الذين تعاقبوا على تسيير المغرب الفاسي وعاش الفريق واللاعبون والجمهور معه أزهى أيام الرياضة الفاسية زارني بسويسرا وطلب مني العودة، نظرا للأزمة التي أصبح يعيشها الفريق ، على أساس أن أتقاضى نفس المبلغ الشهري الذي كنت أتقاضاه بسويسرا. فعدت بدون تردد ويا ليتني لم أقدم على ذلك، لأسباب سيأتي الوقت المناسب للإفصاح عنها. عدت للبطولة الوطنية وكان الفرق شاسعا بين الهواة والاحتراف، وأصبحت أعيش المضايقات وسلوكات غريبة، ففضلت أن أنسحب بهدوء، ربما لكوني فقدت متعة الممارسة بعد تقاعد معظم أصدقائي، وربما أيضا لكوني أحسست بالغبن، لكن كان قراري صائبا وأحسنت صنعا. هل قررت الابتعاد كليا عن الرياضة؟ راودتني الفكرة، إلا أنني لجأت لعالم التدريب، حيث حصلت على دبلوم أول للتدريب من عصبة الوسط الشمالي، ثم رحلت لفرنسا وحصلت على دبلوم الدرجة الثانية، ودربت العديد من الفرق بالقسم الشرفي، ثم قسم الهواة، وتحملت مسؤولية تدريب الفئات الصغرى للمغرب الفاسي وحققت نتائج إيجابية كمركز وصيف بطل الشبان، ثم أسندت لي مهمة المدير التقني لمدرسة المغرب الفاسي وحصلت على لقبين للصغار والفتيان ولعبت المقابلة النهائية للشبان.. إلا أنني رغم كل هذه النتائج تم الاستغناء عني. كان الانتقال من جو الممارسة الى فترة المراقبة والمشاهدة ثم تحمل المسؤولية التقنية.. أين يتضح لك الفرق بين الماضي والحاضر بالبطولة؟ حاليا البطولة الوطنية تعاني كثيرا، جيل ضعيف في جميع الميادين وعلى جميع المستويات. كان لدينا في الساحة الرياضية لاعبون كبار ينافسون عمالقة كرة القدم في العالم، وإذا أردت ذكر الأسماء أنطلق من العربي بنمبارك، حسن أقصبي، التيمومي، كريمو، بودربالة وهلم جرا.. إلى فترة البهجة وكماتشو ثم الطاهر لخلج وشيبو... إلا أننا في السنوات الأخيرة فقدنا هذا النوع من العيار الثقيل، مما أسفر عن نزول المستوى ونفور الجماهير من الملاعب، حيث انعدمت الفرجة وتم تعويضها بأحداث الشغب والعنف.. وهذه أشياء تسيء لكرة القدم الوطنية أكثر مما تفيدها. من أجل العودة بكرة القدم الى أمجادها ومسايرة الركب الرياضي مع باقي دول العالم، علينا بالتكوين المستمر وبناء مدارس للناشئة، وتحفيزها وطرح برامج جادة وهادفة تسهر عليها أطر رياضية مارست الكرة وتتوفر على ديبلومات في هذا المجال، ولاتفكر في جني الثمار المبكرة، بل يجب وضع برنامج على المدى البعيد أو المتوسط حتى تتمكن من خلق جيل جديد يتقن كرة القدم ليقول كلمته في المستقبل. لايمكن بهذه الطريقة الحالية السير بكرة القدم إلى ما هو أحسن. المشكل يكمن في التطبيق وليس التنظير وحده، لايكفي ولايمكن استعمال العاطفة في التعامل مع المؤطرين. يجب أن يكون الرجل المناسب في المكان المناسب. فكم من مشاريع وبرامج طرحت وضاعت الأموال الهائلة، ولكن للأسف بدون جدوى. يجب مراجعة الأوراق من جديد؟ ننتقل من عالم التكوين إلى عالم التسيير. كيف ترى التسيير الرياضي وهل له انعكاسات على المستوى التقني؟ معالجة الوضع الرياضي في نظري مرتبط بعناصر ثلاثة: الجمهور - المكتب المسير - الفريق. هذا الثلاثي يجب أن يكون منسجما وكل واحد يكفل الآخر. للأسف أصبحنا لانعطي الاهتمام الكافي للجمهور للمشاركة في القرار وإعطاء وجهة نظره. في عهدنا كان الجمهور يعاتبنا، وكنا نخشى أن نظهر بمستوى ضعيف، حتى لانسمع اللوم والعتاب من الجمهور الذي كان معنا من انطلاق البطولة حتى نهايتها في مختلف الملاعب الوطنية. الرئيس أصبح مع مرور الزمن يعتبر النادي ملكية خاصة له، لأنه، بكل بساطة، صرف أموالا وينتظر إعادتها. اللاعب يضيع بين شغب الجماهير وسبها وديكتاتورية المسير والبحث عن لقمة عيش أكثر من اهتماماته بتطوير مستواه، مما يجعل عددا من اللاعبين يظهرون بمستوى جيد في بداية البطولة ليصبح لاشيء في الشطر الثاني منها أو يفضل لحريك لضمان مستقبله. يجب اللجوء الى الإحتراف بما للكلمة من معنى. يجب أن تكون المنافسة ليس من أجل التسيير بل من أجل تدبير مقاولة رياضية وبناء مدارس للتكوين وخلق جو رياضي داخل النوادي يتعايش فيها الجميع. أما ما نحن عليه اليوم شيء غريب، رئيس يقدم استقالته آخر يعلن عن جمع عام استثنائي، جموع عامة مفبركة كأننا في ما يطلق عليه بالدارجة «لقصارة». نحلم بأن تصل إلى مستوى عال بدون عمل ولا تخطيط ولا صرف للأموال، وكأن الذين حققوا التأهيل لكرتهم جاء من باب الله. لقد انتهى ذلك الزمن الذي أعطى المواهب من الشارع والحي الذي كان مسؤولا عن صقل المواهب.. اليوم نعيش العولمة، كل شيء بالعلم والدراسة والتخطيط.. لقد أصبحت الأمور أكثر عقلانية مما سبق، إما أن تعمل، وإما أن تتخلف عن الكرب. وجدتك متحاملا ومتشائما، ولك موقف من اللاعب الحالي؟ من زاويتي كلاعب سابق ومدير تقني سابق، أقارن بيني وبين الآخر، كنا نتلقى توجيهات من المدرب، ولكن كنا نجتهد ونبدع .. وكنا نقوم بحركات بهلوانية بمراوغات شيطانية زائدة نكسب من خلالها الجمهور وتزيدنا شعبية.. اليوم اللاعبون مثل «الروبو» لا يمكنهم الإبداع، وإذا أرادوا ذلك يخسرون كل شيء. هل يتذكر فتاح أجمل أهدافه؟ الأهداف كثيرة جدا، لكن تبقى أهدافي أمام كل من الرجاء والوداد أمام حراس في المستوى مثل الزاكي - رونق، بنحليمة واللائحة طويلة أجمل الاهداف، وأحسن هدف سجلته على عزمي والزاكي بالبيضاء وفاس، عندما قمت بتمويه جسدي وجلس الأرض وسجلت عليه. كانت أيام لاتنسى، وكانت الصداقة والإخلاص والمحبة بين اللاعبين. أسوء ذكرى؟ انحدار المغرب الفاسي للقسم الوطني الثاني وعدم فوز المنتخب الوطني بكأس إفريقيا بتونس، لأن الزاكي كإطار وطني، كان أهلا لذلك. صفات يكرهها فتاح الغياثي! طبعا النفاق والنميمة والاعتداء على الآخر. للاسف أصبح اليوم هذا هو الشعار إذا أردت البلوغ لهدف ما. أحب الألوان؟ اللون الأحمر والأخضر وألوان المغرب الفاسي الذي أتمنى انطلاقته. كيف ينظر فتاح للمرأة؟ وماذا تمثل له؟ شخصية قوية، شرف، صدق وإخلاص، أولاد، أسرة هنيئة.