عالية، هو اسم طفلة مغربية عمرها سنة ونصف أصيبت يوما بارتفاع بسيط في درجة الحرارة فتحولت فجأة إلى منعشة عقارية، ليس لأنها اشترت أراضي وبنت فيها عمارات، بل لأنها ساهمت في ذلك بجزء من صحتها ومال والديها. وهذه قصتها كما تحكيها والدتها: «أصيبت طفلتي عالية بارتفاع في درجة الحرارة، ومن شدة هلعي عليها حملتها إلى أقرب طبيب يوجد في شارع المسيرة الخضراء قرب ولاية طنجة. بعد أن فحصها الطبيب «م. ش»، طلب مني أن أحملها، على عجل، إلى إحدى المصحات وعندما سألته إن كان بإمكاني أن أناولها مسكنا للحرارة عبارة عن «قويلب»، رفض ذلك بشدة وقال إن كل الدواء اللازم سيتم تسليمه لها في المصحة. اعتقدت، تضيف الأم، أن طفلتي مصابة بمرض خطير ولم أناقش الطبيب في أي شيء. وفي المصحة، طلبوا مني أن أودع ابنتي لديهم لأنها ستبقى فيه بضعة أيام. وبينما كنت أحاول أن أعرف طبيعة مرضها، طلبوا مني أداء العربون، وهو 2000 درهم، ولأني لا أناقش من أجل صحة أبنائي فقد أديت المبلغ، ووجدت في المصحة امرأة من مكناس أودعت طفلا بالمصحة وطلبوا منها أداء نفس المبلغ، فأدت المبلغ طبعا. بعد ذلك، وجدت نفسي أؤدي فواتير متواصلة: 630 درهما من أجل التحاليل، و250 درهما من أجل الكشف، و1000 درهم من أجل زيارات الطبيب، ومصاريف أخرى، ووصل الثمن إلى 6500 درهم في ثلاثة أيام بقيت فيها طفلتي في فراش المصحة. في كل هذا، كنت أحاول أن أعرف ماذا يجري، وكان خوفي على صحتها يمنعني من مناقشة الطبيب، لكن مفاجأتي، بل صدمتي، كانت كبيرة جدا عندما تسلمت الفاتورة النهائية للخدمة، وبها كشف كامل للفحوص والأدوية، ووجدت أن ابنتي، وأكرر أن عمرها سنة ونصف فقط، استهلكت طوال مقامها بالمستشفى 25 نوعا من الأدوية، وهو ما كاد يصيبني بالإغماء، لأني لم أفهم ولن أفهم كيف تستهلك طفلة عمرها سنة ونصف كل هذا الكم من الأدوية، وهي أدوية وخدمات يتراوح ثمنها بين 3 دراهم و400 درهم. من بين الأدوية التي شحنت بها عالية إبر وأدوية كالسيوم وعلب أوكسيجين وأدوية غلوكوز وأدوية وأجهزة أخرى كثيرة تحتاج إلى لجنة من الخبراء لتحديد طبيعتها ومدى ملاءمتها لطفلة مصابة بارتفاع في درجة الحرارة. الطفلة عالية، تقول الأم، كان من الممكن مناولتها حبة من المضادات الحيوية الخاصة بالحرارة أو «قويلب» أو أي شيء وستنتهي حكاية مرضها في 10 دقائق، لكن الطبيب كان له رأي آخر، ومن أجل ذلك نصح والدتها، في البداية، بألا تناولها أي شيء لأنه كان يريد أن تظل حرارتها مرتفعة حتى تدخل المصحة. الأم تقول إن كل المبلغ الذي أدته لا يهم لأن صحة طفلتها فوق كل شيء، لكن المشكلة التي عانتها بالفعل هي أنها أصبحت خائفة بشدة على حياة الطفلة بعد أن صعقت لكمية الأدوية التي تناولتها في المصحة، والأكثر من ذلك أن عالية ظلت مرتبكة نفسيا وخائفة بعد أيامها الثلاثة في المصحة. وتضيف الأم في النهاية: «الطبيب الذي نصحني بإدخال ابنتي إلى المصحة هو في نفس الوقت منعش عقاري، يعني تاجر أراض وعمارات، يبني هنا ويبيع هناك، وابنتي ساهمت بالتأكيد في بناء عمارة من عماراته». انتهت حكاية الأم وطفلتها سيئة الحظ، وبقي أن نتساءل كيف سيكون بلد أصيب فيه أخطر جهازين بالتعفن، وهما جهاز القضاء وقطاع الصحة؟ ليس هناك أصعب من الظلم والرشوة في جهاز القضاء، وليس هناك أصعب من اللعب على مرض وضعف الآخرين لبناء الثروات. عند المغاربة بالتأكيد آلاف الحكايات التي تصيب بالصدمة، ومعها آلاف الأسئلة حول مصيرنا ومصير هذا البلد الغريب.