نفس الحكاية تكرر، تفويت أراضي الدولة دون مناقصة ولا طلب عروض، وتفويت عشرات الهكتارات بأثمان رمزية لعمالقة العقار...والخروج بقانون التعمير من القاعدة إلى الاستثناء. مشروع «مايل سانترال» بالحي المحمدي بأكادير مساحته 45.5 هكتارا. أرض هذا المشروع كانت في ملكية مديرية الأملاك المخزنية، واشترتها الشركة الوطنية للتجهيز والبناء (العمران حاليا) بخمسة دراهم للمتر مربع! وأعادت بيعها لمجموعة «الضحى» ب940 درهما للمتر مربع، فيما القيمة الحقيقية لهذه الأرض التي ستقام عليها 90 % من العمارات السكنية الفاخرة و10 % من شقق السكن الاجتماعي، يفوق سعر الأرض 10 آلاف درهم، حسب خبراء في قيمة الأرض بأكادير. وتضيع الدولة مرة أخرى في صفقة 45.5 هكتارا التي بيعت ل«الضحى» بهذا الثمن الرمزي في المليارات. الصفقة مرت دون الوقوف بمحطة المناقصات وطلب العروض، كما ينص القانون على ذلك وكما توجب المصلحة الوطنية. بل مر هذا «التفويت» من تحت قنطرة خاصة اسمها اتفاقية أبرمتها العمران التابعة لوزارة السكنى والتعمير مع بعض المنعشين العقاريين، لكن يبقى السؤال: لماذا بيعت هذه الأرض للضحى وليس لغيرها من المجموعات الكبيرة الموقعة على ذات الاتفاقية؟ رواية توفيق احجيرة، وزير السكنى والتعمير، تقول: «الضحى استفادت من هذه الأرض لأنها المجموعة العقارية الوحيدة التي تقدمت بطلب شراء هذه الأرض، ولم تكن هناك طلبات أخرى، وميلود الشعبي صاحب شركة «الشعبي للإسكان» يقول: «لم يخبرني أحد بموضوع هذه الأرض، ولم ندع إلى المشاركة في أي طلب عروض أو مناقصة. أكثر من هذا لما تسربت بعض الأخبار عن هذا المشروع سألت والي الجهة حول الموضوع، فنفى نفيا قاطعا خبر تفويت المشروع لمجموعة الضحى». هنا تصبح المعلومة تساوي المليارات، ويصبح قانون المناقصات معلقا فوق أعمدة «اتفاقيات» من المفروض ألا تناقض القاعدة القانونية العامة. لتوضيح هذه النقطة، اتصلت «المساء» بأحد الخبراء في قانون التعمير وسألته عن مدى قانونية إسقاط طلب العروض في اتفاقيات تعقدها وزارة السكنى مع شركات العقار فأجاب: «لا يجوز إسقاط البنود القانونية التي تلزم الإدارة باعتماد طلب عروض والمناقصات المفتوحة في وجه كل الشركات من الاتفاقيات المبرمة، وإلا سنصبح أمام محاباة لطرف على حساب آخر». رجوعا إلى المدير العام للضحى أنس الصفريوي ورأيه في هذه الصفقة التي رست على شاطئ شركته دون مناقصة، يقول: «الضحى وقعت اتفاقية مع الدولة كباقي المنعشين العقاريين، والتزمت بموجب العقد ببناء 50 ألف وحدة سكنية، 20 % من هذه الشقق تباع ب120 ألف درهم (سكن اجتماعي) وأذا لم نبني هذه الشقق سنمنح 10 % من أرباحنا في المشروع للعمران». هل خصصت الضحى 20 % من هذا المشروع للسكن الاجتماعي؟ مصدر مطلع في أكادير قال ل«المساء» إن الضحى لم تخصص سوى 10 % من مشروع «مايل سنترال» للسكن الاجتماعي، فيما خصصت باقي المشروع للشقق الفاخرة التي تسوق اليوم ما بين 8 آلاف درهم و10 آلاف درهم للمتر مربع... بعد مشكل تمرير الصفقة هناك مشكل سعر تفويت الأرض. الأملاك المخزنية باعت الأرض البالغ مساحتها 45.5 هكتار ب5 دراهم للمتر المربع للعمران، وهذه الأخيرة باعت نفس الأرض للضحى ب940 درهما للمتر المربع. والشعبي يقول إن قيمة الأرض الحقيقية هي 12 ألف درهم للمتر المربع، وإن الدولة ضاعت في 282 مليار سنتيم كفارق سعر، وخبراء مستقلون يقولون إن قيمة الأرض مع التراخيص التي منحت للضحى بالبناء العالي، الذي وصل إلى تسعة طوابق وعشرة طوابق، لا تقل عن 10 آلاف درهم، وأن فرق السعر هنا هو 233 مليارا (مع احتساب نصف المساحة فقط أي 25 هكتارا التي ستقام فوقها البنايات، أما النصف الآخر المخصص للحدائق والطرق فلا يحسب من فارق السعر هذا...». لماذا أبرمت وزارة السكن اتفاقيات مع شركات العقار تسقط قانون المناقصة المعمول به في كل الصفقات العمومية؟ ولماذا فوتت الأرض بثمن بخس؟ ولماذا منحت الضحي استثناءات خاصة لبناء عمارات من 10 طوابق عوض 6 المطبقة على الشركات المنافسة وكيف حدد العمران ثمن 940 درهما؟ ومن سيراقب التزام الضحى بدفتر التحملات؟ أسئلة تظل معلقة بلا أجوبة في ملف ساخن حرارته أعلى من حرارة الصيف هذه الأيام. في متابعتنا لملف تفويت أراضي الدولة للخواص، وبالتحديد إلى مجموعة «الضحى»، نعرض في هذا العدد لمشروع «مايل سنترال» بالحي المحمدي بأكادير المقام على مساحة 45.5 هكتاراً لنذكر أن هذه القطعة الأرضية كانت في ملك مديرية الأملاك المخزنية التي فوتتها سنة 2002 إلى الشركة الوطنية للتجهيز والبناء التي أصبحت فيما بعد تسمى «قطب العمران». في سنة 2006 تم التوقيع، بين «قطب العمران» من جهة و»مجموعة الضحى» من جهة أخرى، على بروتوكول تفويت القطعة الأرضية بمساحة خام تبلغ 45.5 هكتاراً ومساحة صافية تفوق 25 هكتاراً بثمن 940 درهما للمتر مربع. المشروع يضم عمارات تتكون من تسعة طوابق و أخرى من عشرة طوابق، كما يضم مراكز تجارية ومركبا سينمائيا ومركزا ترفيهيا وفندقا.. إلخ، مع الإشارة إلى أن هذا المشروع استفاد هو الآخر من الاستثناء في الترخيص لعمارات من 10 طوابق في وقت لم يرخص لمنعشين آخرين أكثر من 6 طوابق. «المساء» بحثت عن مناقصة أو عرض عمومي لتفويت هذه الأرض ولم تعثر على أثر لذلك، كما أن المسؤولين عن قطاع التعمير لم ينفوا ذلك. فعندما نقلنا تساؤلنا إلى توفيق احجيرة، وزير السكنى والتعمير، أكد لنا أن «ذلك تم في إطار مقاربة شمولية نصت على التوقيع على اتفاقيات بين الحكومة والمنعشين العقاريين الكبار وبموجب ذلك استفادت مجموعة الضحى بعد أن لم يقدم أي منعش عقاري آخر بطلب للحصول على المشروع». حملنا نفس السؤال إلى ميلود الشعبي مادام هو الآخر موقعاً على نفس الاتفاقية التي وقعتها الدولة مع مجموعة الضحى، وسألناه كذلك كيف لم يشارك في هذا المشروع، فكان رده الآتي: «لم يتصل بي أحد من أجل المشاركة في أي مناقصة تهم هذا المشروع، أكثر من ذلك أنني عندما علمت بالأمر سألت والي الجهة حول الموضوع، فنفى نفيا قاطعا خبر تفويت المشروع إلى مجموعة الضحى».وبما أن المعني الأول بالأمر هو «قطب العمران» فإننا سألنا محمد العرايشي مدير «قطب العمران» عن الدوافع وراء تفويت 45 هكتارا من أراضي الدولة إلى منعش دون آخر كيفما كان اسمه دون مناقصة، فقال لنا: «إن الدولة وقعت اتفاقيات برامج مندمجة تضم عدة أشكال من السكن، من ضمنها السكن الاجتماعي مع منعشين عقاريين كبار ومتوسطين وصغار وبموجب ذلك استفادت «الضحى» التي وقعت اتفاقا بإنشاء خمسين ألف سكن من هذا المشروع»، ثم سألناه: ولماذا لا تتم مناقصة بين كل الموقعين على اتفاقيات مع الحكومة ويكون الفائز هو من يقدم أفضل عرض فكان رده «أن الاتفاقية الموقعة بين الدولة وهؤلاء المنعشين لا تنص على المناقصة والدولة تبحث «بالريق الناشف» عن منعشين ينجزون مشاريع كبرى، لذلك تقدم لهم التشجيع والتحفيز». وبهذا الخصوص، سألنا ميلود الشعبي عن هذه المعطيات، فقال: إن الجواب لدى وزير السكنى والتعمير ومدير قطب العمران اللذين فوتا أرض الدولة مباشرة إلى الضحى، و أنا أتحدى أيّا كان أن يكون بإمكانه إثبات أن العملية تمت في إطار مناقصة أو عرض عمومي». أما المعني بالأمر أنس الصفريوي فقال: «إن «مجموعة الضحى» وقعت اتفاقا مع الدولة مثلها مثل منعشين آخرين والتزمت، بموجب العقد، ببناء 50ألف وحدة سكنية شريطة أن تخصص 20 % في بعض المشاريع لشقق تحمل نفس المواصفات ولكن تباع فقط ب120ألفا درهم أو تمنح للعمران 10 % من الأرباح... «الضحى» كانت في الموعد بعد موافقتها على تلك الشروط وأنجزت أول عملية لها في هذا الإطار، وهي مشروع السعادة بأكادير الذي أنجز وفق بنود العقد ومكن من توفير شقق ب200 ألف درهم». ميلود الشعبي تساءل حول «جدوى التوقيع مع الدولة على اتفاقيات إذا كانت الجهة التي ستستفيد منها معروفة سلفاً»، وأضاف قوله: «إن مشروع «مايل سنترال» بأكادير فوت للضحى دون مناقصة وخصصت نسبة 10% فقط من المشروع للسكن الاجتماعي فيما ذهبت 90 % الباقية للسكن الفاخر. ومجموعة الشعبي مستعدة للمرور عبر مناقصات وتخصيص40 % للسكن الاجتماعي، وهذا التزام منا». وأضاف قائلا «لقد اقتنيت من مؤسسة الدولة ليراك أكادير في إطار مناقصة، قطعة أرضية مساحتها 14 هكتارا منذ أربع سنوات، ومع ذلك لم أتسلمها بعد» ! وليست مسألة المناقصة هي الإشكالية الوحيدة، بل حتى سعر التفويت يثير الجدل، فالمبلغ الإجمالي الذي أدته «الضحى» هو 24.2 مليار سنتيم (940 درهما للمتر مربع) عن 25هكتاراً، حجم المساحة الصافية الخاصة ببناء 16 إقامة سكنية، الجزء الأكبر منها مخصص لشتييد شقق فاخرة يبتدئ سعر تسويقها من ثمانية آلاف درهم للمتر المربع ضمن عمارات يتكون بعضها من تسعة طوابق وبعضها الآخر من عشرة طوابق مع العلم بأن قطب العمران قام بتهيئة جزئية للأرض المذكورة قبل تفويتها إلى الضحى بتاريخ 7 فبراير 2006. وهنا نصطدم كذلك بتناقض الطروحات، فمجموعة «الضحى» و»قطب العمران» يؤكدان من جهة أن سعر 940 درهماً للمتر المربع هو سعر السوق، فيما يشدد الشعبي على أنه «يستحيل أن تجد أراضي تضم عمارات من عشرة طوابق بأكادير تقل عن 12 ألف درهم للمتر المربع»، ويؤكد أن»فارق السعر الذي استفادت منه «الضحى» في مشروع «مايل سنترال» بأكادير لوحده يفوق 282 مليار سنتيم». وهكذا، يتضح أن مسألتي التفويت المباشر وفارق السعر هما قطب رحى الصراع الدائر بين عمالقة العقار بالمغرب، وقد أكد لنا الشعبي ومنعشون آخرون فضلوا عدم ذكر أسمائهم، أنهم لم يستفيدوا أبدا من أراضي الدولة مباشرة وبدون مناقصات. «مجموعة الضحى» في سطور رأس المال: 2835 مليون درهم توزيع رأس المال: أنس الصفريوي 61.74 % مختلفون بالبورصة 35.00 % نور الدين الأيوبي 3.25 % تاريخ الإدراج بالبورصة: 6 يوليوز 2006 مبلغ الإدراج: 2.3 مليار درهم استفاد منها أنس الصفريوي نسبة الإدراج: 35 % من رأس المال فوتها الصفريوي إلى البورصة الرسملة السوقية (25 يونيو 2008): 60102 مليون درهم أي حوالي 10% من إجمالي الرسملة السوقية لبورصة الدارالبيضاء وضعف رسملة مجموعة أونا. مسار السهم: ساهم الإعلان عن المشاريع الكبرى التي أطلقتها المجموعة، ومنها تلك التي ذكرناها في هذا الملف، في جعل السهم يرتفع من 585 درهم (يوليوز 2006) إلى 4530 درهم (أبريل 2008). وارتأت إدارة الشركة اقتسام القيمة الإسمية ليصبح سعر السهم ألفي درهم مع مضاعفة عدد الأسهم مرتين، وهذا يمنحه هامشا أكبر للارتفاع. رقم المعاملات (2007): 3001 مليون درهم الأرباح الصافية (2007): 702 مليون درهم الربح عن كل سهم: 25 درهماً - في عدد الغد ننشر ظروف تفويت خمسة مشاريع بمراكش باعتها الأملاك المخزنية والأحباس وصندوق الإيداع والتدبير ل«مجوعة الضحى».