كيفية تثبيت تطبيق الهاتف المحمول MelBet: سهولة التثبيت والعديد من الخيارات    والي بنك المغرب يعلن الانتهاء من إعداد مشروع قانون "العملات الرقمية"    "هيئة تحرير الشام" تخطط للمستقبل    8 قتلى في حادثتين بالحوز ومراكش    27 قتيلا و2502 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    فينيسيوس أفضل لاعب في العالم وأنشيلوتي أحسن مدرب    قطاع الطيران... انطلاق أشغال بناء المصنع الجديد لتريلبورغ    بنك المغرب يخفض سعر فائدته الرئيسي إلى 2,5 في المائة    جوائز "الأفضل" للفيفا.. البرازيلي فينيسيوس يتوج بلقب عام 2024    تشييع رسمي لجثمان شهيد الواجب بمسقط رأسه في أبي الجعد    المغرب والسعودية يوقعان بالرياض مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مجالات التحول الرقمي الحكومي    القنيطرة.. افتتاح معرض لإشاعة ثقافة التهادي بمنتوجات الصناعة التقليدية    الرباط.. انعقاد اجتماع لجنة تتبع مصيدة الأخطبوط    إحصاء 2024: الدارجة تستعمل أكثر من الريفية في الناظور    صحيفة 'لوفيغارو': المغرب يتموقع كوجهة رئيسية للسياحة العالمية    العام الثقافي 'قطر-المغرب 2024': الأميرة للا حسناء وسعادة الشيخة سارة تترأسان بالدوحة عرضا لفن التبوريدة        رسمياً.. المغرب يصوت لأول مرة بالأمم المتحدة على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام    المغرب "شريك أساسي وموثوق" للاتحاد الأوروبي (مفوضة أوروبية)    مجلس الشيوخ الشيلي يدعم مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية (سيناتور شيلي)    كلمة الأستاذ إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، خلال اجتماع اللجنة الإفريقية للأممية الاشتراكية    فيفا ينظم بيع تذاكر كأس العالم للأندية‬    بنعلي: رفع القدرة التخزينية للمواد البترولية ب 1,8 مليون متر مكعب في أفق 2030    ردود فعل غاضبة من نشطاء الحركة الأمازيغية تُشكك في نتائج بنموسى حول نسبة الناطقين بالأمازيغية    84% من المغاربة يتوفرون على هاتف شخصي و70 % يستعملون الأنترنيت في الحواضر حسب الإحصاء العام    لماذا لا تريد موريتانيا تصفية نزاع الصحراء المفتعل؟    الأميرة للا حسناء تترأس عرض التبوريدة    دفاع الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال يؤكد أن وضعه الصحي في خطر    النظام الأساسي لموظفي إدارة السجون على طاولة مجلس الحكومة    تحقيق قضائي لتحديد دوافع انتحار ضابط شرطة في الدار البيضاء    ارتفاع معدل البطالة بالمغرب إلى 21% مع تسجيل ضعف في نسبة مشاركة النساء بسوق الشغل    مراكش.. توقيع اتفاقية لإحداث مكتب للاتحاد الدولي لكرة القدم في إفريقيا بالمغرب    كنزي كسّاب من عالم الجمال إلى عالم التمثيل    حاتم عمور يطلب من جمهوره عدم التصويت له في "عراق أواردز"        ضابط شرطة يضع حدّاً لحياته داخل منزله بالبيضاء..والأمن يفتح تحقيقاً    ألمانيا تتجه لانتخابات مبكرة بعد سحب الثقة من شولتس    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    السينما الإسبانية تُودّع أيقونتها ماريسا باريديس عن 78 عامًا    سرطان المرارة .. مرض نادر يُشخّص في المراحل المتقدمة    كيوسك الثلاثاء | حملة توظيف جديدة للعاملات المغربيات بقطاع الفواكه الحمراء بإسبانيا    زلزال عنيف يضرب أرخبيل فانواتو بالمحيط الهادي    شوارع المغرب في 2024.. لا صوت يعلو الدعم لغزة    الصين تعارض زيادة الرسوم الجمركية الأمريكية على المنتجات الصينية    ماكرون سيعلن الحداد الوطني بعد إعصار شيدو المدمر في أرخبيل مايوت    السفير الدهر: الجزائر تعيش أزمة هوية .. وغياب سردية وطنية يحفز اللصوصية    أفضل لاعب بإفريقيا يحزن المغاربة    لماذا لا يستطيع التابع أن يتحرر؟    عن العُرس الرّيفي والتطريّة والفارس المغوار    علماء يكتشفون فصيلة "خارقة" من البشر لا يحتاجون للنوم لساعات طويلة    بريطاني أدمن "المراهنات الرياضية" بسبب تناول دواء    دراسة: الاكتئاب مرتبط بأمراض القلب عند النساء    باحثون يابانيون يختبرون عقارا رائدا يجعل الأسنان تنمو من جديد    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«العلم» تغوص في أعماق قضية تفويت عقار الحديقة الوطنية للحيوانات بالرباط
حينما «يتناطح» أثرياء العقار وتزداد الفرجة
نشر في العلم يوم 14 - 11 - 2008

كل الذين يمرون بجوار مقر الحديقة الوطنية للحيوانات تتناسل لديهم أسئلة كثيرة جدا لايملكون العناصر الكافية لصياغة أجوبة عليها، وإن عاودوا المرور فإن هذه الأسئلة تزداد حدة، فبالأمس القريب كان كل الفضاء مخصصا للحديقة الوطنية للحيوانات، وكانت مساحات خضراء شاسعة محيطة بها تمثل متنفسا لمآت العائلات التي كانت تنتهز الفرصة لتتمتع بجمالها، وكانت مآت الحيوانات من مختلف الأشكال تقيم - صحيح في ظروف لم تكن لائقة - لكنها كانت مطمئنة في زنازنها وفي معتقلاتها، لكن فجأة تغير كل شيء، اغلق الباب الرئيسي للحديقة وفتحت باب ثانوية على الجانب، واغلق ممر السكة الحديدية الوحيد الذي كان يضمن ربط الراجلين والسيارات بين ضفتي جنوب الرباط، وتحرك ضجيج الآلات ومحركات الحافلات والشاحنات، وتمت المسارعة بتسييج آلاف الأمتار بلوحات قصديرية وحديدية تضمنت رسوما بديعة جذابة لمنطقة جديدة سترى النور في هذا الفضاء على أنقاض مقر الحديقة الوطنية للحيوانات، وكتب على لوحة قريبا من ممر السكة الحديدية الذي اغلق أن مقر الحديقة سيتغير إلى مكان آخر.
وتبين لاحقا أن الأمر يتعلق بنزول مجموعة الضحى إحدى أكبر المجموعات العقارية في المغرب التي سطع نجمها بشكل ملفت خلال السنين القليلة الماضية، والتي استفادت من تفويت لمقر الحديقة الوطنية للحيوانات مقابل مبلغ مالي سنتحدث عنه بتفصيل في معرض التحقيق الذي بحثنا فيه عن الحقيقة التي تبدو جزئية وليست مكتملة الصورة ودققنا في المعطيات حتى وضعنا أيدينا عن مناطق الظل في هذه القضية المثيرة قضية تثير أكثر من خلاف وستتطاير منها شظايا أسئلة حارقة.
ماذا حدث بالضبط؟
سنتجول بهذا السؤال في مختلف الإدارات وسنطرحه على جميع الفاعلين المعنيين بالقضية وسنبحث له عن جواب في الوثائق التي حصلنا عليها، إلى أن تمكنا من توفير غالبية عناصر الجواب.
مسؤولون كثر، من قبيل والي جهة الرباط سلا زمور زعير، وهي سلطة وصاية مسؤولة، ومن قبيل المندوب السامي للمياه والغابات ومكافحة التصحر ومن قبيل الوزير الأول السابق السيد ادريس جطو ومن قبيل وزير الإسكان والتعمير والسياسة المجالية الحالي الذين أجمعوا في ردودهم - مع بعض التباين في التفاصيل - أن وضعية الحديقة الوطنية للحيوانات لم تعد مقبولة بالمرة، وكان لابد من إيجاد حلول عاجلة لها، فكانت البداية بأن أعلنت السلطات المختصة سنتي 2000 و2001 عن طلب عروض تتعلق بخوصصة تسيير الحديقة الوطنية للحيوانات مع إمكانية بناء فندق، وهنا نثير قضية التباين، حيث يقول والي الرباط سلا زمور زعير في الاستجواب الذي سننشره في إطار هذا التحقيق الصحفي أن المناقصة كانت تتعلق بتفويت العقار، وهذا غير دقيق لأن جميع المعطيات المتوفرة تؤكد أن المناقصتين كانتا تتعلقان بخوصصة تسيير الحديقة - وهو الطلب الذي ظل دون جواب، وبقيت الحديقة على حالتها، إلى غاية 2006 وتحديدا خلال شهر نوفمبر من هذه السنة حيث سيتم الإعلان رسميا عن توقيع اتفاقية مع مجموعة الضحى المتخصصة في العقار تقضي بتفويت العقار الذي توجد فوقه الحديقة الوطنية للحيوانات
والذي تبلغ مساحته 53 هكتاراً مقابل 420 مليون درهم مع إضافة بعض المصاريف المتعلقة بتغذية الحيوانات وبناء وتجهيز بعض الأقفاص، وتراوحت قيمة المتر المربع من هذه المساحة الشاسعة بين 800 و900 درهم للمتر المربع.
المعطيات المتوفرة والمستقاة من جميع المواقع لاتوضح بدقة كيف حصلت مجموعة الضحى على هذا «الامتياز» المؤكد أن المناقصة لم يتم الإعلان عنها، وأن التفويت تم بطريقة شبه سرية.
نلامس بعض أجزاء الجواب عن هذا السؤال فيما أدلى به السيد ادريس جطو للصحفيين الذين اجتمع بهم في إقامته بالرباط، وقال إنه لايوجد قانون يمنع على الحكومة تفويت هذا العقار بالتراضي، لكنه يوضح أن مجموعة الضحى سلكت المسطرة القانونية المعمول بها في مثل هذه الحالات، فلقد تقدمت بملف متكامل للمركز الجهوي للاستثمار وبما أن قيمة الاستثمار تتجاوز 200 مليون درهم فإن الملف أحيل برمته على اللجنة الوزارية المكلفة بالنظر في الاستثمارات والتي يرأسها الوزير الأول.
طبعا تطرح هنا قضية ثمن العقار الذي يجمع المراقبون على أنه كان رمزيا، وفي هذا السياق يرد الوزير الأول السابق بضرورة ربط قيمة العقار بالزمن الذي تم فيه التفويت - أي قبل حوالي ثلاث سنوات - بل إنه يضيف بأن إقامة مشاريع من الحجم الذي سيتم انجازها في هذه المنطقة ساهمت إلى حد بعيد في إعطاء قيمة مضافة لهذا العقار، فالأمر يتعلق بشركة متخصصة تقدمت بطلب اقتناء العقار الذي كانت توجد عليه الحديقة الوطنية للحيوانات والحد يث هنا عن مساحة أرضية تصل إلى 53 هكتاراً ودفعت مقابل ذلك 420 مليون درهم، كما أن مجموعة الضحى قدمت تعويضا قدره 10 ملايين درهم (واحد مليار سنتيم) لتمويل الاعتناء بالحيوانات، وسددت مبلغا بقيمة 4 ملايين درهم لبناء أقفاص جديدة للحيوانات وبذلك تكون شركة الضحى قد دفعت في المجموع ماقيمته 434 مليون درهم مقابل الحصول على 53 هكتار في إحدى أهم المناطق العقارية في الرباط.
بما يعني أنها حصلت على هذه «الغنيمة» بقيمة حوالي 868 درهم للمتر المربع الواحد تقريبا، الحقيقة أننا طرحنا سؤالا من اتخذ قرار تفويت العقار، بدأنا بالمندوب السامي للمياه والغابات ومكافحة التصحر الذي قال بوضوح «أنا بصفتي مندوبا ساميا للمياه والغابات كلفت فقط بانجاز الحديقة الجديدة أما بالنسبة للتفويت، فإن الأمر يرجع إلى مديرية الأملاك المخزنية لأنها الوصي وهي التي تتوفر على المعايير بالنسبة للأثمنة وحجم المشروع» حملنا هذا الجواب مسرعين إلى المسؤولين في مديرية الأملاك المخزنية لعلنا نتلقى جوابا مقنعا فكان الرد مخيبا جدا إذ قال مسؤول مهم في هذه المديرية - فضل عدم الكشف عن إسمه - إن قرار التفويت ليس من اختصاص مديرية الأملاك المخزنية، بل إن هذه الأخيرة مكلفة قانونا بتنفيذ القرار من الناحية الإدارية والقانونية، بيد أن قرار التفويت يعود إلى سلطة الاختصاص، سألناه عن هوية هذه السلطة وعنوانها لكنه اعتذر عن تقديم مزيد من التفاصيل في هذه النقطة التي تمثل مفتاح فهم ماجرى.
بدأنا نتيقن بأن الأمر يتعلق بأحد أكثر مناطق الظل في هذه القضية، وكنا متسرعين حينما اعتقدنا بأن تعليمات من (سلطة الاختصاص) صدرت وأمرت بالتفويت، وهذا مايرجح لدينا فرضية دخول شخصية رسمية رفيعة المستوى على ا لخط - كما كانت تروج الاشاعات التي ألقت بغيوم كبيرة وكثيرة جدا على هذا الملف الكبير، وتلاحقت معطيات أكدت لنا أننا كنا ضحية تعتيم كبير جدا تسببت فيه تصريحات المسؤولين خصوصا المندوب السامي للمياه والغابات ومكافحة التصحر والمسؤول في مديرية الأملاك المخزيية، وهي تصريحات تكشف عن أحد أهم الاشكاليات المرتبطة بين الادارات الرسمية المتعلقة بالتواصل بالتنسيق فيما بينها.
وزير الاسكان والتعمير والسياسة المجالية فتح أمامنا مسالك جديدة في تحقيقنا حينما صرح في القناة الأولى للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية مساء يوم الاثنين 21 يوليوز حينما أوضح أن المغرب اعتمد مقاربة ترتكز على أن لاتكون الأرض موضوع مناقصة في مجال دعم وتشجيع الاستثمار، بل - يضيف وزير الاسكان - تفويت العقار يجب أن يكون بمثابة رافعة من رافعات الاستثمار، واستدل في هذا الصدد بوجود دول منافسة للمغرب تفوت العقار مجانا وتزيد عليه تسهيلات أخرى مهمة، ويوضح الوزير إن هذه المقاربة أثمرت في ظرف زمني وجيز الموافقة على 8500 استثمار جديد بقيمة 667 مليار درهم وأفضى إلى خلق 620 ألف منصب شغل، وبذلك أصبح المغرب يحتل المرتبة الأولى في استقطاب الاستثمارات في جنوب البحر الأبيض المتوسط ويحتل المرتبة الرابعة على المستوى الافريقي.
السيد ادريس جطو الوزير الأول السابق كان أكثر وضوحا في هذه النقطة بالتحديد وقال إن السياسة الحكومية كانت ولاتزال تعتمد على تعبئة العقار في دعم الاستثمار، فالدولة - في نظره - يجب أن تستمر في تعبئة العقار ووضعه رهن إشارة المستثمرين في إطار مقومات الشفافية والنزاهة.
وما حدث بالنسبة لتفويت عقار الحديقة الوطنية للحيوانات بالرباط لايخرج عن هذا الإطار حيث تقدمت مجموعة الضحى بملف متكامل وسلكت به المسطرة القانونية فتمت الموافقة على التفويت من طرف اللجنة الوزارية المكلفة بالاستثمار التي ترأسها السيد ادريس جطو نفسه ولو كنا سمعنا مثل هذا الكلام من طرف المسؤولين السابقين لكانت معالم القضية اتضحت منذ البداية، بل لو تعاملت الإدارة مع هذه النقطة بالصرامة اللازمة فيما يخص تقديم البيانات على الأقل ما كانت لمناطق الظل أن تزداد اتساعا.
طبعا لايمكن الاكتفاء في هذا الشأن بتصريحات المسؤولين الحكوميين الذين يبقون مع ذلك معنيين بما حدث ومسؤولين عما حدث بل وأطرافا فيما حدث، وهنا محيد عن البحث في القوانين، كيف تنظم عملية التفويت وهل تسمح باعتماد طريقة أخرى غير اعلان المناقصة. الجواب الواضح والقطعي والذي لايدع مجالا لأدنى شك ويبعد أي اجتهاد (لا إجتهاد مع وضوح النص) نلقاه في القوانين المتعلقة بتدبير الاملاك المخزنية حيث تنص هذه القوانين فيما يتعلق بتفويت ملك من أملاك الدولة على:
أ - البيع عن طريق السمسرة العمومية وذلك طبقا لدورية الأملاك المخزنية رقم 193 الصادرة بتاريخ 2 أكتوبر 1967 وتخص العقارات المخزنية التي يتطلب تسييرها مصاريف كبيرة بينما يكون مردودها ضعيفا أو التي تكون مساحتها صغيرة أو بعيدة عن الجهة المكلفة بتسييرها. والبيع بالسمسرة العمومية يتم وفق مسطرة خاصة تشتمل على مجموعة من الإجراءات.
ب - البيع بالتراضي ويتم اللجوء إليه في حالات عديدة نذكر منها تفويت العقارات للعاملين بالإدارات والمتقاعدين والأشخاص الراغبين في انجاز مشاريع سكنية أو تجارية.
وأن النص الذي يسمح بالبيع إما أن يتخذ شكل قرار لوزير المالية إذا كانت قيمة العقار تقل عن 250 ألف درهم أو يكون بمرسوم للوزير الأول إذا زادت قيمة التفويت عن هذا المبلغ.
من المؤكد أن كل هذه المعطيات وغيرها لاتزال ينتظر دوره في هذا التحقيق ساهمت إلى حد بعيد في توضيح بعض معالم الصورة، فالعقار موضوع النقاش والخلاف تم في إطار احترام القوانين، فالجهة المستفيدة تقدمت بملف في هذا الصدد والسلطات المختصة وافقت عليه بعد دراسته والقوانين تسمح بالتفويت عن طريق التراضي. ومن المحقق أنها ليست المرة الوحيدة ولا الأخيرة التي يستفيد منها القطاع الخاص من مثل هذا التفويت.
هذا ما يفسر تصريح السيد عبد الرزاق ولي الله عضو المكتب المديري بمجموعة الضحى الذي أدلى لنا بتصريحات في هذا الشأن نوردها لاحقا حينما يقول إن «الاختيار وقع على مجموعة الضحى بناء على مجموعة من المعايير التي حددتها الجهات المسؤولة» ويؤكد أن المشروع يعتبر من بين أكبر المشاريع ضخامة، بيد أن السيد أحمد توفيق احجيرة وزير الإسكان والتعمير والسياسة المجالية يعتبر «المشروع مربحا للطرفين» ويقصد طبعا الدولة ومجموعة الضحى.
صحيح أن قضية الثمن تطرح بإلحاح في هذا الصدد، فكثير من الذين التقيناهم أكدوا أن الثمن جد رمزي، فمجموعة الضحى استفادت من عقار مهم بثمن لايتجاوز في أقصى الحالات 900 درهم للمتر المربع، بيد أن ثمن المتر المربع في نفس المنطقة يتجاوز اليوم عشرة آلاف دراهم، بل وسيزيد البعض من الذين استجوبناهم بالقول إن استفادة مجموعة الضحى لم تتوقف عند هذه النقطة، بل سمح لها بتجاوز خطير، حيث رخص لها ببناء أربع عمارات من 17 طابقا لكل واحدة منها، بيد أنه لايسمح للاخرين ببناء أكثر من خمسة طوابق في أحسن الحالات في مجموع الرياض، وطبعا ثمن الأرض لعمارة ب 17 طابقا يصبح أكثر ارتفاعا.
والحقيقة، أنه ثمة شيئا من هذا بحيث أن التفويت بالتراضي يجب أن يراعي قيمة العقار، وموقعه، فإذا كان المستثمر يريد الاستثمار في العالم القروي مثلا أو في منطقة خلاء أو في منطقة تنعدم فيها الاستثمارات يكون معقولا أن يتم التفويت بثمن رمزي، أما وأن الاستثمار يقع في أحد أهم معاقل الاستثمار العقاري في البلاد فإنه لايمكن أن يكون مستساغا التفويت بثمن رمزي.
ومع كل ذلك لابد أن نستحضر بعض مضامين تصريحات الخبراء القانونيين وخبراء في العقار، وبعضهم يؤكد كما سنورد لاحقا أن السعر يتأثر كثيرا بقرب العقار من خط السكك الحديدية الذي يمر ملتصقا به، وغني عن الذكر أن هذا الخط يمر عليه يوميا أكثر من مائة قطار ذهابا وإيابا بما يعني حوالي تسعة قطارات في الساعة الواحدة، ولنا أن نستحضر حجم التشويش والضجيج الذي يتسبب فيه هذا الأمر، وستكون الشركة المستفيدة مجبرة على إضافة تجهيزات لكافة بياناتها تحد من هذه التأثيرات، ثم إن العقار يقع قريبا من الطريق السيار وقريبا من أحد أكبر المركبات الرياضية في بلادنا، وفيما يتعلق بالعمارات الأربع التي ستستمد في 17 طابقا في السماء فإن الخبراء يوضحون أن كل ما تربحه البناية في العلو تخسر ثلثه في الأرض، بمعنى أن المساحات الفارغة الواجب احترامها بين العمارات المتقاربة تزداد اتساعا كل مازاد علو العمارات بيد أن مسؤولين في مجموعة الضحى ينبهون إلى معطى عادة مايقع اغفاله وتغييبه، فالضحى لن تستعمل إلا حوالي 50 بالمائة من العقار الذي تم تفويته في المشاريع التجارية بيد أن أكثر من النصف يستعمل للمساحات الخضراء وفضاءات الترفيه والمسالك
والساحات، ولذلك يجب تقييم العقار المذكور على هذا الأساس وليس على أساس 53 هكتار.
ولنا أن نختم هذه النافدة بتصريح السيد عبر الرزاق ولي الله عضو المكتب المديري بمجموعة الضحى الذي يقول فيه إن «الأسعار المطبقة تظل معقولة» يتضح من خلال جميع المعطيات المتوفرة وبصفة قطعية أيضا أن مجموعة الضحى استفادت من التفويت عن طريق التراضي، وهي مسطرة قانونية على كل حال، لكن لماذا الضحى وليس جهة أخرى أو شخصا آخر؟ من الناحية الشكلية على الأقل فإننا ننصت باهتمام إلى تصريح السيد حسن العمراني والي جهة الرباط، سلا زمور زعير أدلى به للعلم في هذه القضية ونضمنه في استجواب مطول معه سننشره لاحقا حيث قال: «برهنت مجموعة الضحى على جودة خدماتها، وحين تقدمت هذه الشركة بمشروع اقتناء قطعة أرضية في حي الرياض وتحويل حديقة الحيوانات إلى منطقة أخرى وبعد الدراسة التي قام بها المركز الجهوي للاستثمار تبين أن مدينة الرباط تحتاج إلى قطب سياحي خدماتي عقاري في مستوى رفيع بحي الرياض» ويضيف في فقرة أخرى «وحين تقدمت مجموعة مغربية قام المركز الجهوي للاستثمار بالبت في هذا الموضوع واقترح مذكرة تفاهم على أن يكون الاتفاق مبدئيا وأوليا».
لكن من حيث جوهر القضية فإننا نحتمل أن مجموعة الضحى تفطنت إلى أهمية التحايل على طلبي العروض اللذين تم الإعلان عنهما قبل خمس سنوات من تاريخ التفويت، بأن اقترحت اقتناء العقار في إطار التفويت بواسطة التراضي مقابل دفع مبلغ مالي يساوي بالضبط تكلفة حديقة الحيوانات الجديدة التي سيتم تشييدها على أساس مواصفات عالمية.
وهذا الأمر يؤشر من جهة على وجود مهنية عالية، لكنه أيضا يؤشر على نفوذ مهم للمجموعة داخل الأوساط الرسمية، وهي تنفرد ب ذلك كله عن باقي المتنافسين.
ما القصة في هذا الضجيج؟
طبعا، أثارت هذه القضية زوبعة من ردود الفعل العنيفة في كثير من الأحيان، وتطايرت شظايا الخلاف الذي بدأ هادئا ثم ما فتئ أن إزداد سخونة إلى أن أصبح حارقا، سيطر على صحفات كثيرة من الصحف الوطنية، وبدا واضحا أن أطراف النزاع تستخدم ذراعها الإعلامي، ولم يكن غريبا أن تناصر كل جريدة طرفا على حساب الآخر، وفي بعض الأحيان كانت اعلانات واشهار طرف من الأطراف تفسر حماس جريدة ما في الدفاع عن وجهة نظر معينة دون غيرها، وما كاد النزاع يدخل الإطارات المهنية، فوقعت هزات في تنظيمات مهنية مشتغلة في العقار، بل وأخيرا عرف النزاع منعطفا حينما بادر أحد الفريقين إلى المطالبة بتكوين لجنة تقصي الحقائق بمجلس النواب وعضويته في هذا المجلس تتيح له المضي في ذلك.
إن الطرف الآخر في هذا النزاع هو الحاج ميلود الشعبي أحد أهم المنعشين العقاريين في البلاد، وهو لايتردد في اتهام أطراف داخل الدولة بتفويت الأراضي لمجموعة الضحى بأثمان رمزية، وهذا الكلام - في الحقيقة - قاله قبل صفقة تفويت حديقة الحيوانات.
نبدأ في التدقيق في هذه الإشكالية بما صرح به السيد ادريس جطو الوزير الأول السابق أمام الصحفيين بمقر إقامته بالرباط مساء يوم الثلاثاء 22 يوليوز حينما ذكر بأن الحاج ميلود الشعبي نفسه سبق له أن استفاد من مثل هذه المسطرة.
وغير خاف على الرأي العام أن الحاج ميلود الشعبي فاعل عقاري وازن، وبذلك فإن طرفي النزاع فاعلين في العقار ومن المنطقي أن تحتدم المنافسة بينهما إلى أكثر من هذه الدرجة ماعدا إذا كان أحد الطرفين يتوفر على مستندات ووثائق تؤكد أن المنافسة زاغت عن إطارها القانوني والشرعي، وفي هذه الحالة لايمكن لأي مغربي أن يكون ضد إعمال القانون وترتيب الجزاء، وإلى ذلك الحين سنظل متفرجين على مباراة بين فاعلين عقاريين كل يجتهد في هزم منافسه.
ماذا عن الحديقة الوطنية الجديدة للحيوانات؟
تظل أجزاء الصورة مع ذلك غير مكتملة مادام الحديث عن الحديقة الوطنية الجديدة التي ستأوي الحيوانات مغيبا، فهناك ارتباط قوي بين تفويت العقار الذي توجد عليه الحديقة الحالية وتشييد الحديقة الجديدة بل وكما وضحنا في موقع آخر إن تغيير الحديقة وتحديثها وتطويرها كان الهدف الرئيسي من كل هذه العملية.
فلقد وقعت الأطراف المعنية على اتفاقية 11 نوفمبر 2006 التي اكتسبت شهرة كبيرة تقضي بتفويت العقار موضوع الحديث، وموازاة مع ذلك تأسست شركة عمومية جديدة ستتكلف بتدبير الحديقة الجديدة ووقع على عقد تأسيس الشركة كل من الدولة المغربية ممثلة في وزارة المالية والسيد عبد العظيم الحافي عن المندوبية السامية للمياه والغابات ومكافحة التصحر والسيد حسن العمراني والي جهة الرباط سلا زمور زعير والسيد عبد اللطيف بناني ممثل مديرية الميزانية والسيد عبد العزيز الطالبي ممثل مديرية المقاولات العمومية ومحمد عمور ممثل وزارة إعداد التراب الوطني والماء والبيئة (آنذاك) والسيد عبد الجبار اليوسفي ممثل وزارة التجهيز والنقل والسيد حمو جادبر ممثلا آخر عن المندوبية السامية للمياه والغابات ومكافحة التصحر.
وتأسست هذه الشركة في إطار مقتضيات الظهير رقم 124.196 الصادر في 14 ربيع الثاني 1417 الموافق ل 30 غشت 1996 وهي شركة عمومية مجهولة الإسم تحمل إسم «الحديقة الوطنية للحيوانات» ويتضح من خلال بنود القانون المؤسس لهذه الشركة أنها «ستتكلف بدراسته وإعداد وتهييء وبناء الحديقة العمومية والمحافظة عليها وتسييرها ويبلغ عدد أسهمها 3000 سهم بينما يبلغ رأسمالها 300 ألف درهم.
ومباشرة بعد إعلان تأسيس هذه الشركة التي حول إلى صندوقها 420 مليون درهم المحصلة من تفويت عقار الحديقة الوطنية الحالية انطلقت الإجتماعات واعلنت مناقصة دولية لتشييد الحديقة الجديدة وهي المناقصة التي فازت بها شركة من سنغافورة وتعاقدت الشركة الجديدة مع 13 خبيرا دوليا متخصصا وكلف مهندس معماري مغربي بانجاز التصاميم للحفاظ على الطابع المغربي لهذه المنشأة.
وفي هذا الصدد يقول المندوب السامي للمياه والغابات في حواره مع جريدة العلم إن الاختيار الجغرافي وقع على مدار يقع بين الرباط والدار البيضاء وستكون محادية للمركب الأمير مولاي عبد الله وقريبة جدا من الحزام الأخضر، وهذا الموقع يضع الحديقة الجديدة على مشارف الطريق السيار الذي يربط الدار البيضاء بالرباط، وبباقي أطراف المغرب مادامت الطريق السيار تصل إلى مراكش وإلى فاس وإلى طنجة ومع نهاية الأشغال فيها ستكون الطريق السيارة قد وصلت إلى وجدة وإلى أكادير. ويعتبر المندوب السامي أن هذا الموقع يسمح بتسويق خدمات الحديقة الجديدة، بحيث ستكون على بعد أقل من 40 دقيقة من الدار البيضاء وأقل من ثلاثين دقيقة على المحمدية والقنيطرة.. ويضيف إن الحاجيات من المياه المرتقبة لسد الحاجيات ستصل إلى 300 ألف متر مكعب سنويا، 70 ألف متر مكعب منها صالح للشرب، بيد أن 230 ألف متر مكعب سيوجه للسقي وتعبئة البرك المائية التي تحتاجها الحيوانات، والحديقة الحالية لايمكن أن تلبي في وضعها الحالي هذه الكمية الهائلة من المياه.
ثم إن الحديقة الجديدة ستراعي بعض المعايير الدولية المعمول بها في تنظيم حدائق الحيوانات حيث لن يتم تجميع حيوانات لايمكن أن تتعايش مع نفس البيئة، كما أنها ستستقبل الزوار بالليل والنهار لأن هناك حيوانات لايمكن معاينتها إلا في الليل وهذا سيتيح للزوار الذين لاتسمح لهم إلتزاماتهم بزيارة الحديقة في النهار بزيارتها ليلا، كما أن هذه الصيغة ستتيح تنشيطا ليليا في الحديقة الجديدة، خصوصا وأنه سيوجد بالحديقة ملاهي ومطاعم وسيتم تجهيز الحديقة بفندق صغير مجهز للمبيت وسيضم إلى جانبه بعض الشاليهات وأيضا مرافق مفتوحة أمام الباحثين والطلبة من أجل إنجاز البحوث والدراسات المتعلقة بالحيوانات ناهيك علي أن الحديقة الجديدة ستتيح العروض المتغيرة للحيوانات حيث سيتم تغيير بعض الأصناف من الحيوانات حسب فصول السنة.
وفي الحقيقة لم نتلق أجوبة دقيقة حول الشكل الذي ستكون عليه الحديقة الجديدة، ربما لأن الدراسات في هذا الصدد لاتزال قيد الانجاز وكل ما عرفناه أن مساحة الحديقة ستصل إلى 50 هكتار وهي مساحة جد كافية (الحديقة الوطنية للحيوانات في باريس مثلا لاتتجاوز مساحتها ( 14 هكتار) بيد أن حديثا آخر جرى معنا قال إن الشكل ربما سيكون مخالفا عن الطابع التقليدي المتخلف، ذلك أن عدة أصناف من الحيوانات ستوضع في بيئتها الطبيعية، حيث ستكون حرة طليقة، وأن الزوار سيتجولون بينها في سياجات طويلة تضمن حمايتهم.
وعن مدة الإنجاز تباينت التصريحات، فالمندوب السامي يقول إن الحديقة الوطنية الجديدة ستكون جاهزة خلال سنة 2010 إلا أن بعض المختصين يؤكدون أنها لن تكون جاهزة إلا في بداية سنة 2012، وعن بداية الأشغال فإن السيد سعيد حجي المدير الحالي للحديقة الوطنية الحالية يؤكد أنها ستنطلق في نهاية شهر يوليوز.
الحقيقة أنه يصعب الحسم في الحكم على هذه المنشأة مادامت كل الأفكار والاقتراحات لاتزال في الأوراق ومتضمنة في التصريحات فقط، وإن كان من المؤكد أن الحديقة الجديدة ستكون مخالفة تماما عن الحديقة الحالية التي لم تعد صالحة تماما، وعاينا كيف تحولت إلى مقبرة للحيوانات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.