لا أحد يستطيع أن يجادل حول ما تزخر به مدينة خنيفرة من مواقع طبيعية خلابة وثروات نباتية ومائية وحيوانية وسمكية، ومآثر تاريخية، وجبال ومعادن ومغارات وغابات ومنابع وبحيرات ساحرة، وغيرها من الفضاءات ذات حمولة ثقافية أصيلة وموروث إيكولوجي متميز. ولا يمكن لأي زائر أيضا لمدينة خنيفرة وما يجاورها من مناطق ساحرة إلا أن تأخذه الرغبة في قضاء أيام طويلة بين أحضانها، لكن ما أن يكتشف معاناة ناسها وملفاتهم الاجتماعية المفتوحة ووقفاتهم الاحتجاجية المتواصلة، والتي تؤثث الشارع الخنيفري في كل مرة حتى يبدأ في البحث عن أول حافلة تقله إلى مدينته من حيث أتى، حيث يعاني حفدة مقاومي زيان من مشاكل عدة ومفارقات غريبة: موارد مائية هائلة وفواتير غالية، أراضيهم محرومون من تحفيظها، خدمات صحية ضعيفة ومتدنية. «المساء» ومن خلال زيارة لمدينة زيان فتحت مجموعة من الملفات الاجتماعية مع شباب المدينة الذين حملوا «المساء» رسائل والأمل يحدوهم بأن تصل إلى المسؤولين في كافة المجالات، لعلها تجد طريقها وتحظى بالتفاتة تنقذ المدينة من الإقصاء والتهميش. كان الجو مشمسا والحرارة تزداد ارتفاعا كلما ابتعدت بنا الحافلة المتهرئة عن مدينة البيضاء، حيث لا تكييف ولا كراسي مريحة لسفر بعيد يقدرب195 كلم مرورا بمدينة برشيد، خريبكة، واد زم أبي الجعد، قصبة تادلة، زاوية الشيخ وصولا إلى مدينة خنيفرة عاصمة قبائل زيان الأمازيغية، حيث الطبيعة في عذريتها تستقبلك بجبالها الشامخة، التي تحكي قصصا، أبطالها مقاومون احتموا بارتفاعها وواجهوا المستعمر الغاصب للبلاد والعباد، والذي يشهد التاريخ بانهزامه أمام شموخ رجالات عرفوا بمقاومتهم الشرسة للمستعمر. النظرة الأولى نال مني التعب بعد ساعات من السفر الطويل عبر حافلة مهترئة، كنت في كل مرة أتنبأ لها بالسقوط من أعلى الجبال التي كانت تخترقها. غادرت مدينة البيضاء في الساعات الأولى من اليوم ولم أصل إلى مدينة خنيفرة إلا بعد أن أعلنت الشمس الحارقة انسحابها عن مدينة تواجهك بكتمان غريب لأسرارها، التي لن تبوح لك بها من النظرة الأولى لشوارعها وناسها، بل تلزمك جلسة في حضرة أبنائها، الذين يحملون من المشاكل في قلوبهم ما يجعلك تستغرب، لحالهم، حيث الإحساس العميق بالإقصاء والغبن والفقر، بالرغم مما تتوفر عليه المدينة من مؤهلات طبيعية وثروات مائية، كان من شانها أن تحول المدينة إلى وجهة سياحية...، لكن العكس هو ما توصلت إليه «المساء» بزيارتها للمدينة التي تحجب عنك بناياتها حقيقتها كونها مدينة بدون تحفيظ، فحتى الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية مشيدة على أرض غير محفظة.. ولأجل فتح العديد من الملفات التي تهم الخنيفريين التقت «المساء» أيضا شبابا من المدينة، والذين خصصوا الكثير من وقتهم لخوض أشكال نضالية عديدة في دفاع مستميت عن حقوقهم المشروعة في مدينتهم التي تفوح عطرا برائحة أجدادهم، الذين قاوموا المستعمر بينما يقاوم الأبناء لأجل عيش كريم. فخر بالأجداد لا يمكن أن تجلس في حضرة أبناء مدينة خنيفرة من دون أن يحدثوك عن تاريخ الأجداد المنسي والذي يخلدونه بتذكر معركة الهري التي تعود إلى تاريخ 13 نونبر، حيث هزمت القبائل الزيانية المستعمر الفر نسي ونالت منه. كلفت الهزيمة المستعمر حسب إحصائيات رسمية فرنسية 613 قتيلا (بينهم 33 ضابطا 200 جندي فرنسي) و 163 جريح بينهم 6 ضباط و 32 جنديا، فضلا عن المجندين من السنغال والجزائر، وبذلك تعتبر معركة الهري، أول انتصار للمغرب على فرنسا خلال فترة الحماية، وصفحة مضيئة في تاريخ المقاومة المسلحة المغربية، أما يوم 13 نونبر 1914 فهو يوم مشؤوم بالنسبة للحامية الفرنسية بخنيفرة، وفصل دموي من قتال زيان. الخنيفرة مدينة بدون تحفيظ يعتبر الملف العقاري من بين الملفات الشائكة بإقليم خنيفرة، ويتمثل أحد أسبابه الأساسية في التدخل الاستعماري الفرنسي. فمع دخول المستعمر إلى خنيفرة، يقول عزيز عقاوي (عضو فرع جمعية حقوق الإنسان بمدينة خنيفرة اضطرت العديد من القبائل الزيانية إلى ترك أراضيها والصعود إلى الجبال لتنظيم المقاومة وهو ما استغله المستعمر، حيث عمد إلى تفويت هذه الأراضي لحلفائه من الأهالي الذين رفضوا المقاومة وصعود الجبال وشكل بذلك مافيا إقطاعية، استحوذت على آلاف الهكتارات في الجبال والسهول مقابل الولاء والانبطاح للمعمر. ويعتبر هؤلاء الإقطاعيون مدينة خنيفرة -يضيف عقاوي- ونواحيها ملكا لهم فيعمدون إلى بيع الأراضي وإعادة بيعها، مستغلين في ذلك نفوذهم وجبروتهم بالمنطقة، مع العلم أن هذه الأراضي كانت في الأصل ملكا للقبائل الزيانية التي تركتها مكرهة. إن محاكم المنطقة إن على مستوى المحكمة الابتدائية بخنيفرة أو على مستوى محكمة الاستئناف بمكناس، تعج بملفات النزاعات حول الأرض، وإن كان الضحايا متعددون فإن المشتكى بهم هم الأشخاص نفسهم من العائلات نفسها المسيطرة على أراضي المنطقة. إن العديد من الأحياء السكنية بخنيفرة وعلى سبيل المثال حي «إخامن» وحي»النجاح» يؤكد عضو فرع جمعية حقوق الإنسان بمدينة خنيفرة، هي أحياء غير محفظة، بسبب تدخل العائلات النافذة لوضع تعرضها لدى المصالح المختصة بالتحفيظ بمبرر أن هذه الأرض ملكا لها أو أن هناك نزاع حول هذه الأرض، والغريب والمضحك في الآن نفسه حتى الأرض التي توجد عليها إدارة المحافظة العقارية بخنيفرة غر محفظة للأسباب نفسها، كما هو شأن إحدى البقع المتواجدة بزنقة «صفر» بحي أمالوا وهي عبارة عن أكثر من 12 منزلا والتي يعود تاريخ شرائها من صاحبها المفترض وبناء منازل إلى نهاية السبعينيات وتعرف نزاعا شائكا، حيث قضت المحكمة بإفراغها من أصحابها بعد أكثر من 30 سنة من اقتناء الأرض وبنائهها وإرجاعها إلى «صاحبها» الذي كسب المعركة بالمحكمة ضد البائع الأول ... ونفس الحالة العقارية يزيد عزيز عقاوي، تنطبق على أكثر من 175 بقعة أرضية اقتناها مواطنون وشرعوا في إجراءات التحفيظ والبناء قبل أن يظهر شخص آخر، يرفع شكاية في المحكمة ويربحها ضد من باع البقع لهؤلاء المواطنين الذي خسروا كل شيء ولم يبق أمامهم إلا الدخول في متاهات المحاكم التي لن يكسبوا منها شيئا، أو الاحتجاج في شوارع المدينة... حديقة «أمالو» المغتصبة أول ملاحظة يمكن إدراجها بخصوص حديقة أمالو إغريبن المغتصبة يقول محمد باجي عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمدينة خنيفرة إن الجماعة القروية موحا أوحمو الزياني ارتبط اسمها بمحنة السكان القريبين من الحديقة التي تم تفويتها سابقا من دون أن تحرك ساكنا، لأن طرف النزاع الذي فوتت له هذه الحديقة لم يكن سوى من نزعت السلطات ملكيته، وهنا مفترق الطرق، تدشين الحديقة، تفويتها من طرف الجماعة، وتغاضي السلطة، ثلاث نقط لا بد من الإجابة عنها، حيث أنه إذا كانت جماعة موحا أوحمو الزياني قد تملصت من أداء الأقساط المتبقية من ثمن الأرض التي دشنت عليها الحديقة لصاحبة الملك فلماذا لم تتدخل السلطات من أجل التحقيق في هذا الأمر؟ وإذا كانت قضية هذه الأرض لا تكتسي ما قلناه، فما هو السر الذي جعل الأخيرة تسترد هذه الأرض عن طريق دعوى قضائية، علما أن نزع الملكية قد تم؟ ومنطلقنا يوضح محمد باجي هو أن تبقى حديقة أمالو، متنفسا لهذا الحي المأهول بأكبر نسبة سكانية على مستوى خنيفرة، بدلا من تحول الحديقة إلى وحدة سكنية بعدما وقعت عليها أعين لوبيات العقار التي تريد التهامها على حساب سكان الحي الذي توجد فيه. ثروة مائية وغلاء فاتورة الماء تعيش مدينة خنيفرة غليانا شعبيا، بفعل الاحتجاجات المتواصلة للسكان على غلاء فاتورات الماء، والتنديد بالمبالغ الملتهبة التي فاجأت الجميع، بشكل غير مسبوق، مطالبين في مختلف مسيراتهم الاحتجاجية مراعاة الواقع الاجتماعي والاقتصادي للسكان مع إلغاء نظام الأشطر وجعله نظاما واحدا، وربما كان على المكتب الوطني للماء الصالح للشرب أن يأخذ بعين الاعتبار الواقع الاجتماعي والاقتصادي للسكان. شجرة الأرز تستغيث تمتاز شجرة الأرز التي تغطي مساحة إجمالية تقدر ب 65150 هكتارا، بخاصيات وأوصاف لا مثيل لها، فيما سواها من الأشجار إلى جانب جودتها واستعمالاتها المتعددة في العديد من المصنوعات، النجارة الراقية، صناعة الأثاث، تجميل البنايات الهياكل والأعمدة الخشبية وحطب التدفئة، غير أن هذه الشجرة تعاني من حدة الاستغلال غير المشروع من نهب وسرقة لهذه الشجرة النادرة، حيث تتراوح أعداد الأمتار المكعبة من الخشب الذي يتم قطعه سنويا ما بين 5500 و 6000 متر مكعب، شملت مساحات تقدر ب 120 هكتار سنويا أيضا.