جلين هوبارد مرة أخرى تحظى أمريكا بحكومة منقسمة، مع احتفاظ الديمقراطيين بالبيت الأبيض وسيطرة الجمهوريين على غرفتي المجلس التشريعي (الكونجرس). ولكن هذا لا يعني بالضرورة هيمنة الجمود وتبادل الاتهامات على العامين الأخيرين من رئاسة باراك أوباما. لا شك أن بعض العوامل، ومنها رغبة الناخبين في التغيير وخشيتهم من استمرار النمو البطيء، والتي يسرت للجمهوريين الانتصار في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي هذا الأسبوع، سوف تظل دوما تحفز المناقشات حول خيارات سياسية جديدة مصممة لزيادة النمو وفرص العمل والدخول. وبطبيعة الحال، قد تدفعنا تجربة أمريكا مع الحكومة المنقسمة إلى التشاؤم حول قدرة الحزبين الديمقراطي والجمهوري على التنازل أو التوصل إلى حلول وسط؛ ولكن كما أثبتت المكسيك مؤخرا عندما اتفقت أحزابها الثلاثة الكبرى على «الميثاق من أجل المكسيك» الداعم للسوق، فإنه حتى الأحزاب السياسية المتخاصمة من الممكن أن تتغلب على شكوكها في سبيل دفع الإصلاحات اللازمة. والواقع أن قائمة الإجراءات السياسية المحتملة التي قد تستفيد منها الولاياتالمتحدة -تحرير التجارة، والإصلاح التنظيمي الشامل، وإصلاح الهجرة والتعليم، بين إجراءات أخرى- طويلة للغاية، ولكن اثنتين فقط من السياسات واعدتان بشكل خاص بالنسبة إلى مثل هذا «الميثاق من أجل أميركا»: الإنفاق على البنية الأساسية الفيدرالية وإصلاح ضريبة الشركات. وتعزيز مثل هذه الإصلاحات من شأنه أن يولد الفوز لكل جانب، وللجميع. ولكن مثل هذا الإجماع من جانب الحزبين يتطلب إزالة غمامات اليمين واليسار الإيديولوجية، ولو بشكل مؤقت على الأقل؛ فعلى اليسار، يعكس الانشغال بالتحفيز الكينزي (الذي يتفق مع آراء جون ماينارد كينز) سوء فهم واضحا لمدى إتاحة التدابير (المشاريع الجاهزة للعمل) ومدى كونها مرغوبة (ما إذا كانت قادرة حقا على تغيير توقعات الأسر والشركات). والواقع أن مواجهة العقلية التي تشكلت في الأزمة المالية الأخيرة تتطلب أن تكون تدابير الإنفاق أطول أمدا إذا كان لها أن تنجح في رفع توقعات النمو في المستقبل، وبالتالي تحفيز الاستثمار وتشغيل العمالة في الوقت الحاضر. ومن جانبه، يتعين على جناح اليمين أن يعيد النظر في هوسِه بالتخفيضات الضريبية المؤقتة للأسر والشركات، ذلك أن التأثير الذي تخلفه مثل هذه التخفيضات على الطلب الكلي تكاد تكون متواضعة دوما، وهي لا تتناسب مع تحويل التوقعات بشأن التعافي والنمو في فترة الركود التي تلت الأزمة المالية. وتعمل السياسة على زيادة الأمور تعقيدا على تعقيد، لأن التركيز قصير الأجل حصرا على التأثير المالي المترتب عن الإنفاق والعائدات يتصادم مع السياسات التي تتراكم فوائدها بمرور الوقت. ورغم أن مثل هذه الفوائد قد لا تظهر في هيئة «تحفيز»، فإن تأثيرها المتصاعد يخدم بشكل أفضل هدف رفع توقعات الطلب والنمو في المستقبل. ولكن مخاوف الجادين، سواء من اليسار أو اليمين، لا تختلف كثيرا؛ فهل يتسارع النمو الاقتصادي بما فيه الكفاية لتعزيز نمو الوظائف والدخول؟ وهل من الممكن إزالة الحواجز التي تحرم العديد من الأمريكيين من الاستفادة من التعافي وتحقيق الازدهار في المستقبل؟ لا بد أن يكون الإنفاق على البنية الأساسية الفيدرالية وإصلاح ضريبة الشركات على رأس قائمة السياسات القادرة على اجتذاب الموافقة من الحزبين، وذلك لأن مثل هذه الإجراءات تَعِد بمكاسب الإنتاجية والدخل والعمالة في الأمد البعيد، في حين تدعم أيضا النمو في الأمد القريب. والالتزام ببرنامج متعدد السنوات للإنفاق على البنية الأساسية الفيدرالية من شأنه أن يعزز الطلب والاستثمار الخاص وتشغيل العمالة، حتى رغم أن المشاريع قد لا تكون متاحة بشكل فوري. والواقع أن مثل هذا البرنامج، والذي يقترحه الديمقراطيون عادة، من الممكن -بل لا بد- أن يأتي تصميمه على النحو الكفيل بتأمين موافقة الجمهوريين أيضا. ولتحقيق هذه الغاية، فإن برنامج البنية الأساسية لا بد أن يعطي الولايات والمحليات دورا أساسيا في اختيار المشاريع التي ستتولى تمويلها، ولا بد أن تكون لهذه الوحدات الحكومية «يد في الأمر» من خلال تمويل جزء من التكاليف. ويتعين على صناع السياسات أيضا أن يفكروا جديا في الإصلاحات التنظيمية التي من شأنها أن تقلل من تكلفة المشاريع الجديدة وأن تضمن إنجازها في الوقت المحدد. وينبغي لبرنامج البنية الأساسية الموجه على هذا النحو -في مقابل المشاريع الجاهزة للبدء والتي تتسم بالنفعية السياسية- أن يكون قادرا على حشد دعم المحافظين. ولا بد أن تقدم مشاريع البنية الأساسية الممولة من الحكومة الفيدرالية فوائد كبيرة للأمريكيين من ذوي الدخول الدنيا إذا تم تنفيذها على النحو الصحيح. على سبيل المثال، لن تعمل البنية الأساسية الأفضل في مجال النقل على خلق الوظائف فحسب، بل إنها كفيلة بخفض تكاليف الانتقال إلى العمل أيضا. كما يقدم إصلاح ضريبة الشركات فرصة جيدة للتوصل إلى اتفاق بين الحزبين، خاصة وأن أوباما وزعماء الكونجرس من كلا الحزبين أعربوا عن اهتمامهم. وفي حين أن المكاسب المترتبة عن إصلاح الضريبة الأساسية -ولنقل الاستعاضة عن النظام الضريبي الحالي بضريبة استهلاكية عريضة القاعدة- كبيرة (نحو نصف نقطة إلى نقطة مائوية كاملة سنويا من النمو الاقتصادي لعشر سنوات)، فإن إصلاح ضريبة الشركات من شأنه أيضا أن يعزز النمو. إن خفض معدل الضريبة على الشركات بشكل كبير، وفي الوقت نفسه إزالة تفضيلات الضريبة التجارية المستهدفة وتوسيع قاعدة ضريبة الشركات، من شأنه أن يزيد من الاستثمار وأجور العمال. والسماح للشركات متعددة الجنسيات بإعادة أرباحها في الخارج دون سداد ضريبة إضافية في الولاياتالمتحدة من شأنه أن يعزز الاستثمار ويخلق فرص العمل في الداخل. ولأن البحوث الحديثة تُظهِر أن قسما كبيرا من العبء الضريبي المفروض على الشركات يتحمله العمال في هيئة أجور أقل، فيتعين على الديمقراطيين أن يتبنوا الإصلاح الضريبي كوسيلة لدعم نمو الدخل. وبوسعنا أن نضيف إلى مثل هذا الإصلاح المزيد من الدعم لصالح الأمريكيين من ذوي الدخول المنخفضة من خلال زيادة ائتمان ضريبة الدخل المكتسب للعمال غير المتزوجين. وانطلاقا من أهدافهم السياسية المعلنة، فبوسعنا أن نزعم أن المحافظين سوف يدعمون برنامج البنية الأساسية الفيدرالية إذا صممت بشكل جيد، وأن الليبراليين سوف يدعمون إصلاح ضريبة الشركات. ولكن التغيرات الطارئة على العملية السياسية من شأنها أن تساعد في تحريك الأمور إلى الأمام. ولأن الفوائد المترتبة عن الإنفاق على البنية الأساسية والإصلاح الضريبي لا تتناسب تماما ضمن إطار موازنة تستمر لخمس أو عشر سنوات، والتي يستخدمها مسجلو النقاط الماليين في أمريكا، فإن قياس الفوائد المترتبة عن مثل هذه السياسات بشكل أكثر تماما أمر بالغ الأهمية لاجتذاب الدعم السياسي. وعلاوة على ذلك، فإن أي زيادة في الإنفاق على البنية الأساسية أو أي خسارة في العائد نتيجة للإصلاح الضريبي، لا بد من التعويض عنها في مكان آخر. على سبيل المثال، من الممكن خفض نمو استحقاقات الضمان الاجتماعي المستقبلي أو خفض الحسم الضريبي على فوائد الرهن العقاري بالنسبة إلى الأفراد الأكثر ثراء، على سبيل الفهرسة التصاعدية التي اقترحها المحافظون في الولاياتالمتحدة، والواقع أن تعديل الحسم الضريبي على فوائد الرهن العقاري في المملكة المتحدة، والذي بدأ خلال إدارة تاتشر، يشهد على هذا. من الواضح أن الاقتصاد هو هم المواطن الأمريكي الأكبر. ويتعين على قادة أمريكا أن يستجيبوا لهذا الهم بأجندة تركز على إنعاش النمو الآن ودعمه في المستقبل. ولكن هذا من غير الممكن أن يحدث إلا إذا أزال العدد الكافي من المشرعين في الحزبين، ومعهم الرئيس، الغمامات الفكرية والسياسية التي تحجب عنهم الرؤية حتى يتسنى لهم أن يتوصلوا إلى التسويات طويلة الأجل اللازمة لخلق فرص العمل وزيادة الدخول. لقد حان الوقت لإبرام ميثاق من أجل أمريكا. ترجمة: مايسة كامل عن «بروجيكت سنديكيت»، 2014