تسير وتيرة الإصلاح التربوي بسرعة كبيرة بعد أن أنهى المجلس الأعلى للتعليم والبحث العلمي جلسات الحوار الجهوي التي أطلقها في أكتوبر الجاري. وبعد أن عمم وزير التربية الوطنية تصوره الشامل للإصلاح. عناوين الإصلاح هي اللغة، والتعلميات الأساسية والتعليم الأولي. وهي عناوين مرتبطة بين بعضها البعض. دخل إصلاح منظومة التربية والتكوين محطاته الحاسمة بعد أن أنهى المجلس الأعلى للعليم والبحث العلمي جلسات الحوار الجهوي التي أطلقها خلال أكتوبر الجاري. وبعد أن عممت وزارة التربية الوطنية تفاصيل الإصلاح الذي ترى أنه يجب أن يدخل حيز التنفيذ ابتداء من مستهل السنة الجديدة 2015. ويبدو أن ثمة توافقا كبيرا بين ما تراه وزارة بلمختار، وما يفكر فيه مجلس عزيمان بشأن سبل الإصلاح، وبشأن ما يجب أن يحظى بالأولية في المدرسة المغربية. ولأن التشخيص قد أخذ وقتا أطول، وانضاف لعمليات التشخيص التي أنجزها الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والمخطط الاستعجالي من بعده، فقد وقع الإجماع حول ضرورة إصلاح حال اللغة والحسم في لغة التدريس وفي تدريس اللغات، أولا. ثم الانتباه لقضية التعلمات الأساسية من كتابة وقراءة وحساب. وهي تعلمات لا يمكن أن يكتسبها التلميذ المغربي بالشكل الذي تجعل منه ناجحا في مدرسته إلا بإصلاح حال التعليم الأولي، ومنحه العناية اللازمة، خصوصا على مستوى تعميمه في المدن والقرى. حينما نعود اليوم، بعد كل هذه السنوات إلى إطلاق الميثاق الوطني للتربية والتكوين، للحديث عن اللغة، لا بد أن نطرح السؤال كيف لم تنجح المدرسة المغربية في التعاطي مع هذا الملف الذي ظل يتدحرج في كل إصلاح. وكيف عجزت وزارات التربية والتعليم على التعامل معه بالحزم والصرامة اللازمين، خصوصا بعد أن تم تجريب تعريب تدريس المواد العلمية في الأقسام الابتدائية والإعدادية والثانوية، دون أن يصل التعريب إلى التعليم العالي الذي ظل تلامذته يشتكون من هذا التباين. والحصيلة هي أن نتائج الجامعة المغربية تدهورت بشكل مخيف، خصوصا في المجالات العلمية بسبب هذا الاختيار. لكن حينما نسترجع ما الذي جاء به الميثاق الوطني للتربية والتكوين بشأن اللغة، نكتشف أن هذا الميثاق أعطى للغة العربية مكانة أكبر مقارنة مع بقية اللغات. ففي المبادئ الأساسية للميثاق، وفي أحد العناوين الفرعية التي تتناول موضوع المرتكزات الثابتة، نجد أن المرتكز الثاني يتحدث على أن «النظام التربوي للمملكة المغربية يلتحم بكيانها العريق القائم على الثوابت ومقدسات يجليها الإيمان بالله وحب الوطن والتمسك بالملكية الدستورية. عليها يربى المواطنون مشبعين بالرغبة في المشاركة الإيجابية في الشأن العام والخاص وهم أعوان أتم الوعي بو اجباتهم وحقوقهم، متمكنون من التواصل باللغة العربية، لغة البلاد الرسمية تعبيرا وكتابة.» وخلاصة هذا المرتكز هي أن النظام التربوي للمملكة المغربية ليس مقطوع الجذور والأواصر مع ماضيها ومقدساتها، على الرغم من حداثة صدوره. ونكتشف كيف أن اللغة العربية توجد في مقدمة الأولويات في هذا النظام التعليمي. بمعنى أنها توجد في مقدمة ما يتعلم ويتلقى في المدرسة المغربية. وحين ينص الميثاق على مسألة التمكن من التواصل تعبيرا وكتابة، فإنه يشير ولاشك إلى الجهود الجمة التي يجب أن تبذل لإرساء هذا التمكن، وكذا إلى المساحة التي يجب أن تشغلها اللغة العربية تدريسا واستعمالا. لماذا يجب أن نعود اليوم لطرح السؤال عن طبيعة اللغة التي يجب أن ندرس بها في مدارسنا المغربية؟ يأتينا الجواب ببساطة لأن الكثير من الأهداف التي رسمها الميثاق الوطني للتربية والتكوين لم تتحقق. ولذلك عدنا لكي نتحدث عن ضعف المدرسة المغربية، وعن التراجع الخطير التي عرفته التعلمات الأساسية، لدرجة أن جل التقارير الصادرة عن مؤسسات تعنى بتقييم المردود العام للتربية ظلت تصنفنا في المراتب المتأخرة. وعلى الرغم من أن الدعامة التاسعة للميثاق تدعو صراحة إلى «تحسين تدريس اللغة العربية واستعمالها، واستعمال اللغات الأجنبية، والتفتح على اللغة الأمازيغية» إلا أن النتائج لم تعط ما كان منتظرا منها. كما اتجه الميثاق الوطني بعد المادة 110 إلى بيان وسائل دعم اللغة العربية من خلال عنوان بارز أطلق عليه «تعزيز تعلم اللغة العربية وتحسينه». وفي ذلك تقول المادة 111 من الميثاق الوطني للتربية والتكوين «يتم تجديد تعليم اللغة العربية وتقويته. مع جعله إلزاميا لكل الأطفال المغاربة في كل المؤسسات التربوية العاملة بالمغرب». وهو بهذا يضع حدا لكل محاولات التأويل التي تدعو اليوم إلى إعمال لغة أخرى غير العربية في التدريس. غير أن الواقع يقول إن مشاريع الإصلاح اللغوي تعطلت. ومنها إصلاح اللغة العربية. أما أسباب ذلك، فيمكن إجمالها، بحسب العارفين، في غياب مؤسسات ضاغطة من أحزاب ومجالس علمية، ونقابات وجمعيات المجتمع المدني، مع استثناءات قليلة، كما هو حال الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية. ثم اشتداد نفوذ التيار الفرانكفوني، وارتفاع أعداد التلاميذ الملتحقين بمدارس البعثات الفرنسية، وانتشار المدارس الخصوصية التي دفعتها التنافسية إلى الاهتمام باللغة الفرنسية على حساب اللغة العربية، إذ يلجأ الكثير منها إلى تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية، أو دراسة المادة نفسها باللغتين معا، لإغراء أولياء الأمور، تحت حجة تمكين التلاميذ من الولوج السلس إلى التعليم الجامعي. لم يكن ملف اللغة فقط هما أساسيا من هموم الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ولكنه كان واحدا من أعقد مشاريع المخطط الاستعجالي لإصلاح المنظومة. لقد كان هو مشروع التحكم في اللغات، ضمن المجال الثالث المتعلق بالاشكالات الأفقية للمنظومة التربوية. لكنه لم يحقق في تقدمه غير نسبة ضئيلة جدا، يقول العارفون إنها لم تتجاوز الخمسة في المائة. أما السر في ذلك، فهو أن وزارة التربية الوطنية لم تكن تتوفر وقتها على رؤية شاملة للموضوع. بل إنها اعتبرت الأمر واحدا من مهام المجلس الأعلى للتعليم، الذي كان يجب أن يتداول في أمره باعتبار القضية في حاجة لقرار سياسي، أكثر منه علمي أو فلسفي. ثاني ملفات الإصلاح، هي المتعلقة بالتعلمات الأساسية، التي قالت عملية التشخيص بشأنها إن سبعة في المائة فقط من تلاميذ السنة السادسة ابتدائي هم من يمتلكون أدوات اللغة العربية، وإن واحدا في المائة فقط من هذا المستوى، هم الذين يمتلكون أدوات اللغة الفرنسية. ولذلك ظل المغرب يحتل مراتب جد متأخرة في هذا المجال. كما ظل يحتل المراتب المتأخرة نفسها حينما يتعلق الأمر بالرياضيات. يعلق السيد بلمختار، وهو يستعرض هذا الملف من ملفات الإصلاح، على أن المدرسة المغربية تقوم اليوم بكل شيء، دون أن تقوم بدورها في التعليم. ثمة التربية الأسرية، والفنية، والتربية على حقوق الإنسان، والتريبة الطرقية، وحملات محاربة التدخين، ومحاربة السيدا... لذلك يجب أن تعود المدرسة لتقوم بدورها المتمثل في اللغة والحساب. ويشكل التعليم الأولي هما حقيقيا من هموم الإصلاح التربوي المنتظر. إن تحليل الدعامات التي يستند إليها التعليم الأولي بالمغرب، بما فيها الخريطة التربوية، وكذا مسألة التدبير والمراقبة والتمويل والمتغيرات البنيوية والموارد البشرية والمناهج وتعدد المتدخلين في هذا المجال، يضعنا أمام واقع معقد. والخلاصة هي أن الخريطة الحالية للتعليم الأولي بالمغرب تتميز بتفاوتات كبيرة من حيث الأعداد بين القطاع الخاص، المهيمن، والقطاع العمومي، الذي مازال محدودا. كما يتميز بتفاوتات على مستوى الانتشار بين الجهات والجنسين، وكذا كثرة المتدخلين الذين يشتغلون بكيفية معزولة. أما على المستوى النوعي، فيلاحظ غياب رؤية للتعليم الأولي، وعدم وجود منهاج مبني على أسس واضحة وقيم تربوية مناسبة للأطفال. أما مصادر التمويل، فغالبا ما تكون غير منتظمة. مع ضعف تكوين المربين في هذا المجال. لذلك يفترض في الإصلاح أن يتجه نحو إحداث مراكز عمومية وخصوصية لتكوين الموارد البشرية المؤهلة للتربية ما قبل المدرسية؛ وإعداد بحوث ودراسات من أجل دعم تطوير التعليم الأولي، وإشراك الجماعات الترابية للمساهمة في تدبير التعليم الأولي؛ وتوجيه تدخل ودعم المنظمات الدولية والوطنية غير الحكومية بصفة معقلنة؛ وتشجيع العمل الذاتي للشباب في مجال مشاريع التعليم الأولي؛ والقيام بحملات التوعية في المناطق القروية لفائدة الآباء وأولياء الأمور حول أهمية التعليم الأولي. إنها بعض مجالات الإصلاح الذي يحملها مخطط عزيمان وبلمختار. والتي من المقرر أن تخرج إلى العلن في مستهل السنة الجديدة. وهي مجالات تشبه قوس قزح، لأن قضايا إصلاح المدرسة المغربية معقدة ومتداخلة أيضا. فإشكالية اللغة تحيل إلى التعلمات الأساسية. وهذه الأخيرة مرتبطة أيضا بالتعليم الأولي والهدر المدرسي فيما يشبه السلسلة المتشابكة الحلقات.