بمجرد ما تطأ قدماك «كيكو» بإقليم ميسور، إلا وتشعر بالهدوء الذي يفتقده سكان المدن الصاخبة، هدوء مشوب بالحذر، ويشبه ذلك الذي يسبق العاصفة، ليست عاصفة مناخية، بل رياح الاحتجاجات القوية التي تهب بين الفينة والأخرى ويشارك فيها الآلاف، إذ كلما نفد صبر مواطنيها على ما يقاسونه داخل هذه القرية الكبيرة، أو صمت آذان المسؤولين عن السماع لنداءاتهم أو حدثت وقائع روعت أمنهم، إلا وحجوا بالآلاف نحو الطريق الجهوية من أجل إعلان «التمرد» وقطع الطريق حتى يجبروا السلطات العمومية على النزول إلى عين المكان والجلوس إلى طاولة الحوار، لكن هذا يظل الخيار الثاني، لأن معظم مسيراتهم كانت على الأقدام في اتجاه القصر الملكي بإفران. السفر نحو «كيكو» التابعة لإقليم ميسور ليس بالأمر الهين ولا السهل، فهناك حافلة واحدة تتجه يوميا انطلاقا من العاصمة الرباط، أما مادون ذلك فالأمر يستلزم السفر عبر مراحل عديدة، سواء عبر طريق مكناسوإفران أو أزرو أو عن طريق فاس، وإذا اعتمد المسافر إليها على التقسيم الإداري ولم يسبق أن خالط «المنطقة» فإنه حتما سيتجه صوب «ميسور» من أجل الوصول إلى «كيكو» وبذلك يستغرق وقتا أطول ويتحمل عبء كيلومترات إضافية، ووقتها سيدرك معنى أن يجمع سكان هذه البلدة على مطلب إلحاقهم بإقليم إفران. لكل مآربه في السوق «كيكيو» أو «ألميس كيكو» هي قرية أمازيغية تابعة لإقليم ميسور، تأسر كل زائر بجمال طبيعتها ومناظرها الجميلة، لها أراض خصبة للزراعة، تملك وادي «الميس كيكو» الذي يعتبر من بين أكبر الوديان ويصب في وادي سبو، واقع بنيتها التحتية عكر صفو جمال طبيعتها الخلابة، فالمياه العادمة والأخاديد التي وضعها السكان أمام منازلهم لتصريف المياه تزكم أنوف المارة، زد على ذلك البناء العشوائي المنتشر بأحيائها وطرقاتها المهترئة والقمامة التي تستوطنها. إنها قرية كبيرة اعتاد سكانها على الزحف نحو القصر الملكي بإفران مشيا على الأقدام، من أجل الضغط على المسؤولين لتحقيق مطالب لهم، منها ما تحقق ومنها ما ينتظر. صادفت زيارتنا للجماعة سوقها الأسبوعي، الذي يعتبر من بين الأسواق الكبيرة بالمنطقة، اللغة الأم هي الأمازيغية وقلما تجد من يتحدث من السكان بالعربية، بضائع متعددة ومتنوعة، الرجال والنساء يسابقون الزمن للتبضع، باعة وزبناء ولكل مآربه الخاصة، طيبة سكانها تبدو على محياهم، بساطة في اللباس والتواصل، نساء يقبلن على اقتناء الذهب وأخريات يبحثن عن جوارب تقيهن من برودة الطقس. الوافد لأول مرة قد لا يفهم أصول التواصل بين البائع والزبون، حيث أن السؤال يكون في البداية هو كم الثمن وعندما يتلقى الزبون الجواب، يقول «والمروة؟» أي الثمن المناسب للبيع لتنطلق عملية التفاوض حول السعر الأفضل. السوق يقع بمركز القرية التي تسمى «آيت فريكو»، وهو ما يجعل شباب المنطقة عندما تسألهم عن حال «كيكو» في فصل الشتاء، يكون الجواب «كيكو فريكو»، كتعبير عن طقسها البارد. تتفاوت طبيعة بناء منازلها منها مساكن طينية آيلة للسقوط ومنازل بنيت بصخور بركانية، ومنها منازل عصرية، كل ذلك يعكس طبيعة التفاوت بين سكانها من حيث مستوى المعيشة، فلاحون كبار ومياومون، يقول حسن، نادل بمقهى» رغم أن منطقتنا فلاحية بامتياز غير أن هناك تفاوتا في مستوى العيش، كباقي المناطق، هناك أغنياء وفقراء، الشباب يعيشون الضياع داخل هذه القرية «، يقاطعه صديق له وهو يشير إلى الشارع معلقا بسخرية «إن طرقاتها تعود لعهد الاستعمار، ويجب أن يتم تصنيفنا ضمن المناطق المنكوبة التي تستوجب تدخلا عاجلا، إنها مأساة حقيقية». «الخردة» للتدفئة مع قدوم فصل الشتاء يزداد وضع السكان سوءا فالمنطقة كانت دائما مهددة بالفياضانات التي تهدد أمتعتهم ومواشيهم وزراعتهم، منذ حوالي شهر أصدر فرع حزب العدالة والتنمية بكيكو بيانا يستنكر فيم ما سماه «الصمت غير المبرر للمسؤولين المحليين والإقليميين على هذه الفاجعة الكارثية التي حلت بالسكان، من جراء الفيضانات المهولة التي اجتاحت الجماعة يوم 4 من شهر شتنبر الماضي»، معتبرا أن ما حدث من إهمال «دليل على ما تعانيه المنطقة من تهميش وإقصاء ولا مبالاة من طرف المسؤولين المحليين والإقليميين». ما تضمنه بلاغ العدالة والتنمية اعتبره أحد مسؤولي السلطات المحلية غير صحيح، وأن الوضع لم يكن بالحدة التي صورها البلاغ، لأن المنطقة لم تعد تشهد الفيضانات كما في السابق، وذلك بعد بناء سور واقي، وأضاف المصدر ذاته أن البيان لم ينقل الحقيقة كما هي، لأنه لم يذكر أن هناك لجنة لتقييم الخسائر تم تشكيلها فكانت النتيجة هي أن 14 هكتارا من الأراضي تضررت نسبيا، منها أربعة هكتارات لحقها ضرر كبير ولا توجد خسائر أخرى، وعموما يكون تنسيق بين جماعة تمحضيت وجماعة كيكو بالنسبة للفياضانات، إذ أنه كلما كانت هناك عواصف مرتقبة فإنه يتم إخبار المواطنين بضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة، إذ يكون إخبار الناس عبر توجيه نداء في المساجد، يقول مصدر من السلطات المحلية. لا تتوقف معاناة السكان خلال فصل الشتاء عند الفيضانات فحسب، بل إن المناخ القاسي وقلة ذات اليد تدفع بعضهم إلى الاستعانة بالأسمال البالية والملابس والأحذية المستعملة «الخردة» للتدفئة، لأنهم غير قادرين على توفير ثمن الحطب المكلف ماديا، إذ أن ثمن الطن الواحد هو 1200 درهم الذي يكفي لمدة ما بين أسبوع و15 يوما، هذا البديل له انعكاس سلبي على صحتهم وعلى البيئة تقول إحدى النساء. رغم قساوة البرد غير أن بعض السكان يحب فصل الشتاء رغم مساوئه، لأنه على الأقل يعفيهم من المشي على الوحل وأحسن وصف قدمه أحد شباب المنطقة « أجمل ما في كيكو هو الثلج لأنه يغطي واقعنا، ولكن عندما يذوب فإن مصيرنا يكون هو التزلج على «الغيس»، أي الوحل. بنكيران لم يف بوعده «الزيارة الملكية هي الحل» لأنه سئمنا من الوعود المقدمة، لأنها ستعود بالنفع على المنطقة وستدفع المسؤولين إلى العمل الجاد والتسريع بالمشاريع»، يقول محمد، فلاح، الذي يرى أن السياسيين لا تهمهم سوى الانتخابات، وقد علق عدد من السكان الآمال على رئيس الحكومة الذي استقبل لجنة تنظيمية، لكن لحد الآن لم يفعل شيئا، خصوصا أن هناك مطالب ليست محلية، بل يجب أن تحسم على مستوى أعلى من قبيل إلحاق «كيكو» بإفران. كان لقاء ممثلي السكان مع عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، والذي كان وقتها في مدينة مكناس، فاستمع لهم وسلموا له الملف المطلبي فوعدهم بأنه سينظر في الملف، غير أنهم لحد الآن لم يتوصلوا بأي جواب منه حول المشاكل التي يعانونها، إذ أن مطلبهم الرئيس كان هو إلحاق الجماعة بعمالة إفران، وتهيئة مركز الجماعة القروية، يقول لحسن الشافعي، عضو المكتب المحلي لحزب العدالة والتنمية بكيكو، وكان رئيس لجنة المتابعة التي التقت رئيس الحكومة، (يقول) «لقد وعدنا رئيس الحكومة بأن يستقبلنا ولحد الآن لم يفعل، ومازال السكان ينتظرون تحقيق ذلك». لقاء بنكيران كان قد تزامن مع مسيرة نظمها الفلاحون احتجاجا على السرقة التي أضحت متفشية بالمنطقة بكل أنواعها، سيما سرقة الأغنام، يقول الشافعي، إضافة إلى المشاكل المتراكمة التي تعرفها الجماعة، خصوصا أنهم كانوا يودون لقاء عامل الإقليم من أجل بسط مشاكل المنطقة لكن دون جدوى. حميد، شاب في العشرينات من عمره، كباقي السكان، سمع عن لقاء اللجنة برئيس الحكومة بمدينة مكناس، كما سمع أن رئيس الحكومة سيزورهم خلال هذا الشهر (شهر أكتوبر أو شهر نونبر)، وأنه سيستقبلهم بالعاصمة من أجل تدارس ملفهم المطلبي الذي وضع بين يديه، لكن لحد الآن لا جديد يذكر وفق حميد «الذي اعتبر أن السياسيين لا ثقة فيهم، وما وصلت إليه جماعة كيكو هو من تدبير سياسيين تعاقبوا على رئاسة المجلس القروي، لكن لا تغيير منشود، وأن معاقبتهم تقتضي مقاطعة الانتخابات، وقتها ستصلهم الرسالة» الإلحاق بإفران مطلب جماعي الإلحاح على ضرورة الإلحاق بعمالة إفران له مبرراته لدى السكان، إذ أنه بحكم الجوار فإن بين إفران وجماعة كيكو من الناحية الجغرافية صفر كيلومتر، بينما إقليم ميسور يبعد ب130 كيلومتر، علاوة، يقول الشافعي ل»المساء»، الذي أكد أن لا علاقة للمنطقة بميسور لا جغرافيا ولا تاريخيا ولا اثنيا، فسكان كيكو أمازيغ في حين أن ميسور عرب، إضافة إلى اختلاف عاداتهم وتقاليدهم. وبدوره يشاطر لحسن بوحنون، مستشار جماعي عن الحركة الشعبية، رأي الشافعي عبر قوله ل»المساء» «العائق الأكبر هو بعد العمالة وهو ما يكلف السكان من الناحية المادية، لأن الانتقال لقضاء غرض إداري يفرض على المواطن قطع 130 كيلومترا، في الوقت الذي يمكنه التوجه نحو عمالة إفران التي لا تبعد سوى بحوالي 35 كيلومتر»، كما أكد بوحنون أن المجلس دأب منذ سنة 1997 على بعث ملتمسات لوزارة الداخلية من أجل تقريب الإدارة من المواطنين، عبر الإلحاق بعمالة إفران أو الرجوع إلى ما كان عليه الأمر في السابق، حيث كانت كيكو تابعة لمدينة فاس، غير أنه منذ سنة 1975 ألحقت بإقليم ميسور. الصحة الواقع المؤلم تنسكب الدموع من عيني فاطمة وهي تحكي ل»المساء» عن مشاكل منطقتها التي لا تعد ولا تحصى، ومنها مشكلة التطبيب، إذ أنه كلما توجهت إلى المركز الصحي فإنها تكون ملزمة باقتناء كل مستلزمات التمريض، وضعف البنية التحتية وانتشار المخدرات التي تباع وكأنها «نيسكافي»، وكذا القنب الهندي الذي أصبح منتشرا وكأنه «النعناع» على حد تعبيرها. رغم أن لفاطمة كل مقومات العيش الكريم داخل بيتها فإنها مجرد ما تغادره حتى ترى عالما آخر خارجه، فيجعلها ترثي حالها الذي قدر لها أن تعيش في منطقة سئمتها لدرجة أنها قالت بانفعال شديد «لم نعد ننتظر أي إصلاح، فربما الحل الذي أصبحنا نترقبه هو الطوفان أو الزلزال حتى نرتاح» تشاطرها الرأي يطو أغنبو، عضو تنسيقية الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ببولمان، والتي قالت إن «الحق في الحياة هنا في خطر، لأنه لا توجد مداومة بالمركز، كما أن هناك بعد عن المستشفى بمدينة فاس، إضافة إلى أن المرأة الحامل رغم الشعارات التي تقول بمجانية الولادة، غير أنها تقتني كل ما يلزمها من أجل تطبيبها» بالمركز الصحي هناك جهاز للكشف بالصدى كان قد اقتناه المجلس البلدي منذ 2006، غير أنه مازال يراوح مكانه، وذلك لأنه لا يوجد إطار مؤهل لتشغيله، تقول عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. قصة تتداولها الألسن بجماعة «كيكو» وهي أن إحدى النساء وضعت مولودها على دراجة ثلاثية العجلات «تريبورتور» بالقرب من المركز الصحي بسبب غياب الطاقم الطبي، وما هذا إلا نموذج من معاناة النساء بالمنطقة دون الحديث عن اللواتي يسكن بدواوير بعيدة، ويفضلن الولادة داخل المنزل على التنقل نحو المؤسسات الصحية. شكاوى السكان حول التطبيب، أجاب عنها مسؤول بالسلطة المحلية بالقول «إن عددا من المشاكل تطفو على السطح وتؤدي إلى الاحتجاج كلما اقتربت الانتخابات، لأن هناك من يستغل ذلك لصالحه، فبالمركز الصحي ثلاثة أطباء يتناوبون، وهناك دار للولادة في طريقها نحو البناء ومقر للمرأة في وضعية صعبة، إلى جانب وجود خيرية ممتازة». الاحتجاج لم يكن وليد اللحظة ولا علاقة له بالانتخابات، يقول سعيد صاحب دكان، لأنه لو كان الأمر كذلك لما شارك حوالي 6000 مواطن من كيكو في المسيرات وهو رقم قياسي، وفق تعبيره، وهو ما يتطلب تدخل المسؤولين على المستوى الوطني. استمرار كيكو على هذا الحال ينذر ب»تسونامي» جديد للاحتجاجات في الأيام القادمة، وفق رأي الناشطة الحقوقية يطو أغنبو، لأن مشاكل كيكو أصبحت تتجاوز السلطات المحلية، خصوصا أن عامل الإقليم لا يجيب على المراسلات وبابه موصد من أجل الحوار، فأغلب الجواب هو أنه مريض، في وقت توجد هناك مشاكل بسيطة يمكن حلها دون أن يكون تنظيم أي شكل من الأشكال الاحتجاجية. لكل منظاره الخاص يبلغ عدد سكان الجماعة حوالي 20 ألف نسمة موزعين على 32 دوارا وبها 25 مستشارا جماعيا، ويعتمد سكانها على تربية الماشية والبصل ومزروعات مختلفة. وتستقطب كيكو ما بين ألف وخمسة آلاف عاملا في مجال الفلاحة سنويا خلال فترتين، الأولى تمتد من شهر شتنبر إلى نهاية شهر نونبر، والثانية من شهر مارس إلى نهاية شهر يونيو، وفق معطيات من السلطات المحلية بالجماعة، وتعتمد الجماعة على زرع البطاطس والبصل والجزر وتربية المواشي. الفلاحون بدورهم شاركوا في مسيرات احتجاجية بسبب انعدام الأمن وسرقة مواشيهم، كما أن لديهم مطالبهم الخاصة بهم، فإن النقل هو عائقهم الأساسي فتبعيتهم لإقليم ميسور إداريا تدفعهم إلى التنقل هناك وتمضية الوقت دون أن يقضوا أغراضهم الخاصة بعملهم، يقول أحد الفلاحين «عندما نرغب في بيع محصولنا واقتناء ما يلزمنا فإننا نتوجه لبوفكران ومكناس، لذلك نعاني من تبعيتنا لإقليم ميسور، فإذا كان هذا الوضع سيستمر، فالأفضل أن نعود كما كنا في السابق، حيث كانت تبعيتنا الإدارية لمدينة فاس» امحمد رعيزي، متقاعد يرى أن واقع الجماعة بادي للعيان، وأن الصور تغني عن الكلام، فهناك انعدام لقنوات الصرف الصحي والشوارع والأزقة وسيارة نقل الأموات منعدمة، هذا الرجل وبعض أصدقائه الذين كانوا «يقتلون الوقت» بالمقهى يرون أن لا شيء سيتحقق لأن مسيري الجماعة لا يرغبون في النهوض بأحوال المنطقة، لأنهم يعتقدون أنهم إذا فعلوا ذلك سيكون لصالح «البراني»، أي الذين لا يتحدرون من المنطقة. كل مواطن بكيكو إلا ويرى مشاكله من وجهة نظره وحسب اهتماماته، فإذا كان هناك إجماع على أن البنية التحتية وبعد الإدارة هو المشكل المشترك بين الجميع، فإن علي مساعد، نائب أمين جمعية اتحاد كيكو لكرة القدم، يرى أن المشكل الوحيد هو الملعب، فبعد أن كانت البطولة تنظم كل سبت وأحد، فإنهم لا يستطيعون ذلك، لأن الملعب يتحول كل يوم أحد لسوق أسبوعي، كما أن بناية دار الشباب هي مجرد بناية. للجماعة رأي هناك دراسة توجد في أشواطها الأخيرة، والتي من المنتظر أن تنتهي في متم السنة الجارية حول ربط المنطقة بقنوات الصرف الصحي، وهي بشراكة ما بين الجماعة القروية ووزارة الداخلية والمكتب الوطني للماء، وهذه الدراسة سيتم اتخاذ الإجراءات من أجل تنفيذها، يقول مولاي الحسن الراضي النائب الخامس لرئيس المجلس القروي بكيكو. إلى جانب المشاكل التي سردها السكان فإن مشكل أراضي الجموع يشكل عائقا للتنمية، سيما أن ثلثي أراضي الجماعة هي أراضي للجموع، لذلك فإن أي مستثمر يرغب في القدوم سيصطدم لا محالة بمشكل الوعاء العقاري، لأنه لا توجد أوراق الملكية، ويعول على قرار استخراج القطاع الخاص من العام....... ويؤكد الراضي أن هناك مشكل الصحة بالجماعة، إذ أن هناك سيارة إسعاف واحدة، كما أن جهاز الكشف بالصدى الذي اقتنته الجماعة منذ سنة 2006 غير مشغل، إضافة إلى ضعف الحملات الطبية التي تكاد تكون منعدمة. وإلى جانب ذلك فإن دار الشباب لا تعمل ولا وجود لأنشطة بها بسبب غياب إطارها، إلى جانب الانتقالات التي تعرفها المنطقة وتجعلها لا تعرف استقرار العاملين بها. وحسب مصطفى لهبوب، الكاتب العام للجماعة القروية كيكو، فإنه يرى أن المشكل الأكبر هو البنية التحتية بالنسبة للاستثمار، كما أن الجماعة مازالت هي التي تسير الماء الصالح للشرب في انتظار تدخل المكتب الوطني للماء، وبالنسبة للكهرباء فإن 98 في المائة من الدواوير تم ربطها بالكهرباء. غادرنا جماعة كيكو حيث سكانها يتحدثون بلسان واحد عن أن هناك حيفا وظلما ينتظرون رفعه، سيما وأن جماعات أخرى تزدهر في وقت أن مطالبهم ليست تعجيزية على حد قولهم، أهمها الإلحاق بعمالة إفران وتمكينهم من بنية تحتية تساعد على جلب مستثمرين، منهم من يرى أن الزيارة الملكية هي الحل، خصوصا أنهم ألفوا تنظيم مسيرات نحو القصر الملكي بإفران، ومنهم من يتساءل هل هناك يد خفية لا تريد لعجلة كيكو أن تتحرك؟ ملف مطلبي.. الجماعة وتوفير البنية التحتية يطالب سكان جماعة كيكو بإلحاقها بإقليمإفران وخلق جماعة حضرية بمركز كيكو وجامعتين قرويتين بكل من أيت حمزة وأيت خباش، وتأهيل الملحقة الفلاحية إلى مركز فلاحي مع توفير الوقاية المدنية ومركز للتكوين المهني، وبناء مركز متعدد الاختصاصات، وتوفير مكتب لمصلحة الشرطة الخاصة بإعداد بطاقات التعريف الوطنية. وبالنسبة لمطالب السكان على مستوى البنيات التحية والتجهيزات الأساسية، وفق ملف مطلبي سطر خلال سنة 2012 صاغته لجنة المتابعة، فتتجلى في إنجاز قنوات الصرف الصحي وتوفير شاحنات لجمع الأزبال وبناء مطرح بلدي يقي المنطقة من كارثة بيئية، وتوسيع الشبكة الكهربائية وتعميمها بالدواوير وتكثيف الإنارة العمومية وإعادة النظر في ممرات الأسلاك العالية التوتر وتخفيض تسعيرة استهلاك الكهرباء على الأقل خلال فصل الشتاء من أجل تمكين الأسر من التدفئة، مع توفير محطة طرقية ومواقف للسيارات وتنظيم المرور والوقوف. وعلى مستوى الصحة فيطمح السكان إلى تأهيل المركز الصحي إلى مستشفى وتوفير دار للولادة، وتعميم قاعات العلاجات الأولية بالدواوير النائية، وتوفير الأطر والأطباء والممرضين وتحسين الخدمات الصحية وإعطاء العناية للأمومة والطفولة وتوفير سيارة لنقل الأموات. وعلى مستوى التعليم فمن بين مطالب السكان، توفير مؤسسات تعليمية كافية تحد من ظاهرة الاكتظاظ التي تشهدها كل الأقسام التعليمية، والحد من الخصاص المهول في المدرسين الذي تعرفه المؤسسات التعليمية وخصوصا الفرعيات والاهتمام بترميم الأقسام التعليمية المتصدعة وتوفير التدفئة داخل المؤسسات التعليمية وتعميم النقل المدرسي بالنسبة لتلاميذ وتلميذات الدواوير البعيدة، وتوفير ملاعب رياضية، وتوفير قاعات للمعلوميات ومكتبات وقاعات للمطالعة. ومن بين الملفات التي أثارها السكان في مجال الثقافة والشباب والرياضة بناء مركب ثقافي وإعادة بناء الملعب الرياضي وتهيئه وبناء قاعة مغطاة للرياضات. أما في مجال مستوى الفلاحة والصناعة التقليدية، فإن من مطالب السكان إضافة محطات كافية لمكافحة البرد وتعميم سواقي عصرية على عموم مزارع كيكو، وتوفير البذور المختارة والأسمدة، وتوفير شاحنات إضافية ل»توريد» الماشية وبناء مركب للصناعة التقليدية. وتجدر الإشارة إلى أن جماعة كيكو، وفق الملف المطلبي ذاته، منطقة فلاحية بامتياز وتتوفر على مؤهلات طبيعية مهمة، وتعتبر ثاني أكبر مركز بالإقليم من ناحية النمو الديمغرافي وتتوفر على أكبر سوق أسبوعي، كما تعد بوابة الإقليم، غير أنها بالمقابل، وفق المصدر ذاته، تبقى الجماعة الأكثر تهميشا والأكثر افتقارا للبنيات التحتية الأساسية، ويعاني سكانها من انعدام المرافق الاجتماعية وضعف الخدمات المتوفرة، بينما تشل البطالة طاقاتها الشبابية وتجعلهم أكثر عرضة لشتى أنواع الانحراف. وتعتبر لجنة المتابعة أن «كيكو» نموذج صارخ لسوء التدبير واستنزاف الثروات الطبيعية، خصوصا الثروة الطبيعية التي شكلت أهم الموارد المالية للمجالس الجماعية المتعاقبة، والتي فشلت جميعها في تسطير وتنفيذ برامج تنموية طموحة تكون في مستوى حجم الثروات المهدورة. عدم إلحاق الجماعة بإقليمإفران، رغم الطلبات المتكررة، هو عقاب جماعي لسكان كيكو واحتقار لها. المخدرات والدعارة تجتاحان كيكو على بعد بضعة أمتار من المسجد، يوجد ما يسمى ب»السكتور» بمركز كيكو، وهو مكان مخصص للدعارة، جولة قصيرة بالمكان كافية لأن يعرف أي وافد على المنطقة أن النساء والفتيات اللواتي يجلسن هن «عاهرات». يتجاذبن أطراف الحديث بينهن، تمنح إحداهن خمسون درهما للأخرى، قائلة «هذه منحك إياها محمد»، لترد عليها «منين يجي نتفاهم معاه»، إنهن مجموعة من النساء اللواتي يعرضن أنفسهن لممارسة الدعارة أمام مقرات عملهن التي تشبه الدكاكين، والمخصصة لاستقبال الزبناء وممارسة الجنس، وعند الانتهاء فإنهن يتوجهن لمقر سكناهن، لأنه لا يمكن لهن فعل ذلك داخل منازلهن المخصصة للسكن خوفا من رد فعل الجيران، تقول إحدى النساء ل»المساء». الجنس في وسط الحقول يطو أغنبو، ناشطة بالجمعية المغربية لمحاربة السيدا، تقوم كل خميس بحملة تحسيسية وسط «عاملات الجنس» كما تسميهن، لأن عدد المصابين على مستوى دائرة بولمان، التي توجد كيكو ضمن مناطقها، 4 في المائة من المصابين، إذ أنه حسب آخر إحصائيات الجمعية المغربية لمحاربة السيدا لسنة 2013 فإن عدد الحالات المتوقعة هي 1024 منها 174 حالة حاملة للفيروس. «يطاردهن رجال السلطة، فبعد أن تم منعهن وإغلاق مقراتهن المخصصة للدعارة أصبحن يلجأن إلى الحقول، وهو ما يشكل خطرا عليهن وكذا عدم استعمال الواقي الذكري»، تحكي يطو، مضيفة «عندما أسأل إحداهن عن ما إذا كانت تلزم زبونها باستعمال الواقي الذكري فإنها تجيبني كيف يمكنني فعل ذلك و»المخزن» يطاردني؟» تعتبر يطو أن الحكومة متناقضة، ففي الوقت الذي تقوم فيه وزارة الصحة بحملات تحسيسية وتدعو إلى استعمال الواقي الذكري من أجل محاربة داء «السيدا»، فإن وزارة الداخلية تحارب ممتهنات الجنس ومنهن من تعتقل لأنها تتوفر على الواقي الذكري، فالأولى اعتقال وزارة الصحة لأنها هي التي توفره». لا يقتصر الدور الذي تقوم به يطو على توعية «عاملات الجنس» حسب تعبيرها بل تقوم أيضا بتوعية عدد من الشباب بحكم نشاطها الجمعوي والذين يتعاطون للمخدرات، تقول يطو «هناك أطفال زبناء لدى عاملات الجنس لا يتجاوز سنهم 12 سنة، كما أن هناك تفشي للمخدرات بشكل كبير، خصوصا في صفوف التلاميذ فدار شباب موصدة، ولا توجد دار للثقافة، لذلك يكون الملجأ الوحيد للشباب هو المخدرات، وكم من شباب أصيبوا بأمراض نفسية وعقلية وعصبية جراء تعاطيهم المخدرات، وهناك أطفال أيضا يتعاطون للمخدرات، إن الوضع أخطر مما يتصور» حملات تمشيطية ب»السكتور» «كان مطلب السكان خلال الاحتجاجات التي كانت تنظم هو تطهير المنطقة من الدعارة المنتشرة في كيكو منذ القدم، إذ أن العاهرات يقمن بكراء بيوت أشبه بخم الدجاج تخصص لاستقبال الزبناء، وهذا المكان يطلق عليه «السكتور»، يقول مصدر من السلطات العمومية، إذ أن الوضع كان أشبه بكارثة والذي فوجئ عند بداية عمله بفتيات يعرضن أنفسهن للبيع في سوق «النخاسة» وكأنهن في أمريكا، ولم يصدق أن هذا يحدث بالمغرب، يقول المصدر ذاته، ما دفع السلطات إلى تنظيم حملات تمشيطية بين الفينة والأخرى، وكانت على أشدها منذ حوالي سنة، حيث أن عدد العاهرات كان يصل إلى 60، فاستدعت السلطات المحلية السكان الذين يكترون تلك المحلات للمومسات ليتم إفراغها غير أن بعضهم رفض ذلك، في الوقت الذي استجاب البعض، فقامت السلطات بتنسيق مع أصحاب المحلات بتلحيم هذه المقرات التي تشبه الدكاكين. سليمة، اسم مستعار لإحدى المومسات التي قبلت بعد أخذ ورد أن تتحدث عن «عملها» في هذا المجال، فهي ترى أنها مجبرة على ذلك من أجل كسب قوت يومها، فهي لم تولد «عاهرة» على حد تعبيرها، بل إن تعرضها للاغتصاب وسوء معاملة زوج أمها الذي يعنفها باستمرار دفعها لأن تفر من مسقط رأسها إلى جماعة كيكو لتكتري بيتا مع الجيران، ومحلا ب»السكتور» لممارسة الدعارة. تحكي سليمة عن المضايقات التي تتعرض لها من قبل السلطات المحلية قائلة «لقد قاموا بإغلاق المحلات التي نكتريها في إطار حملة كبيرة»، وبعدها عدنا لممارسة نشاطنا لكننا دائما نتخذ الحيطة والحذر. الحملة التي قادتها السلطات المحلية على الدعارة بالمنطقة استجابة للسكان لم يستسغها عدد من التجار الذين أصبحوا يعانون من كساد تجارتهم بفعل الرواج الذي كانت تحققه لهم هذه الفئة، فاشتكوا لعامل الإقليم، وفق ما أكده مسؤول محلي بالمنطقة، حيث قال «لقد بلغت الوقاحة ببعض السكان أنهم اشتكوا للعامل من محاربتنا للدعارة». من آثار انتشار الدعارة بالمنطقة هو بروز ظاهرة الأطفال غير الشرعيين، فقد تم خلال الموسم الدراسي الحالي تسجيل حوالي 17 تلميذ جديد في الابتدائي مجهول الهوية، يقول مصدر من السلطات المحلية، أما الذين لم يبلغوا سن التمدرس فعددهم غير معروف لحد الآن. إذا كانت هناك نساء اخترن بجماعة كيكو الطريق السهل لتحصيل المال عبر «الجنس» فإن أخريات يغادرن بيوتهن في الساعات الأولى من الصباح، بعد تغطية وجوههن، وإعداد زادهن مما تيسر من الأكل متوجهات نحو «الموقف» من أجل العمل في حقول البطاطس والبصل لكسب قوتهن بعرق جبينهن، وإن كان وضعهن ليس بالوضع المثالي، لأنهن يتعرضن لكل أنواع الاستغلال من مشغليهن الذين يتهربون من تسجيلهن بصندوق الضمان الاجتماعي، ناهيك عن التحرش اللفظي والجنسي وهلم جرا. فاطمة قدمت من مدينة بني ملال من أجل العمل بكيكو كمياومة في حقول البطاطس، فثمن عمل اليوم الواحد (ما بين 130 و150 درهما) مقارنة مع الثمن المتعارف عليه بمسقط رأسها، فعمل اليوم الواحد يصل في كثير من الأحيان إلى 150 درهما، تقف رفقة صديقاتها في انتظار العمل، تقول فاطمة «الحمد لله آتي خلال هذه الفترة فأكتري بيتا مع بعض صديقاتي بحوالي 600 درهم من أجل كسب بعض المال لمساعدة أهلي على تكاليف الحياة الباهظة».