لست أدري لمَاذا كلما حاولت التنقل بين القنوات التلفزية إلا وتصادفني أجساد أنصاف مغنيات.. رقص ومسخ وكليبات تخدش الحياء.. أكون مضطرا بعدها إلى تغيير القناة.. وقد يكون تتبع الأخبار أو التفرج على مباراة في كرة القدم المسكن الوحيد بعد آلام المتابعة لأغاني الميوعة.. ولست أدري كذلك كيف يتسابق البعض من أجل التفرج على أغان هابطة.. والأكثر من ذلك يفضل البعض الآخر أن يحتفظ في بيته بألبومات لفنانات كان عليهن أن يمتهن الرقص بدل الغناء.. فنانات ماعندهمش حتى الصوت.. وبرغم ذلك يتسابق عليهن المنظمون لإحياء حفلات عامة وخاصة.. وتكلف سهرة الفنانة الواحدة منهن ملايين السنتيمات.. وتفخر بعض القنوات باستقدامهن إلى البلاطو لإحياء حفل فني قد لا تحتاج معه الفنانة إلا لملابس مثيرة.. وتكتفي بتحريك الشفاه فقط.. في وقت يكون فيه الاعتماد الكلي على (البلاي باك) لتقديم الأغاني.. يحدث هذا في وقت أصبح الاعتماد فيه على جمالية الصورة لإخفاء عيوب الصوت... لقد أصبحت تولد في قنواتنا العربية كل يوم فنانة جديدة.. بجواز سفر واحد.. صورة بلا صوت.. في وقت يركز فيه فن الغناء المغربي على الأغاني الشعبية.. إذ تعاني الأغنية العصرية من زكام حاد جدا لم ينفع معه دواء.. فأين هو العصر الذهبي للأغنية المغربية؟. أين هي أغاني الروائع من أمثال راحلة والقمر الأحمر؟.. ولو أن الجواب يصلني دائما في مقطع لأغنية الدكالي: «كلشي راح مع الزمان كلشي صار في خبر كان».. لقد أصبحنا نترحم كل صباح على أغنيتنا المغربية ببعض من أبيات شعرية قديمة.. ولم يعد فنان الأغنية العصرية يكلف نفسه عناء البحث عن كلمات جديدة، واختيار اللحن الجيد في ظل غياب حوافز الدعم المادي، وعدم إقبال شركات التوزيع على أغنيات «داز وقتها»، كما تعبر عن ذلك عامة الناس.. أصبح المغني يكتفي بترديد الأغاني القديمة في كل المهرجانات والسهرات العامة، ماكاينش الجديد.. ففي زمن جري عليا نجري عليك، لم يعد عند المستمع، حسب رأيه، الوقت الكافي ليستمع إلى أغنية تعد بالدقائق.. فيفضل الاستماع لأغنية شعبية بإيقاعات موسيقية سريعة.. كتدير الحماس.. وخليني نزها على القعدة والكمنجة.. لقد أصبح البحث عن أغان سريعة ضرورة ملحة.. وهو ما استسلم له المغني والمنتج والموزع وكاتب الكلمات على حد سواء.. ولا أعتقد أن الجيل الحالي يحفظ شيئا من أغاني الرواد، لم تعد الأغاني العصرية تثير إعجاب البعض، وخلت ساحة الفن من الإبداع، لم تعد هناك غير أغان شعبية لا تعمر طويلا.. ورحم الله أغاني عصرية كان يتابعها الجمهور في المسرح ببذلة رسمية وربطة عنق... وحتى التلفزيون المغربي لم يعد يبث أغاني قديمة، عاطيها غير للإعادة فالبرامج والمسلسلات.. فيجب أن نذكر الجمهور الحالي بأغاني الرواد، لكي لا ننسى أسماء كبيرة طبعت ساحة الغناء المغربي، وأصبحت الآن مجرد أسماء يصعب على البعض حفظها. وألا نطبق فيها مبدأ اللي دازت أيامو يتصنت لعظامو.