سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أطراف فرنسية ترفض تأجيل الإنزال العسكري وملازم يصرخ في وجه نائب القنصل الفرنسي: هل أنت فرنسي سيئ؟ سانت أولير: «لنفترض أن الأمن عاد تلقائيا أو نتيجة لتدخل المخزن، فإن هذا التدخل لا يكفي لضمان العقوبات الضرورية»
بعد ذلك الاجتماع الذي عقده القناصل الأوربيون بالقنصلية الفرنسية عشية فاتح غشت، توصل نوفيل برسالة من القايد بوبكر بن بوزيد ليلة اليوم ذاته، قبل أن يجيئه بنفسه ويخبره بأنه شرع، كما تم الاتفاق على ذلك، في عملية إخلاء المدينة من رجال القبائل، وأنها ستنتهي في اليوم الموالي. ويبدو أن نوفيل أخبر قائد «غاليلي» بهذا المعطى الجديد. إذ كتب أوليفييه في التقرير الذي أنجزه في ثاني يوم من غشت «اتفقت مع القنصل بأن يبلغ عند عودته إلى البر القايد بأني قبلت تأجيل النزول مؤقتا ما دام قد أظهر اهتماما بالأمن داخل المدينة، وبأن عليه أن يتمم طرد الرحل ليس من المدينة فقط، ولكن من ضواحيها أيضا». هل كان الفرنسيون يحاولون إيهام عامل الدارالبيضاء بأن قرار الإنزال العسكري مرتبط بحالة الأمن في المدينة؟ هذا على الأقل ما نستشفه من تقرير أوليفييه وكذا من المطالب التي وضعها نوفيل في محضر إرجاء الإنزال العسكري. وحتى سبب الإنزال في حد ذاته يثير هو الآخر علامة استفهام كبيرة. إذ كيف يرضخ قائد «غاليلي» لرغبة القناصل الأوربيين هو الذي جاء أساسا لقصف المدينة دون إشراك أي دولة أخرى كما اتفق على ذلك مع سانت أولير؟ قرار تأجيل الإنزال فسره علال الخديمي بأنه لم يكن نتيجة رفض الهيئة القنصلية فقط، وإنما «جاء ربما نتيجة لتواجد رجال القبائل بكثرة في المدينة آنذاك، ولأن الفرنسيين تخوفوا من المقاومة التي يمكن أن تواجه الفرقة النازلة. ولذلك انتظروا حتى تتكفل السلطات نفسها بإبعاد رجال القبائل عن باب المرسى، الذين كانوا يحرسونه، وإفساح الطريق بينه وبين القنصلية الفرنسية، حسب الشروط التي اشترطت على باشا المدينة». ويبدو أن سلطات المدينة قامت بهذه المهمة خير قيام. وهذا ما أشار إليه كريستيان هويل في مقال له بجريدة «لادبيش ماروكين»، التي كان مراسلا صحافيا بها. كتب هويل: «مهمة التنقية هاته تمت منذ ثلاثة أيام بسرعة مثيرة. فبمقدار ما كانت السلطات خاملة في البداية، بقدر ما صارت اليوم مندفعة لتثبيت النظام في المدينة». ويحكي هويل كيف عاين من سطح القنصلية الفرنسية صباح السبت 3 غشت حدوث مناوشة بين فرسان المخزن وبين الثوار، انتهت بمقتل اثنين من الثوار. هذا الاندفاع في تثبيت النظام، كما أسماه هويل، كان وراءه بالأساس مولاي الأمين. وقد كانت نتائجه واضحة. إذ باستثناء حادثتين أو ثلاثا ظلت المدينة حتى رابع غشت هادئة، و«بدأ الفرنسيون يتنفسون»، كما يحكي بوردون، ويخرجون ولو ظلوا يتحاشون الخروج بالليل ويتفادون التجمعات، ولكن مع ذلك أصبحوا يخرجون، يضيف بوردون. لكن بعض الأطراف لم تكن تروقها هذه الفسحة الضيقة من الأمن التي بدأت تعيشها المدينة مرة أخرى لأنها لم تكن مدرجة في مخططها. في إحدى برقياته يكتب سانت أولير الذي كان يستبعد حدوث انفراج في المدينة «لنفترض أن الأمن عاد تلقائيا أو نتيجة لتدخل المخزن، فإن هذا التدخل لا يكفي لضمان العقوبات الضرورية، ولتجنب التشجيعات التي يحدثها في مناطق أخرى عدم العقاب». هذه الرغبة المجنونة في العقاب وفي التدمير كانت تستحوذ أيضا على بحارة «غاليلي» وعلى قائدها. يروي كريستيان هويل، وكان شاهدا على هذا الحادث، أن ملازمين من سفينة «غاليلي» طلبا لقاء مع نائب القنصل الفرنسي ميغري لما عاد إلى مباشرة مهامه، فاستقبلهما في مكتبه. كان ذلك في الثانية من زوال السبت 3 غشت. أحدهما، وكان ابن وزير سابق في البحرية، بادره بالكلام دون مقدمات: بأمر من قائد «غاليلي» وبسبب تجمع القبائل التي صار تهديدها يثقل على المدينة، ستنزل مفرزة من الرماة بالمدينة وتسلك طرقها حتى قنصلية فرنسا. فوجئ نائب القنصل بنبرة الملازم التهديدية، فرد عليه: - بما أني أعي مسؤولياتي فأنا ضد هذا الإنزال. الأهالي الهائجون، الذين سيكونون متأكدين من إحراز نصر سهل على قوة عددها غير كاف، سيهاجمونها وستكون مجزرة. فأجاب الملازم وهو يصر على رأيه: بعد مقتل الفرنسيين وأمام خطر إعادة ذلك فإن القوات الحالية ل«غاليلي» لا يمكن أن تظل مكتوفة الأيدي. الأمر يتعلق بشرف فرنسا. وحين أصر نائب القنصل على رفضه، قال له الملازم: أنا أحدثك عن شرف فرنسا، هل أنت فرنسي سيئ؟ لم يجب ميغري، لكن شحوبه المفاجئ وصمته كانا أكثر تأثيرا من أي جواب يقول هويل.