رأى الطيب الصديقي النور في سنة 1937، ونشأ في أحياء مدينة الصويرة العتيقة.. لم يعلم الطفل حينها أنه سيكون واحدا من العلامات البارزة في المسرح المغربي.. دخل الطفل الصغير إلى «الكتاب» وكان والده فقيها ومؤرخا، كان يحرص على تدريسهم علوم الفقه والحديث في المنزل، وكانت أخته الكبرى ( خُيْتي ) تلقن باقي الإخوة اللغتين العربية والفرنسية وتروي لهم السير وحكايات وألف ليلة وليلة.. وفي سن الخامسة كان الطفل يتحدث اللغتين العبرية والعربية بطلاقة، قبل أن ينتقل رفقة عائلته إلى البيضاء سنة 1946، ليتابع بعد ذلك دراسته في حي «الحبوس»، فقد نشأ الطيب في جو مشبع بالثقافة، تربى وسط الكتب، كانت عائلته كلها متيمة بالقراءة، وتتنفس أوكسجين الفن.. يختصر الصديقي تلك المرحلة في بضع كلمات: « كانت طفولتي جميلة جدا، وشخصيا أعتبر أن أحسن مراحل الحياة هي الطفولة، فقد فتحت عيني في وسط مثقف، أنا تربيت وسط الكتب، كان والدي فقيها ومؤرخا وكانت أختي الكبرى مُدرسة، ويعتبر أخي سعيد الصديقي من أكبر الكتاب والشعراء العرب، وأخي الصديق فنان كبير في ما يخص الديكور والنقش، وأختي ماريا من أحسن مصممات الأزياء والفنان مامون ابن أختي، والعائلة كلها تتنفس أوكسجين الثقافة والفن والحمد لله». في رحاب المدرسة لم يكتب للرجل أن يكمل مساره الدراسي بنجاح، فقد غادر المدرسة قبل أن يحصل على شهادة الباكالوريا، لكنه حصل بعد ذلك على أكبر الشواهد في المجال المسرحي أغنته عن الشواهد الدراسية، انتقل إلى فرنسا قصد التحصيل العلمي فقد كانت أمنيته أن يصبح مهندسا معماريا.. ولكن حلمه لم يكتمل.. ليصبح في ما بعد عميد المسرح المغربي.. يحكي الصديقي بقية الحكاية: «سأصدمك إذا أخبرتك أنني لا أتوفر على شهادة «الباكالوريا» فعندما كنت في الثانوية، كان هناك امتحان التوجه الحرفي، واكتشفوا أنني أملك مؤهلات للاشتغال في البريد، كان ذلك ثلاثة أشهر قبل الاستقلال، وحين علم والدي بالخبر، أمرني بمغادرة المدرسة، لم يتقبل أن أشتغل ساعيا للبريد، فغادرت الدراسة، ولكنني حملت في الأخير رسالة المسرح بفخر كبير». الحلقة.. بداية الحكاية تعلق الصديقي بالمسرح في السادسة من عمره، كان ذلك حين رافق والده ذات يوم إلى مراكش، فأعجب بفن الحلقة، انبهر الصغير بتلك الطقوس الجميلة في ساحة جامع لفنا.. وعلقت الحلقة بذاكرته، وتلكم سادتي بداية اكتشاف الرجل للمسرح. «علاقتي بالمسرح بدأت حينما كنت أبلغ من العمر ستة أعوام، حين سافرت مع والدي إلى مدينة مراكش، وأول لقاء لي كان مع الراوي في ساحة جامع لفنا، وهناك اكتشفت المسرح، رأيت كيف يحكي الرجل خرافة ويروي لزوجته أنه مسافر بتجسيد ذلك عبر العديد من المشاهد، إذ يحول عكازه إلى حصان ثم يحوله إلى سلاح ليدافع به عن نفسه، ثم يحوله مرة أخرى إلى شجرة يستريح تحتها، ويحوله إلى قلم ليختط به رسالة إلى عائلته.. الله، الله، هناك اكتشفت المسرح الحقيقي، ودرست المسرح بعد ذلك، وليس ذلك مهما بل الأهم هو كيف جئت إلى المسرح، ثم إن الحلقة هي أم المسرح المغربي لأن الحلقة هي المسرح الحر، فالحلقة هي أحسن مسارح العالم. وافتخر بأنني حلايقي».