أبكت والدة طفل غرق في سد تلي مجاور لحي "عوينات الحجاج" الشعبي بفاس، عددا من المواطنين والفعاليات الجمعوية بالمنطقة والذين حضروا، مساء أول أمس السبت، لمتابعة عملية انتشال جثة الطفل أيوب من وسط أوحال السد غير المسيج من قبل عناصر الوقاية المدنية. الأم بكت، بكل حرقة، ابنها البالغ من العمر قيد حياته 16 سنة، وقالت إن السد التهم طفلا يعيل أسرته الفقيرة والتي تقطن الحي ذاته، وكان يشتغل قيد حياته مساعدا لتاجر متخصص في بيع الأثاث. ووصف محمد العسري، جمعوي بالمنطقة، واكب عملية انتشال الجثة، الحادث ب"المأساوي"، وقال إن هذا السد التلي يشكل كارثة، وخطرا محدقا بالساكنة المجاورة، لأنه "يجهز" على فلذات أكبادهم في غفلة منهم. وبالرغم من تقارير إعلامية، والتي سبق ل"المساء" أن نشرتها حول موضوع هذا السد، حيث تطالب الساكنة بتسييجه وتشغيل شبان لحراسته، ومنع المواطنين، وخاصة الأطفال من الاقتراب منه، وتحويل جنباته إلى متنزهات مفتوحة، إلا أن هذه الدعوات ووجهت بالإهمال والتجاهل، وصمت مطبق من قبل السلطات الإدارية وكذا مجالس المنتخبين. وردد الحاضرون أثناء عملية انتشال جثة الطفل شعارات مناوئة للسلطات الإدارية والمنتخبين. ويقدر نشطاء المنطقة عدد ضحايا السد التلي منذ إنشائه، في ثمانينيات القرن الماضي، إلى حدود الآن، بأكثر من 100 ضحية، أغلبهم أطفال يتحدرون من عائلات فقيرة. ويقصد هؤلاء الأطفال السد التلي ل"السباحة"، و"الاستمتاع" ب"دوش" بارد، لكنهم يسقطون في أوحاله، ويتحولون إلى جثث هامدة. وتجد عناصر الوقاية المدنية صعوبات في انتشال الجثث بسبب الأوحال، وعمق السد، وعدم توفر وسائل متطورة لمباشرة مثل هذه العمليات. فيما تصاب العائلات الفقيرة بالصدمة بعد تلقيها أخبار هذه الفواجع، إذ أنها لا تفقد فقط فلذات أكبادها، وإنما مشاريع "رجال" تراهن عليها للمساهمة في انتشالها من براثن الفقر والهشاشة. ويجذب هذا السد التلي العشرات من أطفال حي "عوينات الحجاج"، أحد أكبر أحزمة البؤس بالعاصمة العلمية، بالنظر إلى كون المدينة تفتقر بحدة إلى متنفسات طبيعية، ومسابح تابعة للمجلس الجماعي تقدم خدماتها لفائدة الأسر المعوزة والطبقات "الكادحة" بأثمنة معقولة تراعي أوضاعها الاجتماعية. وتضطر الأسر المتوسطة إلى نقل أبنائها إلى مسابح معروفة بالمدينة، لكن أثمنة ولوجها والاستفادة من خدماتها الترفيهية مرتفعة جدا، وتشتكي منها حتى الطبقات الميسورة. وكان عمدة المدينة قد وعد بإحداث شاطئ اصطناعي لفائدة الأطفال الفقراء في هذه المدينة، مما أثار موجة من السخرية الممزوجة بالانتقادات الحادة من قبل معارضيه. ويعود هذا "الوعد" إلى أكثر من أربع سنوات، دون أن يرى النور، بالرغم من جدولته في دورات المجلس الجماعي لأكثر من مرة. وقرر المجلس الجماعي، في دورة يوليوز الأخيرة، تفويت الهكتارات المخصصة لهذا المشروع لفائدة شركات القطاع الخاص، بمبرر أن الاستثمار الجماعي في المشروع يتطلب إمكانيات باهظة، ما دفع معارضي أغلبية حزب الاستقلال إلى التصريح بأن تفويتات العقار ظلت الهاجس الأساسي الذي تحكم في "تسويق" المشروع، وليس إحداث "شاطئ اصطناعي" لفائدة فقراء المدينة. وأمام ارتفاع درجات الحرارة بالعاصمة العلمية، وإلى جانب السدود التلية المجاورة، فإن أطفال الأسر الفقيرة يلجؤون إلى تحويل نافورات المجلس الجماعي المشيدة في الشوارع الرئيسية للمدينة إلى مسابح مفتوحة بالمجان، لكن هذه المسابح بدورها تشكل خطرا على هؤلاء الأطفال. وقد سبق أن عاشت المدينة حالة وفاة طفل وهو يسبح فيها نتيجة تماس كهربائي. إحدى السيدات طالبت، وهي تعبر عن غضبها من إهمال مطالب الجمعيات بضرب حزام للسلامة حول السد، بينما ظلت والدة الطفل تصرخ حزنا على فقدان ابنها، مؤكدة أن جنباته تتحول في الليل، وحتى في وسط النهار، إلى وكر مفتوح للدعارة، كما تتحول إلى حانة مفتوحة لتناول المخدرات ومعاقرة المشروبات الكحولية. وفي بعض الحالات يقصده عتاة المجرمين للاختباء عقب ارتكابهم أعمالا إجرامية، بغرض تنفيذ عمليات سرقة ونشل. ولم يتردد بعض الأطفال الغاضبين جراء هذا الحادث في المطالبة بإغلاقه، لأن الساكنة لا تتلقى منه سوى الكوارث، بحسب تعبيرهم.