تختلف الأمور بحلول فصل الصيف، حيث تصبح مجموعة من المدن الداخلية تعيش معانات موسمية، إنه بالنسبة لبعضها موسم «الجحيم» نظرا لغياب المسابح والاماكن التي تقي الساكنة من الحرارة المفرطة في هذا الفصل، و من بين هذه المدن التي تعرف ارتفاع دراجة الحرارة، والتي يصبح العيش فيها لا يطاق، نجد العاصمة العلمية للمملكة في مقدمتها، باعتبار غياب المسابح العمومية، مما يضطر الشرائح الاجتماعية ذات الدخل المحدود إلى العيش في الجحيم. غياب مسابح عمومية الموقع الجغرافي لمدينة فاس يجعل من خصوصياتها المناخية تعرف شتاء باردا، وصيفا حارا، ومما يزيد من متاعب ساكنة هذه المدينة، إحاطتها بمجموعة من الأحياء التي لا تتوفر على بنية تحتية قادرة على حمايتها من هذه الحرارة المفرطة التي قد تفوق 48 درجة في بعض الأحيان، كما يسجل غياب المسابح اللازمة للتغلب على الحرارة المفرطة فهذه المدينة، للاسف الشديد اليوم، بدون مسابح في الوقت الذي كانت تتوفر فيه على مسبحين. أحدهما مسبح البطحاء الذي احتضن الآلاف من أبناء المدينة القديمة من مختلف الأحياء الشعبية لفاسالمدينة، وفاس الشمالية، وكان بمثابة متنفس لتلك الأسر الضعيفة، إلا أن هذا المتنفس ضاع، وأغلقت أبوابه في وجه الجميع، ليتم تحويله إلى إدارة للصناعة التقليدية. وهكذا أصبحت المدينة القديمة بحجمها وتاريخها ونسبة ساكنتها لا تتوفر على مسبح عمومي للترفيه على صغارها وشبانها في ظل فصل الصيف والحرارة المفرطة، حيث أن ما يزيد عن 300 ألف نسمة لا ملجأ لها لممارسة السباحة، ولا متنفس لها سوى مسبح سيدي احرازم، الذي يعتبر الملاذ الوحيد نظرا لقربه من المدينة القديمة، حيث يعرف اقبالا كبيرا من طرف الأسر المتوسطة والضعيفة لقضاء فترة الصيف. وحسب معطيات إحصائية من المجلس الجماعي، فإن عدد المستحمين بمسبح سيدي احرازم يتجاوز 100 ألف مستحم خلال الموسم الصيفي. أما المرفق الثاني فهو المسبح البلدي للمدينة الجديدة، والذي أصبح مغلقا عى طول السنة، فقد استولت عليه أندية السباحة، وتحول بفعل بعض التدخلات و«المحسوبية» ملكا لنواد تتيح لها إمكانياتها خلق مسابح تستعملها كمدارس لتعليم منخرطيها. فإذا كانت نوادي السلام والمغرب الفاسي تسجل منخرطين بمبالغ تفوق 800 درهم في السنة أو نصف السنة، علما أنها لا تؤدي واجبات استغلال هذا المسبح، وتساهم بشكل كبير في حرمان أبناء مدينة فاس من دخولها كما كانت العادة في السنوات السابقة عيون ووديان تعاني الفئات المحدودة الدخل من عدم وجود مسابح عمومية بولاية فاس ككل، وبثمن رمزي كما كان الحال سابقا. فالعديد من المواطنين الذين يتوفرون على بعض المال يتغلبون علي ذلك بولوج المسابح الخاصة سواء داخل الفنادق المصنفة، أو المسابح بالنوادي التي تمكن بطاقة الدخول، في أغلب الأحيان، لأصحاب القرار أو لرجال القضاء والأمن، نظرا لما يقومون به من مخالفات داخل المدينة، ولعل هذه البطاقات قد تحميهم في يوم ما إذا وقعوا في يد العدالة، كما حصل لمسؤول بأحد النوادي بفاس، والذي يرد اسمه كلما كانت هناك عملية إيقاف لأصحاب المخدرات الصلبة. أما أصحاب الفنادق، فقد عمد مدراءها إلى رفع ثمن التذكرة بنسبة %200 حتى لا يلج هذا مسابحهم الجميع خاصة من أبناء الطبقة الشعبية والفقيرة. وانطلاقا من هذه الوضعية التي تميز واقع المسابح بفاس وما يعانيه صغارها وأطفالها وشبانها من حرمان فإن العديد منهم يقصدون العيون والوديان والنافورات العمومية للسباحة كما هو الحال في الشوارع الكبرى. فحين تشتعل الشمس، ويتصب العرق من الأجساد الصغيرة، تتحرك نحو الوديان رغم الأوحال والأزبال التي تميز بعض تلك الأماكن، فتجدها ترتمي في أحضان مياه ملوثة، غير مبالية بالأمراض، عسى هذه الأجساد الصغيرة تأخذ نصيبها من الرطوبة. العديد من النافورات بالشارع العام تتحول في غمرة الحرارة المفرطة إلى مسابح للإحتفال ضد الحرمان، فتنتشر الابتسامة على الوجوه، لأنها تريد أن تقول للذين لا يبذلون أي مجهود لاسعادهم، وتحقيق حلم الطفل الفاسي في الاستمتاع بمسبح أو منتزه للعب، حيث أن مدينة فاس برمتها لا يوجد بها منتزه يتوفر على حديقة للعب الأطفال للأسف الشديد. أطفال يصيحون هنا وهناك، وكأن لسان حالهم يقول: «إننا نصنع الفرحة والابتسامة من البؤس والحرمان...» تساؤلات مشروعة لماذا لم يتم من خلال المشاريع والتخطيطات في إطار مشاريع التنمية البشرية، التفكير في خلق مسابح لأبناء الشعب من ساكنة العاصمة العلمية للمملكة المغربية؟ لماذا لم يتم التفكير في خلق منتزه كبير يحتضن الصغار، ويكون مجهزا بالألعاب؟ لماذا تهدر الميزانية في مشاريع لا تفيد الساكنة، ولا يستفيد معها الصغار والمحرومين والايتام. معاناة سكان مدينة فاس تتطلب تدخل السلطات العليا، لإعطاء الأوامر لخلق فضاءات لقضاء أوقات الفراغ وانشاء منتزهات ومسابيح التي بإمكانها استقطاب الأطفال والشباب وانشتالهم من التشرد والضياع والحرمان. الشيء الذي لا يدركه البعض أن غياب المسابح العمومية بالعاصمة العلمية، تجعل فلذات أكبادنا تلجأ إلى البحث عن الاستجمام والبرودة في ضفاف الأنهار والسدود المجاورة لمدينة فاس، مما يجعل العديد منهم عرضة للموت، والأمثلة كثيرة في هذا الصدد، ونستشهد على ذلك ما حصل لأحد المحامين رفقة أحد الأعوان القضائيين، عندما ذهبا للسباحة بسد مولاي إدريس قرب إقليم تاونات، لتتحول متعتهما إلى نهاية مأساوية بعد أن غرقا. وإضافة إلى ذلك، فإن نهر سبو كان ولا زال عبارة عن مصيدة لشباب وصغار مدينة فاس، وخاصة أبناء المدينة العتيقة، ومن خلال استقراء لبعض الإحصائيات السابقة والراهنة، فإن عدد الغرقى في كل سنة يفوق 17 مواطنا بمديمة فاس، ناهيك عن إحصائيات إقليم تاونات، الذي يعرف على امتداد السنة، عددا مهولا من الغرقى ضحايا الأنهار. فإلى متى يظل غياب الاهتمام بالبنيات التحتية الصيفية لمدينة فاس، في ظل صعوبة إيجاد متنفس للصغار والصغيرات والشبان والشابات؟ لماذا لا يضع المنتخبون والسلطات المحلية والفعاليات الإقليمية يدا في يد، بهدف خلق مجموعة من المتنفسات بهاته المدينة، لتكون في خدمة الصغار والشبان خلال فصل الصيف، خاصة وأن شهر رمضان المعظم سيكون في أوج هذا الفصل لمدة خمس سنوات أو أكثر. وهي كما يبدو مناسبة لفتح أوراش لإنقاذ هؤلاء. من جهة أخرى، فحتى المتشردون المتسكعون بالمدينة، الذين لا يجدون من متنفس لهم سوى واد فاس بميكروباته وفيروساته، نظرا لقلة المياه، والمتشكلة أساسا من مياه النفايات، ومخلفات المعامل المجاورة، الشيء الذي يعرضهم أكثر للأمراض الفتاكة. الهروب من الحرارة ألم يحن الوقت بعد للاهتمام بأبناء مدينة فاس وأبناء الفقراء والمهمشين والذين يعانون من شدة الحرارة ليل نهار؟ وأنت تتجول في العديد من الأحياء الهامشية والشعبية، تجد أغلبية الساكنة خارج المنزل المتواضع نظرا لشدة الحرارة بالداخل، بل هناك من ينام خارج منزله، قد يختار الشارع، أو فوق السطوح، هروبا من شدة الحرارة، وبحثا عن ساعة نوم هادئة. إذن نتمنى أن يكون الإشكال قد بلغ أصحاب القرار بجهة فاس بولمان لإيجاد حل لهذه المعضلة القاتلة والمستمرة، والتي تجعل مدينة فاس خلال فصل الصيف تلقب ب«مدينة الجحيم» لغياب أدنى وسائل الترفيه والسياحة لساكنة أبت أن تعيش الخذلان، ورفضت أن تنحني وتقبل النعال، حتى تعيش بكرامة ورأس مرفوع مهما كان العقاب. إذا كان هذا هو الوضع داخل الأحياء الشعبية والدور المتواضعة، فكيف هو الحال إذن داخل الخيريات والسجون و«الكوميساريات» خلال هذه الفترة الصيفية الحارة؟ كيف هو الحال لدى العاملين والمعتقلين؟