ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكايات مغاربة زعموا أنهم «المهدي المنتظر» لاستقطاب العامّة والوصول إلى الحكم !
نشر في المساء يوم 03 - 08 - 2014

شهدت منطقة الغرب الإسلامي عبر تاريخها الكثير من الحركات المذهبية والدعوات السياسية التي رامت التغيير والإصلاح، وأمام رغبتها في استثمار عناصر القوة في محيطها، فقد عمدت إلى استلهام ما كان سائدا لدى المغاربة من تمثلات دينية مساعدة، كان على رأسها الإيمان المطلق بالخوارق، التي عدها ابن خلدون من خصائصهم قائلا: «وقوع الخوارق فيهم وظهور الكاملين في النوع الإنساني من أشخاصهم»، وهو الأمر الذي شكل أقوى الأسباب الباعثة على قابليتهم للالتفاف حول مدعي المهدوية.
قامت حركة سياسية في بلاد الغرب الإسلامي على أساس الفكرة المهدوية، وشكلت منعطفا حاسما في تاريخ المنطقة، وهي حركة الموحدين التي استندت في انبعاثها على دعوة «المهدي» محمد بن تومرت.
كذلك لعبت الحركات الثوريّة في تاريخ الإسلام دورا في انتعاش الفكرة المهدوية، التي كانت في معظمها ذات إيديولوجية شيعية، مما حدا بالكثير من الباحثين، إلى القول بتشيع ابن تومرت، بل إن منهم من ركز كثيرا على حضور المؤشرات الشيعية في فكره، وراح يلتمس من القرائن ما يدل به على وقوعه تحت تأثير دعاة الباطنية الإسماعيلية في المشرق، الذين يعتقد أنهم استوعبوه ضمن أحد تنظيماتهم السرية.
في السياق ذاته، يقول ابن تومرت في رسالة له عن الإمامة، إنّها «ركن من أركان الدين، وعمدة من عمد الشريعة، ولا يصح قيام الحق في الدنيا إلاّ بوجوب اعتقاد الإمامة في كل زمان من الأزمان، إلى أن تقوم الساعة، ما من زمان إلا وفيه إمام لله قائم بالحق في أرضه... ولا يكون الإمام إلا معصوما من الباطل... معصوما من الضلال... معصوما من الجور...».
ساعد الحضور الشيعي –تاريخيا- في منطقة سوس على الترويج لنجاح المهدي الموحدي، واستقطاب الأنصار والمتعاطفين حوله وظهور حركات مهدوية أخرى عديدة. بالرغم من التأثير الشيعي الواضح في الظاهرة، إلا أنها تبقى ظاهرة مغربية محلية عريقة، استغلها العديد من طلاب الرياسة، ولا يعني ذلك ارتباطها كلية بالمذهب الشيعي. كما أشار الباحث المغربي عبد الله حمودي (المهدوية كإيديولوجية سياسية بالمغرب، المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي، عدد7-8).
ينتبه الملاحظ في تناول الحركات المهدوية -عموما-، إلى طغيان البعد السياسي لا العقدي في دعواتها، وهو ما خلص إليه العديد من الباحثين، من أن ابن تومرت قد وظف المهدوية «توظيفا سياسيا»، وحقق من ورائها «أهدافا سياسية ذات فعالية تطبيقية متطورة مع الظروف الدينية والبيئة الاجتماعية المحلية» بحسب الباحث لخضر بولطيف.
انخرط توظيف الرموز الناشئة عن المهدوية، في البناء الإيديولوجي للدولة الموحدية كرموز سياسية مثل فكرتي الإمامة والعصمة، ولم ترق إلى درجة المعتقد الديني، حتى إن الخليفة المنصور ما فتئ يتنصل من دعوى المهدوية والعصمة اللتين جاء بهما ابن تومرت. كما أفصح عن تلك الرغبة وجسدها ابنه المأمون، إذ أعلن -من مراكش سنة 626ه/1229م- تنكره لكل ما له صلة بالمهدي، وخطب في الناس قائلا: «أيها الناس، لا تدعوه بالمهدي المعصوم، وادعوه بالغوي المذموم، فإنه لا معصوم إلا الأنبياء، ولا مهدي إلا عيسى، وإنا قد نبذنا أمره...»، هذا قبل أن يأمر بإسقاط اسم المهدي من المخاطبات والسكة، ومن جميع رسوم الموحدين.
إذا كان قد كتب لدعوة المهدي ابن تومرت النجاح، في تأسيس إحدى الدول القوية بالمغرب. فإن التاريخ المغربي يعج بالعشرات ممن كانت لهم نهاية درامية، كالصلب والتقتيل والتشنيع بالغواية، تستحضر «المساء» بعضا منهم... متسائلة عن الأساس الفكري والعقدي الذي تبنى عليه فكرة «المهدي المنتظر»؟ ومن هم أشهر مدعي المهدوية بالتاريخ المغربي، وما هي أوجه الخلاف بين مهدوية السنة والشيعة؟
ابن أبي الطواجين الذي قتل عبد السلام بن مشيش دفين جبل العلم
هو محمد الكتامي الغماري، الذي اشتهر بابن أبي الطواجين، شخصية تاريخية عاصر أفول لدولة الموحدية، قام عام 625ه بثورة بغمارة في غرب الريف بشمال المغرب الأقصى، ادعى النبوة وسن بعض الشرائع، وكثر أتباعه لما أظهره من «معجزات» للعوام، حيث اختص في صناعة الكيمياء.
كان أبوه من قصر كتامة (القصر الكبير) وكان يتقن صناعة الكيمياء فلقب بِأبي الطواجين لكثرة الأواني الَتي كان يستعملها فِي تجاربه، فتلقى ابنه محمد تلك الحرفة ثم رحل إلى سبتة، ونزل على قبيلة بني سعيد بأحوازها، بالقرب من وادي لاو، فمارس الشعوذة وادعى النبوة واستفحل أمره لضعف دولة الموحدين، فكثر أنصاره الذين كانوا يساندونه ويؤيدونه مثل بني يوسف وبني حسان. وبعد أن أعلن عليه المتصوف عبد السلام بن مشيش حربا ضد أفكاره وادعاءاته، وذلك من خلال دعوة القبائل بالحجة والدليل حول فساد دعوة أبي الطواجين، لإقناعها بتركه. قام ابن أبي الطواجين بالتخطيط لقتل بن مشيش بعد أن علم أنه أصبح عقبة في طريقه. فتعقبه أتباعه في مكان عبادته وهو يقوم بالوضوء والاستعداد لصلاة الصبح، فتمكنوا من قتله سنة1227م.
لما قتل مولاي عبد السلام دفن في قمة جبل العلم، لكن قبره سرعان ما خفي على الناس، وظلوا يزورون الجبل ليتبركوا بالمكان الذي دفن فيه دونما تحديد لقبره وبقي الأمر على هذه الحال إلى مجيء الولي الصالح سيدي عبد الله الغزواني الذي أعاد اكتشاف قبره في القرن العاشر. حيث تروي الأخبار التاريخية أنه رآه في المنام وهو يعين له مكان القبر. والجدير بالذكر وجود خلاف بين الروايات حول مقتل مولاي عبد السلام، لكن يبقى قاسمها المشترك المتواتر، هو أن القاتل كان هو أبا الطواجين الكتامي الساحر، الذي كان يتعاطى السحر والشعوذة. والذي قد يكون ادعى النبوة، وكان له أيضا جم غفير من الأتباع وفي بعض الروايات أن غالبية مرتاديه كانوا من النساء يقصدنه من أجل العرافة والسحر، وكان يستغلهن في إطفاء نزواته الجنسية الزائدة.
كانت عادة هذا الشيخ قبل صلاة الصبح أن يخرج من خلوته ومكان تهجده، حيث ينزل إلى عين ماء تسمى إلى يومنا بعين القشور، فيتوضأ من مائها البارد ثم يصعد منها إلى مكان عال يرتقب منه طلوع الفجر ليصلي الصبح. وبينما مولاي عبد السلام في ليلة مشؤومة من ليالي عام 622ه يرتقب صعود الفجر فاجأه رهط من أتباع أبي الطواجين فقتلوه وفروا هاربين. وتزيد الرواية فتقول بأن ضبابا كثيفا غشيهم فضلوا الطريق وسقطوا من مكان شاهق وتمزقوا إربا. على أن الشائع بين الناس أن من قتله بالفعل هو أبو الطواجين نفسه، حيث طعنه بسكين من نحاس أصفر وفر هاربا..
انتقل خبر وفاة مولاي عبد السلام إلى مريديه في مدينة سبتة، وهناك جهز أحد مريديه وهو من قبيلة بني سعيد من عائلة فزاكة جيشا من الأتباع وراح في طلب أبي الطواجين، فأدركه وقتله وعاد إلى مدينة تطوان حيث مات بها مغمورا ودفن في مقابر المجاهدين، إلى أن تم اكتشاف قبره في قرون لاحقة، بعيد إعادة تأسيس هذه المدينة، إذ اكتشفه رجل من عائلة الحاج، التطوانية، بعدما نسجت حكايات عن كرامات صاحب هذا القبر، منها أن كلبة بالت على قبره فعميت في الحال وما إلى ذلك من الحكايات. كان الرجل صاحب هذا القبر هو سيدي السعيدي أو الصعيدي الولي الموجود ضريحه بهذه المدينة. وفي رواية تدقق في الأمر أكثر ترى أن سيدي الصعيدي هذا لما وصل إلى بني سعيد تعذر عليه الوصول لهذا المشعوذ، فاستغل شغف هذا الأخير بالنساء فاتفق على أن يلبس لباس النساء ويحمل معه سكينا، فقرأ عليه بعض التعاويذ ليفك بها «تحصين» أبي الطواجين لنفسه من الطعن، فدخل عليه بهذه الصفة فظن أبو الطواجين أنه أمام صيد ثمين وغانية ستشفي رغبته الجنسية. لكن سيدي الصعيدي استغل هذه الفرصة فقتله ورجع إلى مدينة تطوان.
الحاج العباس بن صالح الصنهاجي الذي أحرق مدينة فاس
ادعى أنه رسول الفاطمي، ذكره ابن خلدون قائلا: «ظهر في غمارة في آخر المائة السابعة وعشر التسعين منها، رجل يعرف ب (العباس)، وادعى أنه (الفاطمي)، واتبعه الدهماء من غمارة، ودخل مدينة فاس عنوة، وحرق أسواقها، وارتحل إلى بلد المزمة، فقتل بها غيلة، ولم يتم أمره، وكثير من هذا النمط .»
نظرا لأهميتها، انتقل الثائر الفاطمي الحاج العباس بن صالح الصنهاجي إلى-المزمة- (الحسيمة حاليا) ويرجع أصله إلى بني كميل غرب بادس بالجزائر. دخلها واتخذها قاعدة لثورته، ولاشك أن هذا الحدث ألحق ضررا بأنشطتها التجارية ومرافقها المختلفة، نتيجة المواجهات العسكرية التي جرت بها وبنواحيها بين بني مرين وأنصار العباس، التي انتهت بقتله وتعليق جثته على أحد أبواب مدينة المزمة سنة 686 ه/ 1287 م. ويبدو أن المدينة أعادت ترميم مرافقها بعد فترة قصيرة من انتهاء ثورة هذا الفاطمي، بفضل اهتمام أبي يوسف يعقوب المريني، فتأكدت أهميتها الإدارية بوجود الأمير العامل أبي عامر بن يوسف بن يعقوب المريني، الذي انطلق منها للقضاء على أولاد الأمير أبي بكر بن عبد الحق القادمين من المغرب الأوسط سنة 691 ه/ 1291م.
يصف ليون الإفريقي-الحسن الوزان هذه المدينة كالتالي: «كانت المزمة مدينة كبيرة واقعة فوق جبل صغير على ساحل البحر المتوسط بالقرب من حدود إقليم كرط. يقع في أسفلها سهل كبير عرضه نحو عشرة أميال وطوله ثمانية وعشرون ميلا من الشمال إلى الجنوب، ويمر نهر نكور في وسطه فاصلا بين الريف وكرط... وكانت هذه المدينة قديما في غاية الحضارة، كثيرة السكان ودار مقام لأمير هذا الإقليم. لكنها دمرت ثلاث مرات. خربها أول مرة خليفة القيروان الذي غضب على أمير المزمة حين امتنع عن أداء الخراج المعتاد فسقطت المزمة في يده ونهبها وأحرقها وقطع رأس أميرها وأرسله إلى القيروان على رأس رمح عام 318 للهجرة. وظلت المدينة مهجورة خمسة عشر عاما قبل أن يقوم بعض الأمراء بإعادة تعميرها... والمزمة الآن خربة، لكن أسوارها قائمة سالمة، ويرجع تاريخ تدميرها الأخير إلى عام 872 للهجرة».
أما عن الثائر الفاطمي، الحاج العباس، الذي هزم سنة 1287. فقد طيف برأسه المقطوع في كل أرجاء المملكة، ليعلق بعدها في مراكش، بينما علق جذعه في شمال البلاد بمدينة المزمة، ونظرا لهذا، صار فضاء البلد محددا برأس وجذع يشكلان معلمين في جغرافية البلاد، عبر التمادي في ظاهرة «التطواف» والعرض العلني-لرأس وجذع الحاج العباس بن صالح الصنهاجي- إنه، في نهاية المطاف، الجسد المهشم الذي صار يحدد فضاء العقوبة، أي فضاء السلطة المتغلبة. ففي رحم المسافة الفاصلة بين الرأس والجذع، كان هناك «جسد سياسي» في طريقه نحو التشكل السياسي للدولة المرينية...
محمد بن عبد الله بن هود الماسي الذي كاد أن يعصف بنشأة الدولة الموحدية
لم يذكر المؤرخون سنة مولده، لكن بالمقابل سجلوا تاريخ مقتله سنة 542 ه - 1148 م. هو محمد بن هود بن عبد الله السلاوي، ويُعرف بالماسي، كان ثائرا مغربيا أنشأ ملكا في صدر الدعوة الموحدية، أصله من أهل سلا.
كان أبوه سمسارا وكان هو قصارا. ولحق بعبد المؤمن بن علي الكومي عندما ظهر، وبايعه وشهد معه دخول مراكش، ثم ما لبث أن فارقه وظهر في رباط ماسة (من ناحية السوس) وتلقب بالهادي، وناصره أهل سجلماسة ودرعة وقبائل دكالة وركراكة وتامسنا وهوّارة. وانتشرت دعوته في جميع المغرب، فأرسل عبد المؤمن جيشا لقتاله، فظفر ابن هود، فجهز له جيشا آخر بقيادة الشيخ أبي حفص الهنتاتي فكانت بينهما حرب شديدة انتهت بمقتل ابن هود في وادي ماسة (الاستقصا 1: 144 وهو في البيان المغرب، القسم الثالث طبعة تطوان 1960 الصفحة 26 (محمد ابن عبد الله بن هود) ويفهم منه أن مقتله في 16 ذي الحجة سنة 541ه.)
كان مجال نفوذ الدولة الموحدية في شمال أفريقيا أكبر من سابقتها (الدولة المرابطية) وكان لزاما عليها أن تقوم بمجهودات جبارة للحفاظ على الأمن في هذا المجال الواسع، إلاٌ أن هذا لم يمنع من ظهور بعض الأطراف الخارجة عن مجال الدولة. وتمثل ثورة ماسة، إحدى الحركات المناهضة للحكم الموحدي ويتعلق الأمر بمحمد بن هود السلاوي الماسي الذي سمي بالهادي. وقد تبعه خلق كثير من أهل سجلماسة ودرعة وقبائل ركراكة وقبائل تامسنا وهوارة وبذلك لم يبق تحت نفوذ الموحدين إلا مراكش وفاس، حيث أشار صاحب الحلل الموشية إلى ذلك قائلا «...و لما توالى عليه الفتح واستوثق له الأمر قام عليه قائم ببلاد السوس الأقصى وهو محمد بن عبد الله بن هود الماسي...وقامت بدعوته أمم لا تحصى ووصلت دعوته إلى جميع أقطار العدوة حتى لم يبق منها إلا مراكش وفاس ...»
وصل تهديد محمد بن هود إلى جميع بلاد المغرب، وهو الأمر الذي حدا بالسلطان عبد المومن، إلى تجهيز جيش لمنازلة الثائر، حيث أرسل-أولا- يحيى بن الصحراوية، فلقي هزيمة أمام الماسي، فأرسل الموحدون قوة أخرى تحت قيادة الشيخ أبي الحفص عمر الهنتاثي فهزم هذا الأخير الماسي هزيمة ساحقة وبذلك تمكن الموحدون من تهدئة الأوضاع.
وتشير معظم المصادر إلى وقوع هذه المعركة بالقرب من واد ماسة، ومنها أن أبو جعفر ابن عطية ( الوزير السابق لعلي بن يوسف المرابطي ) الذي حضر المعركة وتنكر بصفة الجندي، فبعث رسالة على واد ماسة ليخبر السلطان بهذا...
عرفت ماسة -تاريخيا- ثلاثة أعراف، كل واحد كان خاصا بمنطقة جغرافية فهناك عرف أغبالو (109 بند) وعرف تاسنولت وعرف أداوموط . كانت هذه الأعراف مكتوبة بالأمازيغية على ألواح، غير أن الفقهاء قاموا بترجمة تلك الأعراف إلى اللغة العربية. فإلى حدود النصف الثاني من القرن 19 كان العرف يشكل المسطرة القانونية للقبيلة.
لا يمكن الحديث عن قبيلة ماسة خلال القرن 19 م دون ذكر الحروب التي كانت عادية، سواء ضد القبائل المجاورة أو الحروب الأهلية. وتتميز هذه الحروب بكونها لم تخضع لأي ضوابط قانونية، إذ أشار الضابط/الباحث روبير مونطاني في أطروحته حول الانقسامية (البربر والمخزن)، إلى عدم وجود زعيم يقود الحروب، وأن كل من تزعم إحدى الحروب يقتل. وفيما يتعلق بالحروب مع القبائل المجاورة التي أشار إليها المختار السوسي أنها وقعت سنة 1895 م/1276 بين الماسيين من جهة وبين الجزوليين والأزغاريين من جهة أخرى، فقد تميزت بالعنف وانتهت بانتصار القوة الماسية حيث جندوا لذلك كل طاقتهم المادية والمعنوية، بعد أن استغرقت هذه الحرب زهاء 7 سنوات.
«مول الساعة».. لهذا اعتقد المغاربة بفكرة «المهدي» المنتظر الذي يملأ الأرض عدلا..
المهدوية هي ادعاء رجل أنه هو المهدي المنتظر، وقد جمع أبو نعيم صاحب الحلية نحوا من أربعين حديثا في الموضوع أكملها السيوطي ثمانين في كتابه، ودحض ابن خلدون في مقدمته هذه الأحاديث ملاحظا أن الحق الذي ينبغي أن يتقرر في قضية المهدي، مفاده أنه لا تتم دعوة من الدين والملك إلا بوجود شوكة عصبية تظهره وتدافع عنه، وعصبية الفاطميين بل وقريش أجمع قد تلاشت من جميع الآفاق (ابن خلدون، المقدمة).
إن فكرة المهدوية لا تختص بشعب دون آخر، ولا بأمة دون أخرى.. فقد عرفها جميع شعوب الأرض حتى من غير المسلمين أو أتباع الديانات التوحيدية. وذلك لأن كل شعب يتعرض للظلم والاضطهاد يحلم بغد أفضل وإمام عادل (مهدي) يملأ الأرض قسطا وعدلا، بعد أن ملئت ظلما وجورا. ومن هنا فقد عرف المسلمون بمختلف طوائفهم وأحزابهم كثيرا من الأئمة المهديين وأدعياء المهدوية الذين قادوا الحركات الشعبية المطالبة بالعدالة، ونجح بعضهم في تحقيق أهدافهم، في الوقت الذي فشل فيه آخرون كثر...
«مهدويون مغاربة» كثر ...
بالمغرب، ادعى المهدوية رجال على رأسهم محمد المهدي بن تومرت، قبل أن يهدم مراسيم المهدوية الأمير إدريس بن المنصور الملقب بالمامون عام 626 ه/1228م، حيث دخل مراكش بميليشية مسيحية مكونة من خمسة عشر ألف فارس من اشبيلية، وقد لعن المهدي على المنبر ودعاه بالغوي المذموم بدل الإمام المعصوم، ومحا اسمه من النقود ودورها، واستأصل البربرية من الأذان ثم جاء ولده وخليفته عبد الواحد الملقب بالرشيد إلى الحكم في آخر يوم من عام 629ه فأعاد المراسم المهدوية.
وقد ورد في «المعجب» أن المامون صرح بشكه في الدعوة الموحدية وأعلن استخفافه بقواعدها ومعتقداتها مثل عصمة المهدي. وحاول تجديد سنة مهدي المغرب محمد بن عبد الله الجزيري.
وقد أكد أحمد بن عبد القادر التستاوني أن المهديين ثلاثة: مهدي الموحدين، واثنان آخران يظهران، أحدهما أول القرن الثاني عشر والثاني والأخير أول الثالث عشر.
وقد سجنه المولى إسماعيل لاتهامه بالمهدوية وممن ادعاها:
- الجيلالي الروكي مدعي المهدوية من عرب سفيان قتل عام 1278ه/1861م. الذي أظهر الخوارق والتف حوله العامة، وافتتنوا به. فوجه إليه السلطان أخاه المولى الرشيد لمقابلته ففر إلى زرهون حيث قتله أحد الأشراف الأدارسة داخل قبة المولى إدريس واحتز رأسه ويده، ووجههما إلى المولى محمد بن عبد الله الرحمن فعلقهما بجامع الفنا وسيق أنصاره إلى السلطان.
- بوشوشة الجزائري أو المهدي المنتظر ظهر في صيف 1285ه/1869م ولجأ إلى (تيديكلت) حيث جمع حوله كثيرا من اللاجئين الجزائريين الذي فروا من الحكم الفرنسي إلى الصحراء ومعظمهم من (ورغلة) وقد قام معهم عام 1286ه/1870م بالغارة على القليعة ومتليلي ثم عاد إلى تيديكلت عندما هزمه الفرنسيون في الأغواط.
شغلت القضية المهدوية حيزا كبيرا من اهتمام الباحثين ودفعتهم نحو البحث والتنقيب في زواياها المختلفة، بهدف الوصول إلى رؤية واضحة في تشخيص ملامح تلك القضية الغيبية. ومن هنا كان رصدنا لصدى «المهدي» هو عدد الرسائل الجامعية التي تتعلق موضوعاتها وبحثها في القضية المهدوية وما قدمته من نتائج في إثبات تلك القضية أو نفيها، وكذا مختلف تجاذباتها بين كل من الفكر الإسلامي السني من جهة، وكذا الفكر الإسلامي الشيعي من جهة أخرى.
ظاهرة مشتركة بين الأديان
«عقيدة انتظار المهدي عليه السلام في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر» هو عنوان لرسالة ماجستير قدمت إلى مجلس كلية العلوم السياسية/ جامعة بغداد لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية/ الفكر السياسي، حيث اهتمت الدراسة ببحث عقيدة دينية كبرى في الفكر السياسي الإسلامي، تميزت بفعاليتها وحركتها في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر، وخاصةً في الفكر السياسي الأثني عشري.
إذ اعتقد المسلمون منذ فجر الرسالة الإسلامية وإلى يومنا هذا بصحة ما جاء عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من ظهور رجل من أهل بيته عليهم السلام في آخر الزمان يلقب بالمهدي عليه السلام يملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، وقد ورد خبره في أحاديث جمة، ذكرها الأئمة من أهل البيت، وأئمة وعلماء أهل السنة بلغت حد التواتر، والتي أودعوها في كتبهم ومصنفاتهم، ومما يجب الإشارة إليه أن جميع المسلمين، متفقون على خروج المهدي عليه السلام في آخر الزمان، وأنه من ولد علي وفاطمة عليهما السلام، وأن اسمه على اسم النبي، وكنيته والاعتقاد به يعد شرعا من ضروريات الإسلام، والاختلاف يكمن في أنه ولد وهو باق حتى يخرج، كما هو عليه عند الشيعة الاثني عشرية أو أنه سيولد عند خروجه كما هو عند أهل السنة.
يذكر أيضا، أن عقيدة انتظار المهدي ليست حكراً على الديانة الإسلامية وإنما احتوتها الديانات السماوية الأخرى(اليهودية والمسيحية) لكن بلفظ المنقذ أو المخلص، والفكر الوضعي البشري حافل هو الآخر بتصور إمكانية أو خروج منقذ أو مخلص يقود العالم إلى حيث الرخاء والعدل والطمأنينة.
استندت الرسالة على فرضية، وهي أن عقيدة انتظار مخلص أو منقذ عالمي احتلت حيزاً واسعاً لدى الديانات السماوية وغير السماوية، وتركزت هذه العقيدة بشكل خاص في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر من خلال عقيدة انتظار «الإمام المهدي»، ضمن إطار وتصورات ورؤى فكرية متميزة عن غيرها. واعتمد البحث على منهجية علمية تمثلت في استخدام عدة مناهج لغرض التكامل المنهجي.
«المهدي» عند أهل السنة
ذكرت الأحاديث النبوية المتواتر صفات المهدي، الذي يطابق اسم النبى صلى الله عليه وسلم واسم أبيه يطابق اسم أب النبى صلى الله عليه وسلم، قد يكون أحمد أو محمد بن عبد الله. تحدث ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمَهْدِيُّ يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي» وَسَمِعْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ لَا يَذْكُرُ اسْمَ أَبِيهِ.
يتفق أهل السنة على كونه من أهل بيت النبي، من ولد فاطمة الزهراء من نسل الحسن أو الحسين. وعن صفاته الجسمية ورد أنه «أجلى الجبهة أي منحسر شعر الجبهة، أقنى الأنف أي طوله مع انحداب في وسطه ودقة أرنبته. يصلحه الله في ليلة، تملأ الأرض قبل خلافته ظلما وجورا، فيملؤها بعد خلافته قسطا وعدلا، وذلك في آخر الزمان. يملك سبع سنين، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، وتكثر الماشية، وتعظم الأمة، وتنعم في عهده نعمة لم تنعمها قط، يعطي المال صحاحا، ويحثيه حثيا، لا يعده عدا. يكون أول ظهور له في البيت الحرام بعد موت خليفة واقتتال ثلاثة من أبناء الخلفاء على كنز الكعبة فلا يصير إلى أحد منهم ثم تخرج رايات سود من قبل المشرق من جهة خراسان ينصرونه يقتلونكم قتلا لم يقتله قوم قط ثم عند ذلك يبايع بين الركن والمقام. ينزل عيسى ابن مريم فيصلي وراءه؛ مما يستلزم أن يكون المهدي معاصرا خروج الدجال، لأن عيسى ينزل من السماء لقتله».
أهل السنة لا يتعبدون بانتظاره
لم يرد في أيِّ نص من النصوص حسب معتقد أهل السنة، أن المسلمين متعبدين بانتظاره، ولا يتوقف على خروجه أية شرعية يقال إنها غائبة حتى يأتي الإمام المهدي، فلا صلاة الجمعة، ولا الجماعة، ولا الجهاد، ولا تطبيق الحدود، ولا الأحكام، ولا شيء من ذلك مرهون بوجوده. بل المسلمون السنيون يعيشون حياتهم، ويمارسون عباداتهم، وأعمالهم، ويجاهدون، ويصلحون، ويتعلمون، ويُعلِّمون، فإذا وُجد هذا الإنسان الصالح، وظهرت أدلته القطعية - التي لا لَبْس فيها - اتّبعوه. وعلى هذا التصور الشرعي لفكرة المهدوية، كان تقليد الصحابة والتابعين لهم، وتتابع على هذا أئمة العلم على تعاقب العصور.
«المهدي» عند الشيعة الاثنى عشرية
إذا كان لكل (مهدي) قصة.. تبقى قصة «الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري» مختلفة عن جميع الأئمة المهديين أو أدعياء المهدوية عبر التاريخ، وتحمل أبعادا كثيرة ومحددة . فالإمام «الحجة بن الحسن» ليس مجرد أمل عند الشيعة، وإنما هو «إمام حي موجود ولد في منتصف القرن الثالث الهجري ومازال يعيش اليوم وسوف يظهر في المستقبل». وبالتالي فقد ترتبت وتترتب على هذه العقيدة أمور كثيرة فكرية وسياسية.
فقد ولدت على أثر الإيمان بوجود الإمام «محمد بن الحسن العسكري» الفرقة الاثني عشرية، بعد أن كاد المذهب الشيعي الإمامي يصل إلى طريق مسدود، وذلك بوفاة الإمام العسكري دون الإشارة إلى وجود ولد له، ودون الإشارة إلى مصير الإمامة من بعده. ورغم وجود تيارات شيعية أخرى تعتقد بسلسلة أخرى من الأئمة العلويين، أو تؤمن بنظام وراثي مرن يجيز الانتقال إلى الإخوة وأبناء العم، إلا أن تيارا شيعيا مهما كان يعتقد بضرورة انتقال الإمامة إلى الورثة بصورة عمودية، أي في الأعقاب وأعقاب الأعقاب.
ولما كان الشيعة الإمامية يعتقدون بضرورة اتصاف الإمام بالعصمة والنص عليه من الله، وأنهم آمنوا بوجود ذلك الإمام المعصوم المعين من قبل الله، والمقصود به عندهم هو «الإمام محمد بن الحسن العسكري» فقد تحتم عليهم انتظار ذلك الإمام، وعدم الخوض في أي نشاط سياسي ثوري أو حكومي إلا تحت قيادة ذلك الإمام المنتظر. وعندما طالت غيبة ذلك الإمام، وامتد انتظار الشيعة الاثني عشرية له، فقد دخل الشيعة في غيبة سياسية، وانسحبوا من مسرح التاريخ قرونا طويلة من الزمن. ورغم التطورات التي حدثت في فكرهم السياسي، فمازال قسم منهم يمتنع عن الخوض في السياسة انتظارا لظهور الإمام المعصوم الغائب.
أمام هذا الوضع المعقد، ومنذ أيام ما يسمى ب«الغيبة الأولى»، ظهرت في صفوف الشيعة دعوات أو ادعاءات بالنيابة الخاصة والعامة، عن الإمام المهدي الغائب، واللقاء به وأخذ التوجيهات والتعليمات والعلوم الشرعية عنه. وقد اشتهر حوالي أربعة وعشرين نائبا أو مدعيا للنيابة الخاصة عن الإمام المهدي في فترة ما يسمى بالغيبة الصغرى، التي امتدت حوالي سبعين عاما من وفاة الإمام العسكري، وادعى بعض العلماء كالشيخ المفيد، في القرن الخامس الهجري، استلام رسائل خاصة من الإمام المهدي، ثم ظهرت نظرية النيابة العامة للفقهاء، أي كون كل فقيه نائبا عن الإمام المهدي حتى إذا لم يسمه أو يعينه بالخصوص.
وفي ظل هذه الأجواء ظهرت المرجعية الدينية الشيعية التي اكتسبت هالة قدسية، سواء بواسطة النيابة الخاصة أو العامة، وأصبح المرجع الديني يحتل في صفوف الشيعة، موقعا متميزا لا يضاهيه إلا إمام معصوم.
ورغم حدوث تطور كبير في الفكر السياسي الشيعي في العقود الأخيرة، وميل كثير من الفقهاء والسياسيين إلى إنهاء موقف الانتظار السلبي الممتد للإمام المهدي الغائب، واتخاذهم قرارا بالثورة أو إقامة الدولة في (عصر الغيبة) إلا أن إيمانهم بوجود الإمام المهدي «محمد بن الحسن العسكري» وأنه مصدر الشرعية لسياسة أمور الدنيا والآخرة، دفعهم لإضفاء مسحة دينية على نشاطاتهم السياسية، والاستغناء عن اكتساب أية شرعية شعبية أو ديمقراطية، وبالتالي إعطاء أنفسهم صلاحيات مطلقة شاملة، وهو ما هدد التجارب السياسية الحديثة.
عصمة المهدي
يرفض المسلمون السنة الاعتقاد بعصمة المهدي المنتظر، إذ يعتبره علماء أهل السنة أمرا غير متصور، لأنهم يعتبرونه إنسانا عاديا يأتي الذنوب والمعاصي، كأي إنسان آخر، فإذا اختاره الله تعالى للخلافة تاب عليه وأنقذه من الضلال والمعاصي في ليلة واحدة...
وأهل السنة لا يرون عصمة الإمام المهدي، ولا يقولون إنه منصوص عليه بالتعيين، ولا يعتقدون أنه يتلقّى أوامره من السماء، بمَلَك يسدده أو بغيره، بل يرون أنه لا يختلف في ذلك عن غيره من الخلفاء السابقين له، إلا أن الله يوفقه، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً..
يقول الدكتور عبد العليم البستوي في كتابه «المهدي المنتظر» : «إذن فليس المهدي عجيبة من عجائب الدهر، وأي غرابة...»
بالمقابل، يرفض الشيعة الإماميون هذا الاعتقاد في عدم عصمة المهدي، ويحتفظ علماؤهم بأدلة كثيرة، في تقرير وجوب العصمة للأنبياء وأوصيائهم، بعد أن نزهوهم عن كبائر الذنوب وصغائر السيئات، بل وحتى من الخطأ والنسيان، وكل ما يخالف المروءة ومنه قولهم: «لو جاز أن يفعل النبي عليه السلام وخليفته الشرعي المعصية، أو جاز صدور الخطأ والنسيان منه، فنحن بين أمرين:
الأول: أن نقول بجواز ارتكاب المعاصي، بل بوجوبها بما أوجب الله علينا الاقتداء به، وهذا باطل بأدلة الدين والعقل.
الثاني: أن نقول بعدم وجوب اتباعه، فذلك ينافي مهمة النبوة والخلافة التي يجب أن تطاع ليطبق حكم الله في الأرض ويعرف الهدى من الضلال والمؤمن من الفاسق».
مبارك بن الحسين التوزونِيني الذي قاوم الفرنسيين ونودي سلطانا بتافيلالت
اشتهر محليا باسم سيدي امحمد، ازداد سنة 1883م، ثائر مغربي، من أصل يهودي بحسب جورج سبيلمان، قاد حركة المقاومة ضد المستعمر الفرنسي. استقطبت دعوته معظم القوى القبلية، كآيت عطا وإيملوان في المنطقة المحيطة بواحة تافيلالت، خصوصا بعد الانتصار الحاسم في معركة البطحاء في صيف سنة 1918م، وما نتج عنه من فوائد مادية ومعنوية جعلت أبناء القبائل و»القصور» المجاورة ينضمون لجيش مبارك بن الحسين.
قام التوزونيني ووزيره بلقاسم النكادي بالتنكيل بالشرفاء العلويين وأجهزوا على كل مقرب من المخزن، ثم تسلطوا على أموال الأغنياء. وبعد تصفية الحساب مع نظام الواحة الاجتماعي القائم وفرض الواقع الجديد، استقر التوزونيني بالريصاني وتمت مبايعته سلطان جهاد.
يروي المختار السوسي في «المعسول» أن جده الملقب ب»بداح» هو الذي أسلم وكان يهوديا، وعاشت الأسرة في قرية توزونين بأقا (جماعة قروية تابعة حاليا للنفوذ الترابي لإقليم طاطا) بقبيلة آيت أمريبط في المغرب، وبها ولد مبارك ونشأ في زمرة الفقراء. تأثر مبارك التوزونيني بالطريقة الناصرية والدرقاوية كما هو حال بلقاسم النكادي، الذي سيلتحق به لاحقا. وكان ذلك من الأسباب التي فرضت عليه هجرة قريته صوب ناحية تافراوت. فاستقر بقرية أومسنات بأملن مطلع القرن العشرين، حيث كان يشتغل لتأمين قوته اليومي ويبحث عن مأوى لأسرته، وانظم في تلك القرية الجبلية إلى طائفة من مريدي الزاوية، وتقرب من كبار شيوخها، الذين لقنوه بعض الأذكار والآيات. ولاحظ هؤلاء المشايخ طموحاته وهوسه بالسلطة واعتلاء العرش، لدرجة ادعائه أنه شريف النسب، فنصحوه بأنه لن يستقيم له ما يريد في بلاد السوس، وعليه البحث في قبائل أخرى. وعند ظهور دعوة أحمد الهيبة سلطاناً في مراكش التحق به، وعند هزيمته أمام الفرنسيين، انصرف عنه مبارك يتنقل بين سكتانة وإليغ ومكناسة، وغاص في بلاد سوس وتزوج من آيت عطا بالقرب من تافيلالت، واستقر بمنطقة الرك والتف حوله إيملوان تازارين وآيت إيعزا. وبدأ التوزونيني يدعو الناس للجهاد منذ 1912م، ويحرض الفئات الاجتماعية الهامشية على النخبة.
ويذكر محمد المختار السوسي أن التوزونيني اشترى فرسا وربطه بقبة على نية الجهاد، واعتبر التوزونيني أن من علامات الإذن بالجهاد أن يصبح الفرس ذات يوم مسرجا وملجما. وكانت قد استقرت حامية فرنسية في قصبة تيغْمَرْتْ جنوبي واحة تافيلالت سنة 1917 تحت قيادة القبطان أوستري، الذي نشر الرعب والإرهاب في نفوس الناس، والذي وصفته روايات محلية ب «الكافر الجبار الطاغية الغدار زعيم أهل الشرك والكفر»، فأرسل التوزونيني أحد العطاويين لقتله غيلة. وبعد قتل الحاكم الفرنسي أسرج الفرس، مما يدل على أن الأمر قد قضي وأن الإذن بالجهاد قد حصل. فكانت الأجواء مهيئة لتقبل دعوة مبارك التوزونيني للجهاد في صفوف السكان. فاستنفر القبائل وانتصر على الجيش الفرنسي في معركة البطحاء في 15 أكتوبر 1918 م. وحاصرهم النكادي في مركز تيغمرت وتم الظفر لمبارك. فاستولى على تافيلالت أيام عيد الأضحى، واحتل قصبة منسوبة للمولى سليمان، وبايعه الناس كسلطان، وخطب باسمه أئمة المساجد، ووصلت سيطرته حتى أرفود. فنظم جيشاً مرابطاً رأس عليه « محمد بن بلقاسم النكادي « وعينه وزيراً للحربية فكانت بينه وبين الجيش الفرنسي وقائع حامية وتكاثر الناس عليه بالهدايا والطاعة، واشتد هو على من اتهمهم بموالاة الاحتلال والسلطة الفرنسية، فقتل عدداً من القضاة والعلماء وقياد المخزن خصوصا الأشراف العلويين الذين صادر أموالهم باعتبارهم الفئة الاجتماعية ذات النفوذ السياسي والاجتماعي بالواحة. فتم التعويل على فئة اجتماعية تحتل آنذاك أسفل السُّلم الاجتماعي، خصوصا الحراطين، فوجدت حركة التوزونيني نفسها في أسوأ واقع يمكن تصوره: مواجهة الشرفاء واستعداء أرباب الزوايا والأغنياء. وقاد الباشا التهامي الكلاوي، وابن أخيه القائد حمو الكلاوي حملة ببلاد تودغة، ضد أتباع التوزونيني، الذين بدؤوا يهددون تلك المنطقة.
عارض النكادي فتك قائده التوزونيني بالأشراف، فزاد التقاطب والتنافس بين التوزونيني ووزيره، وفي استعراض للجيش بمحضر السلطان التوزونيني وكان ذلك يوم السبت 23 أكتوبر 1919 في قرية أولاد الإمام بين الريصاني وأرفود، قام التوزونيني بإذلال وزيره النكادي أمام الملأ، فأخرج النكادي بندقيته وأرداه قتيلا جهاراً أمام الجيش. ونودي زعيما جديدا.
أبو عزة الهبري الذي أسره المولى الحسن الأول
أبو عزة الهبري من «هبرة» بطن من «سيود» وهم عرب بني مالك بن زعبة الهلاليين، كان يخط الرمل فتبعه خلق كثير من منطقة وجدة عام 1291ه، حيث تروي المصادر التاريخية ادعاؤه معرفة الغيب والتحدث إلى الموتى..
أغار على محلة السلطان الحسن الأول بآيت شغروسن ومعه سعيد بن أحمد الشغروسني. فصوبت «المحلة» مدافعها نحو المغير فاعتقل عدد منهم وفر الهبري إلى الصحراء حيث قبض عليه أهل قبيلة بني كلال على مسافة أربعة أيام من تازة وساقوه إلى السلطان فسجنه بفاس.
بمجرد جلوس الحسن الأول على العرش، قام بوعزة الهبري بوجدة يدعو للجهاد من أجل طرد المستعمر من حدود المملكة ومن الجزائر أيضا، ولما لم ينجح في مسعاه مع قبائل المنطقة، اتجه صوب أحواز تازة حيث بايعته غياثة وفي صيف 1874 اتجه السلطان الحسن إلى المنطقة الشرقية المضطربة لإقرار الهدوء وإخضاع القبائل، فألحق الهزيمة بالهبري الذي التجأ عند أيت سغروشن، ثم أعاد السلطان قبائل المنطقة إلى طاعة المخزن باستثناء غياثة، التي فرض عليها مغارم ثقيلة جراء ما نعت بطغيانها واعتداءاتها، اضطرت إلى أدائها في الأخير، أما بوعزة المذكور فقد وقع بين يدي بني كولال الذين سلموه للسلطان فشهر به على طول البلاد وعرضها ثم أودعه السجن... ( فوانو» تازة وغياثة «).
بن الفرس المحدث الأندلسي الذي ادعى أنه «القحطاني»
كان عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الفرس من طبقة العلماء بالأندلس ويعرف بالمهر، وحضر مجلس المنصور في بعض الأيام، وتكلم بما خشي عاقبته. وخرج من المجلس فاختفى مدة. ثم ظهر بعد مهلك المنصور في بلاد جزولة وانتحل الإمامة وادعى أنه القحطاني المراد في قوله صلى الله عليه وسلم : «لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يقود الناس بعصاه يملأ الأرض عدلا، كما ملئت جورا...»، وكان مما ينسب إليه من الشعر «قولوا لأبناء عبد المؤمن بن علي تأهبوا لوقوع الحادث الجلل قد جاء سيد قحطان وعالمها ومنتهى القول والغلاب للدول والناس طوعا عصاه وهو سائقهم بالأمر والنهي بحر العلم والعمل،
وبادروا أمره فالله ناصره والله خاذل أهل الزيغ والميل»، فبعث الناصر إليه الجيوش فهزموه وقتل وسيق رأسه إلى مراكش فنصب بها دهرا من الزمن.
ولد ابن الفرس بالأندلس سنة 525ه، وقد عاصر أواخر أيام دولة المرابطين التي وحدت مناطق المغرب الأقصى والأندلس، إلى أن دب فيها الضعف على إثر قيام محمد بن تومرت مهدي الموحدين بدعوته، لقيام دولتهم في إفريقيا والأندلس – لارتباط الأندلس بإفريقيا منذ قيام دولة المرابطين – وكذلك للهزائم المتوالية التي لحقت بالمرابطين على أيدي خصومهم الجدد. هذه الحروب التي هزت أركان حكم المرابطين وأدت إلى نهايته، واقتضت الحوادث الإفريقية إلى سحب معظم القوات المرابطة الموجودة في الأندلس، ما أدى إلى اضطرام الأندلس في الحال بالثورة من أقصاها إلى أقصاها ضد المرابطين، نتيجة سوء الأحوال بالأندلس لانشغال المرابطين بانتفاضات المغرب الأقصى.
كان من المحدثين الذين كانوا يحضرون مجالس المنصور الموحدي ابن الفرس عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم الخزجري المتوفي 597ه وقد أجازه ابن طاهر المحدث وابن العربي المعافري وعياض والمازري وعلي بن الحسن الطبري وابن القطان وابن قطرال واشترك بالرواية في السماع مع أعلام بقايا المائة السادسة في الشرق والغرب، وقد ألف في (أحكام القرآن) كتابا يعتبر أجل ما صنف في بابه...
وكانت حال الأندلس تسوء من يوم إلى يوم وتزداد اضطراباً وفوضى، فكانت الجماعات المناوئة للمرابطين تتكاثر، وبينما كانت الأندلس تموج بالفتن والحروب الأهلية، كانت دولة المرابطين في إفريقيا تسير إلى الانهيار أمام ضربات الموحدين وتقدمهم.
ورث الموحدون دولة المرابطين في المغرب والأندلس، ووصلت دولتهم مستوى عالياً من القوة، وكان الموحدون يرون أنهم أحق بالخلافة من غيرهم، ولما اضطرب أمر المرابطين في الأندلس أقبلت الوفود الأندلسية المتعددة إلى المغرب تدعو أمير الموحدين عبد المؤمن إلى الأندلس وتستنصره للجهاد فيه، لأن الإسبان في هذه الفترة استغلوا ما حل بدولة المرابطين وقاموا بالهجوم على بعض المدن الأندلسية، وممن وفد على عبد المؤمن – وهو بمراكش – القاضي أبو بكر ابن العربي على رأس وفد كبير من علماء الأندلس وأعيانه، ومعهم مكتوب، يتضمن بيعة أهل البلاد لعبد المؤمن، ودخولهم في زمرة أصحابه الموحدين وإقامتهم لأمره، فقبل عبد المؤمن ذلك منهم، وشكرهم عليه وكان أول جيش أرسله الموحدون إلى الأندلس سنة (541ه)، لإزالة ما بقي فيها للمرابطين من سلطان، ولما استقر الأمر لهم فيها، أولى عبد المؤمن اهتماماً أكثر بالأندلس، وعزم على العبور إليها ليشارك بنفسه في ترتيب أمورها.
صالح بن طريف بن شمعون البرغواطي الذي ادعى النبوة وحارب المرابطين
شرعوا تعاليم دينية غريبة وانتحلوا صفة الأمراء
اجتمعت برغواطة في حربها على المرابطين على شخص يهودي الأصل ادعى النبوة، وهو صالح بن طريف بن شمعون البرباطي نسبة إلى الموطن الذي نشأ فيه وهو برباط بالقرب من شريش جنوب الأندلس. وسمي من اتبع هذا الدين بربطي نسبة إلى بربط. فعربت العرب هذا الاسم وقالوا برغواط وبرغواطي، وعبروا عنها بصيغة الجمع فصارت برغواطة.
يحسم ابن خلدون الخلاف حول سيرة هؤلاء القوم، مؤكدا أن برغواطة من المصامدة، وهم الجيل الأول منها وكان لهم في صدر الإسلام التقدم والكثرة، وكانت مواطنهم في بسائط تامسنا وريف البحر المحيط من سلا. أزمور..وآسفي..وكبيرهم في المائة الثانية طريف ابن صالح.. (ابن خلدون، المقدمة). ويبقى رأي بن خلدون أقرب إلى المنطق والصواب. حيث يؤكد الدكتور إبراهيم حركات بدوره في إصداره «المغرب عبر التاريخ»، على أنه من الأرجح تأكيد رأي بن خلدون لكون بعض المؤثرات والشواهد الثقافية البرغواطية مازالت قائمة إلى يومنا هذا، في بعض مناطق المصامدة الجنوبية مثل كراهية أكل البيض وتحريم ذبح الديك ووجود بعض الضالعين في العرافة والسحر والتمائم والرقي في العلاج وطرد الجن.
كل المعلومات التاريخية عن الجانب العقائدي لهذه الإمارة يستمدها الباحثون والمؤرخون من البكري (البكري، أبو عبيد الله عبد الله بن عبد العزيز، المغرب في ذكر بلاد أفريقية والمغرب)، بالدرجة الأولى ومن ابن حوقل (المسالك والممالك) بالدرجة الثانية ..حيث اتفقت هذه المصادر، على كون صالح بن طريف هذا، ادعى النبوة كنبي للبرغواطيين ، وأنه ادعى أنه تلقى من السماء قرآنا باللغة الأمازيغية، وأن الله تعالى يوحى إليه في كل خطبه وأقواله.
يقول البكري أن البرغواطيين « يقدمون مع الإقرار بالنبيين الإقرار بنبوة صالح بن طريف وبنيه ومن تولى الأمر بعده من ولده إمارة الأنبياء، وأن الكلام الذي ألف لهم وحي من الله تعالى لا يشكون فيه..تعالى عن ذلك..»
يتألف القرآن الذي ألف لهم من ثمانين سورة.كانوا يتلونه في مساجدهم. وكانت أكثر السور منسوبة إلى أسماء الأنبياء من قبيل آدم –عليه السلام- أولها سورة أيوب وآخرها سورة يونس. وفيها: سورة فرعون-قارون-هامان – ياجوج-ماجوج- الدجال—العجل-هاروث-ماروت-طالوت-نمرود-الديك- الجمل- الجراد- الجمل- الحنش- غرائب الدنيا – وهناك العلم العظيم ....
وأضاف بن خلدون لما تقدم من السور. أسماء أخرى: مثل نوح وإبليس، ويقول عن سورة غرائب الدنيا أنه أي صالح بن طريف حرم فيها وحلل وشرع وقص ...؟ وكانو يقرؤونه في صلواتهم ...(ابن خلدون، المقدمة)
ومن الشرائع التعبدية التي شرعها ابن طريف لقومه كان هناك:
*عشر صلوات في اليوم 5 نهارا و5 ليلا.
*بعض صلاتهم قائمة لا سجود فيها.
*أمر في بداية الصلاة بوضع اليد على الأخرى وقول المصلي «ابتستمن ياكش» معناها باسم الله.
*يقرؤون نصف قرآنهم في الوقوف والنصف في الركوع.
*يصلون صلاة الجمعة يوم الخميس وقت الضحى.
*شرع لهم في الوضوء غسل السرة والخاصرتين والرجل حتى الركبتين ومسح القفا فقط.
*شرع لهم ألا يغتسلوا من جنابة إلا من حرام.
* حرم عليهم الآذان، الذي كان قائما على الديك
وفيما يتعلق بالتعاليم الأخرى المتعلقة بنظام الزيجات :
-أباح لهم الزواج من النساء دون حدود.
- حلل لهم الطلاق والعودة إلى المطلقة متى شاؤوا.
- حرم عليهم الزواج أو المصاهرة مع المسلمين ...
أما عن المأكل والمشرب فقد:
- حرم أكل رأس كل حيوان. وذبح الديك لأنه يعرفهم أوقات الصلاة .
- حرم أكل البيض والدجاج.
وفيما يخص رواية ابن حوقل نجد أن صالح بن طريف هذا، كان رجلا دخل العراق ودرس شيئا من النجوم وصلت منزلته في علمها إلى عمل التقاويم الفلكية والمواليد وأصاب في أكثر أحكامه...ثم عاد إلى قومه فدعاهم إلى الإيمان به ...وذكر أنه نبي ورسول مبعوث إليهم بلغتهم. واحتج بقوله تعالى من سورة إبراهيم « وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ...» وأن محمدا صلى الله عليه وسلم نبي حق عربي اللسان مبعوث إلى قومه وإلى العرب خاصة... وأنه صادق فيما أتى به من القرآن.. كما زعم ورود ذكره في القرآن حينما زعم بأن الله قصده بقوله «صالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيرا».
وعدهم بيوم كسوف فوجدوه وأنذرهم أشياء كثيرة فأدركوها=.. وأصابوه على حكايته..... فأفسد عقولهم وبدل معارفهم. وفرض عليهم طاعة في سنة ابتدعها وأحوال فرضها واخترعها=... وأوجب عليهم صوم شعبان وإفطار شهر رمضان ...وعين لهم كلاما رتله بلغتهم وشرع فيه ما وافق نحلتهم، وكانوا يتدارسونه ويعظمونه.. ويصلون به.
الجيلالي الزرهوني الروكي الذي ادعى العثور على سيف المهدي المنتظر
استغل وفاة الحسن الأول وتاريخ السيبة بالمنطقة
دخل فاس بدون مقاومة، وفي مسجد المدينة الكبير، خطب في الناس حول المهدي (مول الساعة)، ليدعي للناس العثور على سيفه في أحد أعمدة المسجد المرمرية وبواسطة هذا السيف، ادعى نفسه مبعوث الإسلام لفتح الأرض برمتها. لقد أراد ولد يوسف الزرهوني تقمص دور المبشر بالمهدي المنتظر. كان أساس دعوته أنه هو الأمير مولاي محمد الابن الأكبر للسلطان مولاي الحسن وأخ السلطان مولاي عبد العزيز، واستدل على ذالك بوثائق رسمية تثبت نسبه، بالإضافة إلى الختم الخاص بالأمير محمد (محمد بن الحسن الله وليه) وهو ما جعل الجميع يثق به وتم الدعاء له في منبر المسجد الأعظم لتازة في 21 نوفمبر 1902 كسلطان رسمي.. ومما زاد أمره استفحالا، كان عدم قدرة الدولة على نفي الأمر، كون الأمير الحقيقي كان مسجونا لدى أخيه سرا..
بفضل إتقانه للشعوذة والإيحاء، انتشر تأثير بوحمارة بسرعة في أحواز تازة، ولما أعلن نفسه مبشرا بقدوم المهدي، انضمت إليه غياثة والقبائل الأخرى. وانتقى المطالب بالعرش كنية «بوحمارة»، بهدف الحفاظ على السرية والألغاز المحيطة بشخصه وهويته. وبسبب الشبه، اعتقد العديد من المغاربة بأن الرجل ليس سوى مولاي محمد، الأخ الأكبر للسلطان الذي نحّته والدة المولى عبد العزيز عن العرش بعد موت مولاي الحسن، وذلك عبر كتمان سر الوفاة طيلة يومين. وكان مولاي مْحمد قد انتفض ضد هذا القرار، لكنه هزِم وسجن في زنزانة بمكناس من طرف أخيه الصغير.
تختلف المصادر التاريخية عن حقيقة هذا الرجل الذي ظل مجهولا في تاريخ المغربي إلى حدود سنة 1901، وهو تاريخ انطلاق حركته..اسمه الحقيقي عمر بن إدريس الجيلالي بن إدريس محمد اليوسفي الزرهوني. ولقبه (الروكي) وكذالك(بوحمارة) وهو لقب أطلق عليه لتحقيره من طرف المؤرخين الرسميين، ولد سنة 1860، وعمل كمهندس طوبوغرافي في الجيش المغربي، ثم كان كاتبا شخصيا في ديوان مولاي عمر شقيق السلطان، قبل أن يطرد بسبب عدم انضباطه وتزويره وثائق رسمية، فتم سجنه سنتين ثم غادر السجن واشتغل في ديوان أحد القياد المحليين.
غادر إلى الجزائر التي كانت محتلة من قبل الفرنسيين، وهناك احتمال كبير أن يكون قد التقى هناك بقيادات الاحتلال الفرنسي، الذي كان يطمع في ضم المغرب إلى خريطة مستعمرات فرنسا بشمال أفريقيا.
بعد عودته مباشرة بدأ دعوته وتنقل بين مناطق أحواز العاصمة (فاس) و( تازة ) التي أصبحت عاصمته فيما بعد، وكذا بين الشرق والريف، وهناك لقي مقاومة شرسة من القبائل المحلية بقيادة محند أمزيان.
أرسل السلطان في البداية قوات خاصة من أجل إحضاره، مكونة من عشرين جنديا وضابطا كبيرا، بعد أن استطاع أن يجمع حوله 14 قبيلة. لكنهم فشلوا في ذلك.
وهنا بدأ السلطان مولاي عبد العزيز يستدرك خطورة الأمر فجهز في السنة نفسها (1902) «حركة» قوامها 15000 جندي، بقيادة خاله مولاي عبد السلام الأمراني وأخيه مولاي عبد الكبير، ولكنهم انهزموا هزيمة كبيرة ...
أمام هذه التطورات لم يكن أمام السلطان إلا تكليف وزير الحرب (وزير الدفاع) المهدي المنبهي بالقضاء على «الروكي».. حيث قاد الوزير المنبهي حملة عسكرية جديدة ضد الروكي ورجاله في 29 يناير 1903 في منطقة بين العاصمة فاس ومدينة مكناس وانتهت بإخفاق جديد للقوات المغربية. ..
كانت سنة 1909 آخر معركة بين قوات الروكي والجيش المركزي .. اندحرت فيها قوات الروكي ولجأ هذا الأخير هو و 400 من جنوده ومساعديه إلى (الزاوية الدرقاوية) ..وطلبوا الأمان من السلطان المغربي، معتمدين على قدسية المكان لدى المغاربة ..إلا أن القوات المغربية قامت بقصف الزاوية بالمدفعية الثقيلة مما أدى إلى استسلام الروكي وقواته ..
تم نقله إلى العاصمة ومن أصل 400 لم يصل إلا 160 شخصا بسبب التعذيب وسوء المعاملة أثناء الطريق..وفي يوم 2 شتنبر سنة 1909 تم إعدام جميع معاوني الجيلالي الزرهوني الملقب بالروكي، وتم سلخ جثثهم وتعليقها على أبواب مدينة فاس.. أما الروكي فقد اختاروا له أن يموت بطريقة مختلفة حين وضعوه في قفص كبير في مواجهة مع أسد أطلسي ضخم .. ومن القصص التي يحكيها الناس أن الروكي كان ملما بالسحر، فحينما جاء الأسد بدأ يتمتم بكلمات غير مفهومة فتوقف الأسد في مكانه ولم يتحرك مدة من الزمن، قبل أن ينقض عليه ويقتله وكانت هذه نهايته غير السعيدة، بعدما ساهم بفعالية في إضعاف سلطة المخزن وتمكين القوات الاستعمارية مبكرا من موطئ قدم على الأراضي المغربية.
محمد شقير: جاذبية فكرة «المهدي المنتظر» تبناها أدعياء انتموا لمختلف المذاهب الدينية
- كيف تفسر العدد الكبير من مدعي المهدوية في التاريخ السياسي للمغرب؟
يبقى أهم تفسير للظاهرة هو أن معظم أدعياء المهدية ظهروا بجنوب المغرب، الذي كان يعد معقلا لحركة الدولة الفاطمية ذات التوجه الشيعي، الذين اجتازوا من بعد إلى تونس قبل أن يؤسسوا عاصمة لدولتهم بالقاهرة. وبالتالي كان هناك تركز للمد الشيعي بجنوب المغرب، فإذا لاحظنا خريطة انتشار أدعياء المهدوية فإننا نجدها مركزة في منطقة الجنوب بصورة جلية، بدءا بدعوة ابن تومرت الموحدي وأبي محلى. ومبارك بلحسين الذي ظهر في مطلع القرن العشرين، الذين ظهروا كلهم بمنطقة الجنوب المغربي.
يمكن القول كذلك، بأن فكرة ظهور المهدي كانت رائجة بقوة في تلك المناطق نظرا لتجدر ظاهرة التشيع بالجنوب. إضافة إلى كون أغلب الحركات الدينية والسياسية التي استطاعت تأسيس دول بالمغرب انطلقت كلها من الجنوب مثل المرابطين والموحدين وحتى العلويين، كذلك الحركات المناوئة التي اصطدمت مع تلك الدول كانت بدورها تتحدر من المنطقة نفسها. إذن، أقول بأن الظاهرة تجاذبتها عوامل سياسية وأخرى دينية ساهمت بانتشارها بكثافة في تاريخ المغرب.
- كان مصير جل الدعوات المهدوية هو الفشل باستثناء دعوة ابن تومرت، لماذا كتب لها النجاح دون غيرها ؟
لنجاح أي مشروع سياسي بالمغرب كان لزاما عليه أن يتوفر على شرطين، وهما: أولا شرط التوفر على دعوة دينية فعالة ومنسجمة قادرة على استقطاب العامة، وثانيا الاعتماد على عصبية قبلية قوية، فنجاح المهدي ابن تومرت كان نتيجة لتوفره على دعوة فعالة، وتوفر أيضا على عصبية قوية كانت قاعدتها هي قبائل مصمودة المعروفة تاريخيا بمنافستها لصنهاجة التي تأسست عليها الدولة المرابطية.
ينضاف كذلك شرط التوفر على قائد عسكري جيد مثل حالة عبد المؤمن بن علي الكومي الذي قاد حروب الدولة الموحدية التأسيسية، الذي لعب دورا مركزيا في نجاح الحركة المهدوية لابن تومرت، والدليل على هذا هو استفسار ابن تومرت ساعي الأخبار الذي نقل له نبأ الهزيمة في إحدى المعارك، قائلا: هل مازال عبد المؤمن الكومي حيا؟ ولما رد عليه الساعي بالإيجاب. قال له المهدي ابن تومرت: إن دعوتنا سيكتب لها النجاح وحركتنا سوف تنتصر...فهذا يبين إلى أي حد كان التوفر على قائد عسكري عملي عاملا محددا في الانتصار السياسي للحركات المهدوية.
- تحدث لي عن مركزية فكرة المهدي في المذهب الإسلامي الشيعي؟
المذهب الشيعي يرتكز أساسا على فكرة أحقية الخلافة لعلي بن أبي طالب بعد وفاة الرسول محمد عليه الصلاة السلام. لكن، نظرا لتعسر هذا الانتقال الخليفي، ظل شيعة علي يرون في المسألة سلبا لحقهم، وأنهم الأحق بالخلافة التي يجب أن تبقى في آل البيت. ناهيك عن الهزائم وسلسلة الاضطهادات التي تعرضوا لها من لدن الأمويين والعباسيين. لذلك تظل فكرة المهدي المنتظر حاضرة بقوة كعنوان لأمل سياسي، لتجاوز المظلمة التاريخية التي تعرضوا لها والوصول إلى السلطة والتجديد الدائم لهذا الأمل...
- يقضي المذهب الشيعي بعدم تأسيس دولة سياسية، حتى ظهور المهدي المنتظر، لكن في القرن الأخير ظهرت اجتهادات فكرية مفادها قيام الأمر ل«أوصياء المهدي» في انتظار «ظهوره»، كيف تفسر ذلك؟
أشير إلى أن الفكر السياسي الشيعي يضم في ثناياه أفكارا مرتبطة إلى بعضها البعض، مثل مسائل الإمامة والعصمة والغيبة الكبرى وكذا الغيبة الصغرى. التي تبقى كلها تمهيدا لفكرة «المهدي المنتظر»، التي تمنح أمل تأسيس دولة شيعية في أي عصر، مثل ما حصل عقب تأسيس الجمهورية الإسلامية بإيران سنة 1979 بوصول الفرقة الجعفرية إلى الحكم. فالمذهب الشيعي هو منظومة فكرية متكاملة لا يمكن تغييب قاعدة على حساب أخرى.
- ما هي معالم فكرة المهدوية عند أهل السنة الذين يؤمنون بدورهم بفكرة «المهدي المنتظر»؟
بخلاف التخصيص وتعيين المهدي المنتظر عند الشيعة، تبقى فكرة المهدي عند أهل السنة مطاطية وغير محددة، فقد تم توظيفها من طرف عدة حركات مثل الحركة الموحدية التي كانت سنية المذهب كذلك، التي وظفت بدورها فكرة المهدي ونجح ابن تومرت في تأسيس دولة بناء عليها، وجاذبية الفكرة تتجلى أساسا في إمكانية تبنيها من أدعياء ينتمون لمختلف المذاهب الدينية سواء أكانت سنية أو شيعية.
- كيف كانت العامة من المغاربة تنجذب إلى تلك الدعاوى المهدوية؟
تبقى فكرة المهدي المنتظر فكرة بسيطة. وبالتالي، كان من السهل على العامة استيعابها والتأثر بها، دونما الحاجة لشخصية معينة لتجسيمها، مما سمح لأدعياء المهدوية باستغلال ذلك ومحاولة تجسيد الصفات حتى تنطبق عليهم فكرة «المهدي المنتظر» تبعا لبعض المواصفات التي وردت في النصوص الدينية. فابن تومرت وكذلك امبارك بلحسين أو أبي محلى وآخرين، كلهم استغلوا تلك الصفات الشخصية بغرض استمالة العامة لدعواتهم.
- هل ساهم نمط التدين الشعبي للمغاربة في انتعاش الظاهرة؟
يقوم الإسلام الشعبي بالمغرب أساسا على فكرة تقديس الأولياء والأضرحة، وفكرة «المهدي المنتظر» أقرب لهذا التصور في الأشكال التعبدية الشعبية للمغاربة، لذا لقيت الفكرة المهدوية رواجا مهما في الأوساط الشعبية. حيث كان العامة من البسطاء أول من يتبع الدعاوي المهدوية على مر التاريخ المغربي، كذلك كان أدعياء المهدوية يحصلون على طاعة عمياء لمناصريهم بحكم التمثلات الدينية المسبقة عند المغاربة الذين تعاملوا مع أقوال «المهديين» ككتاب منزل من السماء لا يأتيه الباطل. وهو الأمر الذي كان من شأنه تجنيد أكبر عدد ممكن من الأتباع.
* باحث في العلوم السياسي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.