هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آسف : المهدي الموحدي ليس شيعيا
نشر في هسبريس يوم 18 - 10 - 2009

لا يحتاج الباحث إلى كثير اطلاع كي يعلن حقيقة براءة ابن تومرت من التشيع براءته الذئب من دم يوسف. وقبل ذلك وبعده إن شيعية ابن تومرت أو غيرها لا تقدم ولا تؤخر في المسألة الشيعية المعاصرة حتى تستعمل في سياقات بعيدة عن التحقيق. وفي المغرب لا غبار على شيعية إدريس بن عبد الله . ولكن الموضوعية أيضا قاضية بأن نعلن عدم شيعية المهدي بن تومرت مهما بدا من شعارات إيمانه بالمهدي أو عصمة الإمام. فتلك عقيدة أغرب على الشيعة منها على أهل السنة. فالشيعة قالت بالمهدي المخلص الذي يحمل جملة من الخصائص لا توجد في المهدي الموحدي أو دولته. كما أن الشيعة قالت بعصمة أئمتها عن دليل لتنزع العصمة المغشوشة من مدعيها المفترضين حتى لو لم يسموها باسمها. إذا كانت حكاية المهدي بن تومرت أشبه بقشرة موز وضعها الغزالي في طريق هذا الداعية شديد الاعتقاد والمراس ، فسيكون ذلك صناعة سنية بامتياز استلهمت بعضا من آراء الشيعة واستدمجتها في مركب ما كان له إلا أن ينتج تطرفا كالذي شهدناه على المهدي بن تومرت وتناقضات أحصيناها عليه في فقيه الأكبر والأصغر. وربما كان القارئ ينتظر منّي ويتوقع أن أطنب تبجحا في شيعية المهدي الموحدي لأن الجميع يسلم بذلك. لكنني قد أخالف الإجماع أو شبه الإجماع على شيعية المهدي الموحدي ، فهو عندي ودولته أبعد ما يكونون عن التشيع ، بل هم بالأحرى أقرب إلى التسنن الذي يتبنى الشكلانية الشيعية لدوافع وظيفية. ""
محطة أخرى مفصلية في تاريخ المغرب مميزة، تتعلق بدولة الموحدين التي دعا إليها وتزعم ثورتها ضد المرابطين شخص مميز أيضا: المهدي بن تومرت. إطلالة موجزة على هذا الجزء من تاريخ المغرب الحيوي يكشف عن أننا كنا أمام تجربة مختلفة تماما وشخصية قيادية اجترحت أسلوبا في العمل ونهجا في الدعوة جعلها تحظى باهتمام خاص من قبل الدارسين. فالدولة الموحدية هي بالأحرى إمبراطورية قوية امتلكت هيبة استثنائية كما أن طبيعة تعاليمها ودعوتها تميزت بالاستقامة والتشدد الروحي والسياسي لدعوتها في سابقة لم نر لها نظيرا فيما قبلها أو بعدها من تاريخ المغرب. وفي تقديري أنه لا حاجة للتشكيك في خبر حضور المهدي بن تومرت درس الغزالي ببغداد خلال هجرته الى الديار المشرقية قصد الحج وطلبا للعلم. إن أسلوب الغزالي التلفيقي وبصمته تكاد تكون واضحة على نهج المهدي بن تومرت. وهو حقيقة لا يخفف من أمرها ذلك الحكم الافتراضي لجولدتسهير حينما قال:" لو كان الغزالي قد عاش ليتابع سيرة ابن تومرت ولو كان سئل رأيه في فتوى ، وهو الذي رأى في الدين أنه نتاج التجربة الباطنة للنفوس ، وتجلي الحياة الوجدانية للأرواح ، ولم يحفل إلا بهذا الجانب الباطني ، لكان قد أصدر فتوى عنيفة ضد دعوى تلميذه المزعوم. فالغزالي كان أقل الناس رضا عن استخدام التأويل المعتسف بين الصفوف الدنيا لشعب غليظ ساذج. (...) وكان ينصح بعدم التشويش على طمأنينتها السعيدة بإيمانها عن طريق عرض النظريات المضادة لهذا الإيمان والإلقاء بها في مجادلات عنيفة وجدل عقيم. والأدلة الواردة في القرآن نفسه تكفي تماما لجعل إدراك وجود الله وتوحيده في متناول جميع الناس" [1].
فلقد استوعب في نهجه خليطا عبقريا من العقلانية والصوفية والأصولية والفقهانية، تكوين متكامل "بيتخصصي" انعكس على خطابه الذي صاغه في قالب تركيبي دقيق كما طعمه بنفس سياسي شديد النبرة قاسي التعبير. إن محتوى رسائله التي صاغها باللهجة البربرية يدل على عمق في المضمون وقسوة في التعبير وتوظيف عالي للمفاهيم المستنهضة للإسلام السياسي من خلال عقيدة المهدوية التي اكسبها مضمونا يلتقي بقدر ما يختلف عن الاعتقاد الشيعي.
وليس فيما وقفت عليه من أخبار الدعوة والدولة الموحديتين ما يؤكد أننا أمام دعوة شيعية بالمعنى الحقيقي للكلمة ، حتّى وإن كان "البيذق" جعل كل أبواب كتابه في الإخبار عن المهدي بن تومرت وبداية دولة الموحدين تتحدث عن دخول سيدنا المعصوم رضي الله عنه واتصال سيدنا المعصوم وخروج سينا المعصوم وارتحال الإمام المعصوم..حتى أن بعضا نسب إلى نحلتهم أنهم يفضلون المهدي بن تومرت على أبي بكر كما في آخر نوازل التعزيرات من المعيار المعرب [2].
فدعوة المهدي بن تومرت ثمرة لفكر تلفيقي يمتد إلى كافة المذاهب الإسلامية، بروح اجتهادية تعدت الفروع إلى الأصول. وتكاد تجربة المهدي من هذه الناحية تكون التجربة الفريدة من نوعها في تاريخ التعاطي مع الأفكار والمذاهب والآراء التي تنتمي إلى الفقهين الأكبر والأصغر. فالمهدي الموحدي ومن خلال الآثار الواردة عنه مثل المرشدة وغيرها من رسائله المودعة في " أعز ما يطلب" ، هو فقيه مجتهد في الفروع كما في الأصول. ومن بين الآراء ما انفرد به عن أسلافه. وهذه ال "بيتخصصية" التي مكنته من العبور خلف المذاهب الكلامية والفقهية هي من جعل نهجه يبدو شاذا عند المحافظين المحليين. فهو أشعري بقدر ما يبدو معتزليا.. وخلافا للتقليد التاريخي المغربي فإن المهدي تعمق أكثر وانفتح أكثر واجتهد بما جعله يتجاوز ظواهر النصوص وحرفيتها لفائدة آراء أعمق حتى وإن كان توظيفه السياسي لها وأسلوب دعوته إليها جاء شاطا وتسطيحيا وقاسيا إلى أبعد الحدود. وفي ظني أن مشكلة المهدي ليس في تفاصيل دعوته بقدر ما كان في أسلوب دعوته. فتشدد خطابه الديني وصراطيته وتشدده في تفاصيل الفروع في بيئة غير متشرعة أوجد صعوبات كبيرة أمام دعوته. إذ حتى وإن نجح في استمالة أنصار كثر بفعل تدهور وفساد الدولة المرابطية إلا أنه سرعان ما استفحل أمر سياسته الدينية في عصر الدولة ، فواجه أتباع دعوته ودولته من بعده عددا من التمردات إلى أن انهارت دولتهم . لكن وكما يبدو من مناظرات المهدي إبان الدعوة الموحدية التي جعلت علي بن يوسف يهم بسجنه لولا تدخل من قبل بعض الأمراء المرابطين أنفسهم ليكتفي بنفيه إلى مراكش. وقد كان ابن تومرت على حق حينما اتهم خصومه المنعوثين باللّثم وهم المرابطون، حيث يبدو ان الدعوة المرابطية القائمة على التسطيح والظاهرية والقبول باليسير من الفكر الديني ومحاربة الكلام والفلسفة والأديان والمذاهب المقارنة هي العقلية التي غلبت على العقل المغربي وجعلته متأخرا في مجال فلسفات الدين والمذاهب والأديان المقارنة. وقد كان المهدي على حق في نقد السياسة الدينية المرابطية الجامدة والسطحية حتى وان جاء خطابه ضدها ايضا بشحناة متطرفة واستئصالية ربما كان ذلك ينسجم مع خطاب عصرهم ومقتضياته السياسة. وعجبي كيف وصفوا دعوته بغير السنية وهي في الحقيقة كانت كذلك. ففي الأصول كان المهدي أشعريا بامتياز. وهو بهذا يكون أجدرهم جميعا بالتسنن. وأما فروعيا فمالكيته لا تخفى. أنظر مثلا حينما يصفه عبد الواحد المراكشي في المعجب:" كان جل ما يدعو إليه علم الاعتقاد على طريق الأشعرية وكان أهل المغرب على ما ذكرنا ينافرون هذه العلوم ويعادون من ظهرت عليه" [3].
فليس شذوذ المهدي آت من حيث أتاهم بعقائد شيعية بل شذوذه آت من حيث أنه خاطبهم بعلم الكلام الأشعري بوصفه ناظم عقائد أهل السنة والجماعة. أما هل كان المهدي شيعيا فقط لكونه ارتقى بالإمامة من الفرع إلى الأصل بخلاف المعتاد من الكلام السني ، فهذا دونه واثبات تشيع المهدي خرط القتاد. وعجبي كيف أن أرباب الأسطوغرافيا المغربية متى ما رضوا عن دولة وآنسو بروائعها وسياستها ، نفوا عنها التشيع حتى لو كان تشيع دعوتها وقادتها ظاهر كما فعلوا مع دولة الأدارسة ، ومتى كرهو دعوة أو دولة رموها بالتشيع حتى وإن كان التشيع أبعد عنها منالا كما فعلوا بالموحدين. ولا أدري لماذا لم يقرؤوا في النص التومرتي ما يعزز انتسابه للاعتزال، مادام قد تحدث مثلا عن المجاز والتوحيد والعدل على طريقتهم بل وجعل شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر العنوان الأبرز في دعوته وحركته. ولا يضر مع هذا الانتساب المعتزلي قوله بالإمامة مادام في طبقات الاعتزال من تشيع أكثر من ذلك وقال بالإمامة مثل معتزلة بغداد كالاسكافي وابن أبي الحديد..إنني أعتبر ذلك دليلا غير كافي لإثبات تشيع المهدي بن تومرت. ولم أر فيما دعا إليه في الفروع أو الأصول إلا تلفيقا ظل على صلة بالفكر السني. فهو تطرف في الفروع على نهج الدعوة السلفية التي مارست القتل لمجرد أخطاء فروعية صغيرة . لقد تشدد ابن تومرت في حمل الناس على الالتزام الديني في مجال الفروع حتى أن أتباعه بعد تأسيس الدولة الموحدية كانوا ممن عنف الناس وضربهم من أجل الصلاة. أي إنها الصلاة نفسها التي جعلته يصلي على اليهودي الذي قيل أنه كان يصلي ، في مفارقة تؤكد على أن تشدد ابن تومرت في الفروع بهذه الكيفية تقليد لم يشهده الإسلام الشيعي في تاريخه الطويل. فمنابع تشدد المهدي بن تومرت هي سنية وليست شيعية. وحتى ما كان من أمر ادعائه الإمامة والعصمة والمهدوية على الطريقة الشيعية انتابه الكثير من الخلط والتبسيط والاستغلال التعسفي الذي يؤكد غربته عن منبع الفكر الشيعي الأكثر تنسيقا وتكاملا في نهجه الإمامي من فوضى العقائد التومرتية . يكفيه مفارقة أنه أثبت لنفسه ما يدعيه الشيعة لأئمة مخصوصين من أهل البيت، فهو بهذا كأنه دعا الناس إلى التشيع له لا التشيع لأهل البيت.
ودليلي على سنية المهدي أنه في موارد أخرى هو على أصول الاعتقاد السنية في كثير من الموارد ليس هاهنا مجال لإحصائها، يكفي منها موقفه من عموم قول الصحابي. وأيضا كلامه عن الخلفاء بالجملة. على الرغم من أن أنصاره قدّسوه وأحاطوا قبره بالأسرار وربما كما أورد الفقيه المنوني في تاريخ بني مرين أن أنصاره فضّلوه على أبي بكر. بل إنني اعتبر دعوة المهدي في المهدوية هي ما يبعده عن الدعوة الشيعية، لأن ليس في تاريخ التشيع أعني الإثني عشري ما يجعل دعوة كهذه مشروعة بل سوف تكون حجة ضد صاحبها وعنوانا لدجل مدعيها، فالمهدوية بالمفهوم الشيعي هي الاختبار الصعب للدعوات المهدوية المزيفة.
لم نجد عند صاحب المرشدة ما يحث فيه عن مفهوم الولاية أو الإمامة لأهل البيت وهي جوهر الدعوة الشيعية. فهو لم يتحدث عن مسألة النسب إلا لادعاء المهدوية لنفسه وهي من الدعوات التي تبعد عن جوهر التشيع أكثر مما تقرب منه خلافا للسائد في اعتقاد خصومهم. ولعله من مظاهر التكلف ما ذهب إليه بعض الباحثين والمؤرخين الذين سعوا عبثا لإضفاء ملامح الدعوة الشيعية على حركة ابن تومرت التلفيقية. ومن أولئك الباحثين على سبيل المثال المستشرق الفرنسي الفريد بل في حديثه عن الفرق الإسلامية في الشمال الأفريقي. ومع ذلك سوف يضطر الفريد بيل إلى استثناء بعض آرائه من هذا الانتساب وسوف يجد نفسه في حرج كبير من دعوته الأولى: شيعية ابن تومرت. يقول الفريد بل:" ومذهب المهدي، وقد بلغ هذا المدى، يعد مذهبا شيعيا حقا" [4].
والحال أن المهدي يؤمن بأصول الاعتقاد الأشعرية كما يعتقد في الفروع المالكية، فهو يتحدث عن عمل أهل المدينة ويرجح رأي مالك في ذلك. وقد التبس الأمر على الفرد بل حينما قال: "وهو يطرح ليس فقط الأصل الرابع عند أهل السنة وهو القياس " [5]. والحال أن المهدي بن تومرت يؤمن بالقياس ، إلا أنه يقيده برؤية حذرة تفاديا للشطط الذي وقع فيه بعض الغلاة من أهل القياس، الذين بالغوا في تطبيقه حتى أنهم لم يقيدوه بقيد. وموقفه من القياس ليس جذريا كما رأينا من موقف ابن حزم بالأندلس والشيعة، بل هو تفصيلي يضارع موقف أبي حامد الغزالي صاحب المستصفى؛ أي القياس القائم على تحقيق وتنقيح المناط. قصارى ما هنالك أن ابن تومرت يعتبر إثبات الشريعة لا يتم بالظن بل بالعلم. والقياس لما يكون بقيد المناط أو أشكاله الأخرى التي لم يصطلح عليها في كتبه وعبر عنها تعبيرات خاصة جدا وهي تفيد قياس الأولوية والمفهوم، يعتبر القياس نفسه بهذا القيد هو طريق علمي في استنباط الحكم الشرعي. وهذا ما خالف فيه السنة والشيعة معا ، حيث وإن راموا القول بأن الشريعة لا تثبت بالظنون إلا أنهم اعتبروا لا سيما الشيعة من أن ثمة فيما عدا الأدلة المحرزة ما يدخل في نطاق الوظيفة التي بها يتحقق اشتغال ذمة المكلف. وهو بهذا المعنى ليس من الظنون العامة بل هو ضرب من الظن الخاص المعتبر في الشريعة وهو طريق شرعي لإحراز الوظيفة الشرعية وليس طريقا علميا للكشف عن واقع الأحكام. بهذا المعنى يكون الشيعة أنفسهم يؤمنون بالقياس حينما يكون في نطاق المفهوم أو قياس الأولوية أو القياس المنصوص العلة بل حتى مع تحقق المناط بالأدلة المعتبرة يمكن جريان القياس عند بعض المتأخرين. فكلام ألفريد بل السابق ملتبس ورأي المهدي في الظن ملتبس أكثر. فحينما يقول:" لا يثبت حكم في الشريعة بالظن ، ولا يثبت إلا بالعلم " [6] ، فإن التعبير كان قد خانه وأخرجه من حدود الاصطلاح. صحيح أن التخمين والظنون العامة ليست طريقا معتبرا لمعرفة الأحكام، لكن أيضا وجب القول أن الطريق إلى الأحكام في الشريعة ليست علمية محض بل أكثرها من جنس الظنون الخاصة التي اعتبرها الشارع وتعبّد بها الخلق حين فقد الدليل، كما هو شأن الاستصحاب والبراءة وما شابه. قلت: إذن لا دليل على شيعية المهدي بن تومرت ، بقدر ما هناك استثمار منحرف وساذج لمفهوم الإمامة أوقعه فيما لم تحمد عقباه. لكن إن كان ثمة ما هو جدير بتبيان معناه الخفي من أمر المهدي بن تومرت، فهو محاولته استغلال الفكر الشيعي الراسخ في البيئة الثقافية المغربية لصالح دعوته. فهو إذ يدعو للمهدي صاحب النسب العلوي كان يفترض متلقيا هاضما لهذه الحقيقة. وهو إذ يدعو إلى الإمامة قبل أن ينسبها لنفسه، يتوقع أنه يخاطب أمة تدرك سر هذه الدعوة. المهدي استغل البيئة المغربية المتشيعة بأفكارها ليدعو لنفسه، لكن ما أن بلغت دعوته مداها وجدت من قلب له المجن من داخل دعوته إدريس المأمون ، حينما زعم أنه نبذ أمر بن تومرت النحيس [7] .
نعم ، كان التوظيف الشكلاني لبعض المبادئ والمواقف الشيعية احتياطا يلجأ إليه الإسلام السنّي في اللحظات الحرجة حينما لا يجد في التّسنن ما يلبّي الغرض. وهذا النوع من التوظيف السنّي الذرائعي والوصولي لمبادئ الشيعية ، ظل سلوكا شائعا ليس فقط عند الموحدين ولا في حدود الإمامة فقط ، بل حدث مع غير الموحدين وفي غير أصل الإمامة. وفي كل ذلك كانت آثار التشوه بارزة على واجهة هذا التلفيق يتواطأ في إدانتها الشيعة والسنة معا. فإذا كنت ذكرت سابقا، بأن محاولة نفي شيعية إدريس الأكبر دونه خرط القتاد ، فإني أعتبر أن إثبات شيعية المهدي بن تومرت دونه خرط القتاد.
-------------------------------------------
[1] ألفريد بل: الفرق الاسلامية ص 285 ت: عبد الرحمن بدوي ، ط 3 دار الغرب الاسلامي بيروت ،1987
[2] محمد المنوني : ورقات عن حضارة المرينيين ، ص 423 سبق ذكر المصدر
[3] عبد الواحد المراكشي : المعجب في تلخيص أخبار الأندلس والمغرب، ص 270، ضبط تصحيح وتعليق محمد سعيد العريان ، محمد العربي العلمي ، ط7 1978 الدار البيضاء
[4] المصدر السابق ، ص 267
[5] ألفريد بل : الفرق الإسلامية ، ص 268 المصدر نفسه
[6] المهدي بن تومرت : أعز ما يطلب ، ص 38 ، تحقيق : د. عبد الغني أبو العزم ، مؤسسة الغني للنشر ، المغرب 1997
[7] محمد المغراوي: الموحدون وأزمات المجتمع ، ص 152 ، ط1 ، جذور للنشر ، 2006 الرباط.
[email protected]
تنبيه هام من الناشر :
-ابتداء من موضوع اليوم ولأسباب تقنية سيتمرفض جميع التعليقات المطولة دون إخبار أصحابها.
-يرجى تحرير ردود مختصرة وأصلية دون وضع روابط لمواقع أخرى.
- يرجى إرسال التعليق مرة واحدة ، فإرسالكم نفس التعليق أكثر من مرة لن يجبرنا على نشره


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.