هذه حكايات فيروز شاه وهي قصة غريبة الوجود فيها سر الأولين وعبرة للاحقين، وأخبار الأمم الماضية اعتبارا للباقين وهي قصص ينازع فيها الخيال الواقع ويتحقق المحال، وهي مستقاة من السيرة الشعبية فيروز شاه بتصرف من الكاتب، نقدمها للقارئ الكريم بمناسبة رمضان وبالله التوفيق. .. بعد ذلك عزم فيروز شاه وفرخوزاد على السفر، وتم الصلح بين الجميع، أراد قاهر شاه وقادر شاه أن يعودا إلى السكن بالقلعة فاشترط عليهما فيروز شاه أن لا يضرا بعباد الله، ولا يرجعا إلى قطع الطريق فعاهداه على ذلك، ثم ودعهما وقال لهما بأنه لم يعد باستطاعته المكوث معهما أكثر من ذلك.. فطلب منه قادر شاه أن يصحبه معه في سفره ليبقى في خدمته حتى حين يشتاق إلى أخيه فيأتي لزيارته، فقبل صحبته ثم ودعا قاهر شاه وركبا قاصدين اليمن .. ثم سار الرجال يقطعون الطريق حتى وصلوا إلى سهل شاسع فنزلوا فيه عند المساء، وبعد أن تعشوا خلد فرخوزاد إلى النوم بينما بقي فيروز شاه و قادر شاه مستيقظين للحراسة .. ولما خلا المكان تذكر فيروز شاه عين الحياة فانشغل باله وكانت ليلة مقمرة مشرقة بالأنوار، فنهض من فراشه وسار، فما أن ابتعد قليلا حتى رأى خيلا وفرسانا مسلحين، فرجع إلى جواده الكمين فأسرجه وركب عليه وأخذ سلاحه بالعجل، وتقدم ليرى ما كان من أمرهم، وقرب من جهة القادمين فوجد عددهم يزيد عن ألف فارس، فلما رأوه وحيدا طمعوا فيه وهجموا عليه هجمة رجل واحد.. فاستل حسامه بيمينه وصاح فيهم صيحات الأسود وألبسهم حلة الموت الزؤام وجعل بطون الطير مأواهم، ومازال يفتك ويقتل حتى أرعب الفرسان وأدهشهم، فتجمعوا عليه و داروا به من كل جانب، وسار به الكمين كهبوب الريح، ولما استيقظ قاهر شاه على صوت القتال والنزال، وبحث عن فيروز شاه فلم يجده في فراشه، ركب جواده و انحدر إلى الميدان .. وكذلك فرخوزاد استيقظ على وقع الضرب والطعن وجلبة الخيل، فشاهد برق الأسنة ولمعان السيوف، فسار بدوره إلى الميدان ونسي أن يلبس المجن أو أن يضع على رأسه الخودة، ففاجأه فارس على قفاه وضربه بالسيف ضربة فغاب عن الوجود، فترك عنان الجواد فشرد به في تلك الناحية.. وبقي فيروز شاه وقادر شاه في قتال ونزال حتى بدت غرة الصباح، ولما رجعا إلى الصيوان ولم يجدا فرخوزاد رجعا يفتشان عنه بين القتلى فلم يجداه، وكبر الحال على فيروز شاه حتى ما صارت الدنيا تسعه واحتار في أمره ماذا يصنع، فقال لقاهر شاه: قم بنا في أثر فرخوزاد فإن جلوسنا هنا لا يجدينا نفعا .. فركبا وخرجا في طريقهما وكلما صادفا رجلا سألاه عنه دون أن يعلمهما أحد بخبره .. هذا ما كان من أمرهما أما ما كان من أمر فرخوزاد لما شرد به الجواد عن مجال القتال خب به طويلا فلم يستطع أن يظل ممسكا بالحصان فوقع على الأرض ووقف الحصان بقربه .. فبصر به راعي ماعز فأسرع إليه بالماء وغسل به جرحه و ضمده بعصائب، ثم جسه فلما وجد به بقية حياة سقاه من لبن الماعز حتى عاد إلى وعيه وفتح عينيه وأصبح قادرا على الكلام فحكى له كيف فاجأه قطاع الطريق ونجا منهم بأعجوبة ..وشكره غاية الشكر على ما فعله من أجله .. ثم سأل فرخوزاد الراعي إن كانت هناك مدينة قريبة يتوجه إليها من أجل علاج جرحه، فدله الراعي على مدينة قريبة وهي مدينة السليمية التي يحكمها الشاه سليم، فطلب منه أن يكمل فضله وأن يأخذه إلى تلك المدينة .. القوس العجيبة فأوصله الراعي إلى خان مشهور فنزل به وطلب من صاحب الخان أن يبيع حصانه ويأتيه بثمنه، فباعه له بثلاثمائة دينار، وأتاه بثمنه فدفع له أجرة مبيته في الخان، وقال له فرخوزاد: أريد طبيبا ماهرا ليعالج جرحي.. فأتاه به في الحال، فلما جاء الطبيب قال له فرخوزاد: عجل علي بالشفاء وخذ الذي تريد من المال .. فبدأ الطبيب بعلاجه في الحال لكنه استزاد في طلب المال حتى فرغ ما عند فرخوزاد، فدفع سيفه إلى صاحب الخان وأمره أن يبيعه له فباعه وأتاه بثمنه، ثم احتاج أيضا إلى المزيد فباع غمده وثيابه الثقيلة حتى لم يعد يملك شيئا، والطبيب يسأل دائما المزيد من المال .. فلما أعطاه كل ما عنده وأحس صاحب الخان بأنه لم يعد لديه شيء طرده في الحال، فخرج من الخان حزينا، وهو يسير في المدينة حتى كاد يموت من التعب والجوع، وكان لا يعرف مهنة يشتغل بها، ونام تلك الليلة في العراء وهو يعاني من البرد والجوع .. وفي الصباح سار على غير هدى حتى وصل إلى دكان بقال فوقف أمامه فلاحظ صاحب الدكان حلته وما يعانيه من جوع، وقال له: ادخل إلى الدكان يا ولدي.. فلما دخل قدم له الطعام فأكل بنفس منكسرة وقلب حزين، وبعد أن فرغ شكر الرجل وأراد الذهاب والانصراف لحاله فمنعه الرجل وطلب منه العمل عنده والاشتغال معه في الدكان، فقبل العمل معه، فلم تمض مدة حتى تغير حال الدكان وراجت بضاعته ..واندهش صاحب الدكان من ذلك كل الدهشة.. ودام الأمر على ذلك أياما وشهورا حتى ربح البقال مالا كثيرا وصار يعد من الأغنياء.. وذات يوم بينما كان فرخوزاد في الدكان مر مناد ينادي بأمر الملك من يقدر أن يفتح هذا القوس يطلب ما يريد و يختار، ومن لم يقدر أن يفتحه يدفع ألف دينار.. فتقدم فرخوزاد إلى المنادي وقال له: أنا أقدر أن افتحه فخذني عند الملك. تم قال له: لا دراهم عندي ولكن أرهن نفسي في الخدمة إذا عجزت عن ذلك.. فقام البهلوان ودفع القوس إلى فيروز شاه ففتحه بأسرع من دقيقة، فنهض إليه الشاه وقبله بين عينيه وألبسه خلعة البهلوان وعين له قصرا مختارا، ولما حكى له قصته أعاد إليه جواده وسلاحه، فسر فرخوزاد من تحسن حاله، وتعرفت عليه بنت الشاه سليم وسمعت بأخباره وعرضت عليه الزواج فوعدها بكل جميل وعلى الوفاء بينهما، ودام مسرورا لا يشكو إلا فراق أخيه فيروز شاه .. أما ما كان من أمر فيروز شاه وقادر شاه فكانا يتقدمان في البحث إلى أن وصلا إلى ساحل البحر فوجدا قوما متوجهين إلى اليمن وهم يحملون بضائع نفيسة تخص عين الحياة، وهم خائفون من قطاع الطرق في البر ومن الزنوج في البحر، فرافقاهم بكل فرح لأنهم كانوا بحاجة إلى الرجال ..وأخبر فيروز شاه رئيس القافلة بالصحيح وكيف يقصد البحث عن عين الحياة فوعده بمساعدته ... انتظروا في الغد حكاية جديدة من حكايات فيروزشاه د محمد فخرالدين