يمكن اعتبار رحلة ابن بطوطة اليوم من بين أهم المصادر حول بدايات التاريخ التركي، وترجع أهمية الرحلة البطوطية إلى كونها تمت في القرن 14م، وهي بداية تشكل الإمبراطورية العثمانية. ونعرف أهمية الاقتراب من جذور وبدايات أي دولة ما، لأن الجذور محفوفة دوما أو غالبا بالأساطير وبالضبابية. وكان الأتراك من أسبق الناس اهتماما بهذه الرحلة الهامة، إذ كانت بلادهم مما اهتم به ابن بطوطة في رحلته، وبدأ هذا الاهتمام بمجرد ظهور الطبعة الباريسية كاملة، ومن ثم شرعت صحيفة "تقويم وقانع" تنشر الرحلة في فصول مسلسلة منذ سنة 1861م، ثم ظهرت ترجمة تركية كاملة للرحلة في ثلاثة مجلدات من وضع الداماد محمد شريف فيما بين سنتي 1897، 1901م...
النساء التركيات قدم لنا ابن بطوطة صورة دقيقة في إطار اهتمامه بالمرأة بشكل عام، في سياق المقارنات التي يقوم بها خلال زيارته للبلدان المختلفة. فكانت لابن بطوطة ملاحظاته الدقيقة الفاحصة في المرأة، وهي نظرة كثيراً ما ترتبط لديه بانتمائه للعالم الإسلامي السني، وحس المقارنة العالي الذي يتميز به. فنجده يشيد بجمال النساء في كثير من البلاد التي تردد بين جوانبها بل لقد حدد مواضع الجمال والفتنة فيهن، فأشار إلى الوجه وزينته والجسد وقوامه. إن رحلة الرحالة ابن بطوطة في عالم المرأة جانب آخر من جوانب توضيح الصورة التي أراد إيصالها للقارئ. ومن المعلومات التي نستفيدها عن النساء الأتراك عموما هي كونهن لا يتحجبن(ص 239)، فالنساء التركيات لا يتحجبن(ص 283) ولا يغطين وجههن، بخلاف الشيرازيات فإنهن يتبرقعن ص 208، وهن متدينات.(ص 203) والنساء لدى الأتراك والتتر لهن حظ عظيم.(ص 230) وفي مقطع آخر يقول ابن بطوطة "وسمعت هناك أن الجواري يدخلن الحمام مع الرجال، فمن أراد الفساد فعل ذلك في الحمام من غير منكر عليه، وذكر لي أن القاضي بها له جوار على هذه الصورة". فنجده يصف أهل مدينة لاذق: "وأهل هذه المدينة لا يغيرون المنكر بل كذلك أهل هذا الإقليم كلهم، وهم يشترون الجواري الروميات الحسان ويتركونهن للفساد، وكل واحدة عليها وظيف لمالكها تؤديه له.(ص 290) وهن أي النساء التركيات مهتمات بشراء الحلي يقول ابن بطوطة "كما يعرضون الجواهر على نساء الأتراك، وهن يشترينها كثيرا ويتنافسن فيها، فرأيت من ذلك كله فتنة يستفاد منها" ص 233، فهل هي جذور العلمانية بتركيا والأصولية في إيران؟ ونجده يقول"وتصنع بها (مدينة لاذق) ثياب قطن معلمة بالذهب لا مثل لها، تطول أعمارها لصحة قطنها وقوة غزلها؛ وهذه الثياب معروفة بالنسبة إليها وأكثر الصناع بها نساء الروم".(ص 289-290) إذن النساء الروميات بلاذق صانعات ماهرات. ويقول في مكان آخر "ثم خرجنا منها فبتنا بقرية يقال لها مكجا، بتنا فيها عند فقيه بها أكرمنا وأضافنا، وسافرنا من عنده، وتقدمتنا امرأة من الترك على فرس، ومعها خديم لها، وهي قاصدة مدينة ينجا، ونحن في اتباع أثرها" ليس عند ابن بطوطة أي مركب نقص أن تتقدمه امرأة من الأتراك في الرحلة مادامت ستريهم الطريق إلى المدينة المقصودة.(ص 310)
الخيل نتعرف من خلال الرحلة على مدى وفرة الخيول ببلاد الأتراك، ف "الخيل كثيرة بهذا البلد بشكل عجيب، يكون للتركي منهم آلاف منها".(ص327) يرعاها راعي ويسمى عندهم القشي.(ص 328) ولدرجة وفرة هذه الخيول فإن من وجد عنده فرس مسروق رده إلى صاحبه مع تسعة مثله.(ص 323) كما أن أكثر ما يأكلون من اللحم لحوم الخيل.(ص 323) وأغلب ما كان يتسلم ابن بطوطة من الهدايا كان من الجياد، فقد تسلم فرسا هدية من إحدى زوجات السلطان الأمير علاء الدين أرتنا ملك العراق واسمها طغى خاتون.(ص 296) والأمير علاء الدين أرتنا نائب ملك العراق ببلاد الروم يهدي ابن بطوطة فرسا.(ص 296) وسلطان بركي يهدي ابن بطوطة فرسا جيدا من مراكبه الخاصة.(ص 301) ونفس السلطان يهدي ابن بطوطة فرسا لما قدم معه إلى مدينة حكمه بركي.(ص 303) بل الخيل كان وجبة رئيسة وهامة في بلاد الأتراك لكثرة ووفرة الخيل.
وسائل النقل في بلاد الترك وارتباطا بوفرة الخيل في بلاد الأتراك فإن الوسيلة الرئيسية للتنقل حتى أن ابن بطوطة لم يكن يجد صعوبة في إيجاد وسيلة التنقل في بلاد الترك.(ص 323) كما ذكر العجلات التي يسافر عليها في بلاد القرم.(ص 323) وذكر سفره إلى مدينة العلايا أول بلاد الروم بحرا قائلا "وسرنا في البحر عشرا بريح طيبة وأكرمنا النصراني ولم يأخذ منا نولا، وفي العاشر وصلنا إلى مدينة العلايا، وهي أول بلاد الروم".(ص 283) ثم يقول ابن بطوطة "ثم انصرفنا إلى مدينة بركي، ووصلنا إليها بعد العصر، فلقينا رجلا من أهلها، فسألناه عن زاوية الآخي بها، فقال: أنا أدلكم عليها، فتبعناه، فذهب بنا إلى منزل نفسه في بستان له، فأنزلنا بأعلى سطح بيته.. وأتى إلينا بأنواع الفاكهة، وأحسن ضيافته، وعلف دوابنا، وبتنا عنده تلك الليلة".(ص 298) ووجود جمعيات الفتية والآخية سهل على ابن بطوطة التنقل في بلاد الترك ووفر عليه الكثير من التعب ومصاريف الأكل والنوم... ثم نلاحظ أيضا مسألة كثرة القناطر على الأودية؛ فمدينة نكدة بها ثلاث قناطر على النهر الأسود.(ص 296) ثلاث قناطر على نهر واحد يدل على أهمية وجود القناطر في بلاد الأتراك بما أن الأنهار جارية ولا تجف فمن الضروري وجود القناطر لتسهيل التنقل بين ضفتي الأنهار. كما نلاحظ وجود المعدية التي تنقل الناس والبهائم والبضائع، وهي وسيلة أخرى كانت تسهل التنقل في الأنهار في بلاد الأتراك.
من هو التركي؟ لابد أن نفهم أن التركي في تلك الفترة كلمة أو مصطلح قلق وغير واضح؛ لأن الأتراك في تلك الفترة أقوام وقبائل تجمعها اللغة التركية. ويجب أن نفهم أيضا أن التركي بالشام وبفارس وبمصر وبالأناضول، كان يعيش في نطاق جغرافي واسع جدا. وتعطينا الرحلة فكرة عن بعض سمات التركي ومنها بأس وحدة طبع التركي؛ ففي مدينة سرمين حضر بعض الأتراك على أحد السماسرة وهو ينادي على سلعة فقال: تسعة وواحد، فضربه التركي بدبوس على رأسه، و قال قل: عشرة بالدبوس.(ص 68) وهي غيرة سنية لأن الشيعة لما يصلون على رقم عشرة يقولون تسعة وواحد! و في حديثه عن التركمان يقول "يمنعون من حمل السلاح لقوتهم وبأسهم وجراءتهم على الملوك".(ص 206) وعن مدينة أرز الروم، يقول؛ وهي من بلاد ملك العراق.. كبيرة الساحة خرب فيها الكثير بسبب فتنة وقعت بين طائفتين من التركمان بها. (ص 298) كما يقول "البركة في الشام والشفقة في الروم، وإنما عني به أهل هذه البلاد".(ص 283) ويصور التركي وأبناء عمومته من التتر والمماليك بأنهم أناس حرب وبأس؛ يقول ابن بطوطة "الأفغان والمماليك للحرب."(ص 541) ويذكر الترك في مشاكل الحرب والنزاع في المنطقة يقول ابن بطوطة "ورما الترك بالنشاب فقتلوا امرأة قيل إنها كانت تحرض أهل مكة على القتال، وركب من الأتراك وأميرهم خاص ترك، والأئمة والمجاورين وفوق رؤوسهم المصاحف".(ص 242) ويقول "...ولما وصلنا إلى عيذاب وجدنا الحدربي سلطان البجاة يحارب الأتراك، و قد خرق المراكب وهرب الترك أمامه، فتعذر سفرنا في البحر، فبعنا ما كنا أعددناه من الزاد"... ص 53 ويذكر أن "قراسونقور أمير الأمراء بحلب، وكان له ثمانمائة مملوك فركب فيهم وخرج على العساكر صباحا، فاخترقهم و أعجزهم سبقا، و كانوا في 20 ألف".(ص 76) فالأتراك حسب ما نفهمه من رحلة ابن بطوطة هم أناس سنيون، حنفيون، أقوياء، غزاة، أهل نجدة و كرم، محبون للعلماء والفقهاء، محبون للغريب.
بلاد الأتراك يقول ابن بطوطة في حديثه عن الانتقال من بلاد الشام إلى المجال التركي "ومن اللاذقية ركبنا البحر في قرقورة كبيرة للجنويين، وقصدنا بر التركية المعروف ببلاد الروم، وإنما نسبت إلى الروم لأنها كانت بلادهم في القديم، ومنها الروم الأقدمون واليونانية ثم استفتحها المسلمون، وبها الآن كثير من النصارى تحت ذمة المسلمين من التركمان. وهذا الإقليم المعروف ببلاد الروم من أحسن بلاد الدنيا، وقد جمع الله ما تفرق من المحاسن في البلاد.".(ص 283) وكانت العلايا أول مدينة ينزل بها، ثم زار معظم المدن الكبرى في آسيا الصغرى: مثل أنطالية (أضالية) وقونية وأقصرا وسيواس وأيا سلوق (أفيسوس) ويزمير (إزمير) ومغنيسية (منيسه) وبرصا وقصطمونية وانتهى إلى ميناء صنوب (سينوب) على البحر الأسود. وخط سير الرحالة في هذه الأنحاء يعتوره خلط شديد حتى ليتعذر تحقيقه. ولكن ابن بطوطة من ناحية أخرى يعطي صورة واضحة للدولة العثمانية في مهد نشأتها، إذ يصف الإمارات والدويلات التركية أو المدينة- الدولة (على غرار ما كان سائدا في القرون الوسطى) المتعددة قبل أن يجمعها العثمانيون في دولة واحدة. وبعد أن أقام في صنوب أربعين يوما عبر البحر الأسود إلى شبه جزيرة القرم، فنزل في مدينة الكفا (فيودوسيا) وكانت تابعة لجمهورية جنوة وبها أكبر سوق للرقيق المملوكي في العصور الوسطى، وفيها سمع ابن بطوطة صوت نواقيس الكنائس لأول مرة في حياته. ثم اكترى عجلة وسافر إلى مدينة القرم فقضى فيها أياما تركها بعدها إلى مدينة أزاق (آزوف) فبلدة الماجر بالقوقاز، وفيها تجهز قاصدا معسكر السلطان محمد أوزبك، خان مغول القبيلة الذهبية، وكان ينزل على مسيرة أربعة أيام من الماجر بموضع يقال له "بش دغ". ويتحدث ابن بطوطة عن مثوله في حضرة السلطان، وعن زوجاته الأربع وترتيبهن في السفر معه، وعن بنته وولديه؛ ويسمع عن مدينة البلغار فيتوجه إليه ليرى "ما ذكر عنها من انتهاء قصر الليل بها، وقصر النهار أيضا، في عكس ذلك الفصل". وفيها يفكر في السفر إلى أرض الظلمة (سيبريا) ثم يضرب عن ذلك لعظيم المؤنة، وقلة الجدوى، ويعود من مدينة البلغار إلى معسكر الخان في بش دغ حيث يقضي أيام عيد الفطر، ويصف عادات القوم فيه؛ ثم يرحل مع السلطان إلى مدينة الحاج ترخان (استراخان) وفيها ترغب الزوجة الثالثة للسلطان وهي بيلون بنت ملك الروم أندرونيكوس الثالث أن تزور أباها لتضع حملها عنده، ويستأذن ابن بطوطة في أن يصحبها إلى القسطنطينية، فيؤذن له، ويسير في ركبها. ولا نعرف على وجه التحقيق الطريق الذي سلكه الموكب عبر البلقان لغموض أسماء كثير من المدن التي يذكرها ابن بطوطة. وفي القسطنطينية عزم الخاتون على ألا تعود لزوجها، وكان قد مضي على مقامها شهر وستة أيام، ومن ثم قفل ابن بطوطة عائدا إلى عاصمة السلطان أوزبك في مدينة السرا على نهر الفلجا، ومنه عبر النهر وسار إلى خوارزم "أكبر مدن الأتراك وأعظمها وأجملها وأضخمها" ما يهمنا هنا من رحلته داخل الأقاليم التركية أو على الأصح التركمانية هو الأوصاف العامة لهاته المدن ولتلك الأقاليم:
- ثم سرنا منها على طريق دشت الروم وهي صحراء يسكنها الأتراك.(ص 203) - في وصفه لمرسى الإسكندرية يقارنها بثلاث مراسي أخرى عظيمة من بينها "... مرسى الكفار بسرادق ببلاد الأتراك". - ثم سافرت إلى مدينة تبزين، وهي على طريق قنسرين، وهي حديثة اتخذها التركمان، وأسواقها حسان... (ص 74) - هناك أحياء للمسلمين و للروم و لليهود، دليل على التعايش والتسامح الديني. - العلايا مدينة يسكنها التركمان.(ص 284) - مدينة للكفار على ساحل البحر تسمى فوجة على مسيرة يوم من مغنيسية وهؤلاء الكفار في بلد حصين، وهم يبعثون هدية في كل سنة إلى سلطان مغنيسية، فيقنع منهم بها لحصانة بلدهم.(ص 305-306) ثم سافرنا من مغنيسية وبتنا ليلة عند قوم من التركمان قد نزلوا في مرعى لهم، ولم نجد عندهم ما نعلف به دوابنا تلك الليلة. وبات ابن بطوطة وأصحابه يحرسون الأمتعة والأفراس.. وغلبهم النوم ليصبح فرس ابن بطوطة مسروقا.(ص 306) - كبنوك بلدة صغيرة يسكنها كفار الروم تحت ذمة المسلمين، وليس فيها غير بيت واحد من المسلمين. وهم الحكام عليهم، وهي من بلاد السلطان أرخان بك، فنزلنا بدار عجوز كافرة، وذلك إبان الثلج والشتاء، فأحسنا إليها وبتنا عندها تلك الليلة(ص311)... أوصاف ابن بطوطة هذه لكل مدينة أو قرية؛ تعطينا صورة عامة عن واقع بلاد الأتراك، وطبيعة الفضاء والأرضية التي شكلت البدايات الأولى لنشأة الدولة العثمانية وانطلاقها. وإذا كانت المدن جيدة البناء وبها مقومات الحياة المدنية المناسبة فإننا نفهم من خلال الرحلة أن بلاد التركمان على العكس من ذلك مرتبطة بالثلوج وقطاع الطرق ووعورة الطريق وقلة العلف والأكل، يقول ابن بطوطة أنه لما كان متجها من كاوية نحو مطرني، وقع ثلج كثير في تلك الليلة غصت به الطرق، فتقدمنا فارس فاتبعنا أثره إلى أن وصلنا في نصف النهار إلى قرية للتركمان.. فركب معنا أحدهم وسلك معنا أوعارا وجبالا و مجرى ماء تكرر لنا جوازه أزيد من الثلاثين مرة لأنه طمع في ابن بطوطة وأصحابه رغبة في المال، ولما أخذه فر به، تاركا إياهم للهلاك في الخلاء. (ص 311) كما انتبه ابن بطوطة لعدد القلاع الكبير الذي كان ببلاد الأناضول وهو إرث روماني، استفاد منه الأتراك في بداية نشأة دولتهم العثمانية.
ملوك الأتراك "لكل مدينة كبيرة إقليم واسع يحكمه ملك"... جملة تفيد الكثير؛ وهؤلاء هم سلاطين بلاد الترك في القرن الرابع عشر خلال زيارة ابن بطوطة: والمعلومات التي يقدمها ابن بطوطة في هذا الباب في غاية الأهمية فهي تعطينا فكرة حقيقية عن ملوك الأتراك وطريقة حكمهم، عاداتهم، تقاليدهم، كرمهم أو شحهم، حبهم للعلم والعلماء، فتوحاتهم وغزواتهم.. معرفة ملوك وأمراء بلاد الأتراك الأوائل الذين أسسوا لدولة استمرت لأزيد من خمسة قرون:
- سلطان مدينة العلايا يوسف بك. (ص283) - سلطان مدينة أنطالية خضر بك ابن يونس بك. (ص287) - سلطان مدينة أكريدور هو أبو إسحاق بك الدنداربك من كبار سلاطين تلك البلاد. (ص288) - سلطان قل حصار محمد جلبي. (ص289) - سلطان لاذق هو السلطان يننج بك، وهو من كبار سلاطين بلاد الروم. ( ص291) - سلطان ميلاس هو السلطان المكرم شجاع الدين أرخان بك ابن المنتشا، وهو من خيار الملوك، حسن الصورة والسيرة، جلساؤه الفقهاء، وهم معظمون لديه.( ص293) سلطان مدينة اللارندة هو الملك بدر الدين بن قرمان، وكانت قبله لشقيقه موسى، فنزل عنها للملك الناصر، وعوضه عنها بعوض، وبعث إليها أميرا وعسكرا، ثم تغلب عليها السلطان بدر الدين، وبنى بها دار مملكته، واستقام أمره بها.(ص295) - مدينة أقصرا في طاعة ملك العراق.(ص295) - مدينة نكدة وهي من بلاد العراق.(ص295) - قيسارية من بلاد ملك العراق.(ص 296) - مدينة سيواس، وهي بلاد ملك العراق وأعظم ماله بهذا الإقليم من البلاد.(ص 296) - مدينة أماصية ملكها هو صاحب العراق ويقرب منها بلدة سونسى وهي لصاحب العراق أيضا.(ص297) - مدينة كمش وهي من بلاد العراق.(ص 298) - أرزنجان هي من بلاد صاحب العراق.(ص 298) - مدينة أرز الروم، وهي من بلاد ملك العراق.(ص 298) - سلطان مدينة بركي هو السلطان محمد بن آيدن من خيار السلاطين وكرمائهم وفضلائهم. (ص300) - أمير مدينة يزمير البحرية هو الأمير عمر بن السلطان محمد بن آيدن المذكور آنفا.. وكان هذا الأمير كريما صالحا كثير الجهاد له أجفان غزوية يضرب بها على نواحي القسطنطينية العظمى فيسبي ويغنم ويفني ذلك كرما وجودا، ثم يعود إلى الجهاد، إلى أن اشتدت على الروم وطأته فرفعوا أمرهم إلى البابا، فأمر نصارى جنوة وفرنسة بغزوه وجهز جيشا من رومية وطرقوا مدينته ليلا في عدد من الأجفان، وملكوا المرسىوالمدينة، ونزل إليهم الأمير عمر من القلعة، فقاتلهم، فاستشهد هو وجماعة من ناسه، واستقر النصارى بالبلد ولم يقدروا على القلعة لمنعتها.(ص 304) - سلطان مدينة مغنيسية يسمى صاروخان.(ص 305) - سلطان مدينة برغمة يسمى يخشي خان.(ص 306) - سلطان بلي كسري، يسمى دمور خان، لا خير فيه. (ص 307) وربما معيار العطاء تدخل في شكر الملوك أو ذمهم، فهذا الملك لم يعطه غير ثوب حرير فقط ! - سلطان برصا هو اختيار الدين أورخان بك، وأورخان ابن السلطان عثمان جوق.. وهذا السلطان أكبر ملوك التركمان وأكثر مالا و بلادا و عسكرا، له من الحصون ما يقارب مائة حصن، وهو مائة حصن، وهو في أكثر أوقاته لا يزال يطوف عليها، ويقيم بكل حصن منها أياما لإصلاح شؤونه و تفقد حاله. ويقال إنه لم يقم قط شهرا كاملا ببلد، و يقاتل الكفار ويحاصرهم، ووالده هو الذي استفتح مدينة برصا من أيدي الروم، وقبره بمسجدها، وكان مسجدها كنيسة للنصارى. ويذكر أنه حاصر مدينة برتيك نحو عشرين سنة، ومات قبل فتحها، فحاصرها ولده هذا الذي ذكرناه اثني عشرة سنة وافتتحها، وبها كان لقائي له، وبعث إلي بدراهم كثيرة.(ص 308-309) - سلطان كردي بولي، هو السلطان شاه بك من متوسطي سلاطين هذه البلاد، حسن الصورة والسيرة، جميل الخلق قليل العطاء.(ص 315) - السلطان المكرم سليمان بادشاه، وهو كبير السن ينيف على سبعين سنة، حسن الوجه، طويل اللحية، صاحب وقار وهيبة، يجالسه الفقهاء و الصلحاء. (ص 316) - مدينة صنوب البحرية وأميرها هو إبراهيم بك غبن سليمان بادشاه. (ص 319) و نستنتج استنتاجا مهم من خلال أحد المقاطع في الرحلة؛ فلما استقبله الأمير علاء الدين أرتنا نائب ملك العراق ببلاد الروم سأله عن العراقين وأصبهان وشيراز وكرمان وعن السلطان أتابك وبلاد الشام ومصر وسلاطين التركمان! (ص 297) فنفهم من خلال سؤاله له عن بلاد الترك بصيغة الجمع و التعدد "سلاطين التركمان"، لنفهم حقيقة البلاد التركية في تلك الفترة والتي حددنا واقعها أعلاه في جردنا لملوك الأتراك والمدن التي كانت تحت أيديهم في تلك الفترة. ونفس الأمر بالنسبة للعراق التي كانت عراقين عراق العرب وعراق العجم. وعندما زار "ابن بطوطة" بلاد الأناضول في فترة حكم السلطان أورخان وقابله هناك صرح بأنه التقى بأورخان (1362-1326) ب نيسي. بل يمكننا ابن بطوطة من معرفة أهم الممالك والملوك المتغلبين على الملك بعد موت السلطان أبي سعيد فيقدم لنا بذلك نظرة وافية عن ملوك وممالك القرن الرابع عشر، بل نظرة حقيقية عن التشتت السياسي الكبير قبل نشوء الإمبراطوريات الكبرى أنقاض الدولة العباسية، كالدولة الفارسية والدولة العثمانية: (ص231)
- الشيخ حسن، تغلب على عراق العرب جميعا. - ومنهم إبراهيم شاه ابن الأمير سنية على الموصل و ديار بكر. - الأمير أرتنا، ببلاد التركمان المعروفة أيضا ببلاد الروم (التواجد البيزنطي السابق بهذه البلاد). - حسن خواجة بن الدمرطاش بن الجوبان، بتبريز والسلطانية وهمذان وقم وقاشان والري ورامين وفرغان والكرج. - الأمير طغتمور، ببلاد خراسان. - الأمير حسين، هراة ومعظم بلاد خراسان. - ملك دينار، بلاد مكران وبلاد الكرج. - محمد شاه بن مظفر، يزد وركمان و ورقو. - الملك قطب الدين تمهتن، هرمز، كيش، القطيف، البحرين، قلهات. - السلطان أبو إسحاق، شيراز وأصفهان وملك فارس. - السلطان أفراسياب أتابك، إيذج وغيرها من البلاد.
عادات وتقاليد الأتراك نستفيد من الرحلة العديد من تقاليد الأتراك وعاداتهم. فتعرف على وصف مجلس السلطان في العيد (عيد الفطر).(ص 341) ونعرف أن عادة التقبيل كانت تأثرا بفضل أمراء التتر عند ملوكهم.(ص 202) ونستنتج أن عادة الخنق عادة عريقة في القصر العثماني التركي وليس ظاهرة حديثة.(ص374) ففي مدينة أنطالية "من عادتهم أن يقرأ جماعة الصبيان بالأصوات الحسان بعد العصر من كل يوم في المسجد الجامع، وفي المدرسة أيضا".(ص 285) وأن الحمام التركي عريق في التقاليد التركية فابن بطوطة كان يؤخذ للحمام ويهتم به الثلاث والأربع من الرجال.(ص 290) ويقول عن الآخي طومان (لما كان في مدينة أرز روم) ، انه خدمهم بنفسه في الطعام وخدهم أولاده في الحمام.(ص 298) وتصل درجة اهتمامه بالحمامات إلى درجة أن أحد الأمراء الكبار ممن تابوا إلى الله واسمه فخر الدين، بنى زاوية وصفها ابن بطوطة أنها"أحسن زاوية رأيتها بتلك البلاد"، بنى قبالة الزاوية "حماما للسبيل يدخله الوارد والصادر من غير شيء يلزمه".(ص 318) ونتعرف على عراقة الغناء والرقص والتجويد بالأصوات الحسان في الزوايا وأنها عادة قديمة، و تدلنا على المنابع الأولى للاهتمام التركي العثماني بالموسيقى الصوفية والروحية. يقول ابن بطوطة "وبهذه المدينة (قونية) تربة الشيخ الإمام الصالح القطب جلال الدين المعروف بمولانا، وكان كبير القدر. وبأرض الروم طائفة ينتمون ويعرفون باسمه.. وعلى تربته زاوية عظيمة فيها الطعام للوارد والصادر".(ص 294) معلومات مهمة عن جذور الطريقة المولوية وعن صاحبها خلال القرن 14م. ومن عادتهم أيضا أنه (في مدينة اللارندة يحكي ابن بطوطة) إذا سلم عليهم أحد ونزل لهم ينزلون له، ويعجبهم ذلك ويزيدون في إكرامه، وإن سلم وهو راكب ساءهم ذلك ولم يرضهم. (ص 295) ونفهم أيضا ظاهرة عريقة عند ملوك الأتراك وهي التصييف في مناطق خاصة وقت الصيف والحرارة؛ فقد كتب مدرس مدينة بركي إلى السلطان بخبر ابن بطوطة ورفاقه وثناءه عليهم لدى السلطان، والسلطان في جبل هناك يصيف فيه لأجل شدة الحر، وذلك الجبل بارد، وعادته أن يصيف فيه.(ص 299) ولما زار مدينة برغمة وجد سلطانها في مصيفه.(ص 306) ونفهم أيضا بعد أصول لقاء الملوك فلما سافر ابن بطوطة إلى سلطان مدينة بركي في مصيفه بات في الليلة الأولى، ثم في الليلة الثانية ذهب المدرس الذي رافق ابن بطوطة لملاقاة السلطان إلى السلطان للتحدث عن ابن بطوطة وعودته إلى ابن بطوطة، وبعدها أرسل السلطان في طلبهما معا. وحين ملاقاته قعد الفقيه على يمين السلطان وقعد ابن بطوطة بجانب الفقيه، وفي لقاء آخر جلس القاضي في صدر المجلس وابن بطوطة على يسار الفقيه وقعد السلطان عن يمين الفقيه،(ص 300- 301) ويقول ابن بطوطة في ذلك "وذلك لعزة الفقهاء عند الترك" (ص 300)، كما نفهم نحن أيضا أن هناك تقاليد في الجلوس مع الملوك و تراتبية معينة في ذلك. ولاحظ ابن بطوطة أن خدام ملك بركي صورهم فائقة الحسن، وعليهم ثياب الحرير، وشعورهم مفروقة مرسلة وألوانهم ساطعة البياض، مشربة بحمرة، فقلت للفقيه: ما هذه الصور الحسان؟ فقال: هؤلاء فتيان روميون.( ص 301) أتكون هذه جذور سابقة لما سمي فيما بعد "الديوشرمة"، أم أن استجلاب الصبيان الروم سابقة عن الديوشرمة؟ كما يتحدث ابن بطوطة عن عادات الدفن لدى الأتراك قائلا: "ولما وصلنا إلى هذه البلدة وجدناه بتربة ولده، وكان توفي منذ اشهر، فكان هو وأم الولد ليلة العيد وصبيحتها بتربته، والولد قد صبر وجعل في تابوت خشب مغشى بالحديد المقزدر وعلق في قبة لا سقف لها لتذهب رائحته، وحينئذ تسقف القبة ويجعل تابوته ظاهرا على وجه الأرض، وتجعل ثيابه عليه. وهكذا رأيت غيره أيضا من الملوك فعل".(ص 305) عادة أكل الحشيش في مدينة صنوب حتى أن أميرها غازي جلبي المعروف بالشجاعة والإقدام في حروب الكفار، مات في رحلة صيد لما قيل أنه أكثر من أكل الحشيش فشج رأسه أحد الأغصان لما كان فرسه يركض بسرعة، والأمير إبراهيم بعده كان يأكل، بل أهل بلاد الروم كلها لا ينكرون أكله، بل ابن بطوطة يؤكد أنه حتى الأجناد الموجودين بالقرب من الدكاكين الموجودة بالقرب من جامع صينوب يأكلونه.(ص 319-320) كما نعرف أن من عادة الأتراك أن يسيروا في هذه الصحراء سيرا كسير الحجاج في درب الحجاز، يرحلون بعد صلاة الصبح، وينزلون ضحى، ويرحلون بعد الظهر، وينزلون عشيا، وإذا نزلوا حلوا الخيل والإبل والبقر عن العربات وسرحوها للرعي ليلا ونهارا، ولا يعلف أحد دابة لا السلطان ولا غيره.(ص 342)
الدين تركيز الرحالة على معرفة أحوال الفقهاء والزهاد والمتعبدين بشكل أساسي، يعطينا فكرة جيدة عن الحياة الثقافية والدينية في العصر السلجوقي والبدايات الأولى للتدين السني. ولقد أثر التكوين الديني الفقهي السني في توجيه رحلة ابن بطوطة. لقد سافر إلى مكة ليحج سبع مرات، ومن كثرة اهتمامه بالبعد الديني نجده ينتبه حتى إلى عدد المساجد في المدن فيقول في وصفه لمدينة لاذق "وهي من أبدع المدن وأضخمها، وفيها سبعة من المساجد لإقامة الجمعة..."(ص 289) بينما يتنبه لعدم وجود الجامع في مدينة بلى كسرى قائلا "وسرنا في جبال شامخة وعرة إلى أن وصلنا إلى مدينة بلى كسرى، مدينة حسنة كثيرة العمارات مليحة الأسواق، ولا جامع لها يجتمع فيه".(ص 306) وكانت زيارته للمدن تتوخى مقابلة شخصياتها البارزة وبخاصة منهم العلماء والأولياء الصالحون، فأول ما كان يبحث عنه ابن بطوطة في المدن والبوادي التي يزورها فقهاءها وزهادها وصلحاؤها، والأمر مفهوم باعتبار ابن بطوطة مهتما بالعلوم الشرعية. ومن الممكن من خلال الرحلة رسم الخريطة الدينية للقرن الرابع عشر الميلادي، ومختلف المذاهب السائدة، والمناطق التي انتشر فيها هذا المذهب أو ذاك، وكذا التجاذبات بين هذه المذاهب. وبفضل رحلة ابن بطوطة في بلاد الأتراك، تمكنا من معرفة الحظوة التي كانت للقضاة والفقهاء، حيث كانوا ثاني طبقة مقربة من السلاطين في بلاد الترك. ففي حديثه عن بعض أعلام مكة يقول "ومنهم إمام الحنفية شهاب الدين أحمد بن علي من كبار أئمة مكة وفضلاءها يطعم المجاورين وأبناء السبيل وهو أكرم فقهاء مكة.. وأمراء الأتراك يعظمونه ويحسنون الظن به لأنه إمامهم."(ص 151) وحين زيارته لمدينة كردي بولي يقول ابن بطوطة أنه التقى الخطيب الفقيه شمس الدين الدمشقي الحنبلي، وهو فقيه السلطان وخطيبه ومسموع الكلام عنده.(ص 315) ونتعرف على مسألة الطعام في الزوايا مثل الزوايا في المغرب؛ وقد وصف ابن بطوطة علم الآخية المتصوفين في تكياتهم وجمعياتهم قائلا: الآخية الفتيان گويد، واحد الآخية أخي علي لفظ الأخ إذا أضافه المتکلم إلي نفسه وهم بجميع بلاد الترکمانية الرومية في کل بلد مدينة قرية ولا يوجد في الدنيا مثلهم أشد احتفالا بالغرباء من الناس وأسرع إلي إطعام الطعام وقضاء الحوائج والآخذ علي أيدي الظلمة وقتل الشرط ومن لحق بهم من أهل الشر. والآخي عندهم رجل يجتمع أهل صناعته وغيرهم من الشبان الأعزاب المتجردين ويقدمونه علي أنفسهم وتلك هي الفتوة أيضا ويبني زاوية ويجعل فيها الفرش والسرج وما يحتاج إليه من الآلات ويخدم أصحابه بالنهار في طلب معايشهم ويأتون إليه بعد العصر بما يجتمع لهم فيشترون به الفواکه والطعام إلي غير ذلك مما ينفق في الزاوية. فإن ورد في ذلك اليوم مسافر علي البلد انزلوه عندهم وکان ذلك ضيافته لديهم ولا يزال عندهم حتى ينصرف وإن لم يرد وارد اجتمعوا، هم علي طعامهم فأکلوا وغنوا ورقصوا وانصرفوا إلى صناعتهم بالغدو وأتوا بعد العصر إلي مقدّمهم بمجتمع لهم ويسمون بالفتيان ويسمي مقدمهم کما ذکرنا الآخي ولم أر في الدنيا أجمل أفعالا عنهم ويشبههم في أفعالهم أهل شيراز وأصفهان إلا أن ّ هؤلاء أحب في الوارد والصادر وأعظم إکراماً له وشفقة عليه.(ص 285- 286) حتى أن الآخية تنازعوا وتخاصموا في إحدى المرات حول من سيفوز بضيافة ابن بطوطة ورفاقه من شدة حبهم في رعاية الوافد والضيف.(ص 290) وفي إحدى تعابيره الجميلة التي توفي هؤلاء الفتية حقهم من المدح يقول ابن بطوطة " لما دخلنا الزاوية وجدنا النار موقدة، فنزعت ثيابي ولبست ثيابا سواها، واصطليت بالنار، وأتى الآخي بالطعام والفاكهة وأكثر من ذلك، فلله درهم من طائفة ما أكرم نفوسهم وأشد إيثارهم وأعظم شفقتهم على الغريب، وألطفهم بالوارد، وأحبهم فيه وأجملهم احتفالا بأمره، فليس قدوم الإنسان الغريب عليهم إلا كقدومه على أحب أهله إليه".(ص 314-315) حتى لكأنك تتخيل رحلة ابن بطوطة في بلاد الترك تكاد تكون مستحيلة بدون وجود هؤلاء الآخية والفتية. ومما يظهر الميل الديني في الحكم على بلاد الإسلام يقول ابن بطوطة "وجميع أهل هذه البلاد –العلايا أول بلاد الروم- على مذهب الإمام أبي حنيفة، رضي الله عنه، مقيمين على السنة، لا قدري فيهم ولا رافضي ولا معتزلي ولا خارجي ولا مبتدع، وتلك فضيلة خصهم الله تعالى بها، إلا أنهم يأكلون الحشيش ولا يعيبون ذلك".(ص 283) تخيلوا معي إن كان هؤلاء شيعة كيف كان حكم ابن بطوطة سيكون عليهم مع أكلهم للحشيش؟ بالطبع سيكون مخالفا جدا لكونهم ليسوا بسنة.
المصطلحات المستعملة والكلمات الأعجمية تأتي أهميّة هذا البحث من أهميّة ميدانه، فهو يدخل في (علم اللغة الجغرافي، أو الجغرافيا اللغوية)، فهي إحدى أشهر الرحلات العربية؛ لاشتمالها على الوصف وذكر أسماء الأشياء التي تتنوع من بلد إلى آخر، ومع أن ابن بطوطة لم يعتنِ بتتبع لغات البلاد في التعبير عن المعنى الواحد، لكنه في مواضع كثيرة كان يشير إلى لغات تلك البلاد في الكلمات التي يتحدث عنها، سواء كان البلد عربيا بذكر اللفظ العربي، أم أعجميا بذكر اللفظ الأعجمي. يقول ابن جزي في تقديمه للرحلة "وشرحت ما أمكنني شرحه من الأسماء العجمية لأنها تلتبس بعجمتها على الناس، ويخطئ في فك معماها معهود القياس.(ص 13) وإذا كان مدون الرحلة أحس بمدى العجمة الطاغية في متن الرحلة فما بالنا بالإشكال اللغوي الذي عايشه صاحب الرحلة نفسه. لقد استطعنا التعرف على لائحة جد هامة من الأسماء التي كانت سائدة في العالم التركي. هذه الأهمية على المستوى تسمح لنا بمقارنة المصطلحات قبل وبعد تشكل الدولة وتوضح اللغة لدى الترك، كما تسمح لنا بمعرفة جذور بعض المصطلحات التي استمرت في التداول في العالم الإسلامي فيما بعد. إن مسألة إسقاط الأسماء المغربية على أشياء مسماة بأسمائها المحلية، يظهر لنا العائق اللغوي الذي كان مطروحا على ابن بطوطة فهو مثلا يقول زاوية كما في المغرب وليس تكية أو حوزة كما هي مسماة في بلاد الترك وبلاد فارس، فالتكية والحوزة إذن تسميات لاحقة. الزاوية في بلاد الأتراك في تلك الفترة كانت تسمى بالخوانق مفردها خانقة. وتمكنا من ضبط الاسم التاريخي الذي كان يطلق على الترك وبلادهم في القرن الرابع عشر، فابن بطوطة يتحدث عن الترك، وعن التركمان القبائل المنتشرة في صحراء الأناضول. ويتحدث عن بلاد الأتراك التي هي أيضا المسماة "بلاد الروم". وعموما تعرفنا على العديد من الأسماء والمصطلحات المتداولة في تلك الفترة أسماء الأماكن والأعلام والأشياء... والتي من خلالها من الممكن استنتاج الكثير على المستوى اللغوي، والاجتماعي، والديني...
وكنموذج للكم الكبير من المصطلحات التركية التي زخر بها متن الرحلة نترك للقارئ التأمل في هذه الاقتباسات المباشرة من نص الرحلة:
- ثم جاء فقيه كبير هو رئيس فقهاء تلك البلاد، فقال لي السلطان: هذا مولانا فضيل، والفقيه ببلاد الأعاجم كلها إنما يخاطب بمولانا و بذلك يدعوه السلطان و سواه.(ص 198) - سلمت عليه ووجدت عنده الأمير سلف الدين يلملك وهو من الخاصكية.(ص 29) - وبكل منزل فيها منزل، وهم يسمونه الخان. ينزله المسافرون بدوابهم.( ص 54) - بيبرس الششنكير، وهو أمير الطعام، و تسمى بالملك المظفر.(ص 111) - ابن خداد، ومعنى خداد عطية الله.(ص 204) - الطواشية هم الخصيان.(ص 176) - السمن هو التبن بلسان الترك، السمن يسمى عندهم رباغ.(ص 313) - الخوانق هي الزوايا. واحدتها خانقة. (ص 37) - خوند عالم وهو السلطان.(ص 158) - و تضرب الطبلخانة عند بابه مساء و صباحا.(ص 178) - الأمير كشلي خان، و الخان عندهم أعظم الأمراء و هو الساكن بملتان كرسي بلاد السند. (ص 180) - جبة بيضاء مبطنة تدعى عندهم هزرميخي.(ص 201) - شاشية يسمونها الكلا.(ص 202) - الجنادرة هم الشرط.(ص 206) - والشاوشية، وهم من الجنادرة.(ص 250) - كل من كان من أبناء الملوك يسمونه أغلي.(ص 373) - الطبلخانة، ضرب من الموسيقى العسكرية.( ص256) - الحراس فتيان ردم (الديوشرمة).(ص 302) - الصرنايات هي الغيطات. - نماز هي الصلاة.(ص 372) - بك معناه الأمير، تين معناها الجسد، أمير الجسد.(ص337) - وتوجهنا إلى لقاء ملك العلايا، وهو يوسف بك، ومعنى بك الملك.(ص 284) - وسلطانها محمد جلبي، وتفسيره بلغة الروم سيدي.(ص 289) - وانصرفنا على طريق قرا أغاج، وقرا تفسيره أسود، و أغاج تفسيره الخشب.(ص 289) - ووصلنا إلى مدينة لاذق، وتسمى أيضا دون غزله، وتفسيره بلد الخنازير.(ص 289)