الصين: الحكومات المحلية تصدر سندات بحوالي 172 مليار دولار في الربع الأول    الصين تتوقع زيادة بنسبة 27 في المائة في السفر عبر الحدود خلال عطلة عيد العمال    أجواء حارة نسبيا في توقعات طقس الثلاثاء    طقس الثلاثاء: أجواء حارة نسبيا بأغلب الجهات    عودة الكهرباء بنسبة 99 % في إسبانيا    التيار الكهربائي يعود إلى معظم مناطق إسبانيا    إمدادات الكهرباء تعود في البرتغال    جسر جوي جديد بين تشنغدو ودبي.. دفعة قوية لحركة التجارة العالمية    حصاد وفير في مشروع تطوير الأرز الهجين بجيهانغا في بوروندي بدعم صيني    البوليساريو تنهار… وتصنيفها حركة ارهابية هو لها رصاصة رحمة    لماذا يستحق أخنوش ولاية ثانية على رأس الحكومة المغربية؟    سانشيز يشيد بتعاون المغرب لإعادة الكهرباء    رئيس الحكومة الإسبانية: استعدنا 50% من إمدادات الكهرباء.. ونعمل على استرجاع الوضع بالكامل    مالي والنيجر وبوركينافاسو.. جلالة الملك يستقبل وزراء خارجية دول الساحل    أسعار الذهب تبصم على ارتفاع كبير    الأمن يفكك شبكة إجرامية متخصصة في تأسيس شركات وهمية والتزوير    الملك يستقبل وزراء خارجية بلدان تحالف دول الساحل    اضطرابات في مطارات المملكة بسبب انقطاع التيار الكهربائي في إسبانيا    ببلوغ نهائي كأس إفريقيا للأمم .. "لبؤات الفوتسال" يتأهلن إلى المونديال    الملك محمد السادس يهنئ بنكيران    فاتح ذي القعدة غدا الثلاثاء بالمغرب    حصيلة الدورة 30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب    انقطاع الكهرباء في إسبانيا والبرتغال وفرنسا يوقف خدمة الإنترنت لشركة أورونج في المغرب    وزير العدل.. مراجعة الإطار القانوني للأسلحة البيضاء أخذ حيزا مهما ضمن مشروع مراجعة القانون الجنائي    برلمانات الجنوب العالمي تعوّل على منتدى الرباط لمناقشة "قضايا مصيرية"    "الأخضر" ينهي تداولات البورصة    تداعيات الكارثة الأوروبية تصل إلى المغرب .. أورنج خارج التغطية    الكهرباء تعود إلى مناطق بإسبانيا    ‪بنسعيد يشارك في قمة أبوظبي ‬    شبهات هجوم سيبراني بخصوص الشلل الكهربائي الشامل في إسبانيا    دوري أبطال أوروبا.. إنتر يواجه برشلونة من دون بافار    نزهة بدوان رئيسة لمنطقة شمال إفريقيا بالاتحاد الإفريقي للرياضة للجميع    يضرب موعد قويا مع سيمبا التنزاني .. نهضة بركان في نهائي كأس الكونفيدرالية الإفريقية للمرة الخامسة في العقد الأخير    أزيد من 3000 مشاركة في محطة تزنيت من «خطوات النصر النسائية»    منتدى الحوار البرلماني جنوب- جنوب محفل هام لتوطيد التعاون بشأن القضايا المطروحة إقليميا وقاريا ودوليا (ولد الرشيد)    الدار البيضاء.. توقيف عشريني بشبهة الاعتداء على ممتلكات خاصة    منظمة الصحة العالمية: التلقيح ينقذ 1.8 مليون شخص بإفريقيا في عام واحد    مزور يؤكد على التزام المغرب بتعزيز علاقاته الاقتصادية مع الصين في إطار المنتدى الصيني العربي    أزيد من 403 آلاف زائر… معرض الكتاب بالرباط يختتم دورته الثلاثين بنجاح لافت    هشام مبشور يفوز بلقب النسخة الثامنة لكأس الغولف للصحافيين الرياضيين بأكادير    مصر تفتتح "الكان" بفوز مهم على جنوب إفريقيا    ترايل أمزميز.. العداؤون المغاربة يتألقون في النسخة السابعة    ندوة توعوية بوجدة تفتح النقاش حول التحرش الجنسي بالمدارس    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    خط جوي مباشر يربط الدار البيضاء بكاتانيا الإيطالية    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    بريطانيا .. آلاف الوفيات سنويا مرتبطة بتناول الأغذية فائقة المعالجة    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    شهادات تبسط مسار الناقدة رشيدة بنمسعود بين الكتابة والنضالات الحقوقية    "جرح صعيب".. صوت عماد التطواني يلامس وجدان عشاق الطرب الشعبي    مي حريري تطلق " لا تغلط " بالتعاون مع وتري    العرائش: عزفٌ جنائزي على أوتار الخراب !    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    منصف السلاوي خبير اللقاحات يقدم سيرته بمعرض الكتاب: علينا أن نستعد للحروب ضد الأوبئة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ابنُ بطوطة: أميرُ الرحّالينَ المُسلمين
نشر في دنيابريس يوم 19 - 02 - 2011


(في ذكرى مولده: 24 فبراير 1304م)
* إعداد يوسف الملاّج
يُعتبر ماركو بولو أشهر رحّالة العالم في العصور الوسطى. فقد كان رجلاً استثنائياً خرج في مغامراته إلى أراضٍ بعيدة مجهولة واستكشف أرجاء مثيرة من العالم في أسفاره ليسرد لنا قصة رائعة عن تجاربه مع شعوب وثقافات غريبة.
لكن كم منّا يا ترى يعرف أنّ رجلاً آخر عاش في الفترة ذاتها تقريباً التي عاش فيها ماركو بولو غير أنّه سافر أكثر منه؟ إنّه ابن بطوطة، الرحّالة المغربيّ الأمازيغيّ المسلم الذي فاق كلّ رحّالة عصره وقطع حوالي 75 ألف ميل تقريباً في أسفاره. كما أنّه أيضاً الرحّالة الوحيد في العصور الوسطى الذي رأى بلاد كلّ حاكم مسلم من حكام عصره.
ابن بطوطة هو أبو عبد الله محمّد بن عبد الله بن إبراهيم الطنجي، ولد في 24 فبراير 1304 – 1377م /703 – 779ه بطنجة، هو رحّآلة ومؤرّخ وقاضي وفقيه مغربيّ لقّب بأمير الرحّالين المسلمين.
قرّر عام 1325م، وهو ابن 21 عاماً، أن يخرج حاجّاً. كما أمل من سفره أن يتعلم المزيد عن ممارسة الشريعة في أنحاء بلاد العرب.
في أوّل رحلة له مرّ ابن بطوطة في الجزائر وتونس ومصر وفلسطين وسوريا ومنها إلى مكة. وفيما يلي مقطع ممّا سجله عن هذه الرحلة:
“كان خروجي من طنجة مسقط رأسي... معتمداً حجّ بيت الله الحرام وزيارة قبر الرسول عليه الصلاة والسلام، منفرداً عن رفيق آنس بصحبته، وركب أكون في جملته، لباعث على النّفس شديد العزائم، وشوق إلى تلك المعاهد الشريفة... فجزمت نفسي على هجر الأحباب من الإناث والذكور، وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكور، وكان والداي بقيد الحياة فتحمّلت لبعدهما وصباً، ولقيت كما لقيا نصباً.”
في تلك الأيّام الخوالي، كان السفر عبر هذه المسافات الشاسعة والمغامرة بدخول أراض غريبة مجازفة. غير أنّ ابن بطوطة كانت لديه الجرأة، أو على الأقلّ العزم، بما يكفي للشروع في رحلته وحيداً على حمار. وفي الطريق، التحق بقافلة من التجّار، ربّما بدافع السلامة، وكانت القافلة تتكاثر مع الطريق بانضمام المزيد إليها. ومع وصولهم القاهرة كان تعداد القافلة قد بلغ عدّة آلاف من الرجال ولم يتوقف بعد عن الازدياد. ولابدّ أنّ ابن بطوطة قد أحسّ بإثارة بالغة لتقدّم رحلته. فقد كانت أوّل تجاربه المباشرة في تعلم المزيد عن أكثر ما يهواه، وهو دار الإسلام. فقد قابل علماء المسلمين واكتسب مزيداً من المعارف الدينية والشرعية.
قام ابن بطوطة بثلاث رحلات خلال حياته بدأت الرحلة الأولى من المغرب وبالتحديد من طنجة وباتجاه شمال إفريقيا حتى الإسكندرية ومنها إلى دمياط فالقاهرة، ثمّ تابع سفره في النّيل إلى أسوان فعيذاب على البحر الأحمر ومنها قام بالإبحار حتى وصل إلى جدّة، ثمّ عاد إلى القاهرة فدمشق عبر فلسطين، ثمّ سار إلى اللاذقية فحلب واتجه مع قافلة حجّاج إلي مكة المكرمة، توجّه بعد ذلك إلي العراق ثمّ فارس وحجّ للمرة الثانية ثمّ انطلق من مكة إلى اليمن فالبحرين ومنها إلى مكة ورجع إلى القاهرة.
بدأت رحلة ابن بطوطة الثانية باتجاه الشمال فزار الشام ودخل آسيا الصغرى وبلغ سينوب على البحر الأسود ثمّ عبرها إلى جزيرة القرم وزار جنوب روسيا قبل أن ينتقل لأرض البلغار ومنها عاد إلى فارس ودخل أرض الهند، وفي الهند أقام سنوات في خدمة السلطان، ثمّ زار كلاًّ من سيلان وإندونيسيا وكانتون في الصين، وعاد من سومطرة إلى ظفار بحرًا وانتقل برّاً إلى فلسطين، ثمّ رحل باتجاه بلاده عبر مصر فتونس وفي طريقه زار سردينيا بحرًا، وخلال زياراته لفاس عبر مضيق جبل طارق وزار الأندلس. وكانت الرحلة الثالثة إلى أعماق إفريقيا وحتى مالي ثمّ عاد إلى فارس بعد أن خاض الكثير من المشاقّ.
قام ابن بطوطة بوصفٍ مفصّل لكلّ ما صادفه في طريقه، وذكر جميع الأحداث التي مرّت به فذكر الطريق والبلاد والقصور وأبواب المدن ومعالمها والأشخاص الذين مرّوا عليه والأحداث التي حدثت بينهم سواء تشاجر مع أحد أو تقابل مع آخر فأكرمه، حتى فترات مرضه ذكرها أيضاً ولم يغفل نقطة مهما كانت بساطتها، فلم يترك ابن بطوطة بلداً مرّ فيه إلا وصفه وذكر أهله وحكامه وعلماءه وقضاته.
ممّا قاله في وصف البلاد:
يقول في وصفه لمدينة الإسكندرية: “ثم وصلنا في أوّل جمادى الأولى إلى مدينة الإسكندرية حرسها الله، وهي الثغر المحروس والقطر المأنوس، العجيبة الشأن الأصيلة البنيان، بها ما شئت من تحسين وتحصين، ومآثر دنيا ودين، كرمت مغانيها ولطفت معانيها وجمعت بين الضخامة والإحكام مبانيها”
ولقد بهرته أيضاً مدينة القاهرة ووصفها قائلاً:”أمّ المدن، سيّدة الأرياف العريضة والأراضي المثمرة، لا حدود لمبانيها الكثيرة، لا نظير لجمالها وبهائها، ملتقى الرائح والغادي، سوق الضعيف والقوي... تمتدّ كموج البحر بما فيها من خلق بالكاد تسعهم...”
كما سحرته دمشق وقال عنها: “تنوّع نفقات الأوقاف الدّينية في دمشق تتجاوز كلّ حساب، هناك أوقاف للعاجزين عن الحجّ إلى مكة، ومنها تدفع نفقات من يخرجون للحجّ نيابة عنهم، وهناك أوقاف أخرى توفر أثواب الزفاف للعرائس اللائي تعجز عوائلهنّ عن شرائها، وأوقافٌ أخرى لعتق رقاب السجناء، وهناك أوقاف لعابري السبيل تدفع من ريعها أثمان طعامهم وكسائهم ونفقات سفرهم لبلدانهم، كما أنّ هناك أوقافاً لتحسين ورصف الدروب، لأنّ كلّ الدروب في دمشق لها أرصفة على جانبيها يمشي عليها الراجلون، أمّا الراكبون فيمضون في وسط الدرب.”.
وممّا قاله فيما رأه في وصف الهند: “ولمّا انصرفت عن هذا الشيخ رأيت النّاس يهرعون من عسكرنا، ومعهم بعض أصحابنا فسألتهم ما الخبر فأخبروني أنّ كافراً من الهنود مات أجّجت النّار لإحراقه، وامرأته تحرق نفسها معه، ولما احترقا، جاء أصحابي وأخبروا أنّها عانقت الميّت حتى احترقت معه”.
وفي جزر المليبار قال: “ومن عجائبها أنّ سلطانتها امرأة وهي خديجة بنت السلطان جلال الدّين، وهم يكتبون الأوامر في سعف النّخيل بحديدة معوّجة تشبه السكين ولا يكتبون في الكاغد إلا المصاحف وكتب العلم ولمّا وصلت إليها نزلت بجزيرة كنلوس وكان غرضي أن أسافر منها إلى المعبر وسرنديب وبنجالة ثمّ إلى الصين”.
قبل عودته أخيرًا إلى فاس في المغرب عام 1353م خرج في رحلة صغيرة إلى إسبانيا ثمّ في سفرة جنوبية إلى الصحراء الكبرى.
وفي فاس، أعجب سلطان المغرب ابن عنان (1348- 1358م تقريباً) جدّاً بأوصاف البلاد التي قصّها عليه ابن بطوطة وأمره بأن يلزم فاس ويضع هذه القصص في كتاب. وفعلاً، بمساعدة كاتبٍ طموح هو ابن الجوزي الكلبي (1321- 1356م تقريباً)، ألف ابن بطوطة كتابه الشهير ” تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار” في أربعة أجزاء منفصلة. وربّما كان ابن الجوزي قد أضاف للكتاب قليلاً من العنصر القصصي بين الحين والآخر بهدف التشويق وسهولة التواصل مع القراء، لكن يعتقد عموماً أنّه التزم تماماً بما سرده ابن بطوطة عليه. غير أنّ الغريب هو أنّ هذا الكتاب لم يكتسب شعبية في الغرب إلا مؤخراً نسبياً، في القرن التاسع عشر، حينما ازداد التواصل مع أوروبا وقدّم الكتاب هناك ليترجم إلى الإنجليزية والفرنسية واللغات الأوروبية الأخرى. ويقدّر الباحثون الأوروبيون هذا الكتاب عالياً باعتباره وثيقة تاريخية مهمّة.
لقد قطع ابن بطوطة حوالي 75 ألف ميل تقريباً في أسفاره. وفي أواخر عمره أخذ يعمل في القضاء ويواصل نشر ما اكتسبه من حكمة خلال أسفاره. ورغم عدم توفر معلومات وافية عن السنوات الأخيرة من عمره، إلا أنّنا نعرف أنّه توفي عن عمر 65 عاماً. وبعد سنين طويلة من وفاته ظلّ ابن بطوطة صاحب أطول أسفار في العالم.
واليوم حصل ابن بطوطة على التقدير الذي يستحقه بجدارة في عالم الاستكشاف. فلتخليد إنجازاته الفريدة في الأسفار، أطلق علماء العصر اسم ابن بطوطة على إحدى الفوهات البركانية على سطح القمر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.