في الطريق إلى اليمن أو البحث عن عين الحياة قال الرسام في نفسه: الآن قد انتهى الأمر الذي جئت من أجله، ولا بد أن أعود وأخبر فيروز شاه بما جرى وكان.. وهيأ نفسه للرجوع من حيث أتى.. أما ما كان من أمر فيروز شاه فلما لم يطق الصبر والانتظار دعا أخاه فرخوزاد وقال له: في نيتي السفر فلا تطلع أحدا على الخبر .. فقال له: وأي مكان تقصد لأني لا أصبر على فراقك، ولا بد لي من مرافقتك أينما سرت .. فقال له فيروز شاه : لا أريد أن ينشغل بالك بسببي .. قال له أخوه : لا بد من مسيري معك.. قال : أريد أن اذهب إلى اليمن للبحث عن عين الحياة .. وحكى له ما جرى وصار من الأخبار.. فاتفق الاثنان على مبارحة المدينة واستعدا للسفر وادعيا الخروج أياما إلى الصيد كعادتهما .. وكانت اليمن بعيدة مسافة خمسة وأربعين يوما، فقطع فيروز شاه ورفيقه مسافة كبيرة عن المدينة وهما يسألان الغادي والصادي عن الطريق إلى أن وافقا قافلة تسير إلى اليمن، و هم تجار آخذون بضائع يبيعونها في تلك المدينة .. فمشيا بعيدا عنهم، فشغل ذلك بال رجال القافلة، فعقدوا مجلسا بينهم وسألوهما عن نفسهما فقال فيروز شاه: إنا مثلكم نقصد اليمن .. ولما سألوهما عن انفرادهما رغم وجود قطاع الطرق قال لهم: إنا لا نهابهم ولا نخافهم.. فازداد شك رجال القافلة واعتقدا أنهما ربما يكونان هما أيضا من قطاع الطريق، فدعا رئيس القافلة خادمه وأرسل إليهما طعاما فيه بنج، ففقد وعيهما وسقطا بلا حركة في الحال، فأتوا إليهما وأوثقوهما بالحبال ورجعوا بهما إلى القافلة .. ولما أفاقا سألاهم لم فعلوا بهما هذه الفعال، قال لهم رئيس القافلة: قد لاح لنا أنكما من رفاق اللصوص وقطاع الطرق لما رأيناكما تنفردان عن القافلة .. قال فيروز شاه: يعلم الله أنا لسنا منهم وإنما نقصد مثلكم بلاد اليمن ولا نعرف الطريق فرأينا أن نرافقكم حتى وصولكم... قال رئيس القافلة: لا باس عليكما إن كنتما كما تزعمان فسنطلق سراحكما عندما نسلم من غوائل هذه الطريق. وسارت القافلة حتى وصلت سهلا متسعا متشعب الطرقات كثير الحجارة فخرج عليهم قطاع الطرق وعددهم أربعون فارسا، يحملون السلاح وهجموا على رجال القافلة، ودار بينهم القتال مدة من النهار حتى كاد يفوز قطاع الطرق حيث قتلوا عشرة رجال من رجال القافلة، فصاح بهم فيروز شاه: ويلكم ادفعوا لنا سلاحنا وفكوا قيودنا وإلا هلكتم وهلكنا معكم .. فلما سمع الرجال كلامه وكانوا يئسوا من الخلاص، فكوا وثاقهما وأطلقوا سبيلهما في الحال، فتكلف فرخوزاد وحده بمهاجمة قطاع الطرق وردهم عن القافلة، وصاح فيهم صيحة صمت لها آذان الخيل ووقع الرعب في قلوب الجمع، فجعل يطعن في صدور الرجال ويمددهم على الرمال.. فأهلك منهم جانبا وفر الباقون، وهم يستعيدون من شره ومن الساعة التي جاءهم فيها ... حكاية الأسيرين وأما صاحب القافلة فإنه تقدم من فيروز شاه، و اعتذر له وشكر فضله فقال له: لا شيء عليك فأنت معذور في خوفك على قافلتك .. وانفرد هو وأخوه عن القافلة، أما أصحاب القافلة فكانوا مازالوا خائفين وغير مطمئنين إليهما خاصة لما رأوه من أفعالهما، فلما أظلم الليل وتأكدوا من نومهما، حملوا أحمالهم وساروا بعيدا ينهبون الطريق نهبا.. وفي الصباح عندما أفاق فيروز شاه وفرخو زاد لم يجدا للقافلة أثرا ... فركبا جوادهما وسارا على بركة الله ... حتى وصلا إلى قلعة مشيدة الأركان، فخرج لهما بقية قطاع الطرق يتزعمهما فارسان مدججان بالسلاح وكأنهما جبلان، ولما علما أنهما من واجهاهما أمس وأفلتا الغنائم منهما قررا الانتقام، فهجما عليهما فتلقوهما بقلب ثابت الجنان، و استطاعا أسرهما في الحال، و تفرق أنصارهما في البراري والقفار مما رأوا من هول القتال .. وبعد ذلك تكلم الأسيران بحكايتهما بعد أن طلبا العفو من فيروز شاه، وقال أحدهما: نحن لسنا قطاع طرق وقد وقع لنا من الحديث ما ألجأنا إلى هذا الفعل .. قال فيروز شاه وهو مندهش من أمرهما: وما اسمكما: قال أنا اسمي قادر شاه واسم أخي قاهر شاه، وأبونا كان يحكم على بلاد الكوفة، فلما توفى ترك ملكه لي ولأخي لكن عمي اغتصب منا الملك بالاحتيال، و استغل حب أخي لابنته الشمروخ واستولى على الحكم.. ثم نكث عهده لأخي ولم يزوجه من ابنته، بل طردنا إلى البراري والقفار فسكننا هذه القلعة، فصرنا نخرج وقد لحق بنا بعض أصحابنا للإغارة على القوافل والتجار لأخفف عن أخي مصابه في عدم زواجه ببنت عمه ، إلى أن كان لنا معك ما كان، فافعلا بنا ما شئتما واجعلانا من جملة العبيد... وهذا حديثنا والسلام.. قال فيروز شاه: إن قلبي قد تأثر من حديثكما ولابد أن أفرج همكما وأعينكما على استرجاع ما ضاع منكما لأنكما مظلومان ونفس الحر تأنف الظلم.. وحل وثاقهما وجاءوا جميعا إلى القلعة فوجدوها مقفلة فصاح فيهم قادر شاه ففتحوا الأبواب ودخلوا القلعة، ولما استراحوا و قدم لهم الطعام فأكلوا واكتفوا، كتب كتابا إلى عمهما الشيخ خالد أفاده أن يأتي طائعا وأن يسلم الحكم إلى ابن أخيه .. فلما وصل إلى الشيخ خالد الكتاب تكدر كدرا شديدا، وخرج بجيشه فالتقاه فيروز شاه وفعل به فعل المنجل بالحصاد.. وما أن أقبل المساء إلا وقد تضعضعت عساكر عمهما خالد شاه وانتشرت انتشار الغبار بفعل الرياح، وأسر فيروز شاه خالد وعاد به إلى الخيام، وخيره بين الموت أو الوفاء بوعده لابن أخيه فوافقه على ذلك، وقال له: أنا أشهدك أنني وفيت بعهدي وزوجت ابنتي إلى ابن أخي قاهر شاه وتكون أنت الحكم بيننا .. فتقدم إليه فيروز شاه وحل وثاقه، وقال له: سر إلى المدينة واهتم بحفل الزواج، لأننا نريده احتفالا بهيجا بالصلح بينكم .. فسار الشاه خالد وهو لا يصدق النجاة، وأعد كل شيء على ما يرام من الزينة والأعلام، وأصناف الشراب والطعام .. ونزل الجميع في قصر من قصور الشيخ خالد شاه الذي أعد لهم وليمة فاخرة تليق بهم، وبقي حفل الزفاف ثلاثة أيام متواليات والأفراح قائمة يحضرهما الخاص والعام ..