اندلعت، صباح أمس الخميس، بمدينة القنيطرة، مواجهات ومشادات بين سائقي سيارات الأجرة الكبيرة المضربين عن العمل وبين نظرائهم ممن واصلوا عملهم بطريقة طبيعية. وحسب مصادر تحدثت ل«المساء» فإن سائق طاكسي، ينتمي إلى نقابة الاتحاد المغربي للشغل التي لم تدع إلى الإضراب، كان يحمل ركابا، فتعرض للرشق بالحجارة عند مدخل المدينة من جهة طنجة، بعدما كان متوجها إلى منطقة سوق الأحد، مما أسفر عن تخريب الواجهة الزجاجية الأمامية لسيارته. وكشف الركاب أنهم فوجئوا ببعض المضربين يجبرون سائق الطاكسي الذي يقلهم على الوقوف، وحاولوا إخراجهم بالقوة، وسط الطريق، دون أدنى تقدير لخطورة تلك الأفعال، قبل أن تنشب مشادات كلامية عنيفة بين الأطراف المختلفة حول قرار الإضراب، وترشق سيارة الأجرة المذكورة بالحجارة، مما أدى، يضيف الركاب، إلى نشر حالة من الرعب والهلع في صفوفهم، خاصة أن مسنة مريضة، كانت ضمن هؤلاء الركاب، الشيء الذي دفع السائق (ع.التهامي) إلى الفرار إلى وجهة بعيدة، في انتظار حضور مسؤولين نقابيين، سجلوا محضرا في الموضوع بالدائرة الأمنية الثانية، وأجبر هذا الحادث العديد من سائقي سيارات الأجرة الكبيرة غير المضربين على تغيير طريقهم لتجنب أي خطر محتمل يهدد أمنهم وسلامتهم، مستعملين في ذلك طرقا ثانوية لإيصال زبنائهم إلى وجهاتهم المحددة. وكانت معاناة سكان ضواحي مدينة القنيطرة والدواوير المجاورة، خاصة الموظفين والعمال منهم، الذين وجدوا صعوبة بالغة في الالتحاق بمقرات عملهم، في الوقت الذي انتشرت فيه قوات الأمن ومعها أفراد القوات المساعدة وعناصر السلطة المحلية بأعداد كبيرة على طول المدخل الشمالي للمدينة، للحيلولة دون وقوع اشتباكات بين المضربين وغير المضربين. و في خضم الإضراب الذي يشنه مستخدمو قطاع النقل، الذي أضحى مثل لعبة شد الحبل بين المركزيات النقابية والحكومة، ممثلة بالخصوص في وزير النقل غلاب من جهة، وبين السائقين المضربين والسلطات الأمنية من جهة أخرى، علمت «المساء» من مصادر أمنية أن عددا من أرباب سيارات الأجرة والشاحنات تحولوا إلى أشخاص خارجين عن القانون بفعل تصرفاتهم اللامسؤولة. وحسب نفس المصادر فإن عددا من رجال الأمن ضمتهم ضباط أمن وعمداء شرطة أصيبوا أثناء تدخلهم لإيقاف أشخاص ألحقوا خسائر ببعض سيارات الأجرة وكذا بعض سيارات نقل البضائع التي استغل أصحابها فترة الإضراب للعمل على نقل بعض المواطنين إلى مقرات عملهم. وفي هذا الإطار، أشارت مصادر متطابقة إلى أن أوامر عليا صدرت لرئيس منطقة أنفا أول أمس الأربعاء للخروج إلى الطريق السيار، مستعينا بقوات أمنية وقوات التدخل السريع، لمنع العشرات من سائقي سيارات الأجرة الذين استوقفوا سياراتهم بالطريق السيار في محاولة لخنق حركة السير بهذا المحور الرئيسي للعاصمة الاقتصادية. وحسب نفس المصادر، فإن المسؤول الأمني خاطب السائقين المضربين بلهجة صارمة مهددا إياهم باستعمال القوة وجر كل سيارة إلى لمحجز البلدي قبل أن يغادر جميع السائقين الطريق السيار في محاولة لتجنب الدخول في مواجهة مع السلطات الأمنية. ومن المنتظر أن يرخي إضراب مهنيي النقل، الذي شل إلى حد كبير حركة النقل بالعديد من المدن والمناطق، بظلاله على اجتماع مجلس الحكومة الذي انعقد صباح أمس، وعلى الدورة الربيعية للبرلمان التي ستنطلق اليوم الجمعة، وعلى لجنة المالية بمجلس المستشارين التي من المفترض أن تكون قد واصلت بعد زوال أمس مناقشة مشروع مدونة السير الجديدة المثيرة للجدل. وأوضح عبد المالك أفرياط، عضو الفريق الفيدرالي للوحدة والديمقراطية بمجلس المستشارين، في اتصال مع «المساء»، أن الإضراب الذي يدخل يومه الخامس دون أن تتراءى بعد في الأفق إمكانية حله، سيكون حاضرا بقوة خلال اجتماع لجنة المالية التي كانت قد ناقشت مشروع المدونة منذ أسابيع، إذ تمكنت اللجنة من تدارس 170 مادة، فيما لازالت 138 مادة لم يتم بعد النظر فيها. وقال أفرياط: «قبل أن نطرح المواد المتبقية للنقاش، سنطرح في البداية نقاشا عميقا حول الوضعية الحالية جراء الإضراب، خاصة أن المغرب تكبد خسارة مالية كبيرة وأن الإضراب أدى إلى ارتفاع الأسعار. وخلافا لما أعلنه بلاغ وزارة التجهيز والنقل، فإن الإضراب كان ناجحا وقطاع النقل شهد شللا شبه تام». وأضاف أن الفريق الفيدرالي سيطرح فكرة إعادة فتح نقاش جديد مع مهنيي النقل «مع العلم أن المدونة تهم المغاربة جميعهم»، غير أن أفرياط بدا متحفظا وتفادى الحديث عن سحب المدونة في انتظار إنضاج شروط التوافق بين الحكومة، ممثلة في وزارة التجهيز والنقل والمهنيين، حول نص يحظى بالإجماع. وقال وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة خالد الناصري، إن مجلس الحكومة تطرق صباح أمس لموضوع الإضراب الذي يخوضه المهنيون منذ أيام. وأضاف أن وزير التجهيز والنقل كريم غلاب قدم عرضا تحدث فيه عن الإضراب الذي كانت وراءه، حسب الوزير، «قلة قليلة» لا تمثل مختلف النقابات التي اتفقت أغلبيتها مع الحكومة على التعديلات التي أدخلت على مشروع مدونة السير الجديدة. وأضاف الناطق الرسمي باسم الحكومة أن وزير الداخلية تطرق هو الآخر إلى الجانب الأمني المتعلق بالإضراب، وقال إن السلطات عملت وتعمل على الحفاظ على السير العادي للمرافق العمومية مع تسجيل «بعض الخلل في قطاع النقل». ومن جهة أخرى، انتقد ميلود مدويورت، الكاتب العام لنقابة أرباب الشاحنات للبضائع وأرباب الرافعات بالموانئ المغربية، تعامل الإعلام المرئي مع الإضراب، وقال، في اتصال مع «المساء»، إن «هناك حصارا إعلاميا تفرضه الحكومة على النقابات المضربة». وأضاف أنه في حالة ما صودق على المدونة في صيغتها الحالية، فإنها ستطبق على الضعفاء والفقراء وقال: «قوموا بالتحقيق في الغرامات التي تفرض على المخالفين، فستجدون أن الضعفاء وحدهم الذين يؤدون الغرامة».